امتلاك الوعي الديني والتاريخي
جدول المحتويات
ينبغي عند التعرّف على المسائل الدينيّة والاجتماعيّة العبور من المستويات السطحيّة الظاهريّة والوصول إلى المستويات والطبقات التحتيّة العميقة، وإنّ التأكيد على قشور وظواهر الموضوعات الدينيّة والاجتماعيّة ليس سبيلاً مناسباً للمعرفة والفهم المطلوب والمناسب. بالطبع ينبغي الالتفات إلى اللوازم المهمّة والمطلوبة لتقوية المعرفة الدينيّة والسياسيّة، كالتدبّر والأنس بالقرآن والأدعية المأثورة، والاطّلاع على حياة وسلوك النبي الأكرم (ص) الديني والاجتماعي؛ والتفكير العميق في التاريخ الماضي لإيران والعالم، ولا يمكن أن نغفل أيضاً عن الحوار المنطقي والانتقادي مع الأفراد الماهرين وذوي التجربة والإنصاف، كل ذلك بالتزامن مع المطالعة الجديّة للكتب والنصوص المفيدة والخالية من التعصّب الفئوي، بهذا كله يمكن أن توفّر الظروف اللازمة لارتقاء معرفة الإنسان.
تعميق المعرفة الدينيّة من خلال الأنس بالقرآن والأدعية
إنّ للأنس بالقرآن والتدبّر فيه وكذلك التدبّر في الأدعية المأثورة المعتبرة كالصحيفة السجاديّة والكثير من الأدعية دورٌ كبيرٌ في تعميق المعرفة الدينيّة، إنّ تعميق المعرفة الدينيّة أمرٌ هامٌ جدًا، فقد يأتي شخص بدافع العواطف ويشارك في صلاة الجماعة والاعتكاف ومجالس العزاء الحسينيّة وفي بعض المظاهرات الدينيّة، لكنّه يكون فاقداً لهذه المعرفة في عمق وجوده، لهذا نراه عند أوّل منعطف وعند أوّل مطب تزلّ قدمه فجأة وينحرف، انحرافه ناتج عن فقدان المعرفة العميقة، ولقد شاهدنا الكثير من هذه النماذج في أواسط هذه المجموعات الثوريّة وفي بداية الثورة كان هناك من يبدو أكثر تديّناً والتزاماً وتعهّداً منّا نحن أصحاب الّلحى والعمائم، وكان يبدو أكثر تعصّباً بشأن الدين، وبعدها بمجرّد أن يصطدم بمطبّ واحد نرى أنّه يفقد السيطرة وينحرف! حسن، فمن الواضح أنّه لم يكن يمتلك قاعدة صلبة وأرضيّة محكمة.[1]
المطالعة الدقيقة لحياة الرسول الأكرم (ص)
إنّ علينا دراسة حياة الرسول بدقّة بالغة[2]، فإنّ كل لحظة في حياته هي حدث ودرس وتجلٍّ إنساني عظيم، كلّ هذه السنوات الثلاث والعشرون هي هكذا. ليقرأ شبابنا تاريخ حياة الرسول من المصادر الموثوقة والمعتبرة ويروا ما الذي حدث.
حين ترون أنّ أمّة بهذه العظمة قد ظهرت إلى الوجود، واليوم أيضاً إنّ أفضل الأفكار وأفضل السبل، وأفضل الدروس، وأفضل دواء وعلاج للبشريّة موجودة في الأمّة الإسلاميّة، ظهرت ونمت وتجذّرت بهذا الشكل، وإلّا فإنّنا لن نتقدّم إلى الأمام لمجرّد أنّ الحق معنا! الحقّ يرافق الصمود. يقول أمير المؤمنين (ع) – وقد رويت عنه قوله هذا مراراً – في حرب صفين: «لا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر والصبر»[3] لا يستطيع حمل هذه الراية إلّا من تكون لديهم بصيرة أولاً، فيفهمون ما القضيّة وما الهدف. ثانياً: من يتحلّون بالصبر، والصبر هو هذه الاستقامة والصمود والثبات.[4]
مطالعة التاريخ المعاصر
إنّني أوصيكم وبشكل جدّي، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء بأن تتعرّفوا على التاريخ؛ فالتاريخ درس، يمكن تعلّم الكثير من الدروس، والحصول على الكثير من التجارب من التاريخ، إنّ البعض يحاولون إظهار حوادث زماننا هذا على أنّها حوادث استثنائيّة وأنّه لا يمكن الاستفادة من التاريخ بأي وجه من الوجوه وهذا خطأ فادح؛ إنّ ألوان الحياة تتغيّر، وأساليب الحياة تتبدّل، ولكنّ القواعد الأصليّة لحياة البشر، والاصطفافات والمواجهات الأساسيّة لا تتغيّر.[5]
إنّني أوصي جميع الشباب وخاصّة طلّاب الجامعات والحوزات أن يوسّعوا من وعيهم ومعارفهم، إنّ الكثير من الانحرافات التي تشاهدونها، ناشئة من النقص في الوعي، يجب على جيل الشباب اليوم وخاصة جيل شبابنا أن يطّلع على تاريخ بلاده؛ خاصّة المرحلة المشروطة[6] وما بعدها. فأنتم في أي اختصاص تدرسون، وكونكم جزء من نخب المجتمع فيما بعد حيث ستكونون إن شاء الله من صفوة النخبة، ينبغي أن تعرفوا في أي وضع كان بلدكم وأين هو اليوم؛ يجب أن تتعرّفوا على تاريخ النظام السابق بشكل خاص، إنّ جيل شبابنا اليوم لا يعرف بشكل صحيح كيفيّة إنقاذ الثورة الإسلاميّة لهذا البلد من مخالب ذلك النظام السابق، ينبغي أن ترفعوا من مستوى وعيكم ومعارفكم واطّلاعكم على قضايا العالم؛ الشباب الإيراني هو صاحب رؤية ثاقبة وذكي من جهة، وهو سياسي من جهة أخرى، لذلك لا ينبغي أن يُبقي مجالا للإبهام والغموض حول قضاياه المهمة؛ الحلّ الذي أقترحه: المطالعة؛ زيادة مستوى المطالعة والقراءة، وتوجيه اللقاءات والقوى الطلابيّة نحو الأبحاث الصحيحة والحقيقيّة وليس الأبحاث الانحرافيّة، بالطبع إنّ بحث بناء النفس وإعداد الباطن وتهذيب الباطن وتنوير القلب وأمثالها هي أبحاث تفصيليّة ينبغي التعرّض لها في محلّها.[7]
قراءة تاريخ الغرب
إنني أوصي بأن تقرأوا التاريخ، طالعوا تاريخ زمن الاستعمار لتروا أيّة انتهاكات وحشية فظيعة ارتكبها الغربيّون في هذا المجال، على الرغم من ظاهرهم الأنيق المعطّر والمنظّم والمرتّب وادّعاءاتهم حول حقوق الإنسان. لم يكتفوا بقتل البشر وحسب، بل سعوا جاهدين لإبعاد الشعوب المستعمَرة عن مجال التقدّم وسلبها إمكانيّة التطوّر في جميع المجالات، وما نريده نحن هو أن لا يحصل هذا الأمر، نحن نقول فلندرس العلوم الإنسانيّة لكي نتمكّن من إنتاجها بشكلها المحلّي، ومن ثم نصدّرها إلى العالم. أجل، عندما يحدث هذا، فإنّ كلّ من يخرج من حدودنا ويسافر للخارج سيكون مورد أملنا واعتمادنا.[8]
قراءة الأعمال والكتب الجيّدة والحوار مع أصحاب التجارب والثقاة
أزيلوا انعدام البصيرة هذا وخاصة أنتم الشباب بقراءة الأعمال الجيّدة بالتأمّل، وبالحوار مع الأشخاص الموثوقين الناضجين وليس بالحوارات التقليديّة حيث تقبلون كلّ ما يقال، لا، ليس هذا ما أريده، هناك أشخاص بوسعهم إقناع الآخرين بالأدلّة وتنوير أذهانهم وإقناعهم. حتى الإمام الحسين (ع) استخدم هذه الوسائل في بداية نهضته وعلى امتدادها.[9]