مواضيع

حزب الجمهورية الإسلامية

إن الدول والبلدان التي تحصل فيها الثورات يطرح بعدها هذا السؤال، ما هو الموقف من التحزب والأحزاب؟

في الواقع ليس من الصحيح مخالفة التحزب مطلقاً. فإننا قد رسمنا قبيل انتصار الثورة الأسس الأساسية لأحد أكبر الأحزاب الفعالة؛ وقد تم تشكیل هذا الحزب في بداية الثورة وقد أيده الإمام (ق)، وقد مارسنا دورنا فيه بجدية خلال عدة أعوام، ولكن تم إلغاء الحزب في ما بعد. ويشكل البعض على أن التحزب مخالف للوحدة العامة للمجتمع. في الواقع إن التحزب والأحزاب يمكن لها أن تتواجد في المجتمع وفي نفس الوقت يتم الحفاظ على اللحمة الوطنية أيضاً فلا منافاة بينهما. ولكن الحزب المقبول هو المؤسسة التي تلعب دوراً هاماً وإيجابية في هداية الناس نحو المثل والقيم العليا.

هناك نوعان من الأحزاب؛ حزب يكون عبارة عن نافذة نحو الهداية الفكرية؛ بغض النظر عن الهداية بمعناها السياسي أو الديني والعقائدي وهذا هو المطلوب، وآخر لا يهمه سوى الوصول إلى السلطة، فلا يكون الغاية من الحزب هو السلطة والسيطرة على موازين القوى بل إيصال المجتمع إلى مستوى سياسي وعقائدي معين. والمنافسة متاحة للجميع وصاحب الحظ الأوفر هو الفائز.

فالحزب الآخر يحذو حذو الأحزاب الغربية في التعامل مع مفهوم السلطة؛ لأن الغرب عبارة عن أحزاب تسعى خلف السلطة واكتساب القدرة. ويكون تعريف الحزب لديهم هو عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يسعون للوصول إلى السلطة من خلال استثمار أموالهم الخاصة إضافة إلى الامكانات المالية الأخرى أو الاستعانة بأموال غيرهم أو إعطاء الوعود وعقد الاتفاقيات السياسية بغية الوصول للسلطة. وفي مقابلهم حزب سياسي منافس يحذو حذوهم بغية إزاحتهم عن المنافسة السياسية فتصبح السلطة ملكاً له. والحال الغالب على الأحزاب في الدنيا لا يتعدى هذا المفهوم. وأفضل مثال على هذا حزبا أمريكا المتنافسان على السلطة. في الواقع هي منظمات تعمل لاكتساب القدرة لا غير. في الواقع نحن لا نمنع أن يسعى البعض خلف هذا النوع من التحزب فلو ادّعى أحدهم أن النظام قد منعهم من هذا النوع من التحزب فأمره لا يتجاوز كونه كذبة محضة. ولكن هذا النوع من التحزب مذموم أخلاقياً، فلا يؤدي سوى إلى الصراعات السياسية التي تسعى للحصول على السلطة؛ ولكن الحزبية بالمعنى الأول تكون نافذة نحو الهداية الاجتماعية من جميع النواحي شاءت أن تكون عقائدية وإسلامية أم سياسية وتربوية، ولكنها مذمومة بالنوع الثاني.[1]

فلقد سعينا قبل انتصار الثورة بأعوام للانضمام إلى هذه الأحزاب وقبل انتصار الثورة بسنتين أو ثلاث أسسنا النواة الأولى لهذا الحزب وتم تأسيس هذا الحزب في أجواء خطرة ومشحونة تعارض تأسيس أي حزب مخالف للنظام آنذاك، فكان لزاماً علينا أن نعمل متخفين وكانت هناك الكثير من المخاطر تحف بنا من خلال هذا العمل السري. فبعض الأعمال البسيطة السياسية كانت كفيلة بإدخال أفراد هذا العمل بسنوات متمادية في السجن؛ وكان البعض يستشهدون بسبب أعمال التعذيب. ومن هنا لم نكن نری مصلحة في اكتتاب القانون الداخلي لهذا الحزب، وإن كان هذا الحزب في مؤسسة كبيرة يتواصل أفرادها مع بعض، وقد تم تبعيدي إلى منطقة إيرانشهر بسبب الانتماء إلى الحزب، واستمر هذا الارتباط مع باقي الأعضاء ما دمت في المهجر. فعند انتصار الثورة عقدنا اجتماعاً وكتبنا قوانين هذا الحزب. وعليه فإنا نعتقد بظاهرة الأحزاب على شاكلتها الصحيحة. ولكن الذي يجري اليوم في مجتمعنا أن هذه الأحزاب التي ظهرت مؤخراً في الواقع هي انعكاس لأشكال الأحزاب الخاطئة.

في الواقع إن الأحزاب تقسم إلى نوعين لا غير، والإنسان مختار في تقبل هذا الرأي أو لا، فالحزب بالنوع الأول يتشكل من مجموع أصحاب الفكر السياسي أو الاعتقادي والإيماني ويتم جذب آحاد الأعضاء والشعب إلى هذا الحزب على هذا الأساس، كي يؤسسوا لهذه الأفكار في أذهان العموم، فتأسس المراكز الحزبية وتعين نواة الحزب وخلاياه، فيجتمعون في هذه المراكز ويطرح كل منهم أفكاره السياسية أو العقائدية والأفكار الدينية وغير الدينية أيضاً، فتصب هذه الأفكار في مصلحة العموم من الناس فتصل هذه الأفكار إلى آحاد الأفراد. ومن هنا يستطيع كل فرد أن يختار الفكرة التي تنسجم مع نفسه ومعتقده، وهذا النوع من التحزب تحزب منطقي ومقبول، وهكذا تأسس حزب الجمهورية الإسلامية.

في الواقع إذا استطاع الحزب أن يجذب إلى أروقته السياسية وغيرها أفراداً مفكرون ونشطاء وأذكياء فإن هذا الحزب سوف يوفق أكثر فيجذب الكثير من الأفراد إلى داخل حزبه. فعند مجيء وقت الانتخابات لو صدر بيان من جانب هذا الحزب فإنه سوف يواجه إقبالاً من قبل الأفراد؛ لأن هذا الإقبال صادر من منطلق الاعتقاد بالمبادئ والمعايير والمثل الواحدة وإن لم يصدر من الحزب أي بيان. هذا هو النحو الصحيح لتشكلات الأحزاب. وفي الواقع لا يوجد هذا النحو من التحزب في بلادنا الآن. لعل المتواجد الآن هو النسخة غير المكتملة لهذا النوع من التحزب، فبعد انحلال حزب الجمهورية الإسلامية لم يأت أي حزب على هذه الشاكلة.

وقد ذكرنا في السابق أنه يجب أن لا يكون اكتساب القدرة ملاكاً في تأسيس الأحزاب. وإن كان هذا للأحزاب الموفقة أمراً قهرياً، فلو جاء وقت الانتخابات فالحزب الذي يمتلك غالبية الأصوات بطبيعة الحال هو الذي يعيّن رئيس الجمهورية، ولا يمكن لهذا الحزب أن يكون غير مبالٍ لهذا الأمر من منطلق عدم الاكتراث بالقدرة، فلا بُدّ أن يكون لهذا الحزب أيديولوجية تستند إليها، وهو أمر طبيعي. فمن الطبيعي أن يظهر أثر هذه العقيدة إلى العلن، وتسبب جذب غالبية الأصوات للحزب، ولكن لا بُدّ أن لا يكون هدف الحزب اكتساب القدرة. فلا بُدّ أن يكون الهدف هداية الناس فكرياً نحو العقيدة الصحيحة التي يتبناها الحزب. هذا هو اعتقادي بالنسبة للتحزب وتشكيل الأحزاب وأنتم أحرار في اختيار طرقكم.[2]


  • [1]– كلمة سماحته في لقاء جمع من طلبة محافظة كرمانشاه بتاريخ 24-7-1390هـ ش
  • [2]– بيانات سماحته عند لقائه مدراء ورؤساء تحرير الصحف الجامعية بتاريخ 4-12-1377هـ ش
المصدر
العمل المؤسساتي في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟