مواضيع

لا فائدة من التفاوض


أمّا العنوان الثاني فهو أنّ العلاقة والتفاوض مع أمريكا لا يجني من ورائه الشعب الإيراني أيّة فائدة كما يشيعون، لاحظوا جيّداً أنّ أمريكا وأجهزتها الدعائيّة – كما عرضت على حضراتكم في تلك الجمعة – تحاول اليوم أن تشيع في العالم بأنّ الشعب الإيراني يواجه بعض المشاكل، ومفتاح هذه المشاكل هو التفاوض مع أمريكا، والحقيقة أنّ هذا الكلام لا يصدّق ولا ترتجى من ورائه أيّة فائدة، لا شكّ في أنّ المفاوضات تحمل بين طيّاتها أضراراً سأشير إليها لاحقًا، أمّا من ناحية الفائدة فلا فائدة فيها.

من الخطأ أن يتصوّر المرء أنّنا إذا تفاوضنا سيرفع عنّا الحصار الاقتصادي ويُلغى قانون داماتو، وما شابه ذلك.

وذلك أوّلاً: لأنّ الإجراءات الأمريكيّة ضد إيران منيت كل واحد منها بالفشل بعد مدّة، وانتهى مفعولها تلقائياً، فهل هذه هي المرة الأولى التي يعاملوننا بها على هذه الصورة؟ وهل هذه هي المرّة الأولى التي يوجّهون لنا فيها التهديدات؟ وهل هذه هي المرة الأولى التي يعلنون فيها الحصار الاقتصادي ضدّنا؟ وهل هي المرّة الأولى التي يحرّضون فيها هذه الدولة أو تلك على عدم التعامل مع إيران؟ وأن لا يعقدوا معها هذه الاتّفاقية أو تلك؟ ليست هذه المرة الأولى. وهم كثيراً ما كانوا يفعلون هذا.

وكلّ ما أنجزناه نحن طوال التسع عشرة سنة المنصرمة، وكلّ ما حقّقته حكوماتنا من مكاسب عبر هذه السنوات جاء في وقت لم تكن أمريكا راغبة بتحقيق شيء منه، ولهذا السبب فسخت في العام الماضي عقداً كان قد أبرم بين شركة لهم وشركة الغاز الإيرانية، وكانت نتيجة ذلك: أوّلاً إنّ تلك الشركة أعلنت لمسؤولينا عن استيائها من هذا الإجراء، وأنها ستعاود إبرام هذا العقد في أول فرصة تسنح لها.

وإحدى المشاكل التي تواجهها أمريكا حالياً هي تلك الشركات التي لا يمكنها إبرام عقود في حقل استثماراتنا النفطيّة في الخليج الفارسي، وهو ما يغيظ تلك الشركات بشدّة؛ وليست هذه قضيّة حديثة العهد وإنّما تعود إلى ما يقارب السنة؛ حتى أنّ تلك الشركات اجتمعت وأصدرت بياناً مشتركاً ضغطت فيه على الحكومة الأمريكيّة، واستطاعت تحجيم قانون داماتو إلى حد بعيد، إذن فهم أكثر حاجة إلينا منّا إليهم.

ثانياً: بمجرّد أن فسخت تلك الشركة الأمريكيّة في السنة الماضية عقدها مع شركة الغاز الإيرانيّة، تقدّمت بعد فترة وجيزة شركة فرنسيّة لإبرام ذلك العقد، وهذا ما دفع بالأمريكيّين إلى إثارة ضجّة احتجّوا فيها على إقدام الشركة الفرنسيّة لإبرام الاتفاق مع إيران إلا أنّ الحكومة الفرنسيّة بل وكل دول الاتّحاد الأوروبي وقفوا بوجهها وأصرّوا على إبرام ذلك العقد وأكّدوا أنّ أمريكا لا يحقّ لها إنفاذ كلامها في هذا المجال.

إذن فمشاكل الشعب الإيراني ليست بيد أمريكا، ولا هي قادرة على خلق مشكلة حقيقية لنا، وهي وإن كانت تحاول وتبذل مساعٍ خبيثة، إلا أنّ الأمور ليست بيدها.

تلاحظون أنّ الدول التي تفرض عليها وزارة الخارجيّة الأمريكيّة (عقوبات) حسب تعبيرهم، كأن تهدّد الصين بالعقوبات، وتتعامل مع الاتّحاد السوفيتي بصيغة معيّنة، ومع تركيا في زمن حكومة حزب الرفاه بصيغة أخرى، وما إلى ذلك، أليست لهذه الدول علاقات مع أمريكا وتتفاوض معها؟ كلّ الدول التي تعاملها أمريكا بغلظة لها علاقات معها؛ سياسيّة واقتصاديّة. فالعلاقة مع أمريكا والتفاوض معها لا يحول دون مواقفها العدائيّة.

هنالك دول لها سفارات في أمريكا، أو لأمريكا سفارات في عواصمها، وتوجد بينهما علاقات سياسيّة وقنصليّة متينة، إلّا أنّ أمريكا تدرجها في قائمة الدول الإرهابيّة في العالم ولا أورد هنا ذكر اسم دولة بعينها ويا حبّذا لو يتولّى الإخوة في وزارة الخارجيّة وفي غيرها وفي الإذاعة والتلفاز بيان ذلك للشعب، فلا تتصوّروا أنّنا إذا تفاوضنا مع أمريكا أو أقمنا معها العلاقات فإنّ أمريكا ستسكت ولا تنطق بشفة وتتّخذ موقف المتفرّج منا. لا؛ فالكثير من الدول لها علاقات تبدو ظاهرياً وكأنّها علاقات وثيقة ومؤدّبة على الصعيد العالمي، ولكن في الوقت نفسه متى ما رأت أمريكا ضرورةً توجّه لها ضربة وتفرض عليها الحصار الاقتصادي وتكيل لها التهديدات.

إنّ الأمريكيّين أناس مستكبرون والإنسان المستكبر والبلد المستكبر يسعى إلى فرض كلامه، إذن فالأمر ليس كما يتصوّر بأنّ العلاقة ذات فائدة لبلدنا، ولو انعدم وجودها أو وجود المفاوضات تتراكم علينا المشاكل، وإذا أقيمت العلاقات تزول تلك المشاكل. كلا، فلا أمريكا يدها مبسوطة لإيجاد المشاكل، ولا العلاقات والمفاوضات تتّصف بمثل هذه القدرة السحريّة لصالح بعض الدول، لا صحّة لأيّ من هذه الأوهام بل إنّ ذلك رهين بقدرة الشعب وبعزم الحكومة، ومنوط باقتدارنا وبمدى اعتزازنا بقابليّتنا على مجابهة أمريكا والعمل وفقًا لإرادتنا وفي ضوء ما تقتضيه مصالح بلدنا.

كُنّا ذات يوم في حالة حرب، وقبل ذلك مرّت حكومتنا بظروف عصيبة من حيث الإمكانيّات الحكوميّة، ولم يستطع المستكبرون القيام بأي عمل ضدّنا، ولم يتمكّنوا من الحاق أي ضرر ذي بال بنا، أمّا اليوم فقد أصبحت الجمهوريّة الإسلاميّة والحمد لله دولة قويّة وعزيزة، وينظر إليها على الصعيد العالمي على أنّها دولة ذات شوكة واقتدار، وهي رئيسة للمؤتمر الإسلامي، وتعتبر عضواً معتبراً في الكثير من المؤتمرات العالميّة وتبدي لها الدول والشعوب احتراماً فائقاً، فمِمَّا نخاف اليوم؟ ولماذا؟ لماذا نتصوّر أنّنا إذا واصلنا نفس الموقف الذي كنّا عليه منذ تسع عشرة سنة سيحصل لنا كذا وكذا؟!

أمريكا هي التي بحاجة لنا، إضافة إلى أنّها لا تملك نفس القوّة التي كانت عليها قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، كان كلام أمريكا يقابل ذات يوم في أوروبا وغيرها بالاحترام، وتعامل هي بالتكريم، ولكنّها اليوم ليست كالأمس، فدبلوماسيّة أمريكا وسياستها الخارجيّة في موقف ضعيف، وليس لها موقف قوي ولا يمكننا استخدام هيبتها كقوّة كبرى في مقابل شعبنا في حين أنّها في حالة ضعف.



المصدر
كتاب التحليل السياسي في فكر الإمام الخامنئي كتاب التحليل السياسي في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟