بحث روائي مختصر

سُئل الإمام الصادق (ع) عن المعرفة: من صنع مَن هي؟ فأجاب: من صنع الله ليس للعباد فيها صنع.[1]
وعن صفوان بن يحيى، قال: سألت الرضا (ع) عن المعرفة: هل للعباد فيها صنع؟ قال: لا. قلت: لهم فيها أجر؟ قال: نعم، تطول عليهم بالمعرفة وتطول عليهم بالثواب.[2]
عن عبد الأعلى، قال: قلت للإمام الصادق (ع): هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال: لا قلت: فهل كلّفوا المعرفة؟ قال: لا؛ لأنّ على الله البيان، لا يكلّف الله العباد إلّا وسعها، ولايُكلّف نفساً إلّا ما أتاها.[3]
تتضمن الأحاديث الشريفة نقاطاً مهمة عديدة، منها:
- أن الإنسان والملائكة والجن وهم الكائنات العاقلة ليسوا عالمين بالذات وإنما عالمين بالغير، أي: لديهم القابلية والقدرة على التعقل واكتساب المعرفة، وأنّ العلم والمعرفة يأتيانهم من الغير، وأنّ العالم بالذات هو الله وحده لاشريك له، وقول الله تعالى: <سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ>[4]
ولأنّ العباد عالمون بالغير، فعلمهم محدود وله أدوات وله طرق، مثل: الحواس الخمس والاستدال العقلي والشهود القلبي والوحي، فبعض العلوم يحصلون عليها عن طريق الحواس الخمس، وبعضها عن طريق الاستدلال العقلي، وبعضها عن طريق الكشف والشهود القلبي، وبعضها عن طريق الوحي، وتفاوت الكائنات العاقلة في القابلية والاستعداد للمعرفة من جهة النوع والعمق والكم، ولهذا علم آدم (ع) من شأن الأسماء ما لم تعلمه الملائكة، قول الله تعالى: <قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ 32 قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ>[5].
- أنّ بعض المعارف والحقائق لا سبيل للإنسان إلى تحصيلها، ولم يكلفوا بتحصيلها؛ لأن تحصيلها فوق وسعهم وطاقتهم، والله سبحانه وتعالى لا يكلّف فوق الوسع والطاقة، وقول الله تعالى: <لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ>[6]، ومن المعارف التي لا سبيل للإنسان لتحصيلها: المعرفة بالذات الإلهية، والمعرفة المطلقة بالصفات الإلهية العليا والأسماء الحسنى والأفعال الحكيمة والكمالات الإلهية؛ لأنّها مطلقة وعقل الإنسان محدود، ويستحيل أن يحيط المحدود بالمطلق علماً ومعرفة.
- بعض المعارف لا يدركها العقل أو لا يحيط بها علماً ومعرفة ابتداءً أو من تلقاء نفسه، ولكنه يستطيع إدراكها ومعرفتها بمساعدة الوحي والتنزيل، مثل: المعرفة الحقيقية العالية الكاملة الممكنة في حق المخلوقين بالله ذي الجلال والإكرام، أي: بصفاته وأسمائه وأفعاله وكمالاته، والمعرفة الممكنة بالعرش والكرسي والقلم والجنة والنار وأحوالها والصراط والبرزخ والملائكة ونحو ذلك.
- هناك معارف وحقائق يستطيع الإنسان إداراكها ومعرفتها ابتداءً ومن تلقاء نفسه عن طريق الحسّ والتجربة أو عن طريق الاستدلال العقلي، مثل: العلوم الطبيعية والإنسانية والمنطق والرياضيات واللغويات ونحوها.
تعليق واحد