مواضيع

اتصاف المسلمين بالأخلاق الفاضلة

أن يتصف المسلمون والمؤمنون الأعزاء بالصدق والإخلاص، فالصدق أشرف أخلاقيات المؤمن وأقوى دعائم الإيمان، والإخلاص من قوة اليقين وصلاح النية وبه يكون الخلاص، وأن يتحلّوا بالمبدئية (مطابقة السلوك لما يعتقده المرء من المبادئ والقيم) وحفظ العهود والمواثيق؛ لأنهما من كمال الإيمان وسجية الكرام وعنوان الشرف والنبل وحلية العقل وزينته، وأن يكونوا أحرص الناس على مصالح الناس ومنافعهم، وحفظ الأنفس من التلف والأذى، فلا يتهاونوا بشأنها أبداً، قول الله تعالى: <مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا>[1]، وحفظ المال العام والخاص من التلف والفساد والضياع؛ لأنّ الله (عز وجل) جعله قيّماً للناس، أي: الأساس الاقتصادي الذي يقوم عليه المجتمع، وصيانة الحرّيات العامة والخاصة، لا سيما حرية العقيدة والضمير؛ لأنها عنوان إنسانية الإنسان وكرامته، ونشر العدالة وإشاعة التسامح والمبادئ والقيم الإنسانية العليا في السّلم والحرب، والتحلّي باللطف واللين والرأفة والشفقة والرحمة والحلم وحسن الخلق والمحبة للناس، وحسن المعاملة والمخالفة؛ لأنها عنوان الرفعة والنبل والشهامة والشرف وعز الدنيا والآخرة، والسعي في قضاء حوائج الناس وفيما يصلحهم ويجلب لهم الخير والسعادة؛ لأنها شرف المؤمن وعنوان هويته ودليل رشده وحسن عقله ومفتاح الفيوض والرحمة الإلهية للعباد، وليس هناك شيء أنفع للدين الحنيف وترغيب غير المسلمين فيه وانتشاره والإقبال عليه والإيمان طوعاً وحسن سمعة المسلمين من إتصاف المسلمين بهذه الصفات الجميلة والخصال الحميدة وعملهم بمقتضى تلك القيم الرفيعة والمبادئ السامية.

وفي المقابل: يجب على المسلمين والمؤمنين الأعزاء أن يجتنبوا الكذب والافتراء، والخداع والتضليل والالتواء والمراوغة، ونشر الكراهية بين الناس والتطرف بجميع صوره الفكرية والعملية؛ لأنها غريبة عن حقيقة الدين الإسلامي الحنيف، وعن مفاهيمه وغاياته ومقاصده، وهي دخيلة عليه بالتأكيد؛ ولأنها تخلف آثاراً تخريبية مدمّرة في النفس والمجتمع، في الدين والدنيا، وعليهم تجنّب العنف والقسوة في الأقوال والأفعال، والسعي فيما يضر الناس ويلحق بهم الأذى النفسي والمادي، ويضع الأشواك والعراقيل في طريق التنمية والتقدّم والازدهار والانفتاح والحضارة الإنسانية الرشيدة، ويشوّه سمعة الدين الحنيف والمسلمين، وعليهم أن يدركوا جيداً بأنّ الدين الإسلامي الحنيف عدل كله، ورحمة كله، وحكمة كله، وكل ما خرج عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى القسوة والشدة والحرج والمشقة، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فهو ليس من الدين الحنيف في شيء؛ لأنّ الدين هو عدل الله بين عباده، ورحمته الواسعة بين خلقه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق نبيه (ص)، ويجب عليهم أيضاً أن يدركوا تغيّر الواقع وتطوره، وأنّ عصرنا يختلف عن عصر النبوة والخلافة الراشدة، والمناسبة بين الأحكام والواقع؛ لأنّ العلاقة بين الأحكام والواقع كالعلاقة بين العلة والمعلول، فلا يستطيع الفقيه العادل أن يفتي في المسألة إلا بعد تشخيص الواقع، وإلا كانت الفتوى بلا موضوع وساقطة من الإعتبار العملي التطبيقي، وهذا مما يقينا من شر الجمود الفكري والتربوي والحضاري، وشر التطرف الفكري والعملي، ويجعلنا أكثر وعياً ورشداً واعتدالاً والتصاقاً بحقيقة الدين الحنيف وجوهره وروحه، والتزاماً بمنهجه القويم وصراطه المستقيم.

ولا يصح أن يُتخذ الجهاد وهو فريضة إلهية مقدسة ذريعة للتطرّف والعنف وإلحاق الضرر والأذى بالأبرياء؛ لأن الجهاد إنما فُرِضَ من أجل إزالة العراقيل عن طريق الإيمان، ولتحقيق أهداف الدين الخيرة ومقاصده النبيلة في خدمة الإنسانية ورفعتها، وصيانة حقوقها وكرامتها، وإسعادها في الدارين الدنيا والآخرة، مثل: تخليص المستضعفين ورفع الظلم عنهم، وصيانة الحقوق والحريات والمقدسات ونحو ذلك، لا لإكراه الناس على قبول الدين والإيمان به؛ لأن الإكراه خلاف التكليف، فلا تكليف إلا باختيار، ولأن الإكراه نقيض الحرية والكرامة الإنسانية، قول الله تعالى: <لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ>[2]

وهو سبيل لتشويه صورة الدين الإلهي الحنيف وسمعة المسلمين، وإعطاء صورة ظلامية سيئة مشوّهة عنهم لا تعكس حقيقتهم ولا تعبر عن غاياتهم ومقاصدهم وأن ممارسة العنف يعبر عن عقليات جاهلية، ولإشباع رغبات حيوانية دنيئة، ولإرضاء مشاعر شيطانية خبيثة، مثل: التشفي والانتقام وحب البروز والزعامة، ومن أجل مصالح خاصة لا صلة لها بالدين ومصالح الأمة، وليس من ورائها إلا الخراب والدمار ونشر الفتن وخلق الأزمات وإعاقة التنمية والتقدم، وجر الوبال على المسلمين والمجتمع الإنساني العالمي.

فجدير بالمسلمين والمؤمنين الأعزاء أن يفكروا جيداً بمآلات أقوالهم وأفعالهم، وبأضرارها الجسيمة أو منافعها على الدين والأمة، وأن تكون لهم عناية فائقة بالأولويات الفكرية والعملية، فيكونوا على معرفة بأي الأمور والقضايا التي يجب أن تقدم وأيها التي يجب أن تُؤخّر، وأيها يستحق الاهتمام والعناية بها وأيها يجب أن تهمل، وأيها يجب أن تثار وأيها يجب أن يسكت عنها ونحو ذلك، وذلك طلباً للمصلحة العامة للرسالة والأمة، وحرصاً على الصدق والإخلاص وسلامة النية وصواب العمل طلباً لمرضات الله سبحانه وتعالى، ولكي نتخلص مما نحن فيه من الجمود والتطرف والفتن والتباعد والتناحر والاقتتال، والاضطراب واختلال التوازن وتهديد الأمن والاستقرار وتعطيل حركة التنمية وعجلة التقدم والتطور، وظهور الهرج والمرج، وإشغال الأمة بمسائل وقضايا صغيرة وتافهة ومفتعلة لا حقيقة لها ولا أساس، على حساب مسائل وقضايا حقيقية وجوهرية كبيرة وعاجلة، مما من شأنه أن يوهن الأمة ويضعفها ويفرض عليها التبعية ويفتح الأبواب على مصاريعها للتدخلات الأجنبية الخبيثة في شؤونها الداخلية الدينية والمدينة، الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وغيرها.

ويجب أن ينعكس ما سبق ذكره ويظهر ويتجلّى بوضوح تام لا لبس فيه ولا غموض في أدبياتنا وأقوالنا وأفعالنا ونهجنا وسياستنا الداخلية والخارجية، التي تجسد الاستقامة على الدين الإلهي الحق والصراط المستقيم، ونهج الاعتدال القويم، والطريقة الوسطى المثلى في الحياة، فنضع الأمور في نصابها، والأشياء كلها في مواضعها، والأشخاص كلهم في منازلهم التي تليق بهم، على العدل والمساواة والاستحقاق والحكمة وهدى الرسالة والعقل والبصيرة والرشد الفكري والديني والعملي، وللمصلحة العامة الدينية والمدنية، ومن أجل مرضات الرب (ج) والفوز بثوابه وجنته، وأن نحذر من اختلاق التبريرات الوهمية والمعاذير الباطلة للمخالفة إرضاءً لأهوائنا الشيطانية وشهواتها الحيوانية وجرياً وراء مصالحنا الدنيوية الخاصة، وعليه: يجب التمييز بين منهجين:

  • منهج التكليف: وهو منهج مبدئي يتعالى فوق الترهيب والترغيب والمصالح الخاصة، ويتجلّى فيه الصدق والإخلاص وسائر القيم السماوية العليا والمبادئ الإنسانية السامية في أنصع صورها، والحرص التامّ الكامل على مصالح الأمة والمجتمع الإنساني العالمي والبشرية جمعاء، وعلى سمعة الرسالة الإسلامية، وإعلاء مكانة القيم الرفيعة والمبادئ السامية على المصالح الدنيوية الفانية وتفضيلها عليها.
  • منهج التبرير: وهو منهج مادي نفعي (برجماتي) يهتم بالمصالح الدنيوية ويعلي من شأنها على حساب المعارف الحقة والقيم الروحية والأخلاقية العليا والمبادئ السامية، ويفصل كلياً وبشكل تعسفي وغير منطقي بين المعارف الحقة، وبين كمال الإنسان وسعادته ومصلحته الحقيقية في دورة الحياة الكاملة العرضية على امتداد المكان والجغرافيا، والطولية على امتداد الزمان والتاريخ، ويتجلّى فيه الكذب والخداع والتضليل والرياء والخيانة ونحو ذلك من الرذائل القبيحة في أبشع وأشنع صورها، ومن صوره القبيحة: التركيز على عنف الأفراد والمستضعفين وأخطائهم، وتجاهل عنف الأنظمة والمستكبرين والأشراف وأخطائهم، وهو المسؤول عن الجرائم التي ترتكبها الأنظمة الدكتاتورية والحكومات المستبدة ضد شعوبها، وقتل الشرفاء والصالحين المطالبين بالعدالة والحرية والحقوق وسجنهم وتعذيبهم وتشريدهم والتضييق عليهم ونحو ذلك، والجرائم التي ترتكبها قوى الاستعمار والاستكبار العالمي ضد الشعوب والدول المستضعفة.

  •  المائدة: 32-[1]
  •  البقرة: 256-[2]
المصدر
رسول الرحمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟