مواضيع

في رحاب ذكرى عاشوراء

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .

المناسبة : الليلة الأولى من محرم .

المكان : مسجد الزهراء ( ع ) ـ المحرق .

اليوم : مساء الأربعاء ـ ليلة الخميس .

التاريخ : 30 / ذو الحجة / 1428هج .

الموافق : 9 / يناير ـ كانون الثاني / 2008م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .

بسم الله الرحمن الرحيم .

الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .

اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أرفع أحر التعازي إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة ابن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم أيها الأحبة ، بمناسبة فاجعة عاشوراء الأليمة .

قال الله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ . رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ . رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ } .

(آل عمران:190ـ194).

هذه الآيات الأربع الشريفة المباركة من سورة آل عمران ، تحث الإنسان على التفكر في آيات الله عز وجل ، وتمدح المتفكرين وتبين صفاتهم ، وتؤكد أن الآيات الكونية في نفسها تحفز العقل على التفكير والتدبر فيها ، وأن من شأن التفكر العميق والصائب فيها أن يوصل الإنسان إلى نتائج أساسية ، منها :

أولا : الإيمان بالتوحيد { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ } .

ثانيا : الإيمان بالقيامة { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } .

ثالثا : الإيمان بالنبوة { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } .

رابعا : الإيمان بالإمامة { وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ } فالأبرار هم أهل البيت ( عليهم السلام ) بدليل قول الله تعالى : { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا . عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا . يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } .

(الإنسان:5ـ7) حيث نزلت ـ بإجماع المسلمين ـ في أهل البيت ( عليهم السلام ) .

ونتوصل مما سبق إلى النتائج المهمة التالية :

النتيجة ( 1 ) : أن التفكر في الآيات الأنفسية والكونية ينتهي قطعا إلى الإيمان بالأصول الأربعة المذكور .

النتيجة ( 2 ) : أن هذه الأصول الأربعة تنتظم في سلسلة مترابطة لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر ، وأنها تبدأ بالتوحيد ، وتنتهي بالإمامة .

النتيجة ( 3 ) : أن الإنسان لم يخلق عبثا ، وإنما خلق لغاية عظيمة ، وهذه الغاية التي تفرض وجود القيامة والحساب والجزاء ، تتطلب من الإنسان تطهير النفس وتزكيتها والعمل الصالح من أجل النجاة والفوز في الآخرة والحصول على السعادة الأبدية ، وهذا الأمر لا يمكن تحصيله بدون الإيمان بالنبوة والإمامة .

النتيجة ( 4 ) : أن نقطة الارتكاز الأساسية التي تقود العقل في عملية التفكير وتؤدي به إلى هذه النتائج ، هو النظام الدقيق والمحكم في الخلق ، الذي يكشف عن الغائية في الخلق ، وعن صفات الخالق الجمالية والجلالية .

ومن هذه النتيجة الأربع انطلق للحديث عن المناسبة ،،

وسوف يدور الحديث حول ثلاثة محاور :

المحور الأول ـ المراقبة العامة : فالإنسان ـ بحسب الآيات السالفة ـ مطالب باليقظة والتفكر في الآيات الأفقية والأنفسية ، لأنهما السبيل إلى الإيمان الحقيقي وتحصيل السعادة الأبدية في الآخرة .

قال الله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } .

( فصلت : 53 )

ويترتب على ذلك : الحذر من الغفلة وأتباع الهوى والتقليد الأعمى ، فهي السبيل إلى الضلال والشقاء الأبدي في الآخرة .

قال الله تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ . وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } ( يوسف : 103 ـ 104 ) .

ومن الأمور التي ينبغي على الإنسان مراقبتها والتدبر فيها من أجل النجاة والفوز في الآخرة ، الفواصل الزمنية ، مثل : نهاية عام وبداية عام جديد ، والفصول الأربعة ، والشهور ، والأيام ، والساعات ، والمناسبات الزمانية ، مثل ، الحج ، والصيام في شهر رمضان ، وعاشوراء ، والأعياد ، والغدير ، والقدر ، ويوم الجمعة ، وأوقات الصلاة ، وغيرها من المناسبات ، والحرص على العمل بآدابها . فإنها من عوامل التذكير والتنبيه والتحذير والتحفيز للإنسان ، وهي في الحقيقة بمثابة المنازل التي ينزل بها الإنسان في سفره من دار الدنيا إلى دار الآخرة ، وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الحقائق المهمة ، منها :

الحقيقة ( 1 ) : لا قيمة عملية للمراقبة ، ما لم ترتبط بالمحاسبة للنفس ، والسعي الجاد لتصحيح التفكير والقيم والسلوك ، والتطوير الروحي والمعنوي للنفس .

الحقيقة ( 2 ) : إن الإنسان مجبول / مفطور على دفع الضرر عن نفسه ، وجلب المنفعة إليها ، فهو يسعى دائما لاختيار الأفضل في المأكل والمشرب والمركب والمسكن وغيرها من منافع الدنيا .

ومن المعلوم : أن التفاوت في اللذة والألم في دار الدنيا تفاوت يسير وإلى حين . أما التفاوت بين لذات الدنيا ولذات الآخرة وألمهما ، والتفاوت في لذات الآخرة وألمها ، فهو تفاوت عظيم .. عظيم ، وباقي إلى الأزل .

والنتيجة : أن العاقل الحكيم : لا يمكن أن يفضل الدنيا على الآخرة ، ولا يمكن أن يفرط في درجات الآخرة .

قال الله تعالى : { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } ( المطففين : 26 ) .

إلا أن التجربة التي يعيشها الناس : تثبت خلاف ذلك . فأكثر الناس يحرصون على منافع الدنيا ولا يفرطون فيها ، ويسعون دائما لتحصيل أعلى الدراجات في الوظائف والمال والجاه والسلطة ، ولكنهم ـ للأسف ـ يفرطون في منافع الآخرة ودرجاتها .

قال الله تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } ( الأعلى : 16 ـ 19 ) .

مثال : ثواب الصلاة في المسجد ولاسيما إذا كانت جماعة يضاعف آلاف المرات على ثواب الصلاة في البيت ومنفردا ، ومع ذلك يتسامح الكثير من الناس في صلاة المسجد والجماعة ، كما يتسامحون بشأن آداب المناسبات الدينية ، مثل : الحج والصيام وعاشوراء والغدير والقدر وغيرها ، وبشأن العبادات ذات البعد الاجتماعي ، مثل : الصدقات وصلة الأرحام وإصلاح ذات البين وعيادة المرضى وتشييع الموتى وغيرها .

فيجب على المؤمنين الأعزاء : الحذر من التقصير بشأن منافع الآخرة والتفريط في درجاتها ، لأن ذلك يأتي على خلاف الفطرة والعقل ، وهو ناتج عن الغفلة وضعف الإيمان واليقين بالله عز وجل والآخرة ، والإيمان الضعيف مهدد بالتبخر والزوال أمام الشدائد ، ومنها : سكرات الموت ، فيمكن أن ينتهي أمر الإنسان في هذه الحالة إلى سوء العاقبة والعياذ بالله تعالى .

أيها الأعزاء : لا تفوتوا على أنفسكم الفرصة ، وتهيؤا ليوم القيامة العظيم .

أيها المقصرون : سارعوا إلى التوبة الصادقة ، واحذروا التسويف والمماطلة ، ولا يغرنكم حلم الله وأناته ، لأن الأعمار ليست بأيديكم ، وأعلموا : أن أخذ الله شديد ، وشوقه إلى توبة عبده المقصر عظيم .

قال الله تعالى في الحديث القدسي : ” لو علم المدبرون عني كيف انتظاري بهم ، وشوقي إلى توبتهم ، لماتوا شوقا إلي ، ولتفرقت أوصالهم ” .

أيها المؤمنون العاملون : أحرصوا على الزيادة في العلم النافع والعمل الصالح وتوخوا الصدق والإخلاص في العمل ، وأعلموا أن العمدة في إصلاح النفس وقبول الأعمال هو صلاح القلوب ، وليس كثرة العمل وحسن ظاهره . فالقلب الصالح لا يأتي منه إلا العمل الصالح ، والقلب الفاسد لا يأتي منه إلا العمل الفاسد ، والنتيجة : لا قيمة للعمل الظاهر بدون صلاح القلب ” إنما الأعمال بالنيات ” فينبغي على كل مؤمن ، مراقبة النفس ومحاسبتها ، والعمل على إصلاح قلبه وتطهيره ، من أجل الفوز بالجنة والظفر بالسعادة الأبدية . والحذر من الاهتمام بكثرة العمل وتحسين الظاهر ، مع فساد القلب والنفس ، فيفقد العمل الكثير والظاهر قيمته الحقيقة ، وتكون عاقبة الإنسان الخسران والعياذ بالله تعالى .

وأعلموا أيها الأحبة : أن الإنسان قادر على تحصيل القرب والرضا من الله عز وجل في مدة وجيزة ، قد تكون يوم وليلة ، وقد تكون ساعة ولحظة ، وذلك : إذا علم الله عز وجل من العبد الصدق والإخلاص في النية .

وأعلموا أيضا : أن العبد يحتاج إلى توفيق الله عز وجل ومساندته له من أجل إصلاح نفسه وقلبه ، وانه بدون هذا التوفيق الإلهي ، يكون عاجزا عن إصلاح نفسه وقلبه .

قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ( الأنفال : 24 ) .

فيجب على العبد المؤمن : اللجوء إلى ملك القلوب بصدق وإخلاص ، وأن يحسن الظن بعنايته جل جلاله ، من أجل أن يعينه ويوفقه لإصلاح نفسه وقلبه ، فهو قادر لا يعجز ، وجواد لا يبخل ، وأمين لا يخون ، ومن يفعل ذلك : فقد وضع رجليه على طريق النجاة والفوز العظيم في يوم القيامة .

المحور الثاني ـ مراقبة عاشوراء :

قال الله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } (التوبة:24).

وقال سبحانه : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } (الأحزاب:6).

وقال تبارك وتعالى : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } ( الشورى : 23 ) .

وقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ” ( البخاري ومسلم )

وقال : ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ” .

( البخاري ومسلم والنسائي وأحمد وغيرهم ) .

وقال : ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ، وأهلي أحب إليه من أهله ، وعترتي أحب إليه من عترته ، وذريتي أحب إليه من ذريته ” ( كنز العمال ) .

فمحبة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين ( عليهم السلام ) من أعظم واجبات الإيمان وتمامه ، واكبر أصوله واجل قواعده . وانه لا نجاة لأحد من العذاب ، ولا سبيل له للوصول إلى رحمة الله عز وجل ورضاه وقربه ، إلا بمحبة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين ( عليهم السلام ) وموالاتهم وأتباعهم . وكل مؤمن بنبوة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إيمانا صحيحا صادقا ، لابد أن يجد حلاوة محبته ومحبة وأهل بيته في قلبه ، ويحصل له اليقين بأنهم أحق بالحب من نفسه وأهل بيته ووالده وولده . فليس أحد ـ بحكم العقل والدين ـ له ما لهم من الجمال الروحي والمعنوي : لأنهم أكمل الناس ، وأكثرهم تخلقا بأخلاق الله ذي الجلال والإكرام ، وأقربهم إليه . ولا أحد من الناس انفع للإنسان منهم ، فهم السبيل لخروج الإنسان من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان والهداية ، ومن العذاب والتعاسة والشقاء إلى النعيم المقيم والسعادة الأبدية الخالدة .

والنتيجة : أن يكون الإنسان السوي : ولوعا بذكرهم ومواساتهم ، وزيارة قبورهم الشريفة ، وتعظيم جميع آثارهم وتقديسها . وأن يكون ملازما لطاعتهم ، وحريصا على إظهار دعوتهم ، وإقامة شريعتهم ، وأن يبذل النفس والنفيس في سبيل ذلك .

واستنادا إلى ما سبق : يجب على كل مسلم ومسلمة حر غيور على دينه ومحب لأهل البيت ( عليهم السلام ) أن يقوم بواجب المواساة لهم في عاشوراء ، فيظهر الحزن والتفجع لما أصابهم ( عليهم السلام ) من العطش والقتل والسبي والإساءة والإهانة والهتك لحرمة المقام المقدس ، فيترك بعض لذاته في مطعمه ومشربه ومنامه وكلامه ، لاسيما في يومي : التاسع والعاشر ، وأن لا يكون مصابه في الصفوة الطاهرة من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أهون عليه من مصابه في أهله ووالده وأولاده وأصدقائه وأصحابه ، فيكون لسان حاله ـ بحكم العقل والفطرة والدين ـ كما كان حال أصحابه في كربلاء ، يقول : يا ليتني فداء لك ، ويا ليت أهلي وأولادي كانوا مكان أهلك وأولادك . ولا صدق ولا أخلاص ولا حكمة ولا سلامة في النفس لدى العبد بدون ذلك ، فإذا لم يكن كذلك : فعلى العبد أن يسارع إلى علاج مرض نفسه وقلبه وغروره بزخارف الدنيا وزينتها ، وإصلاح الخلل في دينه وعقيدته .

قال الله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُم أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ( الجمعة : 6 ) .

وقال سبحانه : { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ( البقرة : 94 ) .

ليعلم كل مؤمن : بأن لا عذر له عند الله عز وجل إذا نال أحد من أهل البيت ( عليهم السلام ) بسوء وفيه عين تطرف .

ومن سعادة الإنسان أن يقوم بآداب أيام عاشوراء ، وفي مقدمتها :

1 ـ التفكير في أحوال الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ،،

ومن أحواله ( عليه السلام ) : أنه تحمل القتل والشدائد بدافع العشق لله ذي الجلال والإكرام والحصول على القرب من الله جل جلاله ، فكان مع العطش والجوع وقتل الأحبة وحر الشمس وطعن الرماح وقطع السيوف يزداد وجهه إشراقا لتجليات أنور الجمال وسبحات الجلال على قلبه المقدس ، وقد وجد في شوق اللقاء والوصال مع المحبوب ، ما يهون عليه أهوال الشدائد ، ويحولها إلى لذة روحية غامرة .

ومن أحواله ( عليه السلام ) : أنه تحمل القتل وكل تلك الشدائد والمحن ، من أجل نجاة المؤمنين من النار ، وفوزهم بالجنة والرضوان ، مما يفرض عليهم ـ بحكم العقل والفطرة ـ الوفاء والمواساة له ، وهذا من كريم الصفات وعلامات السعادة . أما الجفاء والقسوة ، فهما من سيء الصفات وعلامات الشقاء والخسران .

الجواب على إشكال : يشكل البعض على محبي الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الأطهار ( عليهم السلام ) المبالغة في إقامة احتفالات الفرح في مواليدهم والعزاء والحزن في وفياتهم ، على مدى هذا التاريخ الطويل . ولا أرغب بالدخول في الجدل الذي يميت القلب ، ولكن أكتفي في الجواب على هذا الإشكال ، بالقول : أن شعور الفرح والحزن مما فُطر عليه الإنسان ، فكل إنسان سوي يفرح في مقام الفرح ويحزن في مقام الحزن ، ولا يوجد إنسان سوي واحد ليس لديه هذين الشعورين . وقد جرت سيرة العقلاء والشعوب والأمم ، على إقامة حفلات الفرح في المناسبات المفرحة ، وحفلات الحزن في المناسبات الحزينة ، وتقوم بتخليد ذكرى عظمائها عبر التاريخ الطويل . والعقل يحكم : بأن هذه الاحتفالات مما تساعد في بناء وتكامل الأفراد والجماعات والمجتمعات والشعوب والأمم ، لأنها تكرس مبادئ العظماء في الحياة ، وتحفز الناس على الاقتداء بهم ، والسعي لتحقيق أهدافهم العظيمة في الحياة ، مما يعود بالمنفعة على الأفراد والجماعات والمجتمعات والشعوب والأمم ، ويساهم في تكاملهم الروحي وتقدمهم المادي والثقافي . ولو لا هذا التخليد لضاعت المبادئ والأهداف .

وقد جرت سيرة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأنبياء ( عليهم السلام ) على مثل ذلك ، فالمسلمون يحتفلون بعيدي : الفطر والأضحى ، وقد حرص الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على إظهار الفرح بمولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) من خلال العق عنهما وحلق رأسيهما والتصدق بوزن شعرهما ذهبا أو فضة ، وأصبحت مثل هذه الممارسة من السنن الشرعية لدى كافة المسلمين لكل مولود . كما أنه بكى بكاء مرا على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهو طفل ، وذلك حينما أخبره الحبيب جبرائيل ( عليه السلام ) بأنه يقتل ، وبكى الصحابة لبكائه . كما أنه حث المؤمنين ـ بإجماع المسلمين ـ على البكاء على سيد الشهداء الحمزة بن عبد المطلب ( عليه السلام ) بعد أن استشهد في معركة أحد . فإذا كان الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه ( رضي الله عنهم ) قد بكوا على الإمام الحسين ( عليه السلام ) قبل أن يقتل ، فبالأولى أن يبكي عليه المسلمون إقتداء بالرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصحابه المنتجبين الأخيار بعد أن قتل .

وقد يشكل البعض على مبالغة المحبين في البكاء والحزن ، والجواب على ذلك : ما أجاب به الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) حينما سؤل عن شدة حزنه وبكائه على أبيه وإخوته وأصحاب أبيه ، فقال بما معناه : أن نبي الله يعقوب ( عليه السلام ) قد غاب عنه أحد أبنائه وهو يوسف ( عليه السلام ) وهو يعلم بأنه لم يقتل ، وأنه على قيد الحياة ، فحزن على مجرد فقده وبعده عنه حزنا عظيما ، حتى شاب رأسه ، واحدودب ظهر ، وأصبحت له مثل الأخاديد في وجهه ، وابيضت عيناه من الحزن والبكاء . انتهى

وتفسير ذلك : علم يعقوب ( عليه السلام ) بالخصال الحميدة ليوسف ( عليه السلام ) ومكانته عند الله جل جلاله ، ونحن نعلم بأن يوسف ( عليه السلام ) ليس أفضل من الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الأطهار ( عليهم السلام ) حتى يعاب على المؤمنين المبالغة في إظهار الحزن والبكاء عليهم ، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار قول الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ، وأهلي أحب إليه من أهله ، وعترتي أحب إليه من عترته ، وذريتي أحب إليه من ذريته ” ( كنز العمال ) .

2 ـ القيام بواجب العزاء والزيارة بصدق وإخلاص : فإن العمل القليل مع الصدق والإخلاص في النية ، خير من الأعمال الكثيرة الخالية منها . وكلما زاد اللطف والدقة والصدق والإخلاص في العمل ، ازداد العمل شرفا ونورا وإشراقا وفائدة في الدنيا والآخرة ، وزادت فرصته في النجاح وتحقيق الأهداف . وإذا علم الله عز وجل من العبد صدق النية في المواساة ، قبل منه ذلك ، وأقعده مع أهل البيت ( عليهم السلام ) في مقعد صدق في جواره { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } ( القمر : 54 ـ 55 ) وكان ـ بحق وحقيقة ـ من الذين يعظمون شعائر الله { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } ( الحج : 32 ) ومع الصادقين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } ( التوبة : 119 ) .

ويجب على كل مؤمن : الحذر من الدعوى الكاذبة في المواساة ، فيكون مقعده في أسفل درك في النار مع الكاذبين والمنافقين .

والدليل على كذب الدعوى في المواساة : الانهزام في مقاومة الخوف والطمع أو الترهيب والترغيب ، فلا يصبر حتى على القليل من البلاء في جنب الله والحق والعدل والفضيلة تحت تأثيرهما !! نعوذ بالله تعالى من ذلك .

المحور الثالث ـ الدروس من الذكرى : سوف أذكر ما أرى أهميته ومناسبته من الدروس بحسب ما يسمح به الوقت .

الدرس ( 1 ) : أصالة العزة والمقاومة : تعتبر العزة ومقاومة الظالم والتصدي لقوى الاستبداد والاستكبار والتخلف والفساد ، من الحالات الأساسية التي لا تنفك عن حقيقة الإيمان ومواقف المؤمنين ، الذين عرفوا حقيقة الإيمان بعقولهم ، وذاقوا حلاوته بقلوبهم الزكية الطاهرة ، وقد ترجم الإمام الحسين ( عليه السلام ) ذلك : قولا وعملا في ثورته العظيمة المباركة .

قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } .

( المنافقون : 8 ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” إن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه ” .

ومعنى ذلك : أن الإنسان ليس له الحق في أن يذل نفسه ، فالله جل جلاله لا يريد للإنسان البقاء في حالة الاستعباد للطواغيت والمستكبرين والرضوخ للأمر الواقع الظالم والمنحرف أو القبول به ، ما دام قادرا على مواجهته . فنهاه عن القبول بالعبودية للمستكبرين والمستبدين والمفسدين في الأرض ، وأمره بالرفض والمقاومة والتصدي لهم جميعا .

قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا } ( النساء : 97 ) .

وقال تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا } ( النساء : 75 ) .

ومما يؤسف له : أنه مع كل النصوص الشريفة المباركة التي تدعو المسلمين إلى رفض الظلم ومقاومته والسعي لإقامة العدل ، حتى أن القرآن الكريم اعتبر إقامة العدل غاية بعث الأنبياء وإنزال الكتب { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ( الحديد : 25 ) نجد تكرس الظلم والاستبداد والاستكبار والفساد والتخلف والانحراف في واقع المسلمين لعقود متطاولة وعجز المسلمين عمليا عن مقاومتها والقضاء عليها . بل سعى بعض علماء الدين والنخبة من المثقفين ، لتبرر الرضوخ والمسايرة بالواقعية والحكمة وتحت عناوين كاذبة وخادعة لعامة الناس ، مثل : النهي عن التهلكة ، والخروج على الشرعية ، وغيرها ، وكانت النتيجة الفعلية : تكرس الظلم والانحراف ، ونقض غاية الدين ومقاصد الشريعة العظيمة ، مما يدل ( قطعا ) على خلل في الفهم والممارسة للدين . وقد أصبح الواقع الفاسد والمنحرف ـ بهذا المنطق المنحرف والممارسة الخاطئة ـ يقود الدين والشريعة ، بدلا من أن يقود الدين والشريعة الواقع والحياة لتحقيق مقاصدهما ، كما أراد الله سبحانه وتعالى .

قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ( البقرة : 143 ) .

ويتحمل الكثير من علماء الدين والنخبة من المسلمين والمؤمنين المسؤولية عن ذلك .

قتل الحسين بسيف جده : وقد أسرف البعض في الظلم والانحراف حينما قال : ” خرج الحسين على إمام زمانه فقتل بسيف جده ” فهذا القول ظالم ومجافي للحقيقة ، لأنه بخلاف العقل والوجدان الشرعي ، لأن الإمام الحسين ( عليه السلام ) هو سيد شباب أهل الجنة ـ بإجماع المسلمين ـ وقد شهد الله جل جلاله له في سورة الإنسان بأنه يعمل بإخلاص لوجه الله عز وجل { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا } ( الإنسان : 8 ـ 9 ) فقد نزلت هذه الآيات الشريفة المباركة ـ بإجماع المسلمين ـ في الإمام علي والزهراء والحسن والحسين ( عليهم السلام ) . والإمام الحسين من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ومن العترة التي خلفها الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع القرآن ، وأمر المسلمين التمسك بهما ليعتصموا من الضلال . قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ” . فليس أقل من أن يرجح المسلم المنصف اجتهاد أهل البيت ( عليهم السلام ) ـ على تقدير أنهم مجتهدون ـ على اجتهاد غيرهم في الدين في حال اختلاف الاجتهادين .

قال الله تعالى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ( أي الناس في موقفهم من المصطفين ) ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } ( الفطر : 32 ) .

ليحذر كل مسلم في موقفه من أهل البيت ( عليهم السلام ) من أن يكون من فئة الظالمين لأنفسهم ، فيكون من الخاسرين .

الدرس ( 2 ) : كان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يحمل رسالة وهو صاحب قضية وله أهداف عظيمة يسعى من أجل تحقيقها ، فسعى وكانت له مواقف في الحياة ، وقد ضحى بالنفس والنفيس من أجلها ، وحقق نجاحا باهرا ومنقطع النظير في تحقيق أهدافه ، التي هي عين أهداف السماء . وهذا يقودنا للتعرف على أهم العناصر لكل حركة تريد تحقيق النجاح ، والعناصر هي :

العنصر ( 1 ) : الإيمان واليقين بالقضية .

العنصر ( 2 ) : البصيرة القيادية والتخطيط الاستراتيجي .

العنصر ( 3 ) : السعي والحركة .

العنصر ( 4 ) : الصبر والصمود والاستعداد للتضحية .

العنصر ( 5 ) : الصدق والإخلاص .

وهذا العنصر هو الذي يعطي الحركة قيمتها في الآخرة ، ويعتبر أهم عامل من عوامل التأثير في القلوب والنفوس ، وتحقيق النجاح الحقيقي للحركة على المدى القريب والبعيد . فسعة وعمق ونوعية تأثير دعوة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الناس على المدى الطويل للتاريخ ، هو انعكاس لإخلاصه . وسعة وعمق ونوعية تأثير ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الناس على المدى الطويل للتاريخ ، هو انعكاس لإخلاصه الذي يفوق إخلاص كافة الأنبياء ماعدا جده خاتم الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) وكذلك نجاح الإمام الخميني ( قدس سره الشريف ) في إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران ، ونجاح حزب الله المظفر في مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والانتصار عليه ، هو انعكاس إلى إخلاص النية لله عز وجل . وكل من يريد التأثير الايجابي في النفوس والقلوب ، وتحقيق النجاح الحقيقي لحركته ، فعليه أن يحقق الصدق والإخلاص لله عز وجل في النية ، وإلا فلا نصيب له من القبول عند الله عز وجل ، ولن يحقق النجاح الحقيقي المطلوب .

الدرس ( 3 ) : أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) كان يعمل بدون شك من أجل كماله الإنساني : الروحي والمعنوي ، وهذا ما ينبغي على كل مؤمن فعله . وقد أثبت الإمام الحسين ( عليه السلام ) بنهضته الشريفة المباركة وتضحياته العظيمة ، بأن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى درجات الكمال الإنساني العالية من خلال الانعزال وممارسة العبادات ، مثل : الصلاة والصيام والدعاء والحج وغيرها في حالة صوفية بعيدة عن حركة المجتمع وصراعاته ، وإنما يصل إليها من خلال ممارسة التقوى في حركة المجتمع .

قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( الحجرات : 13 ) .

والخلاصة : من ركز على ممارسة العبادات في الحالة الصوفية بعيد عن حركة المجتمع وصراعاته ، نقول له : تقبل الله العمل ، ولكنك لن تصل إلى الدرجات العالية في الكمال الإنساني والقرب القريب من الله ذي الجلال والإكرام .

الدرس ( 4 ) : يتحلى الإنسان بحرية الاختيار والقدرة على تقرير المصير على الصعيد الفردي . فيستطيع باختياره : أن يكون مسلما أو كافرا ، طائعا أو عاصيا ، مقصرا أو موفيا بالواجبات ، مقاوما أو راضخا ، وغير ذلك من الخيارات . أما على الصعيد المجتمعي : فهناك حتميات تاريخية لابد أن تتحقق ، ولا يستطيع الأفراد والجماعات والقوى السياسية والمجتمعية الأخرى ، أن يحولوا دون تحقيقها مهما وضعوا من استراتيجيات ، ورسموا من خطط ، واتخذوا من مواقف مضادة في الحياة .

قال الله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ( التوبة : 33 + الصف : 9 ) .

وفي آية أخرى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } ( الفتح : 28 ) .

وغير ذلك من الآيات التي تذكر مثل هذه الحتميات التاريخية .

ومعنى ذلك : أنه مع وجود الحرية الفردية في الاختيار ، فإن السنن التي يعمل أو تسير وفقها الحركة الاجتماعية والتاريخية للإنسان ، لابد أن تنتهي بالمسيرة التاريخية للإنسان إلى هذه الحتميات .

ومن جهة ثانية : فإن خيارات الأفراد والجماعات والقوى والشعوب والأمم ، لها تأثيراتها في تقديم أو تأخير حدوث هذه الحتميات وإن لم يكن في إمكانها إلغاؤها .

قال الله تعالى : { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } ( الأعراف : 128 ) .

وقال الله تعالى : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } ( الأنفال : 7 ) .

فعلى كل فرد ، وكل جماعة وقوة : أن يدركوا بأنهم من خلال اكتشافهم للسنن والعمل من خلالها أو جهلهم بها أو تجاهلهم لها ومخالفتها ، ومن خلال توفير شروط النجاح والنهضة أو تضييعها ، فيما يضعونه من استراتيجيات ، ويرسمونه من خطط ويصمموه من برامج ، ويتخذونه من مواقف في الحياة والشؤون العامة ، سوف يؤثروا سلبا أو إيجابا في حدوث هذه الحتميات التاريخية : تقديما أو تأخيرا ، ويتحملوا المسؤولية الدينية والتاريخية والمجتمعية عنها .

علينا أن نعلم جميعا : أفرادا وجماعات وقوى بأننا ، مثلا : نؤثر في تقديم الإصلاح أو تأخيره في مجتمعاتنا ودولنا ، وتقديم الظهور الميمون لصاحب العصر والزمان أو تأخيره ، ونتحمل المسؤولية التاريخية والدينية عن ذلك ، ونستحق الثواب أو العقاب من الله جل جلاله على مواقفنا وانعكاساتها على المجتمع والدولة وما يصيب الناس منها من الخير أو الشر ، من النفع أو الضرر ، من السعادة أو الشقاء . ولا ينفع الإنسان في هذه الحالة ، إلا الصدق والإخلاص لله عز وجل في النية . ولهذا قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) بكل صدق وإخلاص وقرنه بالموقف العملي : ” إن كان دين جدي لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني ” خذيني .

أما التبريرات : فإنها تنفع مع الناس ولا تنفع مع الله جل جلاله .

قال الله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا } ( النساء : 62 ) .

وقال الله تعالى : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ( التوبة : 42 ) .

وقد ذكر القرآن الكريم بأن هناك صنف من الناس ، نظرا لرسوخ ملكة الخداع والكذب والتبرير لديهم ، فإنهم يسعون لخداع الله عز وجل يوم القيامة بواسطة الحلف له كما يحلفون للناس في الحياة الدنيا لخداعهم .

قال الله تعالى : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ } ( المجادلة : 18 ) صدق الله العظيم .

فليحذر المؤمنون ، فليحذر المؤمنون ، لاسيما وهم يحيون موسم التضحية والصدق والإخلاص ، عاشوراء المعظم .

أيها الأحبة الأعزاء

أكتفي بهذا المقدار

واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم

واعتذر إليكم عن كل خطأ أو تقصير

واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

المصدر
كتاب إضاءات على درب سيد الشهداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟