ترك وسائل الهداية نقض لغاية الخلق

وبناء على ماسبق، يعتبر ترك الله (ج) لإرسال الرسل؛ نقض لغرض خلق الإنسان وغاية وجوده ومخالف لمقتضى الحكمة، والله سبحانه وتعالى منزّه عن ذلك، قول الله تعالى: <وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ>[1]، وقول الله تعالى: <رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا>[2] والحكيم بطبيعة الحال أو بما هو حكيم لا ينقض غايته.
وكون ترك الله (عز وجل) لإرسال الرسل نقض لغرض خلق الإنسان ومخالف لمقتضى الحكمة؛ لأنّ الإنسان لايستطيع من تلقاء نفسه وبالاعتماد على عقله وفطرته وقدراته الذاتية؛ أن يعرف جميع المستلزمات المادية والمعنوية والمعارف والتشريعات والقيم الضرورية التي تكفل له توفير جميع المصالح المعتمدة الفردية والمجتمعية، المادية والمعنوية، القريبة والبعيدة، الدنيوية والأخروية للوصول إلى كماله اللائق به والمقدّر له، والحصول على سعادته الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، وأن يعمل بمقتضى ما يعلم على خلاف أهوائه ورغباته وشهواته ونزواته، وقد ثبت بالتجربة التاريخية والمعاصرة:
- تفاوت المجتمعات في قدرتها على تنظيم نفسها وسن القوانين والتشريعات الرئيسية والفرعية المناسبة لها من جميع الوجوه، وفرضها والعمل بها، بدليل إجراء التعديلات باستمرار على القوانين وتفشي الجريمة.
- أنّ الناس غير قادرين بحكم العقل والمنطق على وضع التشريعات التي تكفل المصالح المعنوية والأخروية رغم حاجة الإنسان الوجودية الضرورية إليها، وتقدمها في الأهمية على الحاجات المادية والدنيوية؛ وذلك بسبب خروج المصالح المعنوية والأخروية عن دائرة الحس والتجربة وقصور المعرفة العقلية المستقلة عن الوحي عن إدراكها، وعليه: فإنّ الذي يكفل المصالح المعنوية والأخروية هو الوحي والتشريعات الإلهية، وترك الله (عز وجل) للوحي وإرسال الرسل؛ يترتب عليه فساد الإنسان وإلحاق أشد الأضرار به، وفيه نقض لغرض خلق الإنسان الذي تعلّقت الإرادة الإلهية أصالةً ومباشرةً بكماله وسعادته، وهو مخالف للحكمة قطعاً لما فيه من العبثية واللغو، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.