مواضيع

الإدارة والنفحة القيادية

هناك آراء قيّمة تقدّم في المقام حول المؤسسات، والإخوة قد اقترحوا بعض الأمور القيّمة، كأن يكتب القانون الأساسي والآفاق المستقبلية، والسادة قد أشاروا إلى ذلك، وهذا كلّه جيد وحسن، غير أنه لا يتحقق شيء من ذلك دون التمتع بإدارة قوية متينة، وذلك لأن مفتاح كافة الأعمال التي يؤمل أن يكتب لها النجاح ليس إلا الإدارة البارعة.[1]

ومن ثم لو كان هناك فشل أو ضعف في أمرٍ ما، يكمن سببه في عدم التمتع بالإدارة الصحيحة، وسوء الإدارة كما هو معلوم ليست ثمرتها إلا سوء العمل وعدم الابتكار الناجمَين عن عدم توظيف الأفراد المؤهلين[2]. ومما لا شك فيه أن قدرة الزعامة والقيادة في كافة أجزاء المجموعة والتنظيمات هي التي تحركها وتعطيها القوة والحيوية والنشاط، وتحتفظ بحياتها الجماعية.[3]

منذ سنوات سمعت كلام من أحد القادة العسكريين المجربين، وقد وقفت على صحة قوله في عمل قادة القوات المسلحة مراراً، فكان يقول: إن القيادة تتطلب نفحة ذاتية، ودون ذلك ليست قيادة حقيقية. ليست القيادة مجرد إصدار أوامر، فهي أمر معنوي، وضرب من الزعامة، وإدارة شاملة لكل الجوانب.

إن القيادة والإدارة أمر يعتمد على الذهن والإحساس المعمق وعلى العمل الجسمي والروحي الدؤوب، هذا النوع من القيادة هي التي تجعل من القوات المسلحة قوة ذات كفاءة وبراعة، وعند بلوغ ذلك ستُنفخ الحياة في السلاح والمعدات، فإذا كانت قديمة ستحدّث، وإذا كانت حديثة ستحفظ، وتصنع غيرها من الأدوات والسلاح! إلا أنه حال عدم وجود قيادة صائبة أو تنظيمات مؤطرة، سوف تعطل الآلات والسلاح ولا تجدي شيئاً. وقد لاحظتم ذلك بأمّ أعينكم في بعض تنظيمات قواتنا المسلحة خلال الحرب المفروضة.

وقد تتمتع بعض البلدان والحكومات بأحدث الآلات والمعدات الحربية، على غرار ما تلاحظون اليوم في دول الخليج، فهي تحظى بأرقى التكنولوجيا، فهي لا تنقصها الأدوات والأعتدة الحربية، وإنما الذي ينقصها هذه القيادة الحكيمة والصائبة التي أشرنا إليها فيما سبق، مما أدى بها إلى أن تساوي وجودها وعدمها في أرض الواقع! ولذلك تضطر أن ترحب بغيرها وتفتح ذراعها لكثير من الدول السلطوية لتحتمي بها وتدافع عنها!

أعتقد أن روح هذه القوانين – والتي ستوزع لاحقاً على القادة الأعزاء – هو علاقة القيادة الصحيحة مع بقية أجزاء المنظمة وكافة أعضائها. يجب أن تعتنوا بهذه العلاقة خير العناية وتراعوها، وعلى الآخرين أن يراعوها من أعلى القسم في التنظيم إلى الأسفل، ولذلك لا يوجه إليكم هذا الخطاب فحسب باعتباركم قادة القوات المسلحة، وإنما إلى جميع القادة الآخرين وجميع الوحدات العسكرية الأخرى، وهذا من أهم ميزات القيادة في مختلف المجموعات التنظيمية أن القيادة ليست شخصية وإنما هي أمر جماعي.

إن القائد لوحده «ليس في العير ولا في النفير»[4]، فالقيادة ليست إلا سلسلة تراتبية من الأعلى إلى الأسفل، ويجب الاحتفاظ بهذه السلسلة، ولا يتيسر ذلك إلا عبر العلاقات الصحيحة، ومن ثم يجب أن يكون القادة في القوات المسلحة، متحلّين بمواصفات القيادة الصحيحة، وهذا أمر خطير يجب أن ينال اهتمام السادة.[5]


  • [1]– كلمة سماحته في زيارته لجمع من الأساتذة والمبلغين والباحثين في الحوزات العلمية للبلد في سمة 1386هـ ش
  • [2]– كلمة سماحته في اجتماع له مع طلاب جامعة أمير كبير الصناعية بتاريخ 22-12-1379هـ ش
  • [3]– كلمة سماحته في زيارته لأعضاء رابطة أهل القلم بتاريخ 7-11-1381هـ ش
  • [4]– مثل يُضرب للرجل الصغير القدر، المستهان به
  • [5]– كلمة سماحته في كبار قادة القوات العسكرية والمدنية وتقديم لائحة القوانين الانضباطية للقوات المسلحة بتاريخ 22-10-1369هـ ش
المصدر
العمل المؤسساتي في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟