بحث حول الحاجة إلى النبوة
جدول المحتويات
تعلّقت الإرادة الإلهية أصالةً وبصورة مباشرة في خلق الإنسان بكماله وسعادته؛ لأنّ إرادة الله سبحانه وتعالى ليست عابثة أو جزافية، قول الله تعالى: <وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ>[1]، وقول الله تعالى: <أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ>[2] فالله سبحانه وتعالى يريد دائماً ما يناسب صفاته الكمالية وتقتضيه حكمته البالغة، فإذا لم تقتض صفاته الكمالية وحكمته البالغة فعلاً ما، فلا يصدر منه ذلك الفعل إطلاقاً.
طريق كمال الإنسان وسعادته
والطريق الوحيد إلى كمال الإنسان وسعادته هو المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام وطاعته وعبادته وسلوك طريق عشقه ومحبته والتخلق بأخلاقه واكتساب صفات كماله، صفات الجمال وصفات الجلال، والفناء فيه والبقاء به.
وسلوك هذا الطريق يتوقف على إرادة الإنسان واختياره، قول الله تعالى: <لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ>[3] فقد ميّز الله تبارك وتعالى الإنسان من بين جميع المخلوقات والموجودات بميزتين: العقل، وحرية الإرادة والاختيار، وهما من الكمالات الوجودية، ومورداً لتحميل المسؤولية. وجعل له طريقين في الحياة: طريق الهداية وطريق الضلال، قول الله تعالى: <وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ>[4]، وقول الله تعالى: <وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8 قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا 9 وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا>[5] وذلك لأن ما يلزم عن الاختيار هو القدرة على ممارسة الأفعال الحسنة الباطنية مثل: الاعتقاد بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد، والظاهرية مثل: الصلاة والصيام والحج والزكاة وسائر العبادات والطاعات التي تؤهله للصعود إلى الملأ الملكوتي الأعلى، وتوصله إلى كماله وتُحقّق له سعادته الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، وأيضاً القدرة على ممارسة الأفعال القبيحة الباطنية مثل: الشرك والكفر بالنبوة والإمامة والمعاد، والظاهرية مثل: الزنا وشرب الخمر وممارسة الفجور والمعاصي وترك العبادات والطاعات، وهي ما تؤهله للهبوط إلى الحضيض والدرك الأسفل للشيطنة والحيوانية (عالم الشياطين والظلمة والشرور)، وتؤدي به إلى الانحطاط والنقص والانسلاخ من الإنسانية، وإلى الهلاك والشقاء الأبدي الكامل.
وهذا الأمر يدل على توجه الإرادة الإلهية الكاملة والتامة لإعداد الإنسان إلى مهمة خطيرة متميزة تتناسب مع هذه الميزة، العقل وحرية الإرادة والاختيار، والنعمة الإلهية الجليلة على الإنسان والمهمة الخطيرة هي رفع الإنسان إلى مستوى تكليم الله ذي الجلال والاكرام وتلقي الخطاب منه، والفناء فيه والبقاء به، والاغتباط والابتهاج به، وهي لذة روحية ليس مثلها ولا بعدها لذة على الإطلاق، وتمثّل أعلى مراتب الكمال الإنساني بل أعلى مراتب الكمال الممكن التي يمكن أن يبلغها المخلوق، وهي غاية الطالبين والعشاق العارفين بالله ذي الجلال والإكرام، وهي ممكنة للإنسان في الدارين الدنيا والاخرة.
- في الدنيا: لخصوص الأنبياء والمرسلين الكرام (عليهم السلام)، قول الله تعالى: <وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا>[6]
- في الآخرة: للأنبياء والرسل الكرام (عليهم السلام) ولخواص المؤمنين، قول الله تعالى: <إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ>[7] أي: هناك من لا يكلمهم الله (ج) في يوم القيامة ولا ينظر إليهم بالرحمة والإحسان واللطف والبر، بل يهملهم ويعرض عنهم ولا يعتد بهم، سخطاً منه وغضباً عليهم، ويعذبهم بذنوبهم في نار جنهم، وهناك في المقابل من يكلمهم الله (ج) بغير سفير ولا وسيط، تشريفاً عالياً يختص به أولياءه وعباده المخلصين مما يجلب لهم البهجة والسرور.
وليت شعري أية لذة أعظم من هذه اللذة وأفخر؟! وينظر إليهم نظرة رحمة وإحسان ولطف وبر برضاه عنهم وحبه لهم وعنايته الفائقة بهم، ويجازيهم من نعم الجنة المادية والمعنوية الجزاء الأوفى، وأية نعمة أعظم من هذه النعمة، يقول العلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرزاي: «أن واحدة من أعظم المواهب الإلهية في الآخرة أن يكلّم الله المؤمنين تلطفاً بهم، أي إن المؤمنين سينالون في الآخرة نفس المنزلة التي نالها أنبياء الله في الدنيا، وسيلتذون بما التذ به الأنبياء من تكليم إلهي»[8] ويقول: «أن من يقترب من الله ويدنو من ساحة قربه تشمله مجموعة من النعم الإلهية المعنوية، فإذا ازداد اقتراباً كلّمه الله، وإن دنا أكثر نظر إليه الله نظرة الرحمة، وإن اقترب أكثر طهّره الله من آثار ذنوبه، وأخيراً ينجو من العذاب الأليم وتغمره نعم الله»[9]
مقومات طريقَي الهداية والضلال
والطريق الوحيد الذي يوصل الإنسان إلى معرفة الله ذي الجلال والاكرام وطاعته وعبادته، وإلى كماله الممكن المقدّر له واللائق به، وإلى سعادته الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة هو طريق الهداية، ويقوم على ما يأتي:
- العلم بالمعارف الإلهية الحقة، المعرفة بالله ذي الجلال والإكرام، وبالمبدأ والمعاد والطريق، وبحقائق الحياة والسنن، والروابط مع سائر المخلوقات والموجودات، وبالمنافع والمضار الموافقة لأصل الخلقة والفطرة وغاية الخلق، ودرجاتها ومقاديرها وغير ذلك.
- الأعمال الصالحة من العبادات والطاعات وأفعال الخير والبر والإحسان، الموافقة لمقتضيات العلم بالمعارف الإلهية الحقة.
أما طريق الضلال الذي يهدي إليه الشيطان، فيقوم على ما يلي:
- اتباع الأهواء والوساوس الشيطانية والأوهام والخرافات والخيالات الباطلة التي ما أنزل الله (عز وجل) بها من سلطان، ولا أساس لها في الواقع ولاحقيقة لها في العقل والمنطق.
- الأعمال السيئة الظاهرة والباطنة، من الذنوب والمعاصي والآثام والخطايا والجرائم والجنايات والأخلاق الذميمة والخصال القبيحة والعقائد الباطلة والأفكار المنحرفة. وتؤدي بالإنسان للسقوط إلى الحضيض الأسفل في عالم الحيوانية والشيطنة والشرور المظلمة وإلى التحلّل والفساد والانحطاط والنقص والانسلاخ من الإنسانية، وإلى الشقاء الحقيقي الكامل والهلاك الفعلي والخسران المبين والعذاب المؤلم في الدارين الدنيا والآخرة.
شروط الاختيار الواعي
وما سبق يثبت لنا بأن الاختيار الواعي من الإنسان لما فيه صلاحه وكماله وخيره ومصلحته وسعادته الحقيقية يجب أن يتوفر على شروط عديدة، منها:
- القدرة على ممارسة العمل أو الاختيار وتفعيله، وتوفير الظروف والأجواء الخارجية المناسبة له، مع التنبيه إلى أنّ العمل أو الاختيار قد يكون مقصوداً لنفسه أو لغيره.
- المعرفة الصحيحة بالحاجات الإنسانية الفردية والمجتمعية الموافقة لأصل الخلق والتكوين وغاية الخلق، وبالأعمال الصالحة والسيئة حقيقةً وفعلاً وبنتائجها.
- المعرفة بهدف وجود الإنسان وغاية خلقه والطرق الموصلة إلى كمال الإنسان وسعادته وتحقيق غاية وجوده، وبالعقبات والعراقيل والمزالق والانحرافات التي تواجه الإنسان في حياته، والطريقة المثلى والأساليب الناجعة والوسائل الفعالة لتذليلها والتغلب عليها.
الوسائل الإلهية لهداية الإنسان
ومن أجل هداية الإنسان:
- بعث الله تبارك وتعالى الأنبياء والرسل الكرام (عليهم السلام) وأيدهم بما يثبت صدق نبوتهم ورسالتهم من المعجزات الباهرات والبينات الواضحات والحجج النيرات الساطعات، ونصب الأدلة والبراهين العقلية من أجل تعليم الناس المعارف الإلهية الحقة وحقائق الحياة والسنن والطريق الصحيح للحياة من كل أبعادها وجوانبها، والتكامل الحقيقي للإنسان، وإرشاد الناس إلى الوظائف الفردية والمجتمعية المادية والمعنوية الدنيوية والأخروية التي توافق فطرتهم وأصل خلقتهم وتكوينهم، وفيها صلاحهم وخيرهم وكمالهم ومصلحتهم الحقيقية في دور الحياة الكاملة العرضية في المكان والجغرافيا، والطولية في الزمان والتاريخ، وتحقق سعادتهم الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة وممارسة دور القيادة الرشيدة الناصحة المؤهلة من جميع الجوانب الفكرية والروحية والعملية، والقضاء بين الناس والفصل في الخصومات وحلّ المشكلات والمعضلات التي تواجه الناس كافة في حياتهم في جميع الشؤون والأحوال والظروف.
- فرض التكاليف الشرعية الإلهية على الناس، أعني التكاليف التي توافق قدراتهم وأصل خلقهم وتكوينهم وفطرتهم، وفيها صلاحهم وخيرهم ومصلحتهم وسعادتهم الحقيقية، وحثهم عليها وشوّقهم إليها وحذّرهم من معصيتها ومخالفتها، ووفّر ما يلزم تكويناً وتشريعاً للعمل بها وتطبيقها، ولا يبقى إلا أن يختارها الإنسان ويعمل بها بمحض إرادته لمنافاة الإكراه للتكليف.
ترك وسائل الهداية نقض لغاية الخلق
وبناء على ماسبق، يعتبر ترك الله (ج) لإرسال الرسل؛ نقض لغرض خلق الإنسان وغاية وجوده ومخالف لمقتضى الحكمة، والله سبحانه وتعالى منزّه عن ذلك، قول الله تعالى: <وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ>[10]، وقول الله تعالى: <رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا>[11] والحكيم بطبيعة الحال أو بما هو حكيم لا ينقض غايته.
وكون ترك الله (عز وجل) لإرسال الرسل نقض لغرض خلق الإنسان ومخالف لمقتضى الحكمة؛ لأنّ الإنسان لايستطيع من تلقاء نفسه وبالاعتماد على عقله وفطرته وقدراته الذاتية؛ أن يعرف جميع المستلزمات المادية والمعنوية والمعارف والتشريعات والقيم الضرورية التي تكفل له توفير جميع المصالح المعتمدة الفردية والمجتمعية، المادية والمعنوية، القريبة والبعيدة، الدنيوية والأخروية للوصول إلى كماله اللائق به والمقدّر له، والحصول على سعادته الحقيقية الكاملة في الدارين الدنيا والآخرة، وأن يعمل بمقتضى ما يعلم على خلاف أهوائه ورغباته وشهواته ونزواته، وقد ثبت بالتجربة التاريخية والمعاصرة:
- تفاوت المجتمعات في قدرتها على تنظيم نفسها وسن القوانين والتشريعات الرئيسية والفرعية المناسبة لها من جميع الوجوه، وفرضها والعمل بها، بدليل إجراء التعديلات باستمرار على القوانين وتفشي الجريمة.
- أنّ الناس غير قادرين بحكم العقل والمنطق على وضع التشريعات التي تكفل المصالح المعنوية والأخروية رغم حاجة الإنسان الوجودية الضرورية إليها، وتقدمها في الأهمية على الحاجات المادية والدنيوية؛ وذلك بسبب خروج المصالح المعنوية والأخروية عن دائرة الحس والتجربة وقصور المعرفة العقلية المستقلة عن الوحي عن إدراكها، وعليه: فإنّ الذي يكفل المصالح المعنوية والأخروية هو الوحي والتشريعات الإلهية، وترك الله (عز وجل) للوحي وإرسال الرسل؛ يترتب عليه فساد الإنسان وإلحاق أشد الأضرار به، وفيه نقض لغرض خلق الإنسان الذي تعلّقت الإرادة الإلهية أصالةً ومباشرةً بكماله وسعادته، وهو مخالف للحكمة قطعاً لما فيه من العبثية واللغو، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
تأكيد القرآن على هدفية الخلق
وقد أكّد القران الكريم على هدفية الخلق والوجود في آيات قرآنية عديدة، منها: قول الله تعالى: <أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ 115 فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ>[12]، وقول الله تعالى: <وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ>[13]، وقول الله تعالى: <خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ>[14]، وقول الله تعالى: <وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ>[15]
المضامين العامة للآيات الكريمة
وتتضمن الآيات الكريمة المباركة النقاط الأساسية التالية:
- التأكيد على الهدفية في خلق العالم والإنسان وجميع ما في العالم من الموجودات والكائنات، الجمادات والنباتات والحيوانات، أي: خلقوا لهدف عظيم وغاية راجحة متلبسين بالحق والحكمة، لا أثر فيها للباطل والعبثية واللغو، وفي ذلك دليل على وحدانية الله سبحانه وتعالى، وعظيم وكمال قدرته، وسعة رحمته وعلمه المحيط، وحكمته وحسن تدبيره وكمالاته لما فيه من الجلال والإبداع والإحكام وعجائب الصنع، فلا يقدر عليه غيره.
- إن الله سبحانه وتعالى منزّه عن العبثية واللغو الباطل؛ لأنها نقيض الحكمة البالغة والكمالات الإلهية، فصدورها عن الله مستحيل عقلاً؛ ولأن لله (عز وجل) الملك المطلق ويحكم بما يشاء، فلا يحكم إلا بالحق؛ لأنه حق بالذات (حق مطلق)، ومن كانت هذه صفته، فإنه لا يعبث في فعله ولا يلهو ولا يلعب؛ لأنّ الحق بما هو حق لا يصدر عنه إلّا حق. ولأنه لا ربّ معه، فَيُبْطِل حكمه، فله السلطة والسيطرة المطلقة على العالم بأسره، ويمسك تماماً بأزمّة الأمور فيه، فلا سبيل إلى الفساد والعبث إليه.
- إن الهدفية في خلق العالم والإنسان وسائر الموجودات والكائنات تقتضي حتمية البعث والحساب والجزاء الموافق على الأعمال، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، أي يثيب المحسن ويعاقب المسيء، لا أن يحيوا ويأكلوا ويشربوا ويتمتعوا بلذات الحياة الدنيا كالأنعام ثم يموتون وينتهي كل شيء من غير غاية باقية وراء خلقهم وإسكانهم دار الحياة الدنيا، فيمضي المحسن بإحسانه دون ثواب ويمضي المسيء بإساءته دون عقاب. وذلك لأنّ الإنسان لديه القابلية للخلود بروحه، وأن فساده بالموت يتنافى مع كرامته ومع العدالة والحكمة الإلهية؛ ولأنّ ترك الجزاء على الأعمال يترتب عليه التشجيع على المعصية ومخالفة القانون والجريمة والفساد، وهو عين العبثية واللغو والباطل، ونقيض الحكمة والرحمة الإلهية، وعليه: فبمنطق الهدفية والحق في الخلق، وبمقتضى الحكمة والعدالة والرحمة الإلهية؛ يجب ضرورة وتعييناً حصول البعث والحساب والجزاء على الأعمال.
أضف إلى ذلك: أن ممارسة الإنسان الفطرية للحياة، مثل: التنظيم والتشريع والجزاء وتحمّل المسؤوليات العامّة والخاصة، يدل على أنّ الاعتقاد بالهدفية من خواص الفطرة الإنسانية، ولا تتمُّ هذه الحالة ولا تستقيم إلّا بالاعتقاد بأنّ وراء الحياة الدنيا حياة أخرى للحساب والجزاء، وإلّا كانت الحياة هادفة في عالم لا هدف له ولا فائدة فيه، وقد وجد محض الصدفة وبلا قصد!!
- أنّ الاعتقاد بعبثية الخلق وأنه وجد صدفة بلا حكمة ولا فائدة ولا قصد ونحو ذلك من الهنات والترهات والشنئات التي تحيل بين الإنسان وبين العدالة وتحمل المسؤولية بصدق وإخلاص، وتخلق الأرضية إلى الظلم والاستبداد والفساد في الأرض والصراعات والحروب الظالمة الدامية من أجل السيطرة والثروة والتفوق ونحو ذلك من الأوهام الشيطانية، وتحويل الدنيا إلى دار مظلمة رهيبة موحشة، إذن فذلك الاعتقاد: ما هو في الحقيقة والواقع إلا الوهم والظن الباطل الذي يعتقدهُ الكافرون بالتوحيد والمعاد والنبوة بدون دليل أو برهان صحيح؛ لأنّ لا شيء في العالم إلا وهو ينطق ويدلُّ عليه، ولو كانت في العالم شائبة من العبث والباطل لفسد ولما ثبت واستمر صامداً على نظامه المحكم طوال الدهر المديد.
- الذاريات: 56-[1]
- المؤمنون: 115-[2]
- البقرة: 256-[3]
- البلد: 10-[4]
- الشمس: 7-10-[5]
- النساء: 164-[6]
- آل عمران: 77-[7]
- تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، جزء 1، صفحة 319-[8]
- تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، جزء 2، صفحة 340-[9]
- الأنعام: 91-[10]
- النساء: 165-[11]
- المؤمنون: 115-116-[12]
- الحجر: 85-[13]
- النحل: 3-[14]
- ص: 27-[15]
تعليق واحد