طريق كمال الإنسان وسعادته
والطريق الوحيد إلى كمال الإنسان وسعادته هو المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام وطاعته وعبادته وسلوك طريق عشقه ومحبته والتخلق بأخلاقه واكتساب صفات كماله، صفات الجمال وصفات الجلال، والفناء فيه والبقاء به.
وسلوك هذا الطريق يتوقف على إرادة الإنسان واختياره، قول الله تعالى: <لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ>[1] فقد ميّز الله تبارك وتعالى الإنسان من بين جميع المخلوقات والموجودات بميزتين: العقل، وحرية الإرادة والاختيار، وهما من الكمالات الوجودية، ومورداً لتحميل المسؤولية. وجعل له طريقين في الحياة: طريق الهداية وطريق الضلال، قول الله تعالى: <وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ>[2]، وقول الله تعالى: <وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8 قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا 9 وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا>[3] وذلك لأن ما يلزم عن الاختيار هو القدرة على ممارسة الأفعال الحسنة الباطنية مثل: الاعتقاد بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد، والظاهرية مثل: الصلاة والصيام والحج والزكاة وسائر العبادات والطاعات التي تؤهله للصعود إلى الملأ الملكوتي الأعلى، وتوصله إلى كماله وتُحقّق له سعادته الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، وأيضاً القدرة على ممارسة الأفعال القبيحة الباطنية مثل: الشرك والكفر بالنبوة والإمامة والمعاد، والظاهرية مثل: الزنا وشرب الخمر وممارسة الفجور والمعاصي وترك العبادات والطاعات، وهي ما تؤهله للهبوط إلى الحضيض والدرك الأسفل للشيطنة والحيوانية (عالم الشياطين والظلمة والشرور)، وتؤدي به إلى الانحطاط والنقص والانسلاخ من الإنسانية، وإلى الهلاك والشقاء الأبدي الكامل.
وهذا الأمر يدل على توجه الإرادة الإلهية الكاملة والتامة لإعداد الإنسان إلى مهمة خطيرة متميزة تتناسب مع هذه الميزة، العقل وحرية الإرادة والاختيار، والنعمة الإلهية الجليلة على الإنسان والمهمة الخطيرة هي رفع الإنسان إلى مستوى تكليم الله ذي الجلال والاكرام وتلقي الخطاب منه، والفناء فيه والبقاء به، والاغتباط والابتهاج به، وهي لذة روحية ليس مثلها ولا بعدها لذة على الإطلاق، وتمثّل أعلى مراتب الكمال الإنساني بل أعلى مراتب الكمال الممكن التي يمكن أن يبلغها المخلوق، وهي غاية الطالبين والعشاق العارفين بالله ذي الجلال والإكرام، وهي ممكنة للإنسان في الدارين الدنيا والاخرة.
- في الدنيا: لخصوص الأنبياء والمرسلين الكرام (عليهم السلام)، قول الله تعالى: <وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا>[4]
- في الآخرة: للأنبياء والرسل الكرام (عليهم السلام) ولخواص المؤمنين، قول الله تعالى: <إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ>[5] أي: هناك من لا يكلمهم الله (ج) في يوم القيامة ولا ينظر إليهم بالرحمة والإحسان واللطف والبر، بل يهملهم ويعرض عنهم ولا يعتد بهم، سخطاً منه وغضباً عليهم، ويعذبهم بذنوبهم في نار جنهم، وهناك في المقابل من يكلمهم الله (ج) بغير سفير ولا وسيط، تشريفاً عالياً يختص به أولياءه وعباده المخلصين مما يجلب لهم البهجة والسرور.
وليت شعري أية لذة أعظم من هذه اللذة وأفخر؟! وينظر إليهم نظرة رحمة وإحسان ولطف وبر برضاه عنهم وحبه لهم وعنايته الفائقة بهم، ويجازيهم من نعم الجنة المادية والمعنوية الجزاء الأوفى، وأية نعمة أعظم من هذه النعمة، يقول العلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرزاي: «أن واحدة من أعظم المواهب الإلهية في الآخرة أن يكلّم الله المؤمنين تلطفاً بهم، أي إن المؤمنين سينالون في الآخرة نفس المنزلة التي نالها أنبياء الله في الدنيا، وسيلتذون بما التذ به الأنبياء من تكليم إلهي»[6] ويقول: «أن من يقترب من الله ويدنو من ساحة قربه تشمله مجموعة من النعم الإلهية المعنوية، فإذا ازداد اقتراباً كلّمه الله، وإن دنا أكثر نظر إليه الله نظرة الرحمة، وإن اقترب أكثر طهّره الله من آثار ذنوبه، وأخيراً ينجو من العذاب الأليم وتغمره نعم الله»[7]