مواضيع

تحلي المسلمين بالعدل والميل إلى السلم

تحلّي المسلمين بالعدل والإنصاف مع جميع الناس حتى مع الخصوم والأعداء والميل للسلم، قول الله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا>[1]، وقول الله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ>[2]، وقول الله تعالى: <وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ>[3] وقول الله تعالى: <وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ60  وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 61 وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ>[4]

الأفكار الرئيسية والمضامين العامة للآيات

وتتضمن الآيات الكريمة المباركة النقاط الرئيسية التالية، وهي:

1.    حث المسلمين على أن يكونوا أقوياء

حثُّ المسلمين على أن يكونوا أقوياء شديدي الاهتمام والحرص والمسارعة والوفاء والمواظبة على القيام بوظائف العبودية لله ذي الجلال والإكرام، وأداء حقوق الربوبية، والقيام بالمسؤوليات والتكاليف الشرعية التي يطلبها الله؟ج؟ منهم في جميع الشؤون الخاصة والعامة وفي جميع الظروف، مثل: الحرب والسلم، والسعة والضيق ونحو ذلك، والاجتهاد في إقامتها وإحيائها وإظهارها بصلابة وقوة وصدق وإخلاص وعلى أتم الصور وأحسن الوجوه بالأقوال والأفعال، وأن يلتزموا بالاستقامة إذا أمروا، وأن يتبعوا منهج الاعتدال القويم والطريقة الوسطى المثلى في الحياة، ويجسدوا القيم السماوية العليا والمبادئ الإنسانية السامية قولاً وفعلاً، وفي كل الأحوال والظروف والأوضاع من غير تهاون أو ضعف أو ميل عنها لهوى أو عاطفة أو خوف أو طمع أو نحو ذلك، حتى يصبح العمل بها طبيعة راسخة وملكة ثابتة لهم وجزءاً من أخلاقهم، فيكونوا مظهراً من مظاهر صفات الله ذي الجلال والإكرام، ودعاة حقيقيين صادقين إلى الله؟ج؟ بأعمالهم وأقوالهم وأحوالهم، وعلى رأس تلك القيم وفي مقدمتها، قيمة العدل بين الناس: الأولياء والأعداء فيما يتولونه من أمرهم، فالعدل هو أشرف الفضائل وأسماها، وعليه تقوم سائر الفضائل والمكارم، وهو ميزان الله في الأرض، وعليه تتوقف استقامة الأمور، وبه يميز الصالح من الأعمال عن الطالح، فهو أساس حفظ النظام، وبه صلاح الناس وتثبيت الحقوق ويساس العباد، وهو قوام أمر الحياة والاجتماع، وقد أمر الله؟ج؟ عباده المؤمنين بالتحلي بالعدل، وهو أمل الإنسانية وهدفها، والإسلام هو دين الإنسانية الخالد القويم الذي يرعى حقوق جميع الأفراد والجماعات والشعوب والأمم، يقول العلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «قلّما نجد قضية أعطى الإسلام لها أهمية قصوى كقضية العدل، فهي وقضية التوحيد سيّان في تشعّب جذورهما إلى جميع القضايا العقائدية والعملية والاجتماعية والفردية والأخلاقية والقانونية، لا تنفصل مطلقاً عن حقيقة التوحيد، فلذلك لا تنفصل كل هذه القضايا ولا تخلو أبداً من روح العدل»[5].

وفي العمل بما يأمر الله؟ج؟ والانتهاء عمّا ينهى عنه، وتجسيداً لمحبة الله ذي الجلال والإكرام وتعظيمه والفوز بثوابه، وفي معصية مخالفته والتهاون بأمره ونهيه، استهانة بالله؟ج؟ والتقصير في مراعاته وتعظيمه وتكبيره والتعرّض لسخطه وغضبه وعقابه.

وقيل: إنّ عبارة <كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ>[6] هي أبلغ ما يمكن أن يقال في تأكيد أمر العدل والعناية به؛ لأنها أمر بتحصيل الصفة لا بمجرد الإتيان بالقسط، بمعنى: لتكن المبالغة منكم أيها المسلمون والعناية بإقامة القسط على وجهه صفة من صفاتكم، بأن تتحرّوه بالدقة التامة والعناية الفائقة في جميع الأقوال والأفعال والأحوال والظروف والأوضاع، حتى يكون ملكة راسخة في نفوسكم.

2.    حث المسلمين على العناية بأمر الشهادة

الأمر بالعناية الفائقة بأمرالشهادة والرسوخ فيها، بأن يؤدّي المسلمون الشهادة الصادقة خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، بأن يراقبوا الله(عز وجل)ويتحرّوا في الشهادة الحق والصدق الذي أمر الله بهما واتباع شرعه الحنيف من غير ميل ولا محاباة لأحد طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى وثوابه ومحبته والقرب منه، فيؤدوا الشهادة على وجهها الحق حتى لو كانت مضرّة بمصالحهم الخاصة، كأن يُقِرَوا بما عليهم للغير من الحقوق، أو كانت مضرّة بمصالح الوالدين والأقارب، مثل: الأولاد والأخوة وأبناء العمومة ونحوهم، بأن يشهد عليهم بحق الغير، وقد ذكر الله؟ج؟ الأبوين؛ لأنهما أحبُّ الناس وأقربهم إلى الإنسان، ولوجوب برّهما والإحسان إليهما على الأولاد، ثم ذكر الأقربين؛ لأنهم مظنّة المودة والتعصّب لهم عند الإنسان، وعليه: إذا تصادمت المصلحة الشخصية مع الدين والعدالة، فيجب علينا أن نؤثر الدين والعدالة على مصالحنا الشخصية ونضحي بها؛ لأنه بالدين وبفضيلة العدالة يصل الإنسان إلى كماله وينال مقام القرب من الله ذي الجلال والإكرام، ويحصل على سعادته الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة، ويعتبر مقام القرب الذي ينال بالدين وفضيلة العدالة من أجلّ المقامات وأعلاها، وتعتبر العدالة مظهراً من مظاهر وحدانية الله ذي الجلال والإكرام وكمال صفاته، ومرآة لحقيقة أحكامه وتشريعاته المقدسة، إذ بها ينقطع العبد إلى الله سبحانه وتعالى عن كل شيء سواه، فلا ينظر لهوى أو مصلحة أو لأي شيء سواه، ولا يكون لغيره فيه مطمع، يقول العلّامة الشيخ محمد جواد مغنية: «ولو قارن واحد من الناس هذه الحقيقة القرآنية مع سلوكنا، لانتهى إلى أننا نؤثر مصالحنا ومصالح ذوينا على الدين، وإذا حقّق ودقّق في البحث، آمن بأن المصدر الأول والأخير للدين عندنا هو المصلحة والمنفعة، لا الكتاب ولا سنة رسول الله(ص)، هذا هو واقعنا أو واقع أكثرنا أو واقع الكثير منا، ولكن لا نشعر بهذا الواقع ولا ننتبه إليه؛ لأن الأنانية قد طغت على عقولنا وفصلتنا عن واقعنا وعن أنفسنا وأعمتنا عن الحق، وأوهمتنا أن دين الله هو مصلحتنا بالذات، وما عداها ليس بشيء»[7] وقال: «ما رأيت آية في كتاب الله تتصل بالدين، إلا وأحسست بالبعد والتفاوت بين الدين كما حدّده الله في كتابه والدين كما نمارسه في سلوكنا … نحن نتحدث عن الدين وندعو إليه على أنه من الله، وأنه ليس لنا من أمره شيء، وأننا عبيد له تماماً كما نحن عبيد الله … هذا ما أعلنّاه وجهرنا به … ولكن بين الدين كما أعلناه ودعونا إليه … وبين سلوكنا الذي وصفناه بالدين بون شاسع وتضاد واضح»[8].

ثم لفت القرآن الكريم الإنتباه إلى حال المشهود له أو عليه: كأن يكون غنياً أو فقيراً، قوياً أو ضعيفاً، فيمتنع الشاهد عن الشهادة عليه طمعاً في بره أو خوفاً من شره لغناه وقوته، أو رحمة بالفقير وتعطفاً عليه أو استهانة به وتحقيراً له لفقره وضعفه أو نحو ذلك، فلا يجوز الإلتفات إلى ذلك، ويجب على الشاهد أن يؤدي الشهادة على وجهها الصحيح اتباعاً للحق ورغبة صادقة ومخلصة في إحيائه وإظهاره؛ لأن مقتضى الإيمان والاستقامة على الدين الحق ورضا الرب؟ج؟ وكمال الإنسان وسعادته الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة والمحافظة على المصلحة العليا العامة الدين والأمة وصيانة الحقوق والمحافظة على الأمن والاستقرار ونحو ذلك، إنما هو في الشهادة الصادقة الصحيحة، وفي مخالفتها والميل إلى الأهواء النفسية والرغبات المنحرفة، تقوية إلى الباطل وتعزيز إلى الظلم والفساد وتقويض للمصالح العامة والأمن والاستقرار وتضييع الحقوق ونحو ذلك، مما يسير بالأمة في الطريق إلى الهلاك في الدارين الدنيا والآخرة، فالشهادة بالحق دين وإيمان، فلا يكون الإنسان مؤمناً بحق وحقيقة ومستقيماً على الصراط المستقيم ومطيعاً لله سبحانه وتعالى إلا إذا تجرد من ميوله وأهوائه، وأزال عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن إرادة الحق والعدل، وأدّى الشهادة على وجهها الصحيح بدون تغيير أو تبديل أو تزييف أو تحريف قربة لله سبحانه وتعالى وطلباً لمرضاته وثوابه ومحبته وقربه والزلفى لديه.

ويؤكّد القرآن الكريم وينبّه إلى أن الله(عز وجل) أولى بالطاعة والطمع في ثوابه والخوف من عقابه من أي أحد كان، وأنه أَنظَرُ إلى حال الناس، الأغنياء والفقراء، الأقوياء والضعفاء، وإرادة خيرهم ومصلحتهم والقدرة عليهم من أي أحد كان، وهو أرحم بالناس من جميع الناس، فهو أرحم بالأبناء من الآباء والأمهات، وأرحم بالآباء والأمهات من الأبناء، فما في قلوب الآباء والأمهات والأبناء جميعاً من الشفقة والرأفة والرحمة هي من عند الله تبارك وتعالى وخلق من خلقه، مما يدل على أنه أرحم بالجميع من الجميع.

وتدلّ الآية على أمور رئيسية عديدة، منها:

  • إنّ المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
  • إنّ القيم الدينية والروحية مقدمة على القيم المادية والعصبية والقبلية ونحوها.
  • لا يمكن للإنسان أن يوصل إلى كماله المقدر له اللائق به وتحصيل سعادته الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة، وأن لا صلاح للإنسانية الأفراد والمجتمعات والأمم إلا بالعدالة وإقامة القسط.
  • ليس من بر الوالدين وصلة الرحم أن يعاونوا على ما ليس لهم بحق، وإنما البر والصلة حقيقة وواقعاً في الحق والعدل والمعروف، وأن الذين يتعاونون على الظلم وهضم الحقوق والفساد، إنما يتعاونون حقيقة وواقعاً على الإثم والعدوان والبغي، وهم خارجون على دين الحق والصراط المستقيم ومحاربون لله(عز وجل) وأعداء للإنسانية والقيم العليا والمبادئ السامية ومفسدون في الأرض.

وما سبق يدل على الأهمية البالغة للعدل وشرفه العظيم وعظيم أثره في حياة الإنسان الفردية والمجتمعية، المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، وضرورة ملازمته والثبات عليه في جميع الأحوال والظروف والأوضاع، وعليه: يجب على المسلمين بما هم مؤمنين بالله(عز وجل) مطيعين له ومحبين، أن يكونوا متبعين للحق، قوّامين بالعدل، وأن لا يتبعوا في شهاداتهم أمام القضاء أو في الحكم على الآراء ونحو ذلك، الأهواء المعرضة للحق وما تشتهيه أنفسهم من جلب النفع للنفس والوالدين والأقربين، ودفع الضرر عنهم، أو يمتنعوا عن أداء الشهادة أو يلوو ألسنتهم ويحرفوا النطق؛ ليخفوا معالم الشهادة بالحق خوفاً أو طمعاً أو كراهية لشيء ونحو ذلك من الرذائل الخسيسة التي تعمي البصيرة وتفسد الدين وتمنع من الكمال والوصول إلى المقامات العالية، فليحذروا من تلك الجرائم، جريمة الشهادة بالزور، وجريمة كتمان الشهادة، وجريمة تغييرها عن وجهها الحق بطريقة تخدم ما يرغب فيه الشاهد من الباطل والظلم والجور ونحوها، والتماس المبررات الوهمية والمعاذير الباطلة التي يعلم الله سبحانه وتعالى ببطلانها وعدم واقعيتها؛ لأنّ تلك الجرائم مخالفة لحقيقة الإيمان وكماله، وتجرّ على البشرية الوبال وتسير بها في طريق الهلاك والشقاء في الدارين الدنيا والآخرة، وليخافوا من عقاب الله(عز وجل) لهم، وليعلموا أن الله(عز وجل) خبير بحقائق أعمالهم ومطّلع على دقائق الأمور وحقائق ما يخفون في صدورهم وما يعلنون، وأنه يجازيهم بما يستحقون وما هم أهل له على أعمالهم صغيرها وكبيرها بما هي عليه في حقيقتها وواقعها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولا يخدع في شيء من ذلك مطلقاً.

وقيل: التحذير يشمل القاضي أيضاً، بأن يُعرِض عن أحد الخصمين، أو يلوي عن الكلام معه ونحو ذلك، فيحكم بغير الحق والعدل، أو يترك الحكم الذي يجب عليه القيام به أو نحو ذلك مما يتعارض مع الحق والعدالة.

3.    حث المسلمين على تحري طريق الحق والعدالة

يجب أن يتحرّى المسلمون طريق الحق والعدالة في جميع الظروف والأحوال حتى مع الخصوم والأعداء، فلا يحملهم بغضهم لقوم مشركين وعداوتهم لهم، أو لقوم اعتدوا عليهم وظلموهم، أو لقوم يتحلّون بالرذائل وقبيح الصفات ونحو ذلك، على أن ينصرفوا عن الحق والعدل والقسط والإنصاف معهم إلى الباطل والظلم والجور والبغي والاعتداء عليهم بغير الحق وعلى خلاف الشريعة المقدسة، وارتكاب ما لا يحلّ لهم فعله، مثل: قتل الأبرياء منهم، ونقض العهود والمواثيق معهم، وكتم الشهادة التي تنفعهم ونحو ذلك لمجرّد الكره أو بدافع الانتقام والتشفي ونحو ذلك من المنكرات، فيعطّلوا بذلك صلاح أنفسهم والهبوط عن المقام الرفيع والمنزلة السامية إلى حضيض الشيطنة والحيوانية، فالإيمان الراسخ لا يقف في وجهه شيء، وجدير بالمسلمين بما هم مؤمنين بالله(عز وجل) وعارفين به ومطيعين له ومحبين ومتبعين لدينه الحنيف وشريعته أن يلتزموا بالعدل والإنصاف مطلقاً في جميع الظروف والأحوال والأوضاع ومع جميع الناس حتى مع أعدائهم وخصومهم الذين ظلموهم واعتدوا عليهم ويكرهون أفعالهم المنحرفة وصفاتهم الذميمة؛ لأن الإلتزام بالحق والعدل والفضيلة هو وحده المعبّر عن حقيقة الإيمان وكماله، وعن التقوى التي هي من أفضل الكمالات وأسماها، وعن مخافة الله(عز وجل) ومحبته، فكلما حرص الإنسان المؤمن على الحق والعدل والفضيلة أكثر كلما كان أقرب أكثر إلى التقوى وحقيقة الإيمان، فإن تم العدل منه كمل الإيمان والتقوى في قلبه، وفي الحديث الشريف عن عليّ أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «إن العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق، ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه»[9]، وقال الفيلسوف اليوناني إفلاطون (347-427 ق.م): «بالعدل ثبات الأشياء، وبالجور زوالها»[10]

4.    التحذير من التبريرات الوهمية

يجب أن يحذر المسلمون والمؤمنون الأعزاء من السعي للبحث عن التبريرات الوهمية والأعذار الباطلة والاعتماد عليها لتسويق المخالفة لما أمروا به من العدل وما نهوا عنه من الظلم والجور، والاندفاع وراء الأهواء والرغبات النفسية للإنتقام والتشفي بدافع الحقد على الأعداء والبغض لهم، فإن ذلك مخالف لمقتضى حقيقة الإيمان وكماله وللتقوى التي هي أساس الكمالات الروحية وروح العبادات والطاعات والأساس الذي تقوم عليه الفضائل ومكارم الأخلاق، وهي الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية وتشريع الأحكام الإلهية، ولمحبة الله ذي الجلال والإكرام والانقطاع إليه والرغبة الصادقة في الوصول إلى المقامات العالية، وتدل المخالفة على الأنانية وقصر النظر وضعف الإرادة والتعلق بعالم الدنيا والمادة والمصالح الدنيوية العاجلة الفانية، وعلى الأمراض الروحية والنفسية، مثل: الميل إلى التشفي والانتقام ونحو ذلك، وهم يعلمون بأن الله سبحانه وتعالى خبير بحقائق أعمالهم ومطلع على نياتهم ودقائق ما يخفون في صدورهم، فهوأقرب إليهم من حبل الوريد، ولا يمكن خداعه والكذب عليه.

5.    حث المسلمين على التعاون على البر والتقوى

حث المسلمين والمؤمنين الأعزاء على أن يكونوا شديدي الحرص على التعاون على الإيمان والتقوى ومراقبة أمر الله(عز وجل) ونهيه، والإحسان إلى الناس، ونشر العلم والإيمان والأحكام الشرعية ومكارم الأخلاق وفعل الخيرات والأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة وكل ما يحبه الله؟ج؟ ويرضاه، ومنها: العفو عن الناس والتسامح معهم، ومقاومة الظلم والبغض والطغيان والفساد والتخلف والتحلل والانحطاط ونحو ذلك، والتكافل والتضامن الاجتماعي على أساس الحق والعدل والفضيلة، فالقوي مسؤول عن الضعيف، والغني مسؤول عن الفقير، والعالم مسؤول عن الجاهل، وأصحاب الشأن مسؤولون عن إصلاح ذات البين ونحو ذلك، ونهى المسلمين والمؤمنين الأعزاء عن التعاون على الإثم والعدوان، والظلم والجور والطغيان، ومقاومة حركات التحرر والإصلاح والمطالبة بالحق والحقوق، وعمل المعاصي والذنوب والخطايا والآثام والجرائم والجنايات والأعمال السيئة الظاهرة والباطنة، ومنها: التشفي والانتقام، والتآمر على دعاة الحق والإصلاح والمطالبين بالحقوق، والتعدي على حقوق الآخرين وحرياتهم العامة والخاصة، وانتهاك الحرمات والمقدسات ونحوها، وكل ما يكرهه الله؟ج؟ ورسوله الكريم(ص) وما من شأنه أن يُغضِب الله(عز وجل) ويسخطه ويعرض الإنسان لعقابه، ويمنع الخيرات والبركات الإلهية، وذلك تحت تأثير الخوف أو الطمع أو التعصب الديني أو الطائفي او العرقي أو القبائلي أو نحو ذلك وضعف النفس والروح، فإن ذلك كله مخالف لروح الإيمان وحقيقته وكماله وللتقوى ومخافة الله(عز وجل) ومحبته، ومخالف للشريعة الإسلامية وللقيم السماوية العليا والمبادئ الإنسانية السامية، ولا يمكن لمسلم أن يفعله بما هو مسلم، فيجب على المسلمين والمؤمنين الأعزاء أن يتحلوا بالتقوى ويتزينوا بالأعمال الصالحة وينتهوا عن الفجور والظلم والخيانة وعن كل ما نهاهم الله؟ج؟ عنه؛ لأن الله؟ج؟ شديد الرحمة لمن أطاعه، وشديد العقاب لمن عصاه، وعليه: فكل فعل أو خصلة من خصال الخير المأمور بها في الدين الحنيف، فعلى المؤمن المكلف أن يفعلها بنفسه ويأمر بها ويعاون إخوانه المؤمنين عليها بالقول والفعل، وكل فعل أو خصلة من خصال الشر المنهي عنها في الدين الإلهي الحنيف، فإن على المؤمن المكلف أن يتركها وينهى عنها ويتعاون مع إخوانه المؤمنين على تركها بالقول والفعل.

6.    حث المسلمين على إعداد القوة

حث المسلمين والمؤمنين الأعزاء على أن يبذلوا غاية وسعهم في إعداد القوة المادية والمعنوية، الفكرية والعملية والتكنولوجية والإدارية والأمنية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، واتفاق الحكمة وتوحيد الصفوف ونحو ذلك مما هو لازم وضروري ومطلوب لتحقيق النصر والظفر على الأعداء، وإخافتهم وردعهم عن الاعتداء على المسلمين والمؤمنين؛ لأنه لا ثبات لحق وبقاء له بدون قوة فعلية تحميه، فأكثر الأعداء للدين والحق والفضيلة، برجماتيون مصلحيون إنتهازيون لا يعرفون حقاً، ولا يستجيبون لنداء المنطق والضمير، ولا يفهمون غير منطق القوة الرادعة، فإذا كان المسلمون والمؤمنون ضعافاً، فسوف يسحقونهم ويبتزونهم ويفرضوا عليهم إرادتهم الجائرة، ويسلبوهم حريتهم واستقلالهم وينتهكوا حقوقهم ومقدساتهم ويضعوا أيديهم القذرة على مقدراتهم ويتحكموا في مصائرهم، كما ثبت بالتجربة وعلم بالمشاهدة!!

كما يجب على المسلمين والمؤمنين الأعزاء أن يُحصّنوا جبهتهم الداخلية تمام التحصين، ويبنوا الحصون والقلاع، ويوفّروا لأنفسهم أقوى وأسرع وأفضل أنواع السلاح، مثل: الطائرات والصواريخ والسفن الحربية والدبابات والمدرعات ونحوها من الأسلحة الحديثة المنظورة، ويحسنوا التدريب على استخدامها ويتخذوا جميع التدابير الحربية المطلوبة للقتال في البر والبحر والجو، لتكون قوتهم قوة رادعة تخيف الأعداء الحقيقيين الظاهرين الذين يعلم المسلمون والمؤمنون عداوتهم، والمستترون الذين لا يعرفون عداوتهم ولم يظهر إليهم وتنكشف في الحال، وتخيف الأعداء القريبين والبعيدين، وترهبهم، فلا يفكرون في قتال المسلمين والاعتداء عليهم، وهذا أمر منطقي وموافق للفطرة والطبع السليم، فقد ثبت بالتجربة التاريخية والمعاصرة وعلم بالمشاهدة والوجدان بأن لكل دعوة صالحة ومجتمع صالح يوجد هناك من يعارضهما ويعاديهما ويحاربهما ويحاول بكل وسيلة وحيلة القضاء عليهما؛ لأنه يتضرر منهما، فمن الواجب بحكم العقل والفطرة، إيجاد القوة الرادعة الفاعلة لحمايتهما والمحافظة عليهما والدفاع عنهما.

7.    حث المسلمين على الجنوح للسلم

وفي المقابل أمر الله؟ج؟ المسلمين بالميل والجنوح إلى السلم القائم على العدل وحفظ الكرامة والحقوق والأخذ به ولا يأنفوا منه، إذا مال إليه الأعداء ميل القاصد، وطلبوا الصلح وكفوا عن الحرب والقتال، ولم يظهر دليل على خداعهم وإرادتهم الغدر بالمسلمين وأخذهم على حين غرة وغفلة منهم وعدم الاستعداد للحرب والنزال، وقد أمر الله؟ج؟ المسلمين بالتوكل عليه في الميل للسلم والأخذ به حين يميل إليه الأعداء ويطلبوه من المسلمين، ونهاهم عن التعذر بالخوف من الغدر والخديعة والخيانة ونحوها لرفض طلب السلم والإصرار على الحرب والقتال لأسباب وهمية وتبريرات واهية ودوافع ورغبات نفسية مريضة، وليس معنى ذلك إغراء المسلمين بالسذاجة والبساطة وإفساح المجال أمام أعدائهم لخداعهم والإيقاع بهم تحت عنوان الصلح والسلم، فإن ذلك مخالف للحكمة والمنطق والفطرة والطبع السليم، ومقتضايات حفظ الرسالة ونشرها وتطبيقها والعمل بها، ولكنه يعني في الحقيقة أموراً جوهرية عديدة، منها:

  • إيجاد التوازن بين الاستعداد العالي للقتال وإعداد القوة الرادعة، وبين الميل إلى السلم والصلح إذا مال إليه الأعداء، وذلك لمنع البغي والطغيان والخروج عن الأهداف الحقيقية المقدسة للقتال في سبيل الله(عز وجل)، ومنها: منع الأعداء على المسلمين، وتأديب المستكبرين والمفسدين في الأرض، وإفساح المجال أمام العباد لحرية الإيمان والاعتقاد، ومن أجل خير الإنسانية ومصلحتها قاطبة، والوصول بها إلى كمالها المعرفي والتربوي والحضاري المقدّر لها واللائق بها، ولكي لا يستخدم القتال لتحقيق أغراض شخصية.
  • الدراسة الموضوعية المعمّقة الكافية للعدو والتمييز بين الأسباب الموضوعية الحقيقية، وبين الأسباب النفسية الوهمية حيث يجب الأخذ بالأسباب الموضوعية الحقيقية والتعويل عليها، وترك الأسباب النفسية الوهمية وإهمالها وعدم التعويل عليها، والاعتماد على الجزم الموضوعي واليقين والدلائل القطعية، وليس على الشك والظن والأوهام، فإذا علموا منهم الميل بقصد إلى السلم، ولم تتوفر لديهم الدلائل القطعية على إرادة الغدر والخيانة، فيجب عليهم أن يجيبوهم إلى طلب السلم والصلح ولا يصرّوا على الحرب والقتال، ويجب أن يعلموا بأن الله؟ج؟ رقيب عليهم ومُطّلِع على نياتهم وما يخفون في صدورهم وما يعلنون، ولا يخفى عليه شيء من أمرهم، ويعلم بحقيقة أعمالهم ويجازيهم عليها كما هي عليه في الحقيقة والواقع، وعليه: فالمسلمون والمؤمنون الأعزاء مطالبون بالموضوعية والنزاهة والروية والتجرد من الشبهات والرغبات النفسية والدوافع الشخصية، والتخلص من الأوهام الباطلة والتبريرات المختلقة ونحوها في تشخيص أحوال أعدائهم ومواقفهم منهم، وترك العجلة في التصرف معهم، وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم ينفذون أوامر الدين الحنيف، ويطبّقون شريعته المقدسة كما هي، ويجسّدون القيم السماوية العليا والمبادئ الإنسانية السامية، وفي ذلك رضا الرب الرحمن الرحيم وثوابه العظيم ونعيمه المقيم، وهو الطريق الذي يوصل الإنسان إلى كماله اللائق به والمقدر له وتحصيل سعادته الحقيقية في الدارين الدنيا والآخرة.
  • إنّ القوة الحقيقية والشجاعة الفعلية في ميزان الإنسان المؤمن وطبقاً لمعايير السماء والإنسانية، تكمن في أن يقف الإنسان المؤمن إلى جانب الحق والعدل والفضيلة، ويفعل ما أمره الله؟ج؟ بثبات جنان وخطى ثابتة، لا يهتز ولا يتراجع خوفاً أو طمعاً أو كراهية لشيء، أو بسبب ضعف روحه ونفسه وتحت تأثير المبررات الوهمية والمعاذير الباطلة ونحو ذلك، وينتهي عن ما نهى الله؟ج؟ عنه بنفس الروح والطمأنينة والثبات، وليست القوة الحقيقية والشجاعة الفعلية في الاعتداء والظلم والجور والبغي والطغيان والاصرار على الأخطاء ونحو ذلك من الرذائل والمفاسد، فإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف الخائف المضطرب، ويعتدي الأناني الخسيس الذي لا يعرف معنى النبل والشرف والكرامة والإنسانية، وفيما سبق تطمين من الله(عز وجل) للمسلمين والمؤمنين، بأنهم إذا أطاعوا الله؟ج؟ وفعلوا ما أمرهم به من الجنوح إلى السلم وتركوا ما نهاهم الله؟ج؟ عنه من اختلاق الأعذار الباطلة والتبريرات الوهمية للتملص من طلب الصلح والإصرار على الحرب والقتال ثم غدر العدو بهم من غير تقصير منهم، وأخذهم على حين غرة وغفلة من غير أن يكونوا مستعدين للقتال، فإن الله(عز وجل) ينتقم لهم من عدوهم الغادر وينصرهم عليه، والله(عز وجل) عليم بما يسرون ويعلنون، ويسمع أقوالهم، ومطلع على دسائسهم، وهو متمكن منهم غاية التمكن، وقادر عليهم غاية القدرة، فلا يعجزه مكرهم وخداعهم وتضليلهم وخططهم واستراتيجياتهم الشيطانية الجهنمية، ولا تعجزه قوتهم وما يملكون من جند وشرطة وسلاح ونحو ذلك، فهو حسب المؤمنين المتوكلين عليه الواثقين بوعده، وهو كافيهم شرور أعدائهم الناكثين للعهود والمواثيق المطبوعين على الغدر والنفاق والخيانة، وقد ثبت بالمنطق والتجربة نصرته للمؤمنين وإغاثتهم وتقويتهم.

8.    تنبيه المسلمين على أن لا شيء يضيع من عملهم

تنبيه المسلمين والمؤمنين ولفت نظرهم إلى أن لا شيء من جهودهم الصادقة المخلصة، وإنفاقهم القليل أو الكثير من أموالهم في سبيل الله(عز وجل)، خالصاً لوجهه الكريم وطلب لمرضاته وثوابه وحبه، خالياً من كل غاية شخصية أو دافع دنيوي مخالف لغايات الدين ومقاصده، مثل: التعصب القومي أو القبلي أو الطائفي أو نحو ذلك، ومخالف لإخلاص النية، لا شيء من جهودهم وتضحياتهم وإنفاقهم في سبيل الله(عز وجل) يذهب هدراً أو يضيع سدى، بل كل شيء من ذلك محفوظ عند الله(عز وجل) ومضاعف ثوابه، وترجع فائدته ومنفعته إليهم ويأتيهم أجره بالتمام والكمال في الدارين الدنيا والآخرة، ولا يظلمون قيد شعرة بتضييع العمل أو نقص الأجر والثواب.

وبدون شك ولا ريب، وبكل جلاء ووضوح، فإن الأمر الإلهي للمسلمين والمؤمنين بإقامة العدل والجنوح للسلم، هما من أهم الجوانب العملية لإعداد الأمة الإسلامية التي هي خير أمة أخرجت للناس، وقيامها بذلك من أهم مظاهر وتجليات الرحمة الإلهية بالناس أجمعين في الرسالة والأمة.

الطريق إلى تحقيق المقتضيات المطلوبة

لكي نصل إلى تحقيق المطلوب والعمل بمقتضيات رسالة الرحمة، فإن ذلك يتطلب منا أموراً عديدة، منها:

  1. البصيرة في فهم الدين الإلهي الحق، وتصحيح الفهم الإنتقائي المغلوط والناقص للإسلام الحنيف، ولقضايا المسلمين الكبرى والجوهرية، على ضوء تشخيص الواقع تشخيصاً دقيقاً متكاملاً، ومعرفة ما أراده الشارع المقدس بشكل علمي صحيح ودقيق وكامل، وتعزيز الوسطية ونهج الاعتدال القويم، لحماية الرسالة ومصالح الأمة في حاضرها ومستقبلها، وإبعادها عن الإرتجال والرؤى المزاجية والتلوث بالأهواء الشيطانية والشهوات الحيوانية والرغبات والمصالح الدنيوية الخاصة ونحوها من الشوائب والذنوب، وصيانة الحقوق والحريات والحرمات والمقدسات، وتجنب الحرج والمشقة والخلط ونحوها من الآفات، وذلك باتخاذ الإسلام الحنيف مرجعاً أعلى نستقي من مصادره العليا والمبادئ الإنسانية السامية والأحكام الشرعية، ومعرفة السلوك القويم والمواقف الصائبة والعلاقات المرضية عند الله سبحانه وتعالى والأفعال الحسنة والأعمال الصالحة، والتمسك بالأصول والكليات والثوابت ومحكمات الدين الحنيف بإسلوب علمي صحيح محكم، ومنهج قويم في البحث، وذلك الرجوع إلى العلماء (الفقهاء) الربانيين العدول المؤهلين لفهم الإسلام الحنيف فهماً علمياً صحيحاً ودقيقاً، وأخذ الإسلام منه، وإبرازهم للأمة من أجل بيان سماحة الإسلام وواقعيته واعتداله ووسطيته ورحمته بالعالمين، ولرسم طريق الاعتدال الصحيح الواضح الجلي، وتبصير الأمة في أمور دينها ودنياها، ووقايتها من تيارات العنف والتطرف المنحرفة، وتحقيق الأمن والاستقرار الفكري والروحي والاجتماعي، ووضع أقدام الأمة على طريق التنمية والرخاء والازدهار والتقدم الشامل الفكري والعلمي والتكنولوجي والتربوي والحضاري؛ لأنهم ورثة الأنبياء والرسل الكرام(عليهم السلام)وخلفائهم، قول الله تعالى: <الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا>[11].

وفي الحديث الشريف: أن لقمان الحكيم أوصى ابنه، فقال: «يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء»[12]، والحذر الشديد جداً من التعصب الأعمى للموروث الثقافي الضال (العادات والتقاليد الجاهلية العمياء البعيدة عن الشرع، والفهم النمطي الجامد للدين) والانغلاق عليه بعيداً عن هدى الدين الحنيف، وحاكمية الفكر والعقل والمنطق والنصوص الشرعية القرآن الكريم والسنة الشريفة، والفهم العلمي الدقيق والمحكم والواعي والمستنير للدين الحنيف ولقضايا الأمة الكبرى والرئيسية، والرجوع إلى غير العلماء (الفقهاء) العدول المؤهلين علمياً في أخذ الفتاوى والرؤى الإسلامية، فالرجوع إليهم هو بحكم المنطق والتجربة والمشاهدة، من أهم أسباب التطرف والانحراف وانتشار العنف واضطراب الأفكار بين المسلمين لا سيما الشباب، مما جرّ على المسلمين الوبال والويلات والخراب والدمار والتخلف، وشوّه سمعة الدين والأمة، وفي الحديث النبوي الشريف: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهلاء، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا»[13]

  • ترشيد الخطاب الإسلامي وتنويره وتطويره وحسن توجيهه، وتعزيز روح الأخوة الإسلامية والإنسانية، وروح المحبة والرحمة ونهج الاعتدال القويم والطريقة الوسطى المثلى، والحذر الشديد من التطرف في الفكر والشعور والمواقف، والعنف والقسوة في الأقوال والأفعال، والجنوح في الممارسات العنيفة الشاذة، مثل: العمليات الإرهابية التي يذهب ضحيتها الأبرياء بغير ذنب اقترفوه، والحذر الشديد من الحقد الأسود الدفين، والتعصب الأعمى، ونحو ذلك من الأمراض والآفات الفكرية الروحية والأخلاقية والسلوكية المشينة، ومن التحشيد الطائفي الطائش والجائر والمنحرف عن جادة الحق والرشد والصواب، الذي تقف وراءه الأنظمة الدكتاتورية والحكومات المستبدة وقوى الاستكبار والاستعمار العالمي، والمنابر الإعلامية المأجورة والضالة، وحملاتها الدعائية المسعورة، لتحقيق أغراض سياسية خبيثة، ويجب أن تقابل ببرامج إعلامية راشدة وفاعلة، تروّج الثقافة ونهج الاعتدال والوسطية، ونبذ العنف والتطرف.
  • تعزيز روح الإخلاص والصدق في الإيمان واعتماد منهج التكليف، واجتناب روح الأنانية والعدوانية والتطرف والتعلّق بعالم الدنيا والمادة والمصالح الدنيوية الخاصة الطائفية والفئوية والحزبية والشخصية، والتحلي بالعدالة والحكمة والإنصاف والرشد في المعاملة، والحرص الشديد على المصالح العامة الرسالية والمجتمعية وتجنب منهج التبرير والمعاذير الملتوي.
  • المواجهة الممنهجة الشاملة والمدروسة لجميع صور وأشكال التطرف الفكري والعملي، بعد التشخيص الموضوعي الدقيق لأسبابه الفكرية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومصادر تغذيته وتمويله بالإعتماد على مراكز علمية متخصصة ووضع استراتيجيات وخطط وبرامج عملية فاعلة وشاملة، لعلاجه معالجة ناجعة، واجتثاثه من أصوله وجذوره والقضاء المبرم عليه، حتى يطفي الله(عز وجل) ناره، ويذهب بظلامه.

 النساء: 135-[1]

 المائدة: 8-[2]

 المائدة: 2-[3]

 الأنفال: 60-62-[4]

 تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، جزء 3، صفحة 379-[5]

 النساء: 135-[6]

 الكاشف، محمد جواد مغنية، جزء 2، صفحة 458-[7]

 نفس المصدر، صفحة 457-458-[8]

 غرر الحكم، جزء 1، صفحة 218-[9]

 لباب الآداب، أسامة بن منقذ، صفحة 57-[10]

 الأحزاب: 39-[11]

 الموطأ، الحديث 1821-[12]

 صحيح البخاري، كتاب العلم-[13]

المصدر
رسول الرحمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟