مواضيع

وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ

قول الله تعالى: <وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ>

وقول الله تعالى: <اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ 6 صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ>

تتضمن الآيات الكريمة المباركة النقاط الرئيسية التالية:

النقطة الأولى: الدين الإسلامي هو الدين الإلهي الحق

إنّ الدين الإسلامي الحنيف، هو الدين الإلهي الحق المعتدل السهل الوحيد الذي لا يقبل الله (عز وجل) من العباد غيره، وهو الدين الوحيد الجامع لأصول الخير والصلاح والرحمة والفلاح والكمال والسعادة للإنسان، وهو الصراط المستقيم الواضح جداً في الحياة لا اختلاف بين أجزائه؛ لأنه وحدة واحدة في غاية التماسك والانسجام والتناغم والتكامل والتعاضد بين أجزائه كما تقتضيه وتفرضه حقيقة الاستقامة وواقعها، ولا اختلاف بين سالكيه؛ لأنه يمثل الأساس الواقعي والفكري والروحي والقيمي والتشريعي المتين الراسخ الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل لوحدتهم الدينية والمدنية، ولا يتخلّف في هداية سالكيه وإيصالهم إلى هدفهم الأقصى ومقصودهم الأسمى وغاية مطلوبهم؛ ولأن الله تبارك وتعالى هو الهادي لسالكيه ومؤيدهم ومسددهم ومعينهم على سلوكه، قول الله تعالى: <وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ>[1]، وموافق للعقل والمنطق ولأصل الخلقة والتكوين تمام الموافقة، ويحقق العدل والأمن والاستقرار والفضيلة والتنمية المستدامة والازدهار، ويخلق الألفة والمحبة والمودة والتعاطف بين الناس والتعاون على البرّ والإحسان وعمل الخير والصالحات، والتناصر على الحق والعدل ولا يضل سالكوه ولا يشقون، بل يصلوا إلى مقصودهم وغاية مطلوبهم في الدارين الدنيا والآخرة، وينالون ما طلبوا من النعم المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، فأية نعمة أجلُّ من هذه النعمة؟! وأية رحمة أوسع من هذه الرحمة؟! وهذا يدلّ على أنّ الله تبارك وتعالى قد قرر لنوع الإنسان في أصل خلقته وإرادة تكوينه سبيلاً واحداً يسلكه من أجل الوصول إليه ونيل كرامته، فيجب بحكم العقل والمنطق والفطرة والطبع السليم اتباعه والعمل به جملةً وتفصيلاً، والثبات عليه أبداً وعدم التفرّق عنه باتباع الطرق الملتوية والمتعرضة من الأديان المختلفة الوضعية الباطلة والسماوية المنسوخة والمنحرفة التي تبعده عن مراده الحقيقي ومقصوده الوجودي وغاية مطلوبه.

النقطة الثانية: الالتزام بالدين الإلهي

تترتب على اتباع الدين الإسلامي الحنيف والصراط المستقيم نتائج إيجابية محمودة كثيرة كثرة لا حصر لها ولا نهاية، مثل: الهداية والتقوى، فالتقوى الحقيقية الكاملة لا تحصل إلا بسلوك الدين الإلهي الحق والصراط المستقيم، وليس بالورود من أي طريق كان، قول الله تعالى: <وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ>[2] وهو ممتلئ بالنور والأنس والسكينة والوقار، وفيه صيانة كرامة الإنسان وحقوقه الطبيعية والمكتسبة، وحفظ مصالحه الحقيقية الفردية والمجتمعية، المادية والمعنوية، القريبة والبعيدة، الدنيوية والأخروية، وفيه نجاة الإنسان من الهلاك والشقاء، وإيصاله تدريجياً إلى كماله وسعادته، ويوصله إلى الله ذي الجلال والإكرام، والفناء فيه والبقاء به والفوز برضوانه وثوابه الجزيل والنعيم المقيم في دار رحمته وكرامته.

نتائج سلبية تترتب على مخالفة الدين الالهي

وفي المقابل: تترتب على مخالفة الدين الإلهي الحنيف والخروج عن الصراط المستقيم والتفرق عنه نتائج سلبية وخيمة مذمومة فردية ومجتمعية، مادية ومعنوية، قريبة وبعيدة، مباشرة وغير مباشرة، دنيوية وأخروية عديدة، منها:

النتيجة الأولى: الضيق النفسي الشديد في الحياة العملية والشعور بالحسرة والندامة والشقاء والتعب والابتعاد عن الراحة النفسية والطمأنينة الروحية والسعادة الحقيقية، قول الله تعالى: <قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ 123 وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا 125 قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ>[3]، أي: من اتبع هدى الله ودينه الحق وعمل به، وهو عين العقل والفطرة، فلا يضلّ طريقه ولا هدفه ولا مقصوده ولا غايته في الحياة، بل يصل إلى مطلوبه وتحسن عاقبته ولا تضيق نفسه ولا خوف عليه، فهو في سلامة وعافية، ولا يصيبه الحزن والغم من أمور الحياة، ولا يشقى في الدنيا والآخرة؛ لأنه في الدنيا يرضى بما قسم الله له من الرزق وبما قضى له وعليه، ويثق بالله (عز وجل) ويتوّكل عليه في أموره كلّها، فينزل الله تبارك وتعالى السكينة والطمأنية على قلبه، ويلبسه لباس الوقار والهيبة، ويجعل الراحة في نفسه، فلا يشعر بالضيق والخيبة واليأس ونحو ذلك، وفي الآخرة ينال رضوان الله العظيم، ويفوز بجنته ونعيمه الأبدي المقيم فيها على قاعدة <هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ>[4].

وفي المقابل: من أعرض عن طاعة الله (عز وجل) واتباع دعوته، وعن ذكره وكتابه الذي يهدي إلى جميع الفضائل والكمالات والمطالب العالية، وعن الاتصال به والانقطاع إليه عن كل شيء غيره، فإنه يعيش في الدنيا عيشة حيوانية مستغرقاً في الأهواء الشيطانية والشهوات الحيوانية، وإشباع حاجات الجسد، والحرص على مصالحه الشخصية عاصياً مجرماً بعيداً عن أنوار الحقائق وأشواق ورغائب الروح، أعمى لا يهتدي إلى سبل النجاة والهداية والخير والصلاح والسعادة والفلاح، وهي معيشة ضيقة الأفق ثقيلة الحمل يمتلي صاحبها بالضيق النفسي والحزن والقلق والاضطراب وعدم القناعة والخوف من المستقبل ونفاذ الإمكانيات وحلول المصائب ونزول العوارض، مثل: الموت والمرض والعاهات والفقر والكيد والفشل في المساعي وفراق الحبيب ونحو ذلك، وذلك كلّه ينشأ عن النقائص المعنوية والفقر الروحي، وللأسباب التالية:

أسباب الضيق النفسي والعملي لغير المؤمن

  • لأنه لا يؤمن بالأسباب الطبيعية المباشرة، فلا يؤمن بالله (عز وجل) ولا بعالم الغيب، فإذا لم يتمكن من الأسباب الطبيعية لتحصيل المطلوب، فإنه يشعر باليأس والإحباط والخوف، ويمتلئ بالهموم والغموم والأحزان والآلام، خاصة وأنّ الموت والحياة، والصحة والمرض، والنجاح والفشل، والنصر والهزيمة ونحو ذلك كلّها ليست بيده مطلقاً، ولا تتوقف على مجرد إرادته وعمله، على خلاف ما يتوهمه الجهلة والحمقى مثل قارون وأمثاله، قول الله تعالى: <فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ>[5]، أي: يتوهم الحمقى والجهلة غروراً منهم واستكباراً على خلاف الحقيقة والواقع، أن ما يحصلون عليه من النعم والخير والمكاسب؛ إنما هو بسبب علمهم ومواهبهم وخبرتهم وجهودهم وحسن تدبيرهم وحدهم، وأن ليس لله (عز وجل) ولا لغيره يد ولا مشيئة فيها، وعليه: فلهم كامل الحق والصلاحية في التصرف فيها بحرية مطلقة كما يشاؤون وكما يرغبون وكما يحلو لهم في الحق والباطل بدون مراقبة أو محاسبة من أحد، متجاهلون أنّ الموجودات كلها هي من خلق الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له وخاضعة بالمطلق لإرادته وتدبيره، لايخرج شيء منها عن ذلك، وهو وحده المتحكم فيها لا غيره، ولا يقدر أحد غير الله سبحانه وتعالى على أن يوجد شيئاً من لا شيء، ومتجاهلون أيضاً، أنهم ماكانوا ليحصلوا على شيء مما حصلوا عليه لو كانوا لوحدهم ولم يشاركهم غيرهم في الحياة الاجتماعية، وعليه: فكل ما حصلوا عليه هو من فضل الله تبارك وتعالى وفضل الحياة الاجتماعية، أي: أن لأفراد المجتمع دور جوهري ورئيسي في حصولهم عليه، وما كانوا ليحصلوا على ما حصلوا عليه لولا وجودهم مع غيرهم في المجتمع.
  • لأنّ مطامع الحياة الدنيا لا حصر لها، والنفس لا تشبع، فكلّما حصل الإنسان على شيء وحقق أمنية من أمانيه في الحياة طمع في الأكثر وزادت رغبته فيه وتعلّق قلبه بتحصيله بدون نهاية أو توقف، وتحقيق المطالب والرغبات ليس بالتمني، وإنما بالسعي والجد والعمل والتضحية، وكلّما كبر الشيء المطلوب واتسع احتاج إلى جد وسعي وعمل وتضحية أكبر وأضخم، وليست النتائج بيده وحده وتتوقف على كدحه وعمله وسعيه وتضحياته، حيث تتداخل إرادات الآخرين ورغباتهم وتضيحاتهم مع إرادته ورغبته وتضحياته، وفوقهم جميعاً تقف إرادة القدر العليا، فلا يضمن النجاح والظفر بما يريد، فيكون دائماً في كبد وكد وغم وحنق وضيق صدر ومشقة دائمة، ويلهث وراء ما يريد، ويستولي عليه الخوف والحرص والجشع والشح حتى ينتهي عمره وهو في مشقة وضيق، ولم يحقق ما يريد، ثم يكون في ضيق وعذاب بعد الموت في عالم البرزخ وعالم القيامة، وهو عذاب أشد وأقسى أضعافاً مضاعفة مما كان يعانيه من عذاب وألم وضيق في عالم الدنيا على قاعدة: <وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا>[6] فهذا هو الجزاء العادل لكل من يخالف الحقائق والفطرة والسنن والمنطق ويتجاوز حدّ العبودية لله (عز وجل) ويكفر بها ويتمرد عليها ويترك العمل بمقتضاها فالجزاء دائماً من جنس العمل.
  • لأنّ الاستغراق في عالم المادة والطبيعة وحاجات الجسد، وتجاهل عالم الغيب والملكوت وحاجات ومطالب ورغائب الروح، مخالف للفطرة وأصل الخلقة، والتكوين من جوهرين الروح والجسد، ويترتب عليه بالضرورة الضيق والحرج، أي: إنّ تجاهل عالم الغيب والروح وأفضل متطلباتهما سبباً للضيق والغم والخوف بشكل طبيعي وحتمي.
  • لأنّ مخالفة الدين الإلهي الحنيف، والخروج عن الصراط المستقيم، تترتب عليه مخالفة الحقائق والسنن والمنطق والعمل بالباطل، ومخالفة العدل والعمل بالظلم، ومخالفة الصلاح والعمل بالفساد، ومخالفة الفضائل والعمل بالرذائل، ومخالفة السلوك المستقيم والعمل الصالح والصواب والعمل بالسلوك المنحرف والعمل السيء والخطأ، ونحو ذلك من المصائب والحماقات والجهالات مما يترتب عليه بشكل حتمي الضيق والغم والحزن والمشاكل العظيمة.

تضاعف المشكلة في الحالة الاجتماعية

الجدير بالذكر: إنّ الكارثة تكون أكبر وأكثر خطورة حينما يُبنى المجتمع على نسيان الله سبحانه وتعالى والآخرة، وتجاهل القيم الروحية والأخلاقية العليا والمبادئ الإنسانية السامية، والإعراض عن الدين الإلهي الحق، والرجوع إلى الأديان الوضعية والفلسفات الباطلة والسياسات البرجمانية الخبيثة، والاعتماد على القيم والمصالح المادية ونحو ذلك، فيعم الفساد والظلم، ويظهر الخوف من الآخرين، وتضعف الثقة بهم، وتتفاقم الصراعات والحروب والمنافسات غير الشريفة، وتستخدم كل أدوات الغدر، وتتسارع وتيرة السباق المحموم على التسلّح، وتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتتسع مساحة التفاوت الطبقي، وتنتشر الجريمة ويكثر الخراب، ونحو ذلك من الكوارث والمصائب والجهالات والحماقات ومظاهر التحلل والانحطاط، مما يهدّد وجود الإنسانية وقيمها.

النتيجة الثانية: الضلال والتفرّق في الدين الإلهي الحق يميناً وشمالاً بغير هدى ولا إمام مبين، والانقسام إلى أحزاب وطوائف ضالة يقودها الشيطان الرجيم، عدو الإنسان اللدود وخصمه المبين، والفراعنة المتجبرون والطواغيت الضالون، وتتناحر فيما بينها وتتقاتل على مصالح الدنيا الفانية باسم الإله والدين، ويذهب ضحيتها خلق كثير .. فما سبل الضلال في الحقيقة والواقع إلا مجرد أهواء ووساوس وإغواءات شيطانية، ونوازع ورغبات نفسية مرضية، وخيالات باطلة، لا ضابط يضبطها، ولا نظام يحكمها ويجتمع عليه أهلها، ولا مرشد عدل صالح عليها، ولا توافق العقل والمنطق والحقائق والسنن، وتخالف الفطرة وأصل الخلقة والتكوين والطبع السليم، وتقوم على تبديل الدين الإلهي الحق، وتغيير الحقائق الثابتة الواضحة والسنن الراسخة ونحو ذلك، فيضيع الضالون بخروجهم عن الصراط المستقيم واتباعهم سبل الضلال، الوحدة الدينية والمدنية، ويصيبهم الضعف والوهن وينالهم الخذلان الإلهي، ويتورطون في الجرائم والجنايات، مثل: قتل الأبرياء وتعذيبهم والإساءة إليهم والظلم والفساد والفجور والخيانة والتحلل والرذيلة والحروب الدامية والصراعات العبثية والمنافسات غير الشريفة ونحوها، وتكثر بينهم المشاكل حتى ينتهي بهم المطاف إلى الفشل الحضاري التام والانحطاط والشقاء الكامل والهلاك الفعلي، وذلك هو الخسران المبين.

النتيجة الثالثة: التعرض لغضب الله (عز وجل) وسخطه الذي لا تقوم له السماوات والأرض لشدة عظمته وخطره وجلاله، ثم ينالهم العذاب الأخروي الشديد، قول الله تعالى: <كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا 99 مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا 100 خَالِدِينَ فِيهِ ۖ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا>[7]، أي: لقد قصصنا عليك من أخبار الحوادث وأحوال الأمم الماضية ما فيه تبصرة لك، ودروساً وعبرة وعظة لقومك، وتصديقاً لدينك ورسالتك، وأنزلنا عليك القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، عطية نفيسة ومنحة جزيلة من عندنا فيه كل ما يحتاجه الناس من المعارف الحقة والأخلاق الفاضلة والتشريعات السمحة العادلة التي تشهد العقول النيرة السليمة بصحتها وحسنها وكمالها، والدعوة إلى فعل الخيرات وعمل الصالحات، وكل ما يحتاجه الناس للهداية وتحصيل السعادة في الدارين الدنيا والآخرة، وفيه الحجة البالغة التامة على صدق نبوتك ورسالتك، والأمر الذي يوجب القبول به والتسليم له فكلّ من أهمل التفكير والتبصر، وكذّبك وأعرض عن دينك وعن القرآن المجيد، وكفر بهما وتهاون بأمرهما ولم يؤمن وخالفهما وترك العمل بموجبهما، فإنّ ذلك يجرّه إلى متاهات وأزمات ومشاكل تحمله أعباء ثقيلة، وإثماً عظيماً لا يمكن تصوره، يشترك في ذلك الأفراد والمجتمعات والأمم، وله عقوبة ثقيلة يستحقها خالداً مؤبداً فيها، في نار جهنم في يوم القيامة جزاءً موافقاً على عناده واستكباره وكفره وأخلاقه القبيحة وأعماله السيئة، وبئس الحمل الثقيل الذي احتطبوه وحملوه على ظهورهم، وبئس العاقبة السيئة التي انتهوا إليها وهم ذاهبون إلى لقاء الله وحسابه وجزائه، وبئس الورد الذي وردوه في يوم الخلود وهو يوم القيامة، وعليه: فالحقيقة الثابتة الواضحة أن الإنسان إذا ضل الصراط المستقيم والنهج القويم فليس له إلا طريق يوصله إلى عذاب الحريق في نار جهنم!!

النقطة الثالثة: البراءة من الطواغيت

إنّ الاتباع للدين الإلهي الحق والصراط المستقيم من أعلى مراتب الإنسانية، ويحتاج إلى الصدق في الإيمان والإخلاص في النية والانقطاع إلى الله ذي الجلال والاكرام عن كل شيء غيره، والبراءة من ولاية غيره المنقطعين عنه من الطواغيت الضالين والفراعنة المتجبرين والمستكبرين الطغاة والمترفين الفاسقين والانتهازيين النفعيين ونحوهم، قول الله تعالى: <لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ>[8] فلا تحصل حقيقة الإيمان ويكمل إلا بالبراءة من الطواغيت والفراعنة ومن لفّ لفهم وسلك طريقهم في الحياة.

وفي المقابل: الإعراض عن الدين الإلهي الحق والصراط المستقيم، يستند دائماً وأبداً وبشكل مطلق إلى الجهل والبغي والظلم والحسد واتباع الأهواء والوساوس والإغواءات الشيطانية والأوهام والجهالات والحماقات والخرافات والخيالات الباطلة والغرق في الشبهات والمغالطات ومخالفة الفطرة والطبع السليم والعقل والمنطق والحقائق الثابتة الواضحة والسنن الكونية والتاريخية؛ بسبب العناد والاستكبار والتعصّب الجاهلي الأعمى للتراث والعرق القبلي والقومي وضعف المنطق وذهاب نور العقل؛ بسبب التعلق بعالم الطبيعة والمادة والغرق في ظلماتها والإخلاد إلى الأرض، والاغترار بزينتها وزخارفها الزائلة، والحرص على المصالح الدنيوية العاجلة الفانية الخاصة والشخصية والعائلية والحزبية والطائفية ونحوها، والوقوف عندها وعدم تجاوزها وتعدّيها، وتجاهل القيم والمبادئ والمصالح العامة، ونحو ذلك من الصفات القبيحة والخصال الذميمة غير المنطقية وغير الإنسانية.

النقطة الرابعة: الفوز بالجنة

لكل ماسبق ذكره: فإنّ الله (ج) يوصي الإنسان باتباع الإسلام الحنيف والتمسك بالصراط المستقيم؛ لأنه السبيل الوحيد الذي يوصل الإنسان إلى الصلاح والفلاح وحفظ مصالحه الحقيقية في دورة الحياة الكاملة العرضية على امتداد المكان والجغرافيا، والطولية على امتداد الزمان والتاريخ، وفوزه بالآمال الطيبة الحسنة، والابتهاج بالمسرّات التي يطلبها.

ويوصله إلى كماله الممكن اللائق به والمقدّر له بحسب قابلياته واستعداداته الجسمية والفكرية والنفسية والروحية التي منحه الله تبارك وتعالى إياها وأنعم بها عليه، والحصول على سعادته الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، والنجاة من الهلاك العظيم والشقاء الحقيقي الكامل في الدارين الدنيا والآخرة والفوز بالرضوان الإلهي العظيم والنعيم الأبدي المقيم في جنة الخلد والفردوس الأعلى في الآخرة والدين الإلهي الحنيف والصراط المستقيم هو سبيل الأولياء الكاملين الصالحين المفلحين من الأنبياء والأوصياء المطهرين والصديقين والشهداء والمؤمنين الخالصين، أصحاب العقول الكاملة والقلوب الصافية والنفوس الطاهرة والنيات الحسنة الخالصة، السالمين من غضب الله (عز وجل) وسخطه الذين منّ الله تبارك وتعالى عليهم بنعمة التوحيد والهداية لولايته وولاية أوليائه، وكتب الإيمان في قلوبهم وثبتّهم عليه وأيّدهم بروح منه وسدّد خطاهم لما يتمتعون به من الصدق والإخلاص والأخلاق الفاضلة، وما يقومون به من المسؤوليات الإنسانية الجسام والأعمال الصالحة وفعل الخيرات، قول الله تعالى: <وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ>[9]، وصرف عنهم المجرمين من الطواغيت الضالين والفراعنة والطغاة المستكبرين والمترفين الفاسقين والانتهازيين والنفعيين المارقين عن الدين والحق والصواب وأمثالهم المنحرفين الذين غرقوا في عالم الدنيا والمادة والمصالح الدنيوية الفانية الشخصية والخاصة، ونسوا الله سبحانه وتعالى والآخرة والحقائق والسنن، وتجاهلوا القيم العليا والمبادئ السامية، وخالفوها وتركوها ولم يعملوا بها، وعملوا عن جهل وحماقة وضلال وعناد واستكبار وتعصب، وتورطوا في الذنوب الكبيرة والصغيرة والمعاصي والآثام والخطايا والجرائم والجنايات العامة والخاصة، فتدنست نفوسهم وانطمرت فطرتهم وأظلمت قلوبهم وأنطفأت أنوار عقولهم، فلا يهتدون إلى حق أو خير أو صواب أو فضيلة، ولا يستفيدون من نصيحة صادقة أو موعظة بالغة مؤثرة، قول الله تعالى: <وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ>[10] فلا فائدة ترجى منهم ولا خير فيهم، فهم مصدر الجهل والضلال والشرور والفساد والجرائم ضد الإنسانية في الأرض ولهم في الآخرة عذاب شديد.

سبيل الهداية سبيل واحد

وبناءً على ما سبق: فإنّ السبيل الذي يسلكه الناس في الحياة ليس سبيلاً واحداً، وإنما هي سُبُل شتى عديدة متشعبة ومتطرفة، وسبيل الهداية سبيل واحد من بين جميع السبل التي يسلكها الناس في الحياة؛ لأنّ الحق لا يكون إلّا واحداً لا يقبل الكثرة والتعدد، وكل سبيل سواه فهو باطل محض، ووحدة سبيل الهداية تدلّ على وحدة الهدف منه، ووحدة الداعين إليه وعصمتهم، ويسلكه المؤمنون الصالحون الخالصون، المؤمنون بآيات الله سبحانه وتعالى وبيناته، أما سُبُل الضلال فهي كثيرة عديدة متشعبة ومتنوعة لا حصر لها ولا عدّ ولا نهاية؛ لأن ما سوى الحق كثير وكل كثير باطل، وهي تعم الأديان السماوية المحرّفة، مثل: اليهودية والنصرانية والمجوسية، والأديان الوضعية، مثل: البوذية والهندوسية والزرادشتية، والفلسفات والسياسات الضالة الباطلة، مثل: الماركسية والوجودية والعلمانية والبرجماتية والليبرالية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها من الملل والنحل والضلالات والفلسفات والسياسات، وفي الحديث النبوي الشريف: عن ابن مسعود قال: خط رسول الله (ص) خطاً بيده، ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلّا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى: <وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ[11][12] ويسلك سبل الضلال على تعددها وتنوعها، الضالون الفاسقون الكافرون بآيات الله سبحانه وتعالى وبيّناته، الخاسرون لأنفسهم وأهاليهم، الهاوون إلى حضيض الدرك الأسفل للشيطنة والحيوانية.

وسبيل الهداية الذي يقوم على العلم والعمل سبيل خالص نيرمؤنس نظيف ظاهراً وباطناً من الشرك والظلم والجور والضلال والفساد، أمّا سُبُل الضلال فهي مشوبة بشوائب الذنوب والمعاصي والآثام والخطايا والجرائم والجنايات، ومظلمة وموحشة ومليئة بجميع الشرور والآفات الفكرية والروحية والنفسية والسلوكية الفردية والمجتمعية، المادية والمعنوية، الدنيوية والأخروية، وعليه: فسبيل الهداية يحفظ سالكيه وينجيهم، وسُبُل الضلال تُضَيِّع سالكيها وتهلكهم وتشقيهم فليس نعمة أعظم من نعمة الإيمان والهداية، وليس نقمة أشد على الإنسان والإنسانية من الكفر والضلال.

النقطة الخامسة: الرجوع إلى الله

أن لا سبيل أمام الإنسان عموماً والحائر خصوصاً للهداية والاستقامة والنجاة من الهلكة والشقاء إلا بالإيمان الصادق والتقوى والإخلاص في النية، والتجرّد والموضوعية والنزاهة في البحث عن الحقيقة والعمل بها، والتبصّر في حقائق الأمور والعواقب وفي البينات والحجج والبراهين والأوامر والنواهي الإلهية والورع عن المحارم وعن انتهاك الحقوق والحرمات والمقدسات، والرجوع إلى الله رب العالمين في كل الأمور والشؤون والظروف والأحوال والانقطاع إليه عن كل شيء غيره، والثقة به وبوعده ووعيده والتوكل عليه والتسليم إليه. والاعتماد على الحقائق والسنن والمنطق السليم في الحياة، وأن يحب لغيره من الناس ما يحبه لنفسه، وأن يتحلّى بالفضائل والصفات الجميلة والخصال الحسنة الحميدة، ويسلك طريق الصلاح والمصلحين، ويتجنب طريق الفساد والمفسدين؛ ليقبله الله سبحانه وتعالى ويقبل عمله ويؤيده ويسدده ويوفقه ويحسن عاقبته ويدخله مع الصالحين، قول الله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ>[13].


  •  العنكبوت: 69-[1]
  •  آل عمران: 85-[2]
  •  طه: 123-126-[3]
  •  الرحمن: 60-[4]
  •  الزمر: 49-[5]
  •  الشورى: 40-[6]
  •  طه: 99-101-[7]
  •  البقرة: 256-[8]
  •  العنكبوت: 69-[9]
  •  الملك: 10-[10]
  •  الأنعام: 153-[11]
  •  مستدرك الوسائل، جزء 2، صفحة 318-[12]
  •  التوبة: 119-[13]
المصدر
رسول الرحمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟