الثّقافة والفنّ
جدول المحتويات
«الحاجي» .. العنوان الّذي انتشر!
ما أظهرنا على التّلفاز، خلال هذه السّنوات العشر أو الخمس عشرة، عن الحرب والقادة والمجاهدين كان غير متكامل ولم يلتفت إلى كلّ أبعادهم الوجوديّة وأبعاد الحرب والجبهة، حتّى ظنّ النّاس أنّهم مجموعة أشخاصٍ كانوا يدعون فقط. صوّرنا بَساطة الحرب، لكنّنا لم نتمكّن من تصوير تعقيدات الجبهة والحرب.
على سبيل المثال، عنوان «الحاجي» الّذي أصبح مشهوراً! أنا أقول إنّ هناك تشويهاً لحربنا حقّاً فيما نسعد ونجلس لنشاهد ونستمع.
لم يكن هناك «الحاجي»! كنّا أنا وأحمد وحسين ولم تكن كلمة «الحاجي» مستخدمة على الإطلاق. حتّى أنّ استخدام كلمة «الأخ» -الأخ حسين والأخ قاسم مثلاً- كان محدوداً وكان يُنادى بالاسم فقط. عندما أشاهد هذه الأفلام، أعتقد أنّه كان هناك دكّاناً. نقرأ الجرائد فنراها مليئةً بالذّكريات الكاذبة، محض كذبٍ عن الشّهداء! «ذهبتُ مع الشهيد إلى هناك، الشّهيد فعل كذا وكذا»، كلّها كذبٌ وأشياء يُدرك الإنسان بأنّها غير صحيحة. لذلك اخترعوا قصّة عن قائد كتيبةٍ كان على اتّصالٍ بالعراقيّين، وهذه القصة في الأساس غريبة وعجيبة! كلّنا لدينا قصصٌ عن الحرب التي خضناها وعن أبطالنا، لكن لم تكن كذلك؟!
كان عليهم الاستثمار في فيلمٍ كفيلم للإمام علي (ع)، عن «حسن باقري» على سبيل المثال[1]. إقرأوا الكتب عن «حسن باقري»، وليس حسن هذا، فمثال حسن في الحرب كان كمثال الشهيد بهشتي بحيث لم يستطع أحد أن يملأ مكانه قط.[2]
المسجد مركزٌ ثقافيٌّ
عندما يتّم تعييني كمسؤولٍ عن صيانة جسرٍ ما، يجب أن أعلم أنّ وظيفتي لا تقتصر على صيانة هذا الجسر، إنّما لهذا الجسر بيئةٌ خاصّة، وإذا هوَت تلك البيئة سيهوي الجسر أيضاً.
إذا كانت نظرتنا للمسجد على أنّه إمام المصلّين مجرّد نظرةٍ إلى البيئة داخل المسجد وأنّنا نريد أن نحافظ فقط على عدد الأشخاص داخله، فقد أخطأنا وخسرنا. المسجد هو مركز، ويجب مراعاة المنطقة الكاملة المحيطة به. كلّ المحجّبات، غير المحجّبات، المحافظين، الإصلاحيّين، الرّجال، النّساء، الأطفال و… الّذين يقطنون حول المسجد، يجب أن يدوروا حول مركزٍ واحدٍ هو المسجد.
إذا سقطت بيئة المسجد، فإن الخطّ الأمامي لإمام المصلّين قد ينكسر، وفي هذه الحالة يستطيع العدو من النفوذ إلى الخطّ وبالتالي أن يظهر أنّ إمام المصلّين ليس على مستوى المسؤولية؛ أي أنّه لم يكن لديه تواصلٌ جيّدٌ واستقطابٌ وإرادةٌ كافية. عندما نجعل أخاً متعباً يعمل في عدّة وظائف إماماً لحيٍّ به عدّة آلافٍ من العائلات، فلا فائدة منه. كيف يمكن لهذا الشّخص المتعب أن يحافظ على بيئةٍ بهذا الحجم؟
نحن نستخدم كل هذه الوسائل لتجهيز كتيبة قوامها 300 شخص، فهل المسجد أقلّ من كتيبة؟ إذا كان إمام المصلّين يكتفي بخطبة مدّتها عشرين دقيقة، فهل يمكن إصلاح شيءٍ بهذه الخطبة؟[3]
إذن من يبقى؟
يتردد في المجتمع دائماً قول بأن هذه محجّبةٌ وتلك غير محجّبة، هذا محافظٌ وذاك إصلاحيّ، إذن من يبقى؟ وما الذي تريدون الحفاظ عليه؟ هؤلاء جميعهم هم شعبنا. هل كلّ أبنائكم متديّنون؟ كلّهم يقيمون صلاة اللّيل؟ يشبهون بعضهم البعض؟ كلّا. أيّ شخصٍ يدّعي ذلك هو مخطئ. حسناً، ماذا يفعل ربّ العائلة في هذه الحالة؟ يستقطبهم جميعاً، بعضهم بالحبّ والآخر بالعاطفة، أي يجذب كلّ أفراد الأسرة بطريقةٍ ما ويحافظ على كرامتها. مجتمعنا هو عائلتنا، لذلك علينا الاهتمام بهذا الموضوع.
ترديد أقاويل كأنا وأصدقائي المتديّنين، أو أنا وزملائي في الهيئات الدّينيّة، أنا ورفاقي… حسناً، ما الغاية من هذا؟ هذا لا يمكنه أن يحافظ على الثّورة والجمهوريّة الإسلاميّة! هذا لا يؤثّر على المجتمع. نحن نقبل هذه الثّقافة إن كانت كذلك، وفي المجال السّياسيّ نقوم برسم الخطّ نفسه. ماذا يبقى إذا؟! يجب أن نستقطب الجميع، فلنستقطب المحجّبات وغير المحجّبات معاً.[4]
في بعض الأحيان عليك أن تصرخ
أصبح «الغزو الثّقافيّ» اليوم أكثر تعقيداً وشدّةً وانتشاراً وتهديدا ممّا كان عليه بالأمس. كان المصطلح الّذي استخدمه الإمام القائد لهذه القضيّة والقلق الثّقافيّ مناسباً جدّاً ودقيقاً وحكيماً. جميع المسائل الّتي يذكرها في مواضيع مختلفة تتميّز بالحكمة العميقة. «الكمين الثّقافيّ» و«الغزو الثّقافيّ» هي كلمات تبعث على اليقظة والوعي، تماماً كالصّراخ.
عندما ترى حادثاً، تلاحظ أنّه لا يمكنك إيقاظ شخصٍ ما بإيماءةٍ أو صوتٍ منخفض، تصبح مجبوراً على أن تصرخ. إنّ كلمة «الكمين الثّقافيّ» و«الغزو الثّقافيّ»[5] هو بمثابة الصّراخ بصوت عالٍ، بحيث إذا انتبه أي شخصٍ قليلاً إلى داخله، فسيدرك عمق الحادث. هذه ليست مقولة شابٍّ عاطفيّ، بل مرجع تقليد والولي الفقيه وشخصيّةٍ تنمو في سياق الإسلام منذ سبعين عاماً. قد يستغرق الأمر سنواتٍ كي ندرك هذا الشّعور والفهم.[6]
لدينا المنطق والأسس لمحاربة أمريكا
هناكٌ أصولٌ وأسسٌ لمحاربة أمريكا. أحدهم سألني: «لماذا تتحدّث الجمهوريّة الإسلاميّة دوماً عن مواجهة أمريكا؟ ولماذا تكثر من ترداد اسم أمريكا؟» قلت: «لديّ سؤالٌ لك: كانت أمريكا في إيران تفعل ما تشاء على مدى خمسين عاماً، لم يكن هناك رادعٌ لها، وكانت تقوم بما تريد. أذكر لي تأثيراً جيّداً ومفيداً من أمريكا. هل تجد نتيجةً من الوجود الأمريكيّ في إيران على مدى خمسين عاماً؟» حسناً، نحن لدينا كلاماً مدروساً ومنطقيّاً لمواجهة أمريكا، وهل أيدينا خاليةٌ من المنطق حتّى نخاف من الكلام؟[7]
- [1] للتّعرّف أكثر على شخصيّة الشّهيد حسن باقري الرّجوع إلى الصّفحة 181.
- [2] مقابلة الحاج قاسم مع مجلّة «خاتم إيران» الفصلية.
- [3] خطاب الحاج قاسم في قمّة اليوم العالميّ للمسجد.
- [4] نفس المصدر
- [5] الكمين الثّقافيّ، الغزو الثّقافيّ، الهجوم الثّقافيّ و…. كلّها مصطلحاتٌ استخدمها الإمام القائد منذ السّنوات الأولى بعد نهاية الدّفاع المقدّس للإشارة إلى الخطر الّذي يتهدّد الثّقافة الإسلاميّة-الإيرانيّة. يقول الإمام في إحدى خطبه: «إنّ العدوّ يحاول أن يأخذ شبابنا بعيداً عنّا من خلال نشر الثّقافة الخاطئة أي ثقافة الفساد والفحشاء. أنّ ما يفعله العدوّ على الصّعيد الثّقافيّ هو غزوٌ ثقافيّ بل كمينٌ ثقافيٌّ ومجزرةٌ عامّةٌ ونهبٌ ثقافيّ».
- [6] خطاب الحاج قاسم في قمّة اليوم العالميّ للمسجد.
- [7] نفس المصدر