مواضيع

المراد بالخلق العظيم عند الرسول

وقد تنوّعت الأحاديث الشريفة النبوية وعن أهل البيت (عليهم السلام) وكثرت في وصف الخلق العظيم للرسول الأعظم الأكرم (ص) وشرحه وبيان ما هو، وبيان أصوله وأبعاده، منها:

  1. في الحديث الشريف عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «على دين عظيم»[1]، وعنه (ع) أنه قال: «هو الإسلام»[2]، فبيّن بأنّ المراد بالخلق العظيم هو الدين والإسلام، بمعنى: أنه يتحلّى بالفضائل والمكارم والكمالات والخلق العظيم البالغ أشد الكمال الممكن في طبع الإنسان وجنسه، الذي أُمِرَ به في القرآن الكريم والشريعة الإسلامية المطهرة، مثل: قول الله تعالى: <خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ>[3] وفيها يأمر الله (ج) رسوله الكريم (ص) بثلاثة أمور جامعة لأمّهات الأخلاق، فيما ينبغي أن يعامل به الناس، وهي:
  2. خُذِ الْعَفْوَ: أي: تسهّل ما أمكن في معاشرة الناس وصحبتهم ومعاملتهم، ليس في أمر العقيدة والشريعة، فهذا مما لا يجوز فيه التساهل، وإنما في المعاملة والمعاشرة، فاترك التشدّد والتعبير والغلظة والفظاظة والخشونة ونحو ذلك، واقبل اليسير منهم، فلا تُكلّفهم ما يشقّ عليهم وما لا تسمح به طبائعهم، واعف عن أخطائهم، وتجاوز عن نقصهم وتقصيرهم، ولا تطلب منهم الكمال، وتسامح معهم وأغض عن ما يسوؤك منهم، ولا تؤاخذهم بجفائهم وسوء خلقهم ونحوه، واستر عليهم حتى يميلوا إليك ولا ينفكوا عنك، مما يؤدّي إلى رفع معنوياتهم، وتجديد شخصياتهم، ويزيل عنهم العقد النفسية، ويزيد في فاعليتهم الرسالية والاجتماعية.
  3. وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ: أي: وأُمِرَ بالخير الواضح، وكل خصلة حسنة وسيرة جميلة، وكل ما فيه النفع والصلاح للناس، الموافق للفطرة وتقرّه العقول، ولا يحتاج إلى مناقشة وجدال؛ لأنّ هذا المعروف هو أساس هداية الناس وانقيادهم، فلا يصد أنفسهم شيء عن الهداية والانقياد أكثر من المشقة والتعقيد والغموض في الأمور.
  4. وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ: وهم المتعصّبون الجهلة الذين يعانون من التحلّل الأخلاقي والانحطاط الفكري والروحي، فلا ترجى هدايتهم بالحجة والدليل والبرهان، ولا بالنصح والموعظة والارشاد، وذلك بمداراتهم واللطف بهم، ومقابلة سفههم بالأناة والحكمة والحلم، وليس مقابلة الإساءة بالمثل، ولا تمارهم ولا تدخل معهم في جدال عقيم لا ينتهي إلى شيء إيجابي مفيد ونافع، فهذا الإعراض هو أقرب الطرق لإبطال جهالتهم وحماقتهم وإخراج ما فيهم من خير إن وجد، وربما يكون سبباً إلى تذليل نفوسهم وتهذيبها، فيتسرب نور الهداية والإيمان إلى قلوبهم، فإن لم يحدث هذا فقد أدّيت الذي عليك، وأقمت الحجة عليهم من كل جانب نظري وعملي، وربما عزلتهم عن الطيبين من الناس، إذ يرون منك الصبر والتحمل واللين والعطف والرحمة وترك اللغو فيميلوا إليك، ويرون منهم الجهالة والحمق والسفاهة والإساءة والعناد والمكابرة، فيسقطوا من أعينهم ويتركوهم.

وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها»[4] وقيل: خُذ العفو يفيد الإعتدال في القوة الشهوية، وأمر بالعُرف يفيد الإعتدال في القوة الغضبية، وأعرض عن الجاهلين يفيد الإعتدال في القوة العقلية، مما يدل على أن الآية الكريمة رغم قصرها فهي تتناول أصول أمّهات الفضائل في قوى النفس الثلاث.

وبخصوص خُلق النبي محمد (ص) وصلته بالإسلام والقرآن: «سُئلت أم المؤمنين عائشة عن خُلقه، فقالت: كان خلقه القرآن»[5] أي: أنه تحلى على أكمل وجه وأتمه، بكل ما أمر به القرآن الكريم من الفضائل، وتخلّى تماماً عن كل ما نهى عنه القرآن الكريم من الرذائل وسوء الخلق، وكان على أكمل صورة في جميع ذلك، وهذا شيء منطقي وموافق لمبادئ القرآن الكريم والشريعة الإسلامية المقدسة؛ لأنّ الكتاب أُنزل وفرضت الشريعة من أجل هداية الناس وتربيتهم، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم صاحب الشريعة نفسه؛ لأنه مكلّف بأنْ يكون تجسيداً حياً وتجلياً أعظم للقيم والمبادئ (قواعد السلوك) التي يدعو الناس إليها، ويكون قدوة وأسوة للناس وحجة عليهم في ذلك، فيبدأ بنفسه في تطبيقها والعمل بها، ثم يدعو الناس إليها ويطلب منهم العمل بما دعاهم إليه والاقتداء به في ذلك، قول الله تعالى: <ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ>[6]، وقول الله تعالى: <لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا>[7]، مما يدلّ على صدق النبوة والرسالة، وتيسير السبل لنجاح الرسالة وانتشارها، فكان بحق وحقيقة أعرف الناس بالله ذي الجلال والإكرام، أعبدهم له وأطوعهم وأحسنهم أخلاقاً، فكان مركزاً للحُبّ والمعرفة، ومنبعاً للعطف والرأفة والرحمة والشفقة والإحسان والحرص على مصالح الناس وسعادتهم، فكان أكبر مظهر وأعظم تجلّي للرحمة الإلهية والهداية الربانية، ولما في القرآن الكريم والشريعة المقدسة من القيم السماوية العليا والمبادئ الربانية السامية.

2. في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «إنّ الله (عز وجل) أدّب نبيّه (ص) على محبته»[8]، أي: فسّر الخلق العظيم بالمحبة، وهي أعلى مراتب الأخلاق ومراتب الكمال الإنساني؛ لأنها تبني التعلق بالذات الإلهية الجامعة لصفات الكمال المطلق، صفات الجمال وصفات الجلال، وعشقها والإنجذاب إليها والانقطاع التام المطلق إليها عن كل شيء سواها، الفناء في الله ذي الجلال والإكرام والبقاء به، فلا يرى لنفسه ولا لغيره أي استقلال عنه، على خلاف الخلق الذي يبني على رغبة المجتمع، أو الطمع في الثواب أو الخوف من العقاب الإلهي، كما مرّ توضيحه في بيان الخلق.


  •  تفسير القمي، جزء 2، صفحة 17-[1]
  •  معاني الأخبار، صفحة 118-[2]
  •  الأعراف: 199-[3]
  •  الكشاف، جزء 2، صفحة 190-[4]
  •  التفسير الكبير، الفخر الرازي، جزء 10، صفحة 602-[5]
  •  الجاثية: 18-[6]
  •  الأحزاب: 21-[7]
  •  الكافي، جزء 1، صفحة 215-[8]
المصدر
رسول الرحمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟