مواضيع

أنواع الحكومات

تنقسم الحكومات من حيث خضوعها إلى القانون إلى نوعين:

النوع الأول – الحكومات القانونية

هي الحكومات التي تخضع فيها تصرفات الحكام وأعمالهم إلى قواعد قانونية عامة سابقة على الحوادث التي تطبق عليها، وبذلك تكون السيادة أو الكلمة العليا في الدولة للقانون وليست لإرادة الحكام وتقديراتهم الخاصة، فالقانون يسمو فوق تقديرات الحكام وإرادتهم، مما يؤدي إلى حفظ حقوق كافة الأفراد والجماعات والهيئات والتنظيمات في داخل الدولة وصيانتها وفقاً للقانون، ولأن الدستور يمصل قمة القواعد القانونية التي تخضع لها كافة السلطات في الدولة، فتسمى هذه الحكومات (أحياناً) بالحكومات الدستورية، وقد ظهرت الحكومات القانونية أو الدستورية بعدما تبلور في الفكر السياسي الحديث مبدأ الفصل بين السلطة والقائمين عليها كما سبق توضيحه بالتفصيل في القسم الأول من البحث.

ويشترط لقيام حكومة القانون: وجود دستور يحدد نظام الدولة، ويبين حدود صلاحيات السلطات الثلاث ويمنع تداخلها، ويفرض الرقابة القضائية على كافة أنشطتها.

النوع الثاني – الحكومات المستبدة

هي الحكومات السلطوية التي لا تخضع فيها تصرفات الحكام وأعمالهم إلى قواعد قانونية سابقة على وقوع الحوادث، وإنما تصدر وفق تقديراتهم الخاصة بحيث تكون لإرادتهم الكلمة العليا في تصريف شؤون الدولة.

وتنقسم الحكومة من حيث عدد القائمين عليها إلى أربعة أنواع:

النوع الأول: الحكومات الفردية.

النوع الثاني: الحكومات الأقلية.

النوع الثالث: الحكومات الديمقراطية.

النوع الرابع: الحكومة الإسلامية.

الجدير بالذكر: إن شخصية الدولة القانونية لا تتأثر بنوع الحكومة التي تقوم فيها، ما دامت الحكومة تبسط سيطرتها الشاملة على إقليمها وتقوم بالوادبات والالتزامات المفروضة عليها.

النوع الأول: الحكومات الفردية

يقوم الحكم الفردي على قاعدة أساسية: وهي وضع جميع السلطات تحت تصرف شخص واحد يمارسها بصورة تعسفية بحسب مشيئته وإرادته بوصفها حقاً شخصياً له دون أن يستمد سلطته من مصدر آخر للسلطة، ويكون وصوله للحكم (غالباً) بوسائل غير دستورية، أما عن طريق الوراثة فيسمى أميراً أو سلطاناً أو قيصراً أو ملكاً أو إمبراطوراً، وأما عن طريق القوة (وغالباً ما يكون مصحوباً بالعنف) فيسمى دكتاتوراً يمارس العنف والإرهاب ضد معارضيه بدون رحمة، وتكون ذاته مصانة لا تمس، ولا يكون مسؤولاً أمام أحد، ويتصرف في شؤون الدولة بصورة مطلقة بلا حسيب أو رقيب، ويكون مصدراً لكل القرارات والقوانين، وعلى الجميع إطاعته، وربما تبلغ لديه شهوة السلطة الدرجة التي يعلن فيها نفسه «ظل الله تعالى في الأرض» وربما جعل نفسه في مصاف الذات الإلهية تحت شعار «الله الملك الوطن».

ولا قيمة فعلية لرأي الشعب في ظل هذا النوع من الحكومات المستبدة: جمهورية كانت أو ملكية.

والخلاصة: إن الحكم الفردي سمة المجتمعات المختلفة والبدائية.

الحكومات الفردية والمجالس النيابية: إن بعض الحكومات المستبدة تلجأ إلى إجراء انتخابات وتشكيل مجالس نيابية واستفتاءات شعبية صورية، من أجل التظاهر بالديمقراطية وإضفاء الطابع الشعبي على نظام الحكم، وكل ذلك التظاهر لا قيمة له، ما دام الشعب مغلوباً على أمره، وتدار سؤونه رغم أنفه، حيث تكون الهيئة النيابية كالهيئة التنفيذية تابعة للحاكم والقضاء غير مستقل.

ولا شك فإن هذا النمط من الحكم مرفوض بحكم العقل والدين الصحيح وقد ندد به القرآن الكريم.

قال الله تعالى: <وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ>[1].

وقال الله تعالى: <تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ>[2]

وقال الله تعالى على لسان بلقيس: <قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ>[3].

يقول السيد قطب في تفسير الآية: «فهي تعرفأن طبيعة الملوك أنهم إذا دخلوا قرية أشاعوا فيها الفساد وأباحوا ذمارها، وانتهكوا حرماتها، وحطموا القوة المدافعة عنها، وعلى رأسها رؤساؤها، وجعلوهم أذلة، لأنهم عنصر المقاومة، وأن هذا دأبهم الذي يفعلون»[4].

ويقول آية الله العظمى السيد علي الخامنئي: «الملكية أساساً أمر مستهجن، ولا يمكن لملك أن يكون صالحاً، فالملكية تعني التملك والمالكية، ومن يطلق على ذاته سمة الملك – أي الشاه – يتعامل مع شعبه ومع رعيته من منطلق ملكيته لهم، والإسلام يرفض الملوكية أساساً، وسبق لي أن أشرت إلى أن الخلافة والولاية هي النقطة المقابلة للملكية»[5].

ويقول العلامة الطباطبائي: «إن هذه الطريقة (يعني نظام الحكم الإسلامي) غير طريقة الملوكية التي تجعل مال الله فيئاً لصاحب العرش، وعباد الله أرقاء له، يفعل بهم ما يشاء، ويحكم فيها م ما يريد»[6].

وبعد تجدر الإشارة إلى الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: يميّز بعض فقهاء القانون بين الملكية المطلقة والملكية الاستبدادية، حيث يخضع الملك المطلق لقانون العرش وشروطه وللقانون الذي يضعه بنفسه، بينما لا يخضع الملك المستبد لمثل ذلك ويمارس السلطة بصورة تعسفية.

الملاحظة الثانية: تنقسم الدكتاتوريات إلى قسمين:

القسم الأول – الدكتاتوريات المذهبية: هي الدكتاتوريات التي تستند إلى ايديولوجية تفرض على أبناء الشعب قسراً مثل النازين والفاشية.

القسم الثاني – الدكتاتوريات التجريبية: هي الدكتاتوريات التي لا تستند إلى ايديولوجية معينة، وإنما تعتمد على الخبرة الشخصية والممارسات الآنية مثل الدكتاتوريات التي يقيمها العسكريون بعد نجاح انقلاباتهم العسكرية، فيستلم الحكم مجموعة منهم، ثم ينتهي الأمر باستئثار واحد منهم بالسلطة.

الملاحظة الثالثة: لا تعترف الحكومات الفردية بتعدد الآراء، ولا تتيح لأبناء الشعب وقواه السياسية حق المشاركة الفعلية في الحكم وصناعة القرارات التي تبني واقع المجتمع والدولة وتحدد مصيرهما، وغالباً ما تكون قرارات الحكومات الفردية حدية وتفسيراتها للأحداث والقضايا متطرفة لا تعرف الاعتدال والإنصاف، وليست الأحزاب السياسية – إن وجدت – إلا وسيلة لتلميع صورة الحكم، والانتماء إليها وسيلة إلى التقرب من السلطة والاستغلال وكسب النفوذ والإثراء غير المشروع.

الملاحظة الرابعة: تتسم الحكومات الفردية بعم ثقتها بأبناء الشعب والتشكيك فينواياهم وأفعالهم، وتعتمد في وجودها وبقائها على استعمال أساليب القهر والبطش والتنكيل إزاءهم بغية إخضاعهم لمشيئتها على قاعدة: الوجود المفترض للخلاف أو الخطر الخارجي، وفي ظل الحكومات الفردية تصادر الحقوق، وتخنق الحريات، وليس في وسعها – قطعاً – المحافظة على الأمن والاستقرار وتحقيق التقدم والرخاء والازدهار لأبناء الشعب وصيانة الاستقلال الوطني، وتعيش الدولة في ظلها – بصورة دائمة – على أرضية ثورة أو انقلاب مترقبين.

وغالباً ما تؤدي الدكتاتوريات إلى كارثة وطنية تطيح بإنجازات الشعب التي بناها في زمن طويل.

النوع الثاني: حكومات الأقلية

هي حكومات تعتمد على أقلية متميزة في إدارة السلطة، سواء كان التميز قائماً على أساس العلم أو المال أو غيرهما بدعوى أنها الأصلح من غيرها للحكم والسيادة.

المثال الأول – الأوليجارشية: تمثل حكومة الأقلية من الأثرياء التي تعمل في الحكم من أجل خدمة مصالحهم الخاصة.

المثال الثاني – الارستقراطية: تمثل عند الإغريق حكومة الأقلية من الحكماء.

وقد مثل حكم الأقلية في بعض الدول حلقة وسط للانتقال من الحكم الفردي إلى الحكم الديمقراطي مثل بريطانيا التي تحولت السلطة فيها من الملكية المطلقة إلى حكم الأقلية من أعضاء البرلمان المتمثلة في الطبقة الارستقراطية في مجلس اللوردات المكون من النبلاء ورجال الدين والطبقة الأوليجارشية في مجلس العموم المكون من الأثرياء حيث كان الانتخاب مقيّداً بنصاب مالي، ثم تقلصتاختصاصات مجلس اللرودات إلى حد كبير وأصبح مجلس العموم أكثر تميلاً للشعب حينما ألغى شرط النصاب المالي وأقر مبدأ الاقتراع العام وجعل الشعب مصدراً لجميع السلطات، وقد اختار الشعب بإرادته النظام الملكي الذي يكون فيه الملك ملكاً ولكنه لا يحكم، والذي يحكم هو رئيس الوزراء المنخب مباشرة من قبل الشعب.

وقد انقرضت حكومات الأقلية وليس لها وجود في الوقت الحاضر إلا في صورة حكم بعض القبائل في بعض الدول المختلفة.

النوع الثالث: الحكومات الديمقراطية

مفهوم الديمقراطية: الديمقراطية اصطلاح إغريقي يعني حكم الشعب، ويطلق على الأنظمة السياسية التي يكون فيها للشعب نصيب في الحكم، ويستع المفهوم ليشمل كل نظام سياسي يعتبر إرادة الشعب مصدراً للسلطات، ويشركه في اختيار حكامه – لا سيّما القائمين على التشريع – ثم يراقبهم بعد اختيارهم ويحاسبهم بهدف فرض السياسة التي يقرها وضمان حقوقه وحرياته المدنية ويعزلهم عند الاقتضاء ويعين حكومة بديلة، ولا يفرض الحكام على الشعب فرضاً كما في الحكومات الديكتاتورية، وليس للديمقراطية مفهوم واحد، وإنما يختلف مفهومها باختلاف البلاد المطبقة فيها، حيث لا يتم إشراك الشعب في ممارسة السلطة على كيفية واحدة وإنما بكيفيات مختلفة، ويرى البعض: أن للديمقراطية مفهوماً واحداً لا غير وهو «حكم الشعب للشعب» والاختلاف إنما هو في التطبيق الذي يبرز لنا أنماطاً متعددة للديمقراطية.

ولدينا نمطان للديمقراطية في التاريخ الحديث:

النمط الأول – الديمقراطية الغربية

تقوم على ثلاث دعائم أساسية:

الدعامة الأولى – مبدأ السيادة الشعبية: تعني أن الشعب (كل الشعب) هو مصدر السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو صاحب الحق الوحيد في ممارستها بدون منازع وبدون حدود تفرض عليه نمن خارجه، فمن حقه اختيار ممثليه في السلطات الثلاث ومراقبتهم وعزلهم.

الدعامة الثانية – المساواة السياسية: تعني حق كل واحد من أبناء الشعب ممارسة النشاط السياسي بالشكل الذي يراه مناسباً، وهم متساوون في الحقوق والواجبات والحريات الممنوحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع عناية خاصة بالمساواة السياسية، فمن حق كل فرد من أبناء الشعب أن يعتنق أي مذهب ديني أو سياسي، ومن حقه التجمع والتظاهر والتعبير عن رأيه، ومن حقه الانتماء لأي حزب حتى ولو كان مخالفاً لمبادئ الديمقراطية كالحزب الشيوعي، ومن حقه الترشح للمناصب العامة والتصويت في الانتخابات، ومن حقه الحماية من تعسف السلطة والاعتقال الكيفي، ولا يدان إلا بموجب ما ينص عليه القانون إزاء دليل قضائي وبموجب الإجراءات القانونية الأصولية، وقد ارتبطت هذه الديمقراطية – من الناحية التاريخية – بمبدأ سياسي واقتصادي خاص وهو المبدأ الفردي الحر، الذي يقيّد سلطة الدولة لحساب حقوق الأفراد، فمع القول يحتمية التناقض بين النزعة الاستقلالية للأفراد والسلوك الاجتماعي للمجتمع، إلا أنها ترفض حسم الموضع لصالح السلوك الاجتماعي على حساب الحقوق الفردية، وتدعو إلى التوفيق والموازنة مع ترجيح كفة الحقوق الفردية.

الدعامة الثالثة – حكم الأغلبية: يعتبرالشعب صاحب الحق الوحيد في تحديد سياسات الدولة – كما مر في الدعامة الأولى – ونظراً لاختلاف وجهات نظر أبناء الشعب حول سياسة الدولة، فإن الديمقراطية الغربية تأخذ برأي الأغلبية، ويسري هذا المبدأ في جميع قرارات الدولة ومؤسساتها.

وعلى مبادئ هذه الديمقراطية قامت الثورتان الأمريكية والفرنسية.

النمط الثاني – الديمقراطية الشعبية

تستند إلى الفلسفة السياسية والاقتصادية التي أرسى قواعدها كارل ماركس (الفلسفة الماركسية) وطبقت عملياً بعد الثورة البلشفية في الاتحاد السوفيتي عام 1917م، ثم في دول المعسكر الشرقي، وتعرف بديمقراطية المعسكر الشرقي.

وتختلف مبادئ الديمقراطية الشعبية عن الديمقراطية الغربية في نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى: تقدم الديمقراطية الشعبية مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية على مبدأ تحقيق الحرية والمساواة السياسية التي تنادى بها الديمقراطية الغربية، وترى أن الصراع السياسي هو دائماً صراع مصالح اقتصاية تفرزه طبيعة التنافس بين وسائل الإنتاج وطريقة التوزيع وينعكس إلى تناقض بين طبقتين متصارعتين هما الملاك والعمال، وينتهي الصراع بزوال النتاقض الطبقي.

النقطة الثانية: تركز الديمقراطية الشعبية السلطة في يد هيئة مركزية تفرض هيمنتها على كافة أشكال النشاط الاجتماعي والاقتصادي في الدولة، بهدف نقل المجتمع إلى الشيوعية العالمية، وتستخدم في سبيل ذلك كل أشكال العنف، فهي لا تعترف بمبدأ الحريات الفردية التي تنادى بها الديمقراطية الغربية في المجالين السياسي والاقتصادي وتمنع الطبقة البرجوازية (الملاك) من جميع حقوقهم إلا حق الموت.

يقول ستالين: «يجب أن يكون مفهوماً أننا نؤمن بالاستبداد ونؤمن بالطغيان ونؤمن بالعنف لأن نظامنا الثوري يقوم على أساس القضاء على الطبقات وهو يتطلب اللجوء إلى كل هذه الوسائل»[7].

وقال: «من المؤكد أن جميع الناس يرون أن البلاشفة ما كانوا يستطيعون البقاء في الحكم، لا أقول سنتين ونصف السنة بل شهرين ونصف الشهر لولا نظام الطاعة الصارم، لولا نظام الطاعة الحديدي في حزبنا»[8].

ويقول لينين: «إن الديكتاتورية البروليتاريا هي الحرب الأكثر بطولة والأشد قسوة، التي يخوضها الطبقة الجديدة ضد عدو أقوى ضد البورجوازية التي تتضاعف مقاومتها من جراء سقوطها بالضبط …. إن ديكتاتورية البروليتاريا لا غنى عنها، وإنه لمن المستحيل التغلب على البرجوازية دون حرب طويلة، عنيدة، مستميتة»[9].

والديمقراطية الشعبية لا تسمح بوجود حزب آخر في الدولة إلى جانب الحزب الشيوعي الذي ينفرد وحده بالقرار السياسي ويمارس الحكم في الدولة دون منافس، ويتحمل المسؤولية القيادة الحديدية والتوجيه للجماهير فيها وحده؛ لأنه وحده الذي يمتلك الوعي بمحنة الطبقة العاملة وأشكال الصراع الذي تعيشه، وترىأن هذه الديمقراطية هي ديمقراطية لأكثر الشعب في مقابل القمع الضروري للأقلية البرجوازية العفنة.

تقول صحيفة (البرافدا) الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفييتي: «يمكن تحت ديكتاتورية البروليتاريا أن توجد أحزاب ثلاثة أو حتى أربعة ولكن بشرط واحد فقط: أحدها في السلطة والآخرون في السجن، ومن لم يفهم هذا لم يفهم ذرة من جوهر ديكتاتورية الحزب البلشفي»[10].

وعلى العموم فقد حظيت الديمقراطية بسمعة طيبة في العصر الحديث، حيث يعتبر تطبيقها معياراً لمشروعية النظام السياسي في أية دولة، ولهذا تدعى كافة دول العالم بأنها تطبقها أو أنها تتطلع إليها وتعمل على وضع الأسس اللازمة للانتقال إليها.

أشكال الديمقراطية الغربية (الليبرالية)

وسوف نركز في البحث على الديمقراطية الغربية (الليبرالية).

تنقسم الديمقراطية إلى ثلاثة أشكال:

الشكل الأول: الديمقراطية المباشرة.

الشكل الثاني: الديمقراطية شبه المباشرة.

الشكل الثالث: الديمقراطية النيابية: غير المباشرة.

وسوف أسعى لتوضيح هذه الأشكال الثلاثة:

الشكل الأول – الديمقراطية المباشرة

فيها يباشر الشعب السلطة بنفسه باعتباره صاحب السيادة وليس من خلال نوابه أو ممثليه، على أساس أن السيادة لا تقبل أن ينيبها الشعب أو يفوضها إلى مندوبين، فيتولي الشعب بنفسه جميع اختصاصات الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث يجتمع الذكور العقلاء الأحرار (أعضاء الجمعية الشعبية التي تمثل السلطة العليا في المدن اليونانية والرومانية القديمة) في ساحة المدينة بصورة دورية عدة مرات في السنة، ويناقشون بشكل حر مفتوح كل القضايا التي تهم الجسم الاجتماعي، ويقومون بسن التشريعات وفرض الضرائب والإشراف على الميزانية وانتخاب المجلس الذي يتولى الوظائف التنفيذية وانتخاب القضاة واعتماد السفراء والتصديق على المعاهدات وإعلان الحرب أو إقرار السلم، وتصدر القراراتباتفاق جميع أفراد الجمعية الشعبية أو بأغلبيتهم.

والذين يتمتعون بالحقوق السياسية في الديمقراطية المباشرة هم – بحسب النماذج القديمة في يونان وروما – الرجال الأحرار فقط، وليس جميع سكان المدينة حيث يحرم منها النساء والعبيد، والرجال الأحرار بطبيعة الحال قليلون قياساً إلى عدد السكان، مما يجعل الديمقراطية المباشرة في هذه النماذج نوعاً من حكومة الأقلية، أما تطبيقها في بعض المقاطعات الجبلية الصغيرة في سويسرا في الوقت الحاضر فليس كذلك.

ويرى بعض منظّري الديمقراطية المباشرة: أن أعمال السلطتين التنفيذية والقضائية مجرد أعمال تطبيقية فردية، واعتبروا أن السيادة تنحصر في السلطة التشريعية، ويترتب على ذلك أن الديمقراطية المباشرة تعني أن يتولى الشعب بنفسه السلطة التشريعية وليس جميع السلطات، وتعتبر الديمقراطية المباشرة أقدم صور الديمقراطية ظهوراً في الحياة السياسية، وقد طبقتها بعض المدن اليونانية والرومانية القديمة، وليس لها وجود في عالم اليوم إلا على نطاق ضيق في بعض المقاطعات الجليلة الصغيرة في سويسرا التي تسمح مساحتها الصغيرة وقلة عدد سكانها باجتماعهم لمباشرة خصائص السيادة، حيث يتعذر تطبيقها من الناحية العملية في الدول الحديثة، نظراً لاتساع رقعتها الجغرافية، وكثرة عدد سكانها، وتعدد مهام الحكم فيها وتشعبها وتنوعها وتعقدها، وحاجتها إلى الخبرة الفنية والدراية والاختصاص والحرفية والتفرغ، الأمر الذي يجعل الشعب غير قادر على أن يواجهها مجتمعاً وإنما عبر ممثليه، فضلاً عن استحالة اجتماع شعوب الدول الحديثة التي تبلغ الملايين في مكان واحد والقدرة على إدارة اتخاذ القرار بينهم جميعاً.

الشكل الثاني – الديمقراطية شبه المباشرة

إحدى صور الديمقراطية، وتعد نظاماً وسطاً بين الديمقراطية المباشرة التي يباشر فيها الشعب السيادة دون وسيط والديمقراطية النيابية التي ينيب فيها الشعب مجلساً منتخباً ليمارس السلطة نيابة عنه، وفيها يقوم الشعب بانتخاب البرلمان ليمارس السلطة التشريعية نيابة عنه وباسمه، ولكن يحتفظ لنفسه بحق التدخل المباشر لممارسة بعض مظاهر السيادة في المسائل الرئيسية ضمن حدود ينص عليها الدستور، وذلك بواسطة وسائل عديدة تختلف من نظام إلى آخر، منها:

الاختصاص الأول – الاستفتاء الشعبي: يعد أهم صورة من صور الديمقراطية شبه المباشرة، وفيه يأخذ رأي الشعب في موضوع معين تشريعي مثل تعديل بعض مواد الدستور أو إصدار بعض القوانين العادية أو موضوع سياسي يتعلق بشأن من شؤون الحكم، حيث يعرض على الشعب ليقول كلمته فيه بناءً على طلب البرلمان أو رئيس الدولة أو الشعب نفسه.

وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الملاحظات المهمة:

الملاحظة الأولى: إن الاستفتاء يكون إجبارياً وذلك في الحالات التي ينص الدستور على أخذ رأي الشعب فيها مثل نص الدستور السويسري في المادة (123) على أنه لا يجوز إجراء أي تعديل – كلي أو جزئي – في الدستور إلا إذا وافقت عليه أغلبية المواطنين والولايات، وقد يكون اختيارياً وذلك في الحالات التي يترك فيها الدستور أمر إجراء الاستفتاء على إرادة الجهة المنوط بها الاستفتاء مثل رئيس الدولة أو عدد معين من أعضاء البرلمان أو الحكومة أو عدد معين من الناخبين، فلها – بحسب تقديرها – أن تلجأ إلى الاستفتاء أو لا تلجأ إليه.

الملاحظة الثانية: إن الاستفتاء قد يكون قلبياً وذلك حينما ينص الدستور على إجرائه قبل أن يصدر البرلمان القانون، وقد يكون لاحقاً وذلك إذا حدد الدستور موعد الاستفتاء بعد إقرار البرلمان للقانون.

الملاحظة الثالثة: يرى بعض فقهاء الدستور بأن الأخذ بنتائج الاستفتاء واجب إذا نص الدستور على ذلك، وأنه استشاري إذا لم ينص الدستور على إلزاميته، ويرى البعض الآخر من فقهاء الدستور بأن الأخذ بنتائج الاستفتاء ملزم في جميع الحالات التي تلجأ فيها الجهات التي حددها الدستور إلى إجراء الاستفتاء، سواء نص الدستور على إلزامية الأخذ بنتائج الاستفتاء أم لم ينص، وذلك لنطلاقاً من المبدأ الديمقراطي الذي يجعل الشعب مصدر السلطات جميعاً، فلا يمكن إهمال رأي الشعب طبقاً لهذا المبدأ.

الاختصاص الثاني – الاعتراض الشعبي: هو نص الدستور على حق عدد معين من الناخبين يحدده الدستور في الاعتراض على تشريع صادر من السلطة التشريعية خلال مدة معينة بعد صدوره والمطالبة بعرضه على الشعب في استفتاء عام، فإذا مضت المدة المنصوص عليها ولم يقم العدد المنصوص عليه بالاعتراض أصبح االقانون نهائياً ولا يجوز الاعتراض عليه بعد ذلك، وإذا حصل الاعتراض بصورته القانونية يعرض القانون المعترض عليه على الشعب ككل، فإذا وافقت عليه الأغلبية المطلقة من الناخبين تأكد وإذا رفضته عد لاغياً وزال نهائياً.

وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الملاحظات المهمة، منها:

الملاحظة الأولى: يعد الاعتراض في واقعه القانوني شكلاً سلبياً للاستفتاء.

الملاحظة الثانية: تشرط الأغلبية المطلقة من الناخبين في الاعتراض السعب وليست الأغلبية النسبية، وذلك لأن الامتناع عن التصويت يعد قبولاً للقانون.

الاختصاص الثالث – الاقتراح الشعبي: هو نص الدستور على حق عدد معين من أبناء الشعب في وضع مشاريع قوانين مفصلة أو فكرتها العامة وعرضها على البرلمان بواسطة عريضة يرفعونها إليه، ويكون البرلمان ملزماً بمناقشتها بعد صياغتها الفنية والتصويت عليها، فإذا وافق البرلمان على القانون أصبح قانوناً نافذاً، وإذارفضه يعرض على الشعب وحده أو مع قانون آخر مواز مقترح ممن قبل البرلمان لكي يقول الشعب كلمته فيه.

وهناك بعض التفاصيل غير المهمة أعرض عن ذكرها طلباً للاختصار.

الاختصاص الرابع – إقالة الناخبين لنائبهم: هو نص الدستور على حق عدد معين من الناخبين في إقالة النائب الذي انتخبوه قبل انتهاء مدة نيابته، وذلك في حال تبين لهم أنه خرج عن حدود المهمة التي انتخبوه من أجلها، ونظراً لخطورة الإقالة: فإن بعض الدساتير تنص على أخذ كفالة مالية من الذين قدموا الاقتراح، وفي حالة إعادة انتخاب النائب تدفع جميع مصاريف حملته الانتخابية من هذه الكفالة.

الاختصاص الخامس – الحل الشعبي للبرلمان: هو نص الدستور على حق عدد معين من الناخبين في المطالبة بحل المجلس النيابي، فإذا استكمل الطلب إجراءه الشكلي يعرض الموضوع على العشب من أجل الاستفتاء عليه، فإذا وافقت الأغلبية النسبية للمصوتين على الحل، حلت الهيئة النيابية، وتجرى انتخابات جديدة، أما إذا لم توافق الأغلبية على الحل، اعتبر ذلك بمثابة تجديد للثقة بالمجلس النيابي.

الجدير بالذكر أنه لا يشترط ممارسة الشعب لجميع الاختصاصات المذكورة لكي يكون النظام شبه مباشر وإنما يكفي أن يمارس بعضها، وتتجه معظم الدساتير الحديثة إلى الأخذ ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة لما تتضمنه من زيادة مظاهر اشتراك الشعب في الحكم ولتجنب الاستبداد البرلماني، وأكثر المظاهر شيوعاً هو الاستفتاء، مما جعل الديمقراطية النيابية المطبقة فيها أقرب إلى الديمقراطية شبه المباشرة.

الشكل الثالث – الديمقراطية النيابية

هي الديمقراطية الشائعة في العالم المعاصر، وفيها يمارس الشعب السلطة بواسطة النواب الذين يختارهم لتشكيل الهيئات التي تتولي الحكم في الدولة بمقتضى الدستور لمدة معينة باسمه ونيابة عنه.

وعليه فإن الديمقراطية النيابية تقوم على أساسين رئيسيين، وهما:

الأساس الأول: إن الشعب هو صاحب السلطة ومصدر السيادة.

الأساس الثاني: إن الشعب يمارس السلطة بواسطة ممثليه الذين يختارهم بواسطة الانتخاب الحر.

ويفترض – بحسب النظام النيابي – أن يقوم الشعب باختيار الهيئات العامة الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية لتحكم باسمه ونيابة عنه إلا أن الأنظمة النيابية اتجهت إلى أشكال مختلفة، منها:

أولاً: من يجعل اختيار الهيئات الثلاث بيد الشعب مثل النظام النيابي الرئاسي.

ثانياً: من يحصر فكرة النيابة في البرلمان باعتباره الركن الأساسي للنظا النيابي، فهو الأساس الذي يقوم عليه النظام، وبدونه لا يتحقق وجود الديمقراطية النيابية.

وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الملاحظات المهمة التي تتعلق بالنظام النيابي:

الملاحظة الأولى: يقوم البرلمان في النظام النيابي البرلماني بالمهام التالية:

المهمة الأولى: إصدار القوانين التي هي التعبير عن الإرادة العامة لأبناء الشعب.

المهمة الثانية: الإشراف على تشكيل الهيئتين: التنفيذية والقضائية ومراقبة عملهما.

الملاحظة الثانية: يجب أن تكون الهيئة النيابية بكافة أعضائها منتخبة بصورة مباشرة من قبل الشعب، وأن كل هيئة غبر منتخبة لا تعد هيئة نيابية، ولا تعبر عن الإرادة العامة لأبناء الشعب.

الملاحظة الثالثة: يجب أن تكون الهيئة النيابية هي الأداة الفعلية المحركة في النظام، فهي صاحبة الحق الوحيد في الموافقة النهائية على جميع القوانين، فلا يصدر أي قانون إلا بعد موافقتها، باعتبارها صاحبة الاختصاص التشريعية الوحيدة في الدولة لا يشاركها في ذلك غيرها لكي يكون الشعب بحق صاحب السلطة ومصدر السيادة في الدولة.

الملاحظة الرابعة: يجب أن يحدد عمل الهيئة التشريعية بفترة زمنية معينة، وهي غالباً (3-5 سنوات) تتم العودة بعدها لمعرفة آراء الشعب في نوابه بواسطة إجراء انتخابات جديدة، وبه تفرض رقابة الشعب على نوابه، من خلال تجديد الثقة ببعضهم وتجريد البعض الآخر منها في كل انتخاب جديد، مما يبقيهم في اتجاه التعبير عن إرادته وتطلعاته بصورة مستمرة، وبدون ذلك تفقد الهيئة صفتها التمثيلية وتبتعد عن إرادة الشعب.

وهناك عدد من القضايا المهمة التي ينبغي بحثها في الديمقراطية النيابية:

القضية الأولى – العلاقة بين الناخبين والنواب: تعتبر هذه المسألة من المسائل التي أثارت الكثير من الجدل حولها، حيث كان النواب في الهيئة النيابية قبل الثورة الفرنسية يمثلون دوائهم الانتخابية، وبعد الثورة أصبح ينظر إلى كل عضو في البرلمان على أنه ممثل عن الشعب بمجموعه وليس عن ناخبي دائرته.

ويتركز الجدل حول ثلاث نظريات رئيسية:

النظرية الأولى – الوكالة الإلزامية: فيها ينظر إلى النائب في البرلمان على أنه بمثابة الوكيل الذي يستمد كيانه القانوني من موكله، فالنائب يمثل – استناداً إلى هذه الفكرة – ناخبي دائرته الذين اختاروه في المحافظة التي يمثلها أو الطائفة التي ينتمي إليها.

وهناك عدة أمور من شأنها أن تساهم في رواج هذه الفكرة، مها: عدم استقرار فكرة الدولة الواحدة وسيطرة المصالح المحلية والطائفية على المصالح الوطنية والقومية.

وتجدر الإشارة هنا إلى بعض الملاحظات المهمة:

الملاحظة الأولى: يحق للناخبين طبقاً للوكالة الإلزامية وضع برنامج وتعليمات يلتزم بها النائب في عمله البرلماني ويكون محاسباً أمامهم، مما يقيد عمل النائب ويؤثر سلباً على العملية الدييمقراطية داخل البرلمان.

الملاحظة الثانية: إن انطلاق النائب من مصلحة دائرته في عمله البرلماني بدلاً من مصلحة الشعب، من شأنه أن يوقع الضرر بالوحدة والمصلحة الوطنية، ويجعل إرادة الدائرة فوق إرادة الشعب الذي يفترض أن يكون مصدر السلطات جميعاً بحسب المبدأ الديمقراطي.

الملاحظة الثالثة: إن فكرة الوكالة الإلزامية تتعارض مع طبيعة الموضوعات التي يتناولها البرلمان والتي تكون عادة ذات طبيعة عامة ترتبط بمصالح مجموع الشعب وليس بمصالح دوائر انتخابية.

الملاحظة الرابعة: استناداً إلى السلبيات المذكورة في الملاحظات الثلاث السابقة وغيرها فقد أصبح النائب البرلماني في نهاية القرن الثامن عشر – استناداً إلى فكرة الوطالة العامة للبرلمان – يمثل الشعب وليس دائرته الانتخابية.

النظرية الثانية – الوكالة العامة للبرلمان: تقوم على أساس سيادة الأمة التي وضعها رجال الثورة الفرنسية وفيها أن سيادة الشعب لا تقبل التجزئة أو التقسيم، وعليه فإن الوكالة البرلمانية هي وكالة من الشعب بمجموعه إلى البرلمان بمجموعه.

وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الملاحظات المهمة:

الملاحظة الأولى: إن النائب طبقاً للوكالة العامة للبرلمان يمثل الشعب بأسره وليس دائرته الانتخابية، وينطلق في عمله من مراعاة مصالح الشعب وليس مصالح دائرته الانتخابية.

الملاحظة الثانية: تحرر هذه النظرية النائب من أسر ناخبيه، ويكون حراً في إبداء رأيه في المناقشات البرلمانية، وليس باستطاعة الناخبين عزل النائب طوال فترة عضويته، ما يعزز العلملية الديمقراطية ويجعلها أكثر إيجابية.

الملاحظة الثالثة: ينبغي أن يتقيد كافة أعضاء البرلمان بالتعبير عن إرادة الشعب وتوجهاته وخدمة مصالحه العامة المشتركة بمقتضى وكالتهم ولا يجوز لهم مخالفة ذلك.

النظرية الثالثة – الانتخاب مجرد اختيار: تقوم على أساس استقلالية النواب عن الناخبين بصورة تامة، حيث يقوم الناخبون بعملية اختيار النواب المؤهلين لتولي السلطة التشريعية بوصفهم الأصلح لهذه المهمة، ثم تنتهي مهمة الناخبين بمجرد الإدلاء بأصواتهم، وينصرف النواب لممارسة مهامهم بحسب ما تمليه عليهم ضمائرهم بغض النظر عن توجهات الناخبين.

وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الملاحظات المهمة:

الملاحظة الأولى: لا تحرر هذه النظرية النواب من أسر الناخبين فحسب، وإنما تقطع الصلة تماماً بين النواب والناخبين، والحقيقة أن النواب بصوفهم ممثلين للشعب يجب أن يعبروا بدقة عن الرأي العام الشعبي.

الملاحظة الثانية: بغض النظر عن التنظيرات القانونية المجردة، فإن العلاقة بين النواب والناخبين هي في الحقيقة علاقة سياسية، وأن للناخبين تأثيراً كبيراً جداً في النواب، فقد نصت الدساتير على تحديد فترة زمنية للدورات الانتخابية وتجديدها دورياً، مما يسمح بفرض رقابة الناخبين على النواب من خلال قدرتهم على إعادة انتخابهم أو إسقاطهم، مما يدفع النواب للتواصل مع الناخبين والاحتفاظ بثقتهم من أجل تجديد انتخابهم.

الملاحظة الثالثة: تلعب الأحزاب دوراً كبيراً في تقييد حرية النواب من خلال فرض هيمنتها عليهم وإخضاعهم لبرامجها وإلا فقدوا دعمها لهم ومساندتهم في الانتخابات مما يقلل فرص فوزهم ودورهم داخل البرلمان.

الملاحظة الرابعة: الموضوعات التي يتناولها البرلمان تكون غالباً ذات طبيعة عامة ترتبط بمصالح مجموع الشعب (وطنية أو قومية) وليست ذات طبيعة خاصة ترتبط بمصالح دوائر انتخابية معينة، مما يدفع النواب إلى الموازنة بين مصالح ناخبيهم والمصالح القومية أو الوطنية العليا.

القضية الثانية – تنظيم الهيئات النيابية: تختلف الدول في تنظيم الهيئات التشريعية، فمنها من يأخذ بنظام المجلس الواحد، ومنها من يأخذ بنظام المجلسين، وقد بدأ النظام البرلماني في انجلترا بنظام المجلس الواحد ثم انتهى إلى نظام المجلسين، وفي البداية: كان المجلسان يتساويان في الاختصاصات، ثم ما لبث الأمر أن تطور لصالح مجلس العموم الأكثر تمثيلاً للشعب، وقد ساد نظام المجلسين في القرن التاسع عشر تأثراً بانجلترا – مهد النظان النيابي – ثم بدأت الدول تتجه نحو نظام المجلس الواحد في القرن العشرين، وتقلص نظام المجلسين وأصبح محدود التطبيق، ويتطلب الأخذ بنظام المجلسين المغايرة بينهما من حيث التكوين والاختصاص، حتى لا يكون أحدهما نسخة للآخر، فتنتفي الحكمة من النظام.

أولاً – المغايرة في التكوين: تشمل التشكيل وعدد الأعضاء والشروط الواجب توفرها في الأعضاء وفي مدة العضوية، ففي الغالب يتكون أحد المجلسين بالانتخاب الشعبي باعتباره الممثل عن الشعب، بينما يتكون المجلس الثاني بالوراثة كما هو الحال في انجلترا أو التعيين أو بحكم المنصب كما هو الحال في إيطاليا حيث يمنح دستور 1948م رؤساء الجمهورية السابقين عضوية مجلس الشورى اختياراً مدى الحياة، وقد يكون بالانتخاب بضوابط مختلفة كما هو الشأن في الولايات المتحدة والمغرب، والحكمة من ذلك سد النقص في بعض الخبرات التي قد لا يأتي بها الانتخاب المباشر أو سد بعض الثغرات التي يتركها والسعل لخلق التوازن والتخفيف من حدة النزاع بين السلطات، ولهذا تشترط بعض الدساتير في الأعضاء المعينين الانتماء لبعض الطوائف أو الطبقات مثل الدستور البلجيكي الذي يشترط في أعضاء مجلس الشيوخ أن يكونوا من الوزراء والنواب وحملة المؤهلات العليا وأساتذة الجامعات ورؤساء النقابات ومن له دخل عقاري معين أو يدفع قدراً معيناً من الضرائب المباشرة.

وقد يختلف المجلسات في مدة العضوية، فمثلاً في أمريكا مدة العضوية في مجلس النواب سنتان ويتم التجديد لجميع الأعضاء، بينما دورة مجلس الشيوخ ست سنوات يتم تجديد ثلث الأعضاء كل سنتين، وفي مصر بحسب دستور 1971م، مدة العضوية في مجلس الشعب خمس سنوات ويكون التجديد كلياً، بينما دورة مجلس الشورى ست سنوات ويكون التجديد نصفياً كل ثلاث سنوات.

ولأن الوراثة والتعيين لا تتفقان مع الديمقراطية: لهذا تلجأ بعض الدول للانتخاب المباشر لأحد المجلسين والانتخاب غير المباشر للمجلس الآخر أو الجمع بين الانتخاب والتعيين، على أن تكون الأغلبية للعنصر المنتخب لكي يكتسب المجلس الصفة النيابية كما هو الحال في مجلس الشورى المصري إذا ينتخب الشعب ثلثا أعضائه ويعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي.

وأما عن عدد الأعضاء، فإن المجلس المنتخب يكون عادة أكثر عدداً من المجلس الآخر ليكون صوت الشعب هو الأعلى والأقوى، ويتجلى ذلك في الجلسات المشتركة بين المجلسين.

ثانياً – المغايرة في الاختصاصات: الوظيفة الأساسية للبرلمان هي التشريع، ومن الطبيعي جداً أن يشترك المجلسان في هذه الوظيفة.

إلا أن الدول تختلف بينهما فيما يتعلق بالصلاحيات الممنوحة للمجلسين، فبعض الدول تعطي للمجلسين نفس القوة في الوظيفة التشريعية بشرط أن يبقى صوت الشعب هو الأقوى والأكثر تمثيلاً ويسمى بنظام الثنائية المتساوية، وبعضها يميز بينهما في الاختصاصات ويسمى بنظام الثنائية المتساوية فيعطي الغلبة للمجلس المنتخب في إقرار مشروعات القوانين والمسائل المالية ويتخص وحده بالرقابة على أعمال الحكومة، فهو وحده الذي يستجوب الحكومة ويسائلها سياسياً ويمنحها الثقة أو يسحبها منها ويسقطها.

ويعتبر الأخذ بنظام المجلسين ضرورة في الدول المتحدة اتحاداً مركزياً، حيث يمثل المجلس الأول شعب الدولة بأكمله، ويمثل المجلس الثاني الولايات على قدم المساواة بغض النظر عن مساحتها وعدد سكانها، فيكون نظام المجلسين هوالسبيل لحفظ التوازن بين مصالح الاتحاد (الشعب بأكمله) ومصالح الولايات.

مزايا نظام المجلسين: ذكر المفكرون وخبراء القانون والسياسة بعض المزايا لنظام المجلسين:

أولاً: سد النقص في الخبرات والكفاءات التي لا تأتي بها الانتخابات الحرة المباشرة.

ثانياً: الإتقان في التشريع من خلال المزيد من الدراسة والمناقشة لمشروعات القوانين مما يمنح الدولة المزيد من الاستقرار القانوني.

ثالثاً: خلق التوازن يمنع السلطة التشريعية من الاستبداد وفرض هيمنتها على السلطات الأخرى أو ما يسمى بالانقلاب الدستوري والتخفيف من حدة النزاع بين السلطتين: التشريعية والتنفيذية والسعي لخلق التوفيق بينهما.

مزايا نظام المجلس الواحد: كما ذكر المفكرون وخبراء القانون والسياسة مزايا أخرى لنظام المجلس الواحد:

أولاً: التعبير عن سيادة الأمة أو الشعب التي هي وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة، وأن التعبير عنها لا يكون إلا من خلال هيئة واحدة لا هيئتين.

ثانياً: إن نظام المجلس الواحد يمنع الانقسام والنزاع داخل السلطة التشريعية فيحصره بين الكتل داخل المجلس الواحد بدلاً من أن يكون هيئتين مختلفتين.

ثالثاً: إن نظام المجلس الواحد يؤدي إلى سرعة التشريع تبسيطه وتقليل مصاريف الدولة.

والخلاصة: إن لكل واحد من النظامين مزاياه وعيوبه، وإن تفضيل أحدهما على الآخر يتوقف على الظروف السياسية لكل دولة وعلى تطور أوضاعها الدستورية، وفي الوقت الذي ذهب فيه المفكرون والخبراء إلى اعتبار نظام المجلسين ضرورة في الدولة الاتحادية، ذهبواً غالباً إلى تفضيل نظام المجلس الواحد في الدول الموحدة لا سيما الدول الصغيرة.

القضية الثالثة – الانتخاب: تعتبر الانتخابات الوسيلة التي تلجأ إليها الشعب لاختيار ممثليها في الحكومة والبرلمان، ولا يصح وصف أية حكومة أو هيئة بأنها ممثلة للشعب ما لم تكن منتخبة من قبل الشعب.

وهناك عدد من المسائل التي تتعلق بالانتخابات ينبغي بحثها:

المسألة الأولى – الطبيعة القانونية للانتخاب: تعددت الآراء حول هذه المسألة: هل هو حق شخصي للمواطن أم وظيفة اجتماعية؟

أولاً: هناك من يرى أن الانتخاب حق شخصي قائم على أساس السيادة الشعبية ويمارسه المواطنون اختياراً على قدم المساواة بينهم بدون أي تمييز، فلا يجوز حرمان أي مواطن يمتلك الأهلية من ممارسة هذا الحق أو إجباره على ممارسته، كما لا يجوز التمييز بين المواطنين فيه.

ثانياً: هناك من يرى أن الانتخاب وظيفة اجتماعية مقررة من أجل الصالح العام، وتقوم هذه النظرية على أساس سيادة الأمة أو الشعب المستقلة عن الأفراد، ولكي تمارس الأمة أو الشعب السيادة لا بد من وجود ممثلين عنها يمارسون السلطة بكافة أشكالها، وأن الأمة هي التي تقوم بتحديد من لهم حق الانتخاب لكي تضمن حسن اختيار الممثلين عنها لممارسة السلطة، وبذلك فهذه النظرية تسمح بوضع شروط لمن يحق لهم حق الانتخاب، وتحرم بعض المواطنين من ممارسة هذا الحق بحجة أنهم لا يمتلكون الشروط الكافية لاختيار الأحسن، كما تسمح بجعل المشاركة في الانتخابات إجبارياً، وقد انحسرت النظرية الثانية إلى مصلحة النظرية الأولى في الوقت الحاضر.

المسألة الثانية – تكوين هيئة الناخبين: تأخذ بعض الدول بفرض بعض الشروط لمن يحق لهم الانتخاب، كأن يكون حائزاً على نصاب مالي معين، أو يكون على درجة معينة من التعليم، وأن يكون من الذكور على أساس التمييز بين دور الرجل والمرأة في المجتمع، وأن لا يكون من العسكريين بهدف إبعاد العسكريين عن الجدل السياسي والمحافظة على وحدة صفوفهم ونظراً لتأثير الضباط في الجنود مما يؤدي إلى تشويه نتائج الانتخابات، وهذا التقييد في حقيقة الأمر يتنافى مع الديمقراطية التي تأبى التفريق بين المواطنين في الحقوق على أساس الثروة أو التعليم أو الجنس أو الوظيفة، وكله جاء ليخدم أغراضاً سياسية على حساب العدل وكرامة الإنسان، إلا أنه يجب ضمان حرية العسكريين لكي يسمح لهم بممارسة حق الانتخاب.

وهناك شروط أخرى مقبولة ترفضها الدول لمن يحق لهم الانتخاب:

أولاً: أن يتمتع الشخص بجنسية البلد بصفة أصيلة وأن تمضي فترة زمنية (5-10 سنوات) على المتجنس ليمارس حق الانتخاب بهدف اختبار ولائه للبلد، ويعضهم يحرمه من هذا الحق مدى الحياة ثم يمنح الجق للأبناء، وبعض الدول تفرق بين حق الانتخاب والترشيخ للمتجنسين.

ومهما كانت الدوافع السياسية، لا يمكن تبرير المساواة بين الوطنيين الأصليين والمتجنسين في حق الانتخاب والترشيح؛ لأن ذلك يشكل خطراً جدياً على الوطن والمواطنين.

ثانياً: أن يبلغ الشخص سن الرشد السياسي (18-21 سنة).

ثالثاً: أن يكون متمتعاً بقواه العقلية.

رابعاً: لم تصدر بحقه أحكام قضائية تمس الشرف والسمعة على أن تحدد القوانين بدقة أنواع هذه الجرائم، وهذا الشرط لا يتعارض مع حق الاقتراع العام، إلا أن بعض الدول المتخلفة تسيء استخدامه بهدف الإبعاد السياسي للأشخاص غير المرغوبين لديها سياسياً.

المسألة الثالثة – نظام الانتخاب: تختلف نظم الانتخاب بين الدول تبعاً لاختلاف أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومدى أخذها بالمبادئ الديمقراطية، وسوف نتناول بالبحث هنا ثلاثة أنظمة انتخابية:

النظام الأول – الانتخاب المباشر وغير المباشر: الانتخاب المباشر يكون في حال قيام الناخبين باختيار ممثليهم في الحكومة أو البرلمان بصورة مباشرة، وغير مباشرة إذا قام الناخبون باختيار مندوبين عنهم لاختيار ممثليهم في الحكومة أو البرلمان، وتعتمد الدول التي تأخذ بنظام المجلسين غالباً الانتخاب المباشر لأحد المجلسين والانتخاب غير المباشر للمجلس الآخر، وبعض الدول تلجأ إلى الانتخاب غير المباشر لاختيار رئيس الدولة بواسطة البرلمان أو هيئة انتخابية أخرى، ويعتبر الانتخاب المباشر هو الأقرب إلى مبادئ الديمقراطية، ويرفع درجة الوعي والشعور بالمسؤولية لدى المواطنين نحو قضاياهم الوطنية، ولهذا أصبح هو السائد في معظم الدول الحديثة المتطورة.

النظام الثاني – الانتخاب الفردي أو بالقائمة: تتطلب العملية الانتخابية تقسيم الدولة إلى مناطق انتخابية يختلف حجمها باختلاف النظام الانتخابي المعمول به.

فإذا كانت تعتمد نظام الانتخاب الفردي: فإنها تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية صغيرة من حيث عدد السكان يمثلها نائب واحد في البرلمان، فيقوم الناخب بإعطاء صوته لمرشح واحد فقط من بين المترشحين.

وأما إذا كانت تعتمد نظام الانتخاب بالقائمة: فإنها تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة نسبياً من حيث عدد السكان يمثلها عدد من النواب، فيقوم الناخب بإعطاء صوته لعدد من المترشحين بحسب ما هو مقرر للدائرة.

وهناك طريقتان للانتخاب بالقائمة:

الطريقة الأولى – القائمة المغلقة: فيها يقدم للناخب عدد من القوائم وعليه أن يختار إحداها بكامل أعضائها دون تغيير أو تبديل فيها.

الطريقة الثانية – طريقة المزج بين القوائم: فيها يقدم للناخب عددمن القوائم، وعليها أن يختار منها جميعاً العدد المطلوب من المترشحين.

مزايا نظام الانتخاب الفردي وبالقائمة: ذكر أنصار نظام الانتخاب الفردي أن الدوائر الانتخابية الصغيرة تسمح للناخب بالمعرفة المباشرة بالمترشحين مما يساعد الناخبين على اختيار الأفضل، وتسهل مهمة الاختيار على الناخبين، بينما الدوائر الانتخابية الكبيرة تجعل مهمة الناخب أكثر صعوبة، كما أن الدوائر الانتخابية الصغيرة توثق الصلة بين الناخبين والنواب مما يحمل النواب على الاهتمام أكثر بشؤون المنطقة التي جرى انتخابه فيها.

وقالوا: إن نظام الانتخاب بالقائمة يؤدي إلى فوز قوائم الأحزاب الكبيرة في معظم الدوائر الانتخابية مما يضعف تمثيل أحزاب الأقلية ويهمش دورها.

أما أنصار نظام الانتخاب بالقائمة فقالوا: إن الانتخاب الفردي يجعل عملية الاختيار قائمة على أساس الأشخاص وليس المبادئ والأفكار والبرامج، وتسهل عملية التأثير السلبي في نتائج الانتخابات بالرشوة وعمليات الضغط والإكراه المختلفة من جانب الحكومة والمترشحين، وتجعل النائب أسيراً لمنطقته الانتخابية بدلاً من العمل لمصلحة طافة المواطنين وللمصلحة الوطنية أو القومية العليا من خلال التركيز على القضايا العامة، كما أن نظام الانتخاب بالقائمة يعطي النائب ثقلاً أكبر من خلال حقه في اختيار عدد أكبر من النواب، مما يشعره بأهمية دوره في المجتمع، ويشجعه أكثر على ممارسة حقه الانتخابي، ولهذا كانت دعوتهم لنظام الانتخاب بالقائمة لأنه يعالج هذه السلبيات الخطيرة المذكورة، ويؤدي إلى نتائج أفضل وأقرب إلى الديمقراطية وإلى مبدأ تمثيل النائب للأمة أو الشعب من نظام الانتخاب الفردي.

النظام الثالث – الانتخاب بالأغلبية والتمثيل النسبي: يتعلق بحساب الأصوات وتحديد الفائزين ويقع ضمن نظامين:

  • نظام الأغلبية: بمقتضاه يفوز كل من يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة في الدائرة الانتخابية، وفي نظام الانتخاب الفردي: يفوز المرشح الذي يحصل على أكثرية الأصوات الصحيحة، وفي نظام الانتخاب بالقائمة: تفوز القائمة التي تحصل على أكثر الأصوات بجميع المقاعد، وتعرف بذلك النتيجة من الدور الأول ولا حاجة لدور ثانٍ في الانتخابات، ويعمل بهذا النظام في الولايات المتحدة وبريطانيا.

وتشرط بعض الدول لفوز المترشح حصوله على أغلبية الأصوات بشرط أن تزيد على نصف الأصوات الصحيحة، أي: أن يحصل على أصوات تفوق مجموع الأصوات التي حصل عليها باقي المترشحين، فإن لم يحصل أي من المترشحين على هذه النسبة يعاد التصويت مرة ثانية.

وتختلف الدول في تحديد من يحق لهم دخول دور الإعادة: في بعض الدول تكون الإعادة لجميع المترشحين، وفي بعضها لمن حصل على نسبة معينة من عدد الأصوات في الدور الأول (12.5% في فرنسا) وفي بعضها تكون الإعادة بين المترشحين الذين حصلا على الترتيب: الأول والثاني في الدور الأول.

  • نظام التمثيل النسبي: هو يقوم على نظام الانتخاب بالقائمة، ويتم توزيع المقاعد المخصصة للدائرة على القوائم بحسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة بدلاً من استحواذ القائمة الأولى على جميع المقاعد بحسب نظام الأغلبية.

مثلاً: لو فرضنا أن عدد المقاعد المخصصة للدائرة (10 مقاعد) تتنافس عليها ثلاث قوائم، حصلت القائمة (أ) على (50%) من الأصوات، والقائمة (ب) على (40%) من الأصوات، والقائمة (ج) على (20%) من الأصوات، فإن المقاعد توزع كالتالي: القائمة (أ) تحصل على (5 مقاعد) والقائمة (ب) تحصل على (3 مقاعد) والقائمة (ج) تحصل على (مقعدين)، وتأخذ معظم الدول الأوروبية بنظامالتمثيل النسبي في الوقت الحاضر؛ لأنه أكثر عدالة وأقدر على لق التوازن بين القوى المتنافسة في المجتمع وأقرب إلى مبادئ الديمقراطية وتمثيل الرأي العام في البرلمان.

النوع الرابع: الحكومات الإسلامية

تتقاسمها مدرستان أساسيتان:

المدرسة الأولى – مدرسة الخلفاء: ترى في حكومة الأنبياء (عليهم السلام) بأنها تأتي بالتعيين من الله (ج) وأن طاعتهم واجبة ولا يجوز الخروج عليهم، وآخر هذه الحكومات حكومة النبي محمد (ص) وبعده فوض الله تعالى للمسلمين اختيار حكامهم بأنفسهم.

الطرق الموصلة إلى الحكم: استناداً إلى مدرسة الخلفاء: تتعدد الطرق الموصلة إلى الحكم وتكسبه صفة الشرعية، فقد يكون الوصول إلى الحكم عن طريق الانتخاب وقد يكون عن طريق التعيين والوراثة، وقد يكون عن طريق القهر والاستيلاء عليها بالقوة.

الشروط الواجب توفرها في الحكام: اختلف فقهاء مدرسة الخلفاء في تحديد الشروط الواجب توفرها في الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية، وأهم الشروط التي ذكروها هي: الرجولة والفقاهة والعدالة والبلوغ والكفاءة وأن يكون من قريش إلا مع عدم وجوده، إلا أن بعضهم ذهب إلى حرمة الخروج على الحاكم الجاهل والفاسق والظالم والعطل للأحكام وغير المستوفي لبقية الشروط.

وفي جميع الأحوال فإن مدرسة الخلفاء تقول بسيادة القانون، وخضوع الحاكم والمحكوم له على حد سواء، كما تقول باستقلالية السلطات الثلاث، وتؤكد حق حرية الاعتقاد والتعبير، وحق النقد والمحاسبة والمعارضة للحكام.

المدرسة الثانية – مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): ترى أن الإمامة (مقام الحكم في الدولة الإسلامية) بعد الرسول الأعظم الأكرم (ص) استمرار لوظائف الرسالة التي لا تنقضي إلى يوم القيامة، وليست استمراراً للرسالة نفسها التي ختمت بالرسول الأعظم الأكرم (ص).

ومن المعلوم أن ممارسة وظائف الرسالة يحتاج إلى توفر شروط وصفات عالية في الإمام أو الحاكم الأعلى لكي يستطيع أن يملأ الفراغات الكبيرة الحاصلة بوفاة الرسول الأعظم الأكرم (ص) وهي صفات لا ينالها الفرد إلا إذا كان واقعاً تحت عناية إلهية وتربية ربانية ولا يعلم من بتصف بها حقيقة وواقعاً إلا الله (ج) وحده لا شريك له.

وفي بحث أطروحة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في الإمامة ينبغي التمييز بين مرحلتين:

المرحلة الأولى – عصر المعصوم: فيها توجد نصوص من القرآن والسنة على الحاكم الأعلى باسمه وشخصه، كما هو الحال بالنسبة للرسول الأعظم الأكرم (ص) والأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) يتميز بإحاطته المطلقة بالواقع وبالأحكام الشرعية وبطرق تطبيقها، ويتمتع بأخلاقية عالية جداً في ممارسة الولاية أو السيادة القانونية على الأمة أو الشعب، ويتمتع بالأمانة المطلقة في تطبيق النظام أو القانون، وقراره نافذ على الجميع، وتجب طاعته بصورة مطلقة في جميع مجالات الحياة.

المرحلة الثانية – عصر الغيبة: فيها توجد نصوص من القرآن والسنة على صفات الحاكم الأعلى وشروطه، منها: أن يكون مؤمناً بالدين إيمانا راسخاً وملتزماً به عملياً التزاماً كاملاً، وأن يكون عارفاً بالكتاب والسنة وبأحكام الموضوعات المستجدة في الحياة عن طريق الاجتهاد، وأن يكون واعياً بالواقع المعاصر له من جميع جوانبه ومنفتحاً على قضاياه ويمتلك الكفاءة والقدرة على حسن الأدارة وتدبير شؤون الدولة، وأن يكون محباً للأمة أو الشعب وحريضاً عليهما كل الحرص، وأن يتحلى بالأخلاق الإنسانية العالية، مما يجعل الحكومة تسير في الطريق الذي ترسمه الشريعة المقدسة للدولة.

وتوجد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) نظريتان أساسيتان لنظام الحكم في عصر الغيبة:

النظرية الأولى: تذهب إلى القول بانتخاب الأمة أو الشعب إلى الحاكم الأعلى حسب الشروط والمواصفات الكلية المنصوص عليها في القرآن والسنة وهذا يعني أمرين أساسيين:

الأمر الأول: أن يكون اختيار الحاكم منبثقاً من إرادة الشعب أو الأمة.

الأمر الثاني: أن يكون الاختيار موافقاً للضوابط والمعايير الإسلامية المقررة، وبهذا يختلف الإسلام عن الديمقراطية.

والخلاصة: إن سيادة الشعب وحاكميته مستمدة ومتفرعة من حاكمية الله (ج) الذي له الخلق والأمر وحده لا شريك له، وهو سبحانه وتعالى فوض للإنسان صلاحيات محددة وليست مطلقة.

قال الله تعالى: <إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ>[11].

النظرية الثانية: تذهب إلى القول بولاية الفقيه فتشترط أن يكون الحاكم الأعلى في الدولة الفقيه الجامع للشروط، كأن يكون الأعلم والأتقى والأشجع والأكثر قدرة على التدبير؛ لأنه المنصب من الله (ج) لشغل هذا المنصب، ومنه يستمد سلطته وليس من الناس، وعلى الناس السمع له والطاعة.

قال الله تعالى: <وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا>[12].

وقال الله تعالى: <إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ>[13].

يقول المحقق الكركي في كتابه جامع المقاصد: «اتفق أصحابنا على أن الفقيه العادل الجامع لشرائط الفتوى والمعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائباً من قبل أئمة الهدى (عليهم السلام) في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل»[14].

وقال الإمام الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية: «يرجع أمر الولاية إلى الفقيه العادل، وهو الذي يصلح لولاية المسلمين، إذ يجب أن يكون الوالي متصفاً بالفقه والعدل».

ويقول العلامة جواد كاظم: «إن الذي تدل عليه ضرورة العقل والشرع أن القائد الأعلى للمسلمين – في هذا اليوم – حينما احتجب عن الأمة إمامها المعصوم الحجة ابن الحسن المهدي (ع) إنما هو الفقيه العادل الذي اجتمعت فيه مؤهلات القيادة»[15].

ويقول آية الله جوادي آملي: «فإن القائد الإسلامي يتمتع بالولاية من قبل الدين وليس وكيلاً عن الأمة كما في الدول الشرقية والغربية»[16].

وتوضيح ذلك: إن الوكيل ينفذ ما يريده الموكل، أما القائد الإسلامي في الدولة فهو لا يقوم بالتعبير عن رأي الأمة أو الشعب فحسب، وإنما يقوم بتطبيق القانون الإلهي المقدس وهو صاحب الرأي في ذلك، وإن الراد عليه راد على الإمام المعصوم، والراد على المعصوم كالراد على الله تعالى، وهو على حد الشرط بالله – بحسب رواية عمرو بن حنظلة عن الإمام الصادق (ع) – قال: «ينظران – أي المتخاصمان – من كان منكم من قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذاحكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رده والراد علينا كالراد على الله، وهو على حد الشرط بالله».

يقول الإمام السيد الخامنئي: «الحكومة الإسلامية لا تعني حكومة المسلمين، بل تعني سيادة الإسلام، ولو كانت تعني حكومة المسلمين فقط لكان غاية ما تسعى إليه هو أن يكون على رأس الأمور شخص مسلم، وأن يكون سلوكه حسناً، ولا يسمح أحياناً بظهور الفسق والفجور في المجتمع، إلا أن إدارة شؤون الحياة في البلاد لا تكون على أساس الإسلام، ويبقى عندئذ للأمزجة والأذواق والعادات والثقافات والفهم الخاطئ بمختلف أنواعه تأثير، بيد أن ما يصون المجتمع الإسلامي هو الحكومة الإسلامية بمعنى حاكمية الإسلام»[17].

ويتضمن القول بولاية الفقيه – فيما يتضمن – أمران أساسيان:

الأمر الأول: إذا نهض الفقيه المستوفي للشروط يتشكيل الحكومة وجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا.

الأمر الثاني: إذا نهض الناس بتشكيل الحكومة وفقاً للضوابط الإسلامية وأقرها الفقيه الجامع للشروط، فله أن يراقب عملها ويصحح مسيرتها، ويجب على القائمين عليها أن يسمعوا له ويطيعوا.

وتنبغي الإشارة هنا إلى بعض الملاحظات المهمة:

الملاحظة الأولى: يمكن الجمع بين النظريتين من خلال إعطاء الأمة حق الانتخاب للحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية بشرط أن يكون فقيهاً جامعاً للشروط.

يقول الشهيد السيد الصدر: «وفي حالة تعدد المرجعيات المتكافئة في ناحية الشروط المتقدمة يعود إلى الأمة أمر التعيين من خلال استفتاء شعبي عام»[18].

وهذا ما حرص الإمام الخميني (ق) على تطبيقه والعمل به في الجمهورية الإسلامية في إيران وأقره الدستور الإيراني في المادة 107 وهذا نصها: «إذا عرفت وقبلت الأكثرية الساحقة من الشعب بمرجعية وقيادة أحد الفقهاء جامعي الشرائظ المذكورة في المادة الخامسة من هذا الدستور …. تكون لهذا القائد ولاية الأمر وكافة المسؤوليات الناشئة عنها، وفي غير هذه الحالة فإن الخبراء المنتخبون من قبل الشعب يبحثون ويتشاورون حول كافة الذين لهم صلاحية المجرعية والقيادة، فإذا وجدوا أن مرجعاً واحداً يملك ميزة خاصة للقيادة فإنهم يعرفونه باعتباره قائداً للشعب، وإلا فإنهم يعينون ثلاثة أو خمسة مراجع جامعي الشرائط باعتبارهم أعضاء في مجلس القيادة ويعرفونهم للشعب».

يقول آية الله جوادي آملي: «أما في النظام الإسلامي حيث يتميز الناس بالتدين ويصبون إلى مواءمة حياتهم على الصعيدين الفردي والاجتماعي مع الدين وقوانينه، فإنهم يبادرون على عصر الغيبة – حيث لا حضور للإمام المعصوم (ع) – إلى البحث عن العالم الذي يناظرهم الاعتقاد والعمل بالدين ومنصوب من قبل الشارع تنصيباً عاماً للولاية على المجتمع الإسلامي، ويلتزمون وبلايته، وأن قبولهم له لا لشخصه بل إنهم يقبلون ولاية الفقاهة والعدالة التي يلتزم بها الولي الفقيه بدوره»[19].

وقال: «إن شرعية ولاية الفقيه رغم صدورها عن الله سبحانه والنبي الأكرم (ص) والأئمة (عليهم السلام) غير أن اقتدارها العيني وتحققها الظاهري على صعيد المجتمع وإدارة الحكم مشروط بقبول الأمة؛ لأن طبيعة الحكم في الإسلام شعبي وليس استبدادي ويرتكز على أساس المشاركة الشعبية وتسامي الأمة، من هنا لا بد من الفصل بين دائرة الشرعية الصادرة عن الشارع المقدس وبين دائرة الاقتدار الشعبي»[20].

الملاحظة الثانية: إن ولاية الفقيه لا تعني الاستبداد وتقويض حقوق الأمة وذلك للأسباب التالية:

السبب الأول: إن ولاية الفقيه تعني تحديد صفات وشروط الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية وتحفظ للأمة حق الاختيار وفقاً للشروط، وهذا يعني أن الأمة هي الأساس في تثبيت السلطات والصلاحيات للولي الفقيه حينما تختاره قائداً، وأنها قادرة على عزله وسلبه جميع الصلاحيات التي منحتها إياه وأن تولي غيره.

السبب الثاني: إن ولاية الفقيه هي وظيفة قيادية يتحرك فيها الولي الفقيه من خلال برنامجه الإسلامي الذي يتولى القيادة على أساسه بهدف تركيز خط الإسلام العظيم والدفاع عن المحرومين والمظلومين وليس من أجل ذاته وبرامجه الذاتية، وهذا يتطلب تركيز وعي الأمة ورقابتها على نشاط الولي الفقيه وعمله.

يقوم الإمام السيد الخامنئي: «اعلموا يا أعزائي أن القضية ليست قضية شخص، فأنا كأي واحدٍ منكم يجب عليّ أن أدافع عن النظام الإسلامي وعن القيادة الإسلامية وعن ولاية الفقيه باعتبارها العمود الفقري لهذا النظام، تكليف شرعي وليست قضية شخصية، وإنني بدافع المسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقي أتقدم بالشكر من أعماق قلبي لكل من بادر لكبت صوت العدو وتوجيه ضربة موجعة له»[21].

السبب الثالث: إن الشروط التي يجب أن تتوفر في الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية «صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه» تضمن فيه التسامي الروحي وصحة وسلامة ودقة التطبيق للشريعة والقانون وتحقيق أهدافهما وتبعده كثيراً عن الانحراف والاستبداد.

السبب الرابع: إن الفقيه واحد من أبناء الأمة أو الشعب بخضع للشريعة والقانون كأحدهم ولا يجوز له الخروج على الشريعة والقانون، وهو على درجة عالية جداً من الأخلاق الإنسانية الجميلة، مما يجعله أميناً على مصالح أبناء الأمة أو الشعب وحياتهم وناصحاً لهم ومدافعاً عنهم وعن مصالحهم بصدق وإخلاص، وبعيداً عن الاستبداد بالرأي والاستئثار بخيرات البلد وتوظيفها لمصالحه الخاصة أو التفريط بمصالح الجماعات والطوائف أو مفضلاً لجماعة أو طائفة على جماعة أو طائفة أخرى من أبناء الأمة أو الشعب، وإنما مضحياً من أجلهم جميعاً وساعياً بجد وإخلاص من أجل الوصول بأوضاعهم وأوضاع البلاد إلى الأفضل.

السبب الخامس: إن الولي الفقيه لا يصل إلى هذا المقام إلا من خلال المؤسسات الدستورية وبعد تجربة طويلة امتحنه فيها أبناء الشعب ومؤسسات الدولة والمجتمع واستطاعت أن تكتشف خصاله وصفاته مما يضمن إخلاصه ونزاهته وبعده عن الانحراف والاستبداد.

وأن الولي الفقيه يمارس مهامه القيادية وفق قواعد الشريعة الإسلامية المقدسة والدستور ومن خلال المؤسسات الدستورية ووفق آليات عملها وليس وفق هواه ورغباته واستحساناته الشخصية، وأنه يخضع للرقابة الشعبية ورقابة المؤسسات الدستورية مع قدرتها على عزله وتوليه غيره.

يقول الإمام الخامنئي: «بأن أهم أدوات القائد لتحقيق الأهداف العليا والسامية لنظام الجمهورية الإسلامية هي هذه القنوات القانونية أي السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية»[22].

وقال: «إن آلية إدارة البلاد تتمثل في عمل السلطات الثلاث بواجباتها، وهي التي تمثل أدوات القائد في المبادرة»[23].

السبب السادس: إن ولاية الفقيه لا تتعلق بالجوانب الشخصية لأبناء الشعب أو الأمة وإنما تتعلق بالشؤون العامة وإدارة الدولة، وإن التدخل في حياة الأشخاص إنما يكون – كأي دولة عصرية – في المواضع التي لها مساس بالمصالح العامة فقط.

الملاحظة الثالثة: إن طاعة الولي الفقيه نافذة على جميع أبناء الأمة أو الشعب بمن فيهم الفقهاء الآخرون ولا تجوز لهم مزاحمته في المهام القيادية حتى وإن اختلفوا معه في الرأي العلمي، ولهم الحق في ممارسة ولا يتهم في المهام غير القيادية مثل القضاء والولاية على أموال الأيتام والقاصرين وغير ذلك.

يقول الشهيد السيد الصدر: «وإذا أمر الحاكم الشرعي بشيء تقديراً منه للمصلحة العامة وجب إتباعه على جميع المسلمين ولا يعذر في مخالفته حتى من يرى أن تلك المصلحة لا أهمية لها»[24] هذا ما دام على الاستقامة والعمل بالدين، أما لو انحرف – والعياذ بالله تعالى – فواجبتهم وواجب الجماهير الوقوف في وجهه وعزله.

وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى القول بوحدة القيادة السياسية العليا في العالم الإسلامي في عصر الغيبة كما هي في عصر الظهور، وأوجبوا خضوع جميع القوى السياسية الإسلامية في العالم للولي الفقيه ومنهجه العام؛ لأن التدخل في الشأن العام شكل من أشكال الولاية التي هي للفقيه وحده.

يقول الشيخ محمد طحيني: «الولاية عامة لكل شعوب وقبائل وأوطان الأمة الإسلامية وإن لم يعملها بالفعل إلا في البلد المبسوطة في يده لكي لا يتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد الأخرى حسب عرف عالم الاستكبار اليوم، فلو أنه أراد إعمال الولاية خارج حدود دولته كان له ذلك وكان أي حكم ولائي يصدره أو يوجهه لأبناء الأقطار الأخرى يتمتع بالنفوذ والحجية ودرجة الإلزام نفسها التي تكون للحكم الذي يوجهه لأهل بلده، فعدم إعمال الولاية في نطاق أو آخر زماني أو مكاني أو فردي أو أحوالي لا يعني عدم ثبوت الولاية»[25].

ويقول الشيخ محمد خاتون: «غير أن الكلام عن ولاية الفقيه له علاقة بالمرحلتين (مرحلة الثورة ومرحلة الدولة) فإن ثبوت الولاية للفقيه بنظر المكلف هو الذي يجعل القتيل شهيداً والقتال جهاداً والعمل بشكل عام صحيحاً أو مقبولاً على المستوى الشرعي»[26].

السلطات الثلاث في الدولة الإسلامية

تعتمد الحكومة الإسلامية في إدارة الدولة على السلطات الثلاث المعهودة في الدول الحديثة، وقد سبقها الإسلام على هذا التقسيم:

أولاً – السلطات التشريعية: المراد بها الفريق الذي تنتخبه الأمة أو الشعب – صاحب السيادة – وفق مواصفات محددة تحددها الشريعة الإسلامية المقدسة، ليقوم بعملية التخطيط ووضع البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية وغيرها وفق الأحكام الشرعية المقررة ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على لوائحها، وهنا تنبغي الإشارة إلى نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى – الانتخاب: يجب أن يكون أعضاء السلطة التشريعية منتخبون من جانب الأمة أو الشعب؛ لأن قاعدة سلطة الناس على أموالهم وأنفسهم تقتضي أن لا يقيم أحد نفسه نائباً عن الشعب أو الأمة دون إرادتهما.

النقطة الثانية – الفرق بين وظيفة السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية ووظيفتها في الدول الديمقراطية: ففي الدول الديمقراطية تكون السلطة التشريعية مسؤولة عن سن التشريعات والقوانين التي تحتاجها الدولة في كل المجالات، بينما التشريع حق محض لله رب العالمين سبحانه وتعالى في الدولة الإسلامية، وتقتصر وظيفة السلطة التشريعية فيها على التخطيط للدولة وفيما ترك لها حق النظر فيه بما يتناسب مع ظروف الدولة وفق أحكام الشريعة المقررة.

وعليه ينبغي أن نميز بين ثلاث مراحل لكي نفهم بدقة عمل السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية:

المرحلة الأولى – التشريع: هي حق محض لله سبحانه وتعالى بالأصالة.

المرحلة الثانية – التشخيص: هي حق خاص للفقهاء لأنهم وحدهم أهل الاختصاص.

المرحلة الثالثة – التخطيط: هي حق للمجلس النيابي.

المرحلة الرابعة – التنفيذ: هي وظيفة السلطة التنفيذية.

ثانياً – السلطة التنفيذية: المراد بها هيئة الوزراء وما يتبعها من دوائر منتشرة في أنحاء البلاد، وظيفتها تنفيذ ما تقرره السلطة التشريعية من قوانين وخطط في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية وغيرها، فبيدها مؤسسات لإدارة شؤون الدولة، فهي القوة الحقيقية المتسلطة على أبناء الشعب أو الأمة.

يقول العلامة جواد كاظم: «والحقيقة أن سلامة القوة التنفيذية عن دواعي الضعف وأسباب الفشل وحصانتها عن تعدي الحق والعدل هي المحك الذي سيثبت صلاحية النظام الذي يسود هذه الأمة أو عدم صلاحيته لكي تحقق لها الحياة السعيدة الفاضلة»[27].

ولهذا يجب أن يتوفر فيها أمران أساسيان:

الأمر الأول: أن يتحلى أعضاؤها ببعض الصفات الأساسية مثل الكفاءة والتخصص والأمانة والتعفف والترفع عن الأغراض والأطماع الشخصية والغيرة على الدين ومصالح المواطنين والالتزام العملي بأحكام الشريعة والقانون.

الأمرالثاني: أن تكون موضع رضا أبناء الشعب أو الأمة ومعبرة عن إرادتهم وبالتالي لهم حق المشاركة بصورة فعالة في اختيارها بأية صورة من الصور المناسبة التي يقرها ممثلو الشعب أو الأمة.

يقول الشهيد السيد الصدر: «إن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية قد أسندت ممارستها إلى الأمة، فالأمة هي صاحبة الحق في ممارسة هاتين السلطتين بالطريقة التي يعينها الدستور»[28].

ثالثاً – السلطة القضائية: المراد بها الفريق الذي يتولى المسؤولية في فصل الخصومات في الدولة وإحقاق الحق وبسط العدل والإنصاف بين كافة المواطنين، وعليها تتوقف صيانة الحقوق والحريات واستتباب الأمن والاستقرار في الدولة، ولهذا احتلت السلطة القضائية مكانة مرموقة في النظام الإسلامي، فرضع لها شروط وأصول وآداب منها: أن يكون القاضي فقيهاً تقياً عادلاً، وأن يكون مستقلاً في معاشه وعمله غاية الاستقلال، وأن يكون فاهماً وبصيراً، وأن يتحلى بالطهارة الروحية والإخلاص والشجاعة، لكي يقضي بالحق ويصدر الأحكام العادلة التي تبعث الأمل في قلب كل رجل وامرأة يتعرض للظلم وهو مطمئن وغير خائف من أحد، وأن يساوي بين المتخاصمين في التعامل، وأن لا يصدر الحكم قبل إتمام التحقيق وسؤال الخصمين، وقد منح الإسلام العظيم السلطة القضائية الاستقلال وحق الإشراف على أجهزة الدولة الإسلامية.

يقول الإمام السيد الخامنئي: «إن من حق الجميع أن يشعروا بأن إحقاق الحق وإبطال الباطل يتم بلا محاباة، والشرط الأول من أجل بلوغ ذلك هو صلابة واستقلال السلطة القضائية، واستقلال القاضي، وإغلاق الباب أمام النفوذ السياسي، وعدم تدخل الأجهزة الأخرى في عمل السلطة القضائية»[29].

وقال: «إن دور الإشراف الذي تؤديه السلطة القضائية على جميع الأجهزة في البلاد ومهمة تفادي وقوع الجرائم، وكذلك الجانب التربوي والتهذيبي الذي تقوم به هذه السلطة في السجون، تمثل جوانب أخرى من الواجبات التي تضع هذا الركن الركين للنظام الإسلامي في مكانته العليا والمؤثرة في إدارة البلاد، وتبرز كفاءة واقتدار النظام الإسلامي على كل صعيد»[30].

وقد سبق الإسلام العظيم كافة الشرائع الوضعية في الدعوة لاستقلال السلطة القضائية.

كما ذهب فريق من الفقهاء إلى القول بحق الأمة في انتخاب السلطة القضائية.

يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: «فالقضاء في حال وجود المعصوم (ع) وطهوره – نبياً كان أو إماماً – لا ولاية للأمة عليه، للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على أنه من جملة مناصب النبوة والإمامة، وأما في عصر الغيبة: فإن المعصوم قد بين الشروط والضوابط التي تعتبر في من يتصدى للقضاء، فيما يسمى: النصب العام، وأما تعيين الفقيه الفلاني لمنصب القضاء فلا بد أن يكون باختيار الأمة بنحو من أنحاء الشورى والانتخاب»[31].

مقارنة بين النظام الإسلامي والأنظمة الأخرى

أولاً – مقارنة بين النظام الإسلامي والأنظمة الاستبدادية: تعتمد الأنظمة الاستبدادية على القوة كمصدر لشرعيتها ولإرغام الشعب على الخضوع لسلطتها الغاشمة، بينما يعتمد النظام الإسلامي على إيمان الناس بأن الله سبحانه وتعالى هو المصدر الوحيد للسلطة وعلى دعمهم غير المحدود للحكومة الإسلامية في ممارسة مهامها في الدولة والمجتمع، وبينما تمارس الحكومات الاستبدادية الظلم والتعسف في الأحكام ولا تقدم أية ضمانات من أجل إقامة العدل والحفاظ على الحقوق والحريات بين المواطنين، يقدم النظام الإسلامي الضمانات التشريعية والتنفيذية لإقامة العدل والحفاظ على الحقوق والحريات، متمثلة في التشريع الإلهي العادل والتزام الحاكم الصارم بدقة التنفيذ ثم الرقابة الشعبية على الحاكم تحت عنوان: فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثانياً – مقارنة بين النظام الإسلامي والأنظمة الديمقراطية: ترى الحكومات الديمقراطية بأنها تستمد شرعيتها من الشعب وأنها لا تخضع لحدود أو قيود أخرى، بينما ترى الحكومة الإسلامية بأن مصدر الشرعية لديها هو الله سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر وحده، وهو وحده الذي يضمن الحق والعدل، أما الشعب: فهو لا يضمن الحق والعدل فقد يجهلهما وقد يميل عنهما، ولكنه مصدر القوة والدعم والمساندة للحكومة الإسلامية كما هو للحكومات الديمقراطية في التطبيق والتنفيذ، إلا أن الإرادة الشعبية التي تدعم الحكومات الديمقراطية إرادة متخبطة لأنها لا تمتلك ميزاناً تزن به الحق والعدل في مواقفها، بينما تعتبر الإرادة الشعبية التي تدعم الحكومة الإسلامية إرادة واعية بصيرة لأنها تمتلك من الوحي الإلهي ميزاناً تزن به الحق والعدل في مواقفها فتختار منه ما يوافقه وترفض ما يخالفه، ولهذا فرض الإسلام إشراف أهل الاختصاص في الموارد التي تحتاج إلى الاختصاص.

وبناءً على ما تقدم نصل إلى النتائج الأساسية التالية:

النتيجة الأولى – بخصوص الإرادة الشعبية: تعتبر الإرادة الشعبية الداعمة للحكومة الإسلامية – بناء على ما تقدم – إرادة مسؤولة يمكن مسائلتها ومحاسبتها، قال الله تعالى: <وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ>[32]، بينما الإرادة الشعبية الداعمة للحكومات الديمقراطية لا تعتبر إرادة مسؤولة لعدم وجود مصدر لشرعية مواقفها غير اختيارها فلا يمكن مساءلتها وحسابها.

النتيجة الثانية – بخصوص السلطة: تعتبر السلطة في الحكومة الإسلامية سلطة مقيدة لأنها تلتزم بحدود الشرع الذي يبين الحق والعدل ولا يمكنها الحياد عنه، بينما تعتبر السلطة في الحكومات الديمقراطية سلطة مطلقة لا تتقيد بحدود الحق والعدل، فقد تميل عنهما كل الميل كما هو واضح في النظرية والتطبيق، وفي هذا تتساوى الديمقراطية والديكتاتورية، فكلاهما لا يتقيد بحدود الحق والعدل في النظرية والتطبيق.

النتيجة الثالثة – بخصوص مسؤولية السلطة: تعتبر السلطة في الحكومة الإسلامية سلطة هادفة ومسؤولة عن تربية الإنسان وتوجيهه نحو المثل والقيم العليا في الحياة، والتطوير للأمة باتجاه الأهداف السامية للدين والكمالات الإنسانية العالية، وبذلك يصبح الحكم أو السلطة أداة الارتباط بين الأرض والسماء وبين الإنسان وربه، وليس الأمر كذلك في الديمقراطيتين: الغربية والشعبية.

يقوم الإمام السيد الخامنئي: «إن أسمى ما يطمح النظام الإسلامي لبلوغه هو تربية الإنسان الفاضل النبيل، وبناء الفرد والمجتمع على صعيد الجسم والروح، وفي كلا الجانبين المادي والمعنوي، وفتح كلا جناحي رفعة الإنسان وتعاليه»[33].

وقال: «النظام الإسلامي لا يكتفي بإعمار الدنيا للإنسان فقط، بل يعتبر بأن الدنيا والآخرة متلازمتان ولا بد من إصلاحهما معاً ولا بد أن يعيش الإنسان مرفهاً تحت ظل الحكومة الإسلامية»[34].

قال الله تعالى على لسان نبيه موسى (ع): <أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ>[35]، حيث يتحمل مسؤولية هدايتهم وتعليمهم وتربيتهم وتكميلهم والمحافظة المادية والمعنوية عليهم.

ثالثاً – أمور يتميز بها النظام الإسلامي على الأنظمة الأخرى: تعتبر المشاركة السياسية في الدولة الإسلامية فريضة ومسؤولية يجب تحملها والنهوض بأعبائها وليست مجرد حق شخصي وصلاحية ممنوحة من النظام يمكن التنازل عنها؛ لأن الأمة أو الشعب ملزمان شرعاً بتثبيت حكومة الحق والعدل، وقلع جذور الباطل والظلم، وبضبط شؤون الدولة الإسلامية وتسييرها بالشكل الذي يريده الإسلام العظيم، وهذا لا يتحقق إلا بالمشاركة الفعالة.

قال الله تعالى: <الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا>[36].

وقد انفرد الإسلام العظيم بهذه الخاصية رغم وجود نظرية في الديمقراطية الغربية تذهب إلى إلزامية المشاركة في الانتخابات على أساس أن المشاركة وظيفة اجتماعية تفرضها سيادة الأمة أو الشعب، إلا أن هذا الطرح نظري جداً ويفتقد إلى الركائز العلمية لتنفيذه على أرض الواقع، فليس لديه مصدر ذاتي للإلزام ولا يمتلك قوة التنفيذ كما هو الحال في الإسلام العظيم، وقد انحسرت هذه النظرية في الديمقراطية (عملياً) لصالح النظرية التي تذهب بالتفصيل قبل قليل تحت عنوان: الطبيعة القانونية للانتخاب.

كما أن النظام الإسلامي العظيم يدعو إلى التزام القيم الأخلاقية في كافة التعاملات السياسية وغير السياسية مع الأصدقاء والخصوم، وأن تحدد المواقف السياسية على ضوئها مهما تكن الأحوال والظروف لأنها قيم واقعية ثابتة، وقد حدد الإسلام العظيم بوضوح تطبيقات ومصاديق المفاهيم الأخلاقية الكلية ورسم طريق العمل بها لكي لا تلتبس على العاملين بها وقت العمل، وتعتبر قوائم الواجبات والمجرمات والمستحبات والمكروهات لوائح عمل مع إفساح المجال للاجتهاد لكي لا تصبح هذه القوائم جامدة بعيدة عن الواقع في الظروف الاستثنائية.

قال الله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ>[37].

وقال الله تعالى: <وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ>[38].

أما الديمقراطية الغربية: فهي تدعو إلى الالتزام بالمبادئ الأخلاقية ولكن في حدود المصلحة.

يقول كوبلاند في حديثه عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية: «أما إذا كانت نتائج التزامنا بالمبادئ الأخلاقية خسارة مصالحنا وضياعها، فإن موقفنا سيكون العكس، وستكون التضحية بدون شك على حساب تلك المبادئ الأخلاقية وليست على حساب مصالحنا»[39].

أما الديمقراطية الشعبية فهي لا تعترف بأية قيمة أخلاقية في ممارساتها السياسية وغير السياسية وترفضها كل الرفض وتدعو إلى تجرد الدولة عنها وتجاوزها تماماً.

يقول أنجلز: «إننا نرفض كل طمع بأن تغرض علينا أية عقائد أخلاقية كقانون إضافي سرمدي نهائي لا يتزعزع بعد اليوم بذريعة أن لعالم الأخلاق هو أيضاً مبادئه الدائمة التي هي فوق التاريخ والفوارق القومية، فنحن نؤكد بالعكس أن كل نظرية في الأخلاق حتى اليوم إنما كانت في التحليل الأخير نتاج الوضع الاقتصادي للمجتمع في أيامها»[40].

وقال هنري لوفانر: «لقد دلل ماركس وضرب مئات الأمثلة على أن التاريخ لم يعرف أخلاقاً للسادة وأخلاقاً للأرقاء، بل عرف التاريخ في كل مرحلة من مراحله أخلاقاً تضعها السادة للأرقاء، وكانت ظروف المعيشة المقرة رسمياً بواسطة الأخلاق تساعد دوماً على هذه السيطرة، ثم تأتي النظم الأخلاقية وتعابير الشرف والخضوع والخدمة والاستقامة، فتصاغ منها آخر قيود العبيد، وأشد إحكاماً القوانين التشريعية والدينية»[41].


  • [1] الزخرف: 51
  • [2] القصص: 83
  • [3] النمل: 34
  • [4] في ظلال القرآن، السيد قطب، جزء 19، صفحة 2640
  • [5] الإسلام المحمدي، السيد علي الخامنئي، صفحة 182
  • [6] تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي، جزء 4، صفحة 131
  • [7] البيان الشيوعي، ستالين، صفحة 24
  • [8] الأسس اللينية، ستالين، صفحة 97
  • [9] المؤلفات الكاملة، جزء 1، صفحة 17-18
  • [10] صحيفة الرافدا، 19 نوفمبر 1927م
  • [11] المائدة: 44
  • [12] الأحزاب: 36
  • [13] النور: 51
  • [14] رسائل المحقق الكركي، جزء 1، صفحة 142
  • [15] القيادة الإسلامية، جواد كاظم، صففحة 118
  • [16] ولاية الفقيه ولاية الفقاهة والعدالة، جوادي آملي، صفحة 86
  • [17] الإسلام المحمدي، السيد علي الخامنئي، صفحة 184
  • [18] لمحة فقهية، السيد محمد باقر الصدر، صفحة 29
  • [19] ولاية الفقيه ولاية الفقاهة والعدالة، جوادي آملي، صفحة 86
  • [20] نفس المصدر، صفحة 112-113
  • [21] الإسلام المحمدي، السيد علي الخامنئي، صفحة 206
  • [22] نفس المصدر، صفحة 208
  • [23] نفس المصدر، صفحة 209
  • [24] الفتاوى الواضحة، السيد محمد باقر الصدر، صفحة 114-115
  • [25] ولاية الفقيه، مركز الإمام الخميني، صفحة 42
  • [26] ولاية الفقيه، مركز الإمام الخميني، صفحة 55
  • [27] القيادة الإسلامية، جواد كاظم، صفحة 154
  • [28] لمحة فقهية، السيد محمد باقر الصدر، صفحة 53
  • [29] الإسلام المحمدي، السيد علي الخامنئي، صفحة 247
  • [30] نفس مصدر، صفحة 245
  • [31] في الاجتماع السياسي الإسلامي، شيخ محمد مهدي شمس الدين، صفحة 119-120
  • [32] الصافات: 24
  • [33] الإسلام المحمدي، السيد علي الخامنئي، 251
  • [34] نفس المصدر، صفحة 250
  • [35] الدخان: 18
  • [36] الأحزاب: 39
  • [37] المائدة: 8
  • [38] المائدة: 2
  • [39] لعبة الأمم، كوبلاند، صفحة 51
  • [40] نصوص مختارة، أنجلز، صفحة 160
  • [41] هذه هي الماركسية، هنري لوفانر، ترجمة: محمد عيناتي، صفحة 74
المصدر
كتاب الدولة والحكومة | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟