ملامح من سيرته الشريفة

جدول المحتويات
توفي والده عن عمر يقدر بخمسة وعشرين سنة، وكان محمد (ص) جنيناً في بطن أمه، وتوفيت والدته وله من العمر ست سنوات، فعاش يتيم الأبوين، وكفله جده عبدالمطلب لمدة ثمان سنوات، وكان على بصيرة من شأنه وأمر نبوته، ثم كفله عمه أبوطالب بوصية من جده عبدالمطلب، وكان شقيقاً لأبيه عبدالله من أمّه وأبيه، وكان رغم فقره أنبل إخوته وأكرمهم وأكثرهم مكانة واحتراماً في قريش، وأكثرهم بصيرة في شأن محمد (ص) ونبوته، وكان مع زوجته فاطمة بنت أسد، يقيان محمداً (ص) بنفسيهما، ويؤثرانه على أبنائهما في الكسوة والنفقة، وقد بقى مع عمه أبي طالب إلى حين زواجه بخديجة بنت خويلد، وكان عمره الشريف خمسة وعشرين سنة.
سفره الأول إلى الشام
سافر مع عمّه للمرة الأولى إلى الشام للتجارة، وكان في الثانية عشر من عمره الشريف، والتقى في الطريق ببحيري الراهب النصراني، فعرفه حيث وجد فيه علامات النبي الخاتم التي قرأها في كتب النصرانية، فاحتفى به وأوصى عمّه به، وكشف لعمّه عن تربُّص اليهود به الدوائر وخطرهم عليه، وهذا مما يكشف عن علم عمّه أبي طالب بشأن نبوته وبصيرته فيه.
وقيل: أنه رعى الأغنام، وكان ذلك على طريق الإعداد الإلهي له لتحمّل مسؤولية أعباء الرسالة والتربية للمؤمنين، والصبر على رعاية الناس وتدبير أمورهم وإرشادهم وهدايتهم لطريق الحق.
حلف الفضول
حضر (ص) حلف الفضول وهو في العشرين من عمره الشريف تقريباً، وهو الحلف الذي عرف بأنه أشرف حلف شهده العهد الجاهلي، وقد ضم بني هاشم وزهرة وتميم وبني أسد، وقد تحالفوا على أمور، منها: نصرة المظلوم، والنهي عن المنكر، وقد أثنى النبي (ص) على هذا الحلف بعد نبوته، وأيّد القيم التي قام عليها وأقرّها، فقال: «ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جذعان حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت»[1].
سفره إلى الشام للتجارة
وقد سافر إلى الشام للتجارة (المضاربة) بأموال خديجة بنت خويلد وهو في الخامسة والعشرين من عمره الشريف، وكان بصحبته ميسرة غلام خديجة، وقد استطاع محمد (ص) بحسن أخلاقه وصالح أعماله وفعاله وحنكته وأمانته وصدقه أن يربح الربح الوفير، فلما عادا إلى مكة المكرمة أخبر ميسرة سيدته خديجة بما كان قد شاهده من أخلاق وصفات وأفعال محمد (ص)، فتعلق قلبها به ومالت إليه ورغبت في الاقتران به والزواج منه، فصارحته بذلك لمّا عرفت عنه من خلق رفيع وصفات حميدة، بالإضافة إلى كونه سليل أسرة شريفة ظاهرة الكرم، وكانت من خيرة نساء قريش وأرجحهن عقلاً، ومن أسرة عريقة وغاية في الشرف والنبل، وكانت تدعى الطاهرة وسيدة قريش، فاستجاب محمد (ص) لرغبته بكل فخر وسرور وتزوجها، وكان ذلك قبل البعثة بخمسة عشرة سنة تقريباً.
نصب الحجر الأسود
كما ارتضته القبائل المتنازعة بشأن نصب الحجر الأسود الشريف في مكانه من الكعبة المشرفة، أثناء تجديد بنائها بعد أن هدمها السيل، حيث أنهم لما بلغوا إلى موضع الحجر الأسود في البناء اختلفوا حول من يضعه في مكانه، وكانت كل قبيلة تريد أن تختص بهذا الشرف العظيم، ليكون لها ذخراً وشرفاً تذكر به في التاريخ، فاجتمعوا واتفقوا على أن يكون أول داخل على الاجتماع هو الحكم بينهم، وتعاهدوا على الالتزام جميعهم بحكمه، فساق الله (ج) إليهم محمداً (ص) وكان في الخامسة والثلاثين من عمره الشريف، أي: قبل البعثة بخمس سنوات، وكان يعرف عندهم بسمو أخلاقه، ويسمى الصادق الأمين منذ نعومة أظفاره، فكان أول من دخل عليهم، فاستبشروا خيراً وقالوا: هذا الأمين، قد رضينا به. وبعد أن سمع منهم جعل الحجر الأسود في ثوب وطلب أن يأخذ كل زعيم قبيلة بناحية من الثوب وأن يرفعوه جميعاً، فلما حاذوا موضع الحجر، أخذه بيده الشريفة المباركة ووضعه حيث يجب أن يكون، وكان لهذا التدبير الحكيم في حلِّ الخلاف أثر كبير ومؤثر جداً في نفوس تلك القبائل، وكشف لهم أكثر عن سلامة نفس محمد (ص) ونزاهته وأمانته وحكمته وقدراته وكفاءته القيادية، وكمالاته الروحية والأخلاقية وعلو مقاماته، وأنه يتوفر بحق وحقيقة على كل متطلبات حمل الرسالة الإلهية.
البعثة الشريفة بالرسالة
ولما بلغ محمد (ص) أربعين سنة من عمره الشريف، بعثه الله (ج) للناس بشيراً ونذيراً، قول الله تعالى: <وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ>[2] وكان أوّل نزول الوحي عليه وهو يتعبد في غار حراء، بتاريخ 27 رجب 13 قـ هـ (610م)، وقد بدأ دعوته سراً، وكانت البداية مع أهل بيته، فآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب (ع) وزوجته خديجة بنت خويلد، وكانا أوّل من صلّى معه، ثم لحق بهما ابنه بالتبني: زيد بن حارثة، وبعد مضي ثلاث أو خمس سنوات، أمره ربه (ج) بإنذار عشيرته الأقربين، قول الله تعالى: <وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 214 وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ>[3] ثم أمره ربه (ج) بالإيذاع، وأن يدعوا إلى الإسلام الحنيف علانية، قول الله تعالى: <فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ 94 إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 95 الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ>[4] فتحرك الرسول الأعظم الأكرم (ص) صادعاً بدين الله الحق، بعزيمة راسخة، وهوعلى ثقة مطلقة بربِّه ربِّ العالمين سبحانه وتعالى، فاستجاب له في البداية الفقراء والمستضعفون واستجاب له من الأشراف، من كان منهم ذا نفس طيبة زاكية وعقل متنوّر منفتح، ممّا يدلّ على أنَّ الإسلام الحنيف لم ينتشر بالسيف والقوة، وإنما بالعقل والمنطق والإقناع والوجدان، وقد اتخذ الرسول الأعظم الأكرم (ص) دار الأرقم بن الأرقم المخزومي مقراً للتعليم والتربية وتنسيق أنشطة الدعوة.
مقاومة قريش للرسالة
وفي ظل انتشار الدعوة وتزايد أعداد المؤمنين من العرب وغيرهم، شعرت قريش بخطر العاصفة المحدق على معتقداتها الدينية ونظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلى مكانتها ومصالحها المادية والمعنوية، حيث كانت لها الزعامة على القبائل العربية في الجزيرة، وكانت القائمة على شؤون الكعبة المشرفة، وكانت القرابين تقدم للأصنام التي كانت في الكعبة، وفي ذلك مصلحة مادية (اقتصادية) ومصلحة معنوية وأدبية تتعلق بالزعامة والمكانة بين القبائل، وعليه نظرت قريش إلى محمد (ص) نظرة الخارج على نظامها وعاداتها وتقاليدها ودينها، ويمثل تهديداً جدياً وخطراً على مصالحها ومكانتها، فصممت على مقاومته ومحاربته، فكانت المواجهة بينها وبينه، وبدأت قريش في وضع العراقيل في طريق الدعوة والرسالة، وبالنظر إلى دخول أعداد كبيرة من العرب من قبائل شتى، ومن غير العرب في الدين الإسلامي الحنيف، فقد أدركت قريش عدم قدرتها وتمكنها من تحطيم الرسالة وإيقاف مدّ الدعوة والقضاء عليها، فأظهرت غيظها، ولكنها توسلت في البداية بالوسائل السلمية وغير العنيفة، فذهبوا إلى أبي طالب حامي الرسول وكافله، وطلبوا منه أن يضع حداً لابن أخيه الذي سفّه أحلامهم وعاب دينهم، فردّهم أبوطالب بحكمته رداً جميلاً، وحاول تهدئتهم واحتواء الموقف وتسكين غضبهم، وعرض الأمرعلى ابن أخيه، فأصر على المضي قدماً في التبليغ برسالة ربه مهما كانت الظروف والنتائج، ولم يخضع لإغراءاتهم وتهديداتهم، وقابلها بثقة مطلقة ومطمئنة، فقال لعمه: «ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ماتركته» فتعاطف معه عمّه وأصرّ على مناصرته، فقال له: «اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبداً» ثم جمع بني هاشم وبني عبدالمطلب ودعاهم للذبِّ عن رسول الله (ص) ومناصرته، فاستجابوا له أجمعين ماعدا أبي لهب.
ولما فشلت الأساليب والوسائل السلمية في ثني الرسول الأعظم الأكرم (ص) عما أصرّ عليه من الاستمرار في الدعوة والقيام عليها، لجأت قريش إلى أساليب العنف والقوة لمواجهة الرسالة بهدف القضاء عليها وحماية مصالحهم المادية والمعنوية، فوثبت كل قبيلة على من كان فيها من المسلمين المستضعفين، فجعلوا يحبسونهم ويذيقونهم صنوف العذاب المؤلم المادي والنفسي، ويقتلونهم ظلماً وعدواناً؛ ليفتنوهم عن دين الله الحق، ولكن بدون فائدة تذكر.
الهجرة إلى الحبشة
وبعد عامين من الصدع بالرسالة وتزايد عنف قريش وقسوتها ضد المسلمين، وعدم توفر الإمكانيات لحمايتهم، وعدم ميل الرسول الأعظم الأكرم (ص) للقتال، وعدم رغبته فيه من أجل المحافظة على الطلائع المؤمنة وعدم التفريط فيها بسبب الحاجة الضرورية لوجودها لبقاء الرسالة واستمرارها وانتشارها، ومن أجل ترسيخ الإيمان والعقيدة على أساس العقل والمنطق والقناعة والوجدان، فقد لجأ الرسول الأعظم الأكرم (ص) إلى حثِّ المسلمين على الهجرة إلى الحبشة؛ لأنَّ فيها ملكاً عادلاً لا يظلم أحد في دولته وهو النجاشي، وذلك بهدف المحافظة عليهم من الهلاك، وإيجاد مركز جديد لإنطلاق الرسالة وانتشارها وتمكنها.
فاجتمع بأرض الحبشة ثلاثة وثمانون مهاجراً، وثمان عشرة مهاجرة، عدا من كان معهم من أبنائهم الصغار، وقد أحسن النجاشي استقبالهم ومعاملتهم، ولم تفلح مساعي قريش لتغييره عليهم، وكان رئيسهم في الحبشة جعفر بن أبي طالب (الطيار) الذي بقى في الحبشة حتى سنة (7هـ).
حصار الشعب
ومع تزايد أعداد المسلمين وفشل قريش في الحدِّ من انتشار الدعوة، لجأت قريش في العام السابع بعد البعثة إلى فرض الحصار الشامل على عشيرة النبي (ص)، وهم: بنو هاشم وبنو عبدالمطلب، ومقاطعتهم مقاطعة تامّة شاملة، فلا يتزوجون منهم ولا يزوّجوهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعون منهم ونحو ذلك، وكتبوا بذلك صحيفة ووضعوها في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو عبدالمطلب ومن معهم من المسلمين إلى شعب أبي طالب، واستمر الحصار عليهم لمدة ثلاث سنوات، ثم فك الله (عز وجل) عنهم ذلك بتلف الصحيفة، وقيام نفر من الشرفاء بدعوة إلى فكّه.
وفاة أبي طالب وخديجة
وفي السنة العاشرة من بعد البعثة الشريفة المباركة، وبعد فك الحصار توفي حامي الرسول الأعظم الأكرم (ص) وكافله أبو طالب، وبعده بأيام قلائل توفيت شريكة حياته وأنيسته في الحياة زوجته العظيمة خديجة بنت خويلد، ومثّل فقدهما مصيبة عظيمة للمسلمين، وسمي العام عام الحزن، وفي هذا العام العاشر بعد البعثة الشريفة كان الإسراء والمعراج، الحدث العظيم الذي وجد فيه الرسول الأعظم الأكرم (ص) السلوى لفقده أعظم ناصرين له في مكة المكرمة قبل الهجرة، قول الله تعالى: <سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ>[5].
الهجرة إلى الطائف
وفي نفس العام هاجر إلى الطائف بحثاً عن قاعدة جديدة أكثر أمناً لانطلاقة الرسالة وانتشارها وتمكنها، وكسر الحصار المفروض عليها من قريش الباغية الطاغية في مكة، وكان في رفقته ابنه بالتبني الوفي زيد بن حارثة، إلّا أنّه لم يجد استجابة وأعواناً في هذه المدينة المجاورة لمكة المكرمة، والمتأثرة بأجوائها، وعلى العكس من ذلك، فقد أغروا به سفهاءهم وعبيدهم الذين بالغوا في إيذائه وإيلامه، فجلس إلى جذع شجرة وهو دامي، فنادى ربه بقوله: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي»[6].
الهجرة إلى المدينة المنورة
وفي موسم الحج حيث كان يعرض نفسه على القبائل، التقى بجماعة (ستة رجال) من يثرب من الخزرج من بني عفراء فآمنوا به، وعادوا إلى يثرب (المدينة المنورة) ونشروا الدين الجديد فيها، وفي العام التالي، وهو العام الحادي عشر بعد البعثة الشريفة، قدم وفد من الأوس والخزرج، وهم اثنا عشر رجلاً، التقوا سرّاً برسول الله (ص) في العقبة وبايعوه بيعة العقبة الأولى، وأرسل معهم مصعب بن عمير، وكان في العشرين من عمره تقريباً لكي يتولى مسؤولية التبليغ والتثقيف، وفي السنة التالية وهي السنة الثانية عشر بعد البعثة الشريفة قدم وفد كبير من المسلمين من يثرب، وهم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتين، والتقوا مع الرسول الأعظم الأكرم (ص) وبايعوه بيعة العقبة الثانية على النصرة، وجعل عليهم اثني عشر نقيباً، منهم: تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ليكونوا على قومهم، وقد نشروا الدين الإسلامي الحنيف في يثرب، ومهدوا الطريق إلى هجرة الرسول الأعظم الأكرم (ص) عليهم إليها، وقد بدأت الهجرة الجماعية للمسلمين إلى يثرب، ثم هاجر الرسول (ص) بعد أن كادت به قريش لتقتله علانية، إذ دخلها اليأس من قدرتها على القضاء على دينه وإيقاف مدّ دعوته الجارف مع بقائه حياً، فأخبره الله (عز وجل) بذلك، وأمره بالهجرة إلى يثرب، فامتثل أمر ربه فهاجر، ودخل المدينة، بتاريخ: 1 ربيع الأول 1هـ وجعل هجرته مبدأً للتاريخ الإسلامي.
تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة
بعد الهجرة الشريفة المباركة إلى المدينة المنورة غيّر الرسول الأعظم الأكرم (ص) اسم يثرب إلى طيبة، وشرع في تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وبناء نظامها السياسي والاجتماعي والثقافي والديني الذي تحكمه قوانين السماء والشريعة الإسلامية وقيمها ومبادئها، فبنى مسجده الشريف وجعله مركزاً للعبادة ولإدارة نشاطه وحكومته، وآخى بين المهاجرين والأنصارلتبنى العلاقة بين المسلمين على أساس الدين والقيم، وإزالة الفوارق الطبقية والعرقية والقبلية من بينهم، ووضع صحيفة لتنظيم علاقة القبائل مع بعضهم البعض، تضمنت الخطوط العامة العريضة لأول نظام إداري وحكومي إسلامي، ويحفظ حقوق الجميع، ويرسخ دعائم الأمن في المجتمع والدولة، واتسق في ظله جميع المكونات تحت حكم الإسلام وقوانينه وقيادة الرسول الأعظم الأكرم (ص) وأمضى معاهدة مع بطون اليهود تضمن حرية الدين والعقيدة والضمير، وتحفظ دعائم الأمن والاستقرار في الدولة تحت قيادة الرسول الأعظم الأكرم (ص) وتوالى نزول القرآن الكريم بالمعارف الحقة وبيان الأحكام الشرعية، ثم بادر إلى وضع الترتيبات العسكرية اللازمة للدفاع عن الدولة الإسلامية الفتية والرسالة الإلهية وحفظ أمنها الخارجي، وقد استهدفتها قوتان بالشر، وهما قريش وحلفائها من خارج المدينة، واليهود مع حلفائهم المنافقين من داخل المدينة، وقد بعث الرسول الأعظم الأكرم (ص) بالسرايا، وخاض الحروب والمعارك الضارية، وقدم الشهداء من أجل بلوغ أهداف الرسالة.
صلح الحديبية وفتح مكة
في السنة السادسة للهجرة الشريفة عقد صلح الحديبية مع قريش، وقد نص ميثاق الصلح على هدنة مدتها عشر سنين، وإفساح المجال لكل من يريد الدخول في عهد محمد (ص) أو في عهد قريش، وأن يعود الرسول (ص) إلى المدينة ولا يدخل مكة للعمرة في ذلك العام، على أن يدخلها وتخلّى له لمدة ثلاثة أيام في العام التالي، وبعد هذا الصلح الذي سمّاه القرآن الكريم فتحاً، قول الله تعالى: <إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا 1 لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا>[7] دخل الناس أفواجاً في الدين الإسلامي الحنيف، وبعث في ظلّه الرسائل والسفراء إلى حكّام وملوك الدول الكبرى آنذاك، مثل: قيصر ملك الروم، وكسرى ملك الفرس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس حاكم مصر، وزعماء القبائل والحاضرات في الجزيرة العربية وغيرهم.
وبتاريخ: 20 رمضان 8هـ تمكن من فتح مكة المكرمة وتصفية قواعد الشرك في شبه الجزيرة العربية، وبسط الإسلام سيطرته على الجزيرة برمتها، وذلك بعد أن نقضت قريش بنود صلح الحديبية بالإعتداء على ولاة الرسول الأعظم الأكرم (ص).