مواضيع

ضرورة التحليل السياسي

لماذا يجب على شباب الثورة الإسلاميّة امتلاك القدرة على التحليل؟

«التحليل السياسي» من الأبحاث المهمّة والشائعة في العلوم الاجتماعيّة والسياسيّة، وكلّ مذهب وتيّار من التيارات الفكريّة ينظر إليه من زاويته ورؤيته الخاصّة. و المجتمع الذي يرى نفسه ملزماً بـ«التفكير» حول الظواهر السياسيّة، لاشك أنه يعرف أهمية العلم بالأسلوب الصحيح للتفكير في شأن هذه الظواهر، لأنّ الإنسان يحكم ويقرّر ويعمل بناءاً على قواعد محددة تتيح له تحليل الظواهر السياسيّة والاجتماعيّة.

إذا افتقد شعب ما قدرته على التحليل سيخدع و ينهزم، لم يكن لدى أصحاب الإمام الحسن (ع) القدرة على التحليل، لم يستطيعوا فهم القضيّة، ما هي و ماذا يجري؟ لم يكن أصحاب أمير المؤمنين (ع) الذين أدموا قلبه مغرضين جميعهم؛ إلّا أنّ الكثير منهم – أمثال الخوارج – افتقدوا القدرة على التحليل، كان الخوارج ضعاف جدّاً في التحليل، يقول أمير المؤمنين (ع): «ولا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر والصبر»[1]؛ الأمر الأوّل: البصيرة، والوعي، والفطنة، والرؤية والقدرة على الفهم والتحليل؛ ومن ثم الصبر والمقاومة والثبات.[2]

بالنظر إلى الاتّساع والانتشار المطّرد للمصادر والوسائل الخبريّة والتحليليّة التي تسعى إلى رؤية الأحداث والوقائع والظواهر من زاويتها ومصالحها الخاصّة، فإنّ امتلاك منهج صحيح في التحليل السياسي للظواهر السياسيّة و الاجتماعيّة يبدو ضروريّاً دون أدنى شكّ، وإنّ لهذا الأمر أهميّة خاصّة في أنموذج السيادة الشعبيّة الدينيّة.

نعم! يمكن ذلك ويحصل في ظلّ الأنظمة الديكتاتوريّة، فإنّه من مصلحة مثل هذه الأنظمة في العالم أن لا تتمتّع شعوبها بالوعي والإدراك والتحليل السياسي. أمّا في بلادٍ تعتزم إنجاز أعمال عظيمة على أيدي أفراد شعبها وإيصال نظام الحكم إلى غايته ومنزلته المنشودة بالاعتماد على قدرة الشعب اللامحدودة؛ فهل يمكن ذلك دون أن يكون شعب هذا النظام وشبابه خصوصاً الطلبة الجامعيّين غير سياسيّين؟ من لا يتمتّع بالوعي والإدراك السياسي، وليس لديه عقل وفهم سياسي، فسوف يستحوذ عليه العدو بقطعة حلوى فاسدة وسيأخذه إليه ويجذبه ويجعله في خدمة أهدافه ومآربه، ولو كان أعلم علماء زمانه. على شبابنا أن يدركوا هذه النقاط الدقيقة.[3]

كيف يمكن امتلاك تحليل سياسي صحيح؟

يعتبر «الإلزام المنهجي» – أو الضرورة المنهجيّة – معيار و شاخص مهمّ في الأبحاث العلميّة الحديثة المتعلّقة بالتحليل السياسي، و يحظى باهتمام جدّي وكبير و يمكن أن يقوم المنهج – بعبارة اصطلاحيّة – على ثلاث قضايا:

مجموعة طرق الكشف عن المجهول.

مجموعة قواعد أثناء البحث.

مجموعة الأدوات والفنون الهادفة إلى حلّ المجهول.

الفرق بين «التوصيف[4]» و«التفسير» و«التحليل» السياسي؟

«التوصيف السياسي» هو بيان وشرح حادثة بنحو سطحي وبيان الواقع كما هو. ففي الواقع، «التوصيف السياسي» هو تقرير دقيق عن كيفيّة مسار الأحداث السياسيّة ولذلك لا يتطرّق ولا يلج دائرة الأسباب والعلل.

أمّا «التحليل» فهو بمعنى كسر الكلّ – وليس الكلّي – [أي البدء من الكلّ إلى الجزء] إلى الأقسام المختلفة، بهدف تحديد ماهيّته. إذاً، التحليل السياسي ناظر إلى أن تقسّم الظاهرة التي تؤخذ بعنوان «كل» إلى أجزاء و وحدات أصغر، ثم تُدرس هذه الوحدات و الأجزاء ومن بعد ذلك يدرس ارتباط وعلاقة هذه الأجزاء بعضها ببعض، وكذلك علاقتها بالظاهرة ككلّ بعناية شديدة وأسلوب منطقي.

أمّا «التفسير السياسي» أو «التبيين السياسي» فهو مقولة أخرى، فالتفسير بمعنى الوصول إلى استنباط حول العلاقات بين المتغيّرات التي هي محل البحث واستخراج نتائج هذه العلاقات و بعبارة أخرى هو الاستنتاجات الحاصلة من التحليل السياسي، و لمزيد من التوضيح نقول أن التفسير السياسي يكون على أساس الاستنتاجات والنتائج الحاصلة من التحليل حول العلاقات التي تكون محل البحث والمطالعة، وعليه نخرج باستنتاج حول علاقات الظاهرة السياسيّة هذه، و لهذا يقال أنّ التفسير هو مقصود التحليل.

نستخلص ممّا ذكر أنّ التحليل السياسي مع اختلافه عن التفسير والتوصيف السياسي له منهجه الخاص، ولهذا السبب يحظى بهذا الاهتمام الخاص في المستويات الجامعيّة وفي اختصاصات العلوم الاجتماعيّة والعلوم السياسيّة، وهذا الإلزام المنهجي يجعل الاختصاصات المذكورة فروعاً عمليّة تطبيقيّة.

ما هي استخدامات التحليل السياسي المنهجي؟

يمكن للتحليل السياسي المنهجي أن يساعد بجدارة في ترقّي الوعي والرؤية والبصيرة داخل المجتمع؛ وبإمكان أي شخص في المجتمع من خلال المعرفة الصحيحة والمنظّمة للظواهر السياسيّة أن لا يقع في الحيرة والاضطراب في الفضاء الملوّث بغبار الفتنة وعند امتزاج الحق بالباطل، وأن يكون قادراً في المنعطفات واللحظات الحسّاسة التي ينبغي أن يؤدّي فيها دوره التاريخي وتكليفه الشرعي أن يصل إلى القرار المناسب الدقيق والصحيح بالاستفادة من أداء و تطبيق فنون التحليل السياسي.

كان كتاب «فنّ التحليل السياسي المنهجي» في رؤية النظام الفكري والعملي للإمام القائد الخامنئي محلّ اهتمام جدي و كبير، إذ أن هذا النموذج هو حاصل توصيات سماحته لتحليل الظواهر السياسيّة و سعي لتوضيح البعدين الأساسيّين لـ«القدرة على التحليل السياسي» من خلال نظرة علميّة ومهاراتيّة.

في البداية، انصبّ الاهتمام على المسائل الذهنية التي هي مقدّمة التحليل السياسي بعنوان الخطوة الأولى، أما في الخطوة الثانية كان الاهتمام بفنون التحليل السياسي بعنوان مهارات في التحليل السياسي.

وإنّ عدم الاهتمام بأي واحدة من هاتين الخطوتين سيكون باعثاً على الخطأ في الفهم وتحليل الظواهر، مما يوجب في نهاية المطاف الانحراف والخطأ في الحكم واتّخاذ القرار.

إنّ تمايز وأهمية نموذج «فهم التحليل السياسي» هو في الاستفادة القصوى من التجارب العلميّة والعمليّة لساحة العمل السياسي، وأن تصبح سبباً مساهماً في توفير وتهيئة لوازم الوعي والفهم والتحليل للظواهر السياسيّة والاجتماعيّة بشكل أفضل من المناهج الرائجة المطروحة في مجتمعنا في الوقت الراهن.

عباس علي رهبر

الأستاذ المساعد في قسم العلوم السياسيّة

في جامعة العلامة الطبطبائي – طهران


[1]-نهج البلاغة، خطبة 173

[2]– 15-4-1991م

[3]– 3-11-1993م

[4]– أو الوصف

المصدر
كتاب التحليل السياسي | الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟