صراع الحق والباطل
جدول المحتويات
سنّة الله
الله سبحانه وتعالى خلق الكون وجعل فيه سنن، فهذا الكون يسير وفقاً للسنن الإلهية وهذه السنن ثابتة وغير قابلة للتغيير، يقول تعالى: <سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا>[1]، ومن هذه السنن سنّة الابتلاء.
الابتلاء
الابتلاء سنّة إلهية فلسفتها تمحيص المؤمنين وتميّز الخبيث من الطيّب بين البشر، ولأولياء الله الصالحين رفعٌ للدرجات ومقامٌ عند الله وهذه السنّة قائمة منذ خلق الله آدم، فكل الأمم والأزمنة مبتلون بل كل البشر فرداً فرداً في كل زمانٍ ومكانٍ يتعرضون للبلاء، القرآن مليء بالإشارة إلى الأمم السابقة والابتلاءات التي مرت بها، فيقول المفسّرون أن ثلث القرآن يتكلم عن التاريخ وقد لجأ القرآن لهذا الأسلوب ليتعظ ويعتبر المؤمنين وسائر الناس في سيرة الأمم السابقة حتى لا يتعرضون لنفس المصير فضلاً عن أن ذلك إتمامٌ للحجة من الله تعالى على البشر، فنحن عندما ننظر إلى البشر من حولنا نجد بأن الجميع وبدءاً من أنفسنا بأننا مبتلون، فمن المستحيل بأن نجد فرداً واحداً غير مبتلى لأنها خلافاً للسنة الإلهية ولكن الابتلاء ليس مختصٌ بالشدة والضيق بل أن هناك مبتلون بالرخاء وسعة العيش، يقول تعالى: <إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا>[2]، فهذا النوع من البلاء أخطر لأن الإنسان عندما يمر بالشدة والضيق عادةً ما ينتبه لنفسه ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فعندما يبتلى بالرخاء والسعة يعتبر ذلك من نعم الله عليه أو استحقاقاً منه لذلك وهؤلاء هم الطواغيت والمنحرفون والفاسدون الذين مآلهم إلى جهنم وبئس المصير وهذا هو مكر الله، يقول تعالى: <فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ>[3].
ابتلاءات الإنسان
الإنسان قد يُبتلى في بدنه بالمرض والضعف فيشتكي، وبالصحة والعافية فيتظاهر بذلك وينسى الله، والمؤمن الذي يشكر الله في الحالتين، وقد يبتلى بالمال القليل والفقر والضيق أو الغنى والسعة فيتفاخر وينسى الله، يقول تعالى: <كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ 6 أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ>[4]، وتارةً يبتلى بأهله وذلك من خلال إصابة أحد من أهله بمرض مزمن أو خطير أو يختار الله تعالى أمانته من بين أحبته العزيزين على قلبه من بين أهله فيتوفى أحدهم، أو بالنزاعات الدنيوية مع أهله وقطع الرحم بسبب الصراع على الإرث أو لأسباب أخرى، وأصحاب الابتلاء بهذا الخصوص هم أصحاب عبدة المال أو من الفاسدين المنحرفين أو يكون من الذين يعينون الطغاة، أما أخطر أنواع الابتلاء هو ابتلاء الإنسان في دينه وهذا الابتلاء حتمي الوقوع، فتارةً يبتلى في دينه على المستوى الفردي وتارةً في معتقداته وعباداته وإمتثاله لأوامر الله ونواهيه، وتارةً على المستوى الاجتماعي في إتباع القائد الإلهي ونصرته وعدم خذلانه.
الباب المبتلى به الناس
نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: «اَنْتُمُ الْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ، مَنْ أَتاكُمْ نَجا، وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ»[5] فعليٌّ والأئمة المعصومين من بعده (عليهم السلام) هم محل الابتلاءات للمجتمعات الإسلامية بعد رحيل النبي الأكرم (ص) إلى ظهور الإمام الحجة (عج).
من تمسك بهم نجا ومن تركهم هلك، لذلك علينا أن نكرر هذا الدعاء في زمن الغيبة: «اَللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ فَاِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِف نَبِيَّكَ اَللّهُمَّ عَرِّفْني رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ اَللّهُمَّ عَرِّفْني حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ ديني»[6]، فمعرفة الإمام ضروري في صراع الحق والباطل، وعليٌّ وآله (عليهم السلام) هم أئمة الحق.
صراع الحق والباطل
من الابتلاءات في دين الناس على المستوى المجتمعي هو صراع الحق والباطل وهذا الصراع موجودٌ في كل زمان ومكان منذ خلق آدم إلى ظهور الإمام الحجة أرواحنا فداه، فالصراع نفسه يتكرر دائماً ولكن ظروفه الموضوعية تتغير كما سنشير لبعض نماذجها بعد قليل، لذلك قال أمير المؤمنين (ع): «أعرف الحق تعرف أهله»[7].
بعض مصاديق الصراع
كما أشرنا سابقاً بأن هذا الصراع مستمرٌ إلى ظهور الحجة (عج) وقد بدأ منذ النبي آدم (ع) وكان أول صراع هو صراع قابيل مع هابيل، فكان الأول يمثّل الباطل والثاني يمثّل الحق، ودائماً في هذا الصراع هناك طرفٌ يفتقد للقيم الإنسانية والدينية وقد استحوذ عليه الشيطان وهم أهل الباطل، والطرف الآخر يمثل القيم الإنسانية والسماوية وقد امتلأ وجودهم بالتقوى وهم أهل الحق، إضافةً إلى ذلك بأن أهل الباطل يعملون في هذا الصراع من أجل الدنيا ويتبعون الشيطان، وأهل الحق يعملون من أجل الآخرة ورضا الله سبحانه وتعالى.
وفي زمانٍ آخر تمثّل هذا الصراع في أب الأنبياء النبي إبراهيم (ع) محطم الأصنام ونمرود مصداق الطغيان والكفر، وفي زمنٍ لاحق تمثّل هذا الصراع في مواجهة النبي موسى (ع) مع فرعون الذي كان يمثل رمز التجبر والتكبر في قبال النبي موسى (ع) رمز العدالة والحق، وقد تميّزت مواجهة النبي موسى (ع) بالشمولية إذ واجه جميع أئمة الضلال في مواقعهم المختلفة، وقد واجه السلطة السياسية المتمثلة في فرعون، وواجه السلطة الدينية – المقصود هو استغلال الدين – المتمثلة في بلعم بن باعورا، والسلطة المالية المتمثلة في قارون، هذه الأصناف الثلاثة دائماً ما تقف في وجه الدعوات السماوية لأنها تعارض مصالحهم المادية الدنيوية واستمر هذا الصراع في الأزمنة المختلفة بين حزب الله وحزب الشيطان وامتد إلى مواجهة خاتم الأنبياء محمد (ص) مع قريش، ومن بعده وصيّه إمام المتقين الإمام علي (ع) في مواجهته مع الناكثين والقاسطين والمارقين – أي فرعون وبلعم بن باعورا وقارون – زمان الإمام علي (ع) فواجههم مواجهةً شاملة كمواجهة النبي موسى (ع)، ومن ثم الإمام الحسن (ع) مع معاوية إلى أن بلغ ذروته في كربلاء.
ذروة صراع الحق والباطل
في كربلاء بلغ صراع الحق والباطل ذروته، إذ تواجه الحق كلّه مع الباطل كلّه، هناك وقف الحسين (ع) مواصلاً خط المرسلين والأنبياء (عليهم السلام)، لذلك نقول في زيارته (ع): «السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ»[8] في قبال ورثة الشيطان والطواغيت وهم يزيد بن معاوية وأعوانه، هذا الصراع بلغ ذروته هناك لأنه من بعد هذه المواجهة التي هي بمثابة نقطة تحوّل، سيكون هناك منعطف جديد في عمر هذا الصراع.
بلغ ذروته لأن كربلاء حملت معها إرث هذا الصراع منذ النبي آدم (ع) وسترسم ملامح جديدة إلى هذا الصراع وتعطي نهجاً وخطاً للذين سيواصلون على هذا المسير.
بلغ ذروته لأن كربلاء جاءت بمعادلة جديدة لإعادة النصر دائماً حليفاً لأصحاب الحق وهي معادلة «انتصار الدم على السيف»، وإن كان في الظاهر بأن أصحاب الباطل يحققون النصر مادياً إلا أن دماء الشهداء تلاحقهم وتسلب النوم من أعينهم ولا يبتهجون بنصرهم المادي إلى أن يهلكوا ببركة هذه الدماء، بل تبقى دماء الشهداء تلاحقهم إلى أن يذهبوا من هذه الدنيا الدنية، فعليهم اللعنة في الدنيا والآخرة.
بلغ ذروته لأن كربلاء قد أعلنت عن بدأ العد التنازلي لهلاك جميع الطواغيت وزوال دولة الباطل وقيام دولة الحق بقيادة بقية الله الأعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
وبما أن الصراع لم ينتهِ بعد وإنما قد بدأ عدّه التنازلي وسيستمر هذا الصراع لأنه كما أشرنا بأنه صراعٌ حتمي وفي كل زمانٍ ومكان إلى أن يظهر الحجة (عج) في آخر الزمان، فالحال لم تنتهي بعد لذلك أعلن الحسين صرختهُ المدوية للتاريخ معلناً استمرار الصراع.
هل من ناصرٍ ينصرني؟
متى أطلق الحسين (ع) هذه الصرخة وهذا النداء؟ ما هي الظروف التي أدت إلى أن الحسين (ع) يطلق هذه الصرخة في الساحة؟
الحسين (ع) وبعدما استشهد أهل بيته وأنصاره وحتى الطفل الرضيع (ع) وقد امتلأ جسمه بالجراح، وقف وحيداً فريداً وهو يتكأ على سيفه وأطلق نداءه: «هل من ناصرٍ ينصرني؟»، إذاً النداء لم يكن موجّهاً لأهل بيته وأنصاره (عليهم السلام)، فهل وجّه النداء إلى القوم؟ بينما كان الحسين (ع) يخطب في القوم أمرهم عمر بن سعد بالتصفيق والتصفير حتى لا يسمعون كلام الإمام الحسين (ع)، وهم فعلوا ذلك بل رموه (ع) بالحجارة، فقال لهم الإمام ردّاً على فعلهم هذا: «لقد ملأت بطونكم من الحرام»[9]. أي بأن قلوبهم ليست لديها قابلية الهداية بسبب الأكل الحرام، هذا النداء وحديث الإمام (ع) يبيّن لنا بأن على المؤمن الحسيني أن يكون حريصاً على اللقمة الحلال والابتعاد عن الشبهات فضلاٌ عن الحرام، وأن يكون دقيقاً في اختيار أكله وشرابه خصوصاً في زماننا هذا الذي اختلط فيه الحرام بالحلال لأن في ذلك تأثيرٌ مباشرٌ على روح الإنسان وقلبه، وعندما تجد نفسك كسولاً أمام العادات والعبادات وتستثقلها وعينك محرومةٌ من البكاء على خشية الله ومصيبة أهل البيت (عليهم السلام) فراجع طهارة طعامك وشرابك، فإن الأكل الحرام والنجس يترك تأثيره على معنويات الإنسان حتى لو لم يكن يعلم بحرمته ونجاسته، صحيح بأن الإنسان الذي لم يكن يعلم بأن هذا الأكل والشراب حلالٌ أم حرام سوف لم يحاسب عليه ولكن من الناحية الأخلاقية يترك تأثيره السلبي على روح الإنسان .. «اللهم طهّر بطوننا من الحرام والشبهة».
إذاً الحسين حسم موقف القوم، فالنداء منطقياً لم يكن موجّهاً إلى أهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) وأيضاً لم يكن موجّهاً إلى القوم، فالأصحاب وأهل البيت (عليهم السلام) قد رحلوا من الدنيا والقوم ليست لديهم قابلية الهداية، فلمن وجه الإمام الحسين (ع) نصرته وصرخته: هل من ناصرٍ ينصرني؟
الحسين (ع) أطلق صرخته للتاريخ وللأجيال المتعاقبة معلناً عن استمرار صراع الحق والباطل وأن في كل زمانٍ هناك حسينٌ (ع) ويزيد، فمن نصر الحق قد نصر الحسين (ع) واستجاب لنداءه، ومن خذل الحق فقد خذل الحسين ولم يستجب لنداءه، فلا داعي للقول «يا ليتنا كنا معكم» وهو لا يتعدى لقلقة اللسان، فأنت بإمكانك أن تكون مع الحسين (ع) حتى في زماننا هذا ولا لزوم لحضورك الجسدي في كربلاء، انظر إلى موقعك من الإعراب في صراع الحق والباطل، فإن كنت مع الحق قلباً وقالباً فأنت مع الحسين (ع) والفوز العظيم من نصيبك، ولا فارق في أن تتواجد في زمن الحسين (ع) أو في زماننا هذا، فالإنسان هو نفسه لا يتغيّر، فمن ينصر الحق في هذا الزمان فقد كان ينصر الحسين (ع) في ذلك الزمان، ومن يخذل الحق في هذا الزمان فقد كان يخذل الحسين (ع) في ذلك الزمان، لذلك فإن الكثير ممن يبكون على الحسين (ع) ويقولون كذباً «يا ليتنا كننا معكم» هم محظوظون بأنهم لم يكونوا في ذلك الزمان فيلحقهم عار خذلان الحسين (ع)، فإن مواقفهم في هذا الزمان تكشف عن موقعهم من الإعراب لو تواجدوا في زمان الحسين (ع)، فالحسين ليس بكاءاً أو عويلاً أو سفرة طعامٍ للبركة بل الحسين (ع) ثورة وتضحية وجهاد وصرخة في وجه الباطل والطواغيت.
بعض المواقف التي تكشف حقيقتنا، هل نحن مع الحسين (ع) وجادون في نصرته؟ أم نحن إلى خذلانه أقرب إن كنا نبكيه ونلطم على مصابه؟
الجهاد ضد الطواغيت
في كل زمانٍ هناك طاغوت كيزيد وفي زماننا هذا يزيد يتمثل في أصل الاستكبار العالمي وهو الشيطان الأكبر أمريكا وعبيدالله بن زياد يتمثل في الكيان الصهيوني الغاصب، وعمر بن سعد ويزيد وشمر ومن على شاكلته فإنهم يحكموننا وهم على رأس السلطة في بلداننا.
وانظر إلى مواقفك اتجاه هؤلاء الطواغيت فهل أنت مع فسادهم وظلمهم أم تعمل على مواجهة الفساد والظلم وإزالة هؤلاء الطواغيت وتهيء الأرضية لظهور صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
فإن كنت كذلك فأنت صادقٌ في قولك: «سلمٌ لمن سالمكمٌ وحربٌ لمن حاربكم».
نصرة المظلومين والمستضعفين
الحسين (ع) إمام المظلومين والمستضعفين فمن يكون الحسين إمامه فعليه أن يكون مع المظلومين والمستضعفين ويعيش آلامهم ومعاناتهم ويعمل على رفع هذه الآلام والمعاناة وينزع الظلم عنهم ويكون في خدمتهم بالمال والنفس وكل ما يملك، بل عليه أن يكون أحدهم وبمعيّتهم يحارب الظلم ويسعى للقضاء عليه، فإن القضاء على الظلم والفساد يعجّل من ظهور صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه ويحقق الوعد الإلهي: <وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ>[10]، وبالتالي ساهم في تحقيق هدف الحسين (ع) في ثورته.
إيواء المطلوبين
التاريخ ليس فيه ذكرٌ لأولئك الذين أغلقوا أبواب بيوتهم في وجه مسلم (ع) ولكنه خلّد امرأة اسمها «طوعة» لأنها آوت سفير الحسين (ع)، فهل من متّعظ؟
المطلوبون في هذا البلد عانوا ويعانون من الآلام وتمكّن منهم الظالم لأن الناس قد تخلوا عنهم وقدموهم إلى السلطة، فهم قد وجدوا في البلد أناس يبكون على غربة مسلم بن عقيل (ع) ولكن لا يرحمون غربتهم، بل وجدوا بأن أغلبية أولئك الذين يبكون بحرقة على مصاب مسلم (ع) قد أغلقوا أبواب بيوتهم في وجه المطلوبين كأصحاب الكوفة الذين تخلوا عن مسلم بن عقيل سفير الحسين (ع).
مسلم بن عقيل (ع) لا يريد منّا أن نبكي على مصابه وغربته، ولكنه يريد أن لا يتكرر أكثر من مسلم (ع) في كل زمان بسبب خذلان الأمة، فإنك إما أن تسجل موقفاً لله وللتاريخ وتخلّد كـ«طوعة» وإنما تنضم إلى أهل الكوفة وتخذل مسلم (ع) وتلاحقك لعنة الله والتاريخ.
أجهاد الحق والمجاهدين في كل زمانٍ هم سفراء الحسين (ع)، فلا فرق بين الذين يسدّون أبوابهم في أوجه المطلوبين في زماننا هذا وبين أهل الكوفة الذين سدّوا أبوابهم في وجه مسلم بن عقيل (ع).
هو التاريخ يعيد نفسه وصرخة الحسين (ع) باقية «هل من ناصرٍ ينصرني».
الخلاصة: من استجاب لنداء الحسين (ع) ونصر الحق وجاهد ضد الباطل وكان حاضراً في صراع الحق والباطل في المكان والزمان المناسبيْن نصرةً للحق فهو سيكون من أنصار الحجة (عج) ويستجيب لنداءه عند ظهوره أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
وإن لم يستجيب لنداء الحسين (ع) ولا يسجل حضوراً في صراع الحق والباطل فسيخذل الحجة ولن يكون من أنصاره (عج).
فالحجة القائم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء امتداد لجده الحسين (ع) وأنصارهما يحملان نفس الصفات المشتركة ومواقفهم هي نفسها «نصرة الحق في كل زمانٍ ومكانٍ»، وقولهم هو «لبيك» استجابةً لصرخة الحسين (ع) والأئمة من بعده (عليهم السلام) إلى الحجة القائم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء والنصر والفوز هو حليفهم في هذا الصراع الحتمي وهم الصادقون في قولهم «يا ليتنا كنا معكم ونفوز فوزاً عظيماً».
سنّة إلهية
من السنن الإلهية الحتمية هي أن تكون العاقبة للمتقين وأن ينتصر الحق على الباطل، وبالعودة إلى المصاديق التي ذكرناها في صراع الحق والباطل في كل زمان نجد بأن النصر كان حليف إبراهيم وموسى ومحمد (ص) والهلاك والهزيمة والخسران من نصيب نمرود وفرعون وقريش، وكذلك الحق سوف يكون منتصراً في كل صراعات الحق والباطل على مرّ التاريخ، ومن أجل ذلك يذكر الله سبحانه وتعالى قصص الأنبياء السابقين في صراع الحق والباطل في القرآن الكريم ليكون ذلك تسليةً لقلوب المؤمنين وتثبيتاً لأقدامهم في هذا الصراع.
فالله سبحانه وتعالى يقول لنا صحيح بأن الابتلاء سنة إلهية وصراع الحق والباطل بما فيه فإنه جزءٌ من صراع هذه السنّة، فيتمكن أهل الباطل في بعض المراحل وفي مرحلةٍ ما من أهل الحق وتكون الغلبة لهم وذلك لتمحيص المسلمين وتأهيلهم لاستخلافهم في الأرض، فالمؤمنون في جميع هذه الصراعات يتعرضون للسجن والتعذيب والظلم والقتل والتشريد ويمرّون بأوقات عصيبة وصعبة جداً إلا أن النصر في نهاية المطاف والصراع من نصيب أهل الحق وذلك في دولة الحجة أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وهذا وعدٌ إلهي ولن يخلف الله وعده وهو القائل: <إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ>[11] و<وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ>[12] و<وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ>[13].
ونحن لسنا استثناء من هذه القاعدة، فمصيرنا ليس هو البقاء في السجن إلى الأبد وقدرنا ليس هو حكم الطغاة والظالمين للأبد ولكن هذه مرحلة طبيعية في صراع الحق والباطل نمرّ بها ليمحّصنا الله، وفي اليوم الذي نأخذ بعوامل القوة ونهيأ أسباب النصر سننتصر وسينصرنا الله قطعاً، وهذا النصر آتٍ لا محالة، ونصر الله ودينه هو أن لا يكون خروجنا وثورتنا من أجل مطالب مادية دنيوية كالسكن والعمل والدستور أو حرصاً على الانتقام ممن ظلمنا بل من أجل الله وتهيئة الأرضية لإزالة الطواغيت والفساد لظهور مولانا بقية الله الأعظم (عج) وهذا هو الهدف المقدس الذي يستحق الإنسان أن يضحي بنفسه وماله وأهله وكل ما يملك.
قصة: رسالة السيد القائد الخامنئي إلى السيد حسن نصرالله
يقول السيد حسن نصرالله حفظه الله في أحد لقاءاته مع السيد القائد الخامئني دام ظله: استغربت من بساطته في الحديث معي، إذ قال لي متسائلاً: هل الله يمزح مع أحد؟ فقلت له: لا، فقال: الله سبحانه وتعالى يقول: <إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ>[14] وهذا وعدٌ إلهي وليست مزحة.
تعليق واحد