صُدمتُ عندما قال هذا الكلام
آخر مرّةٍ رأيتُ فيها الشّهيد همداني كانت قبل ساعاتٍ قليلةٍ من استشهاده، وقد رأيتُ فيه حالةً من الشّباب. كان الشّهيد همداني رجلاً كتوماً وصبوراً، بتعبيرنا لم يكن من أهل الفوضى أو التّفاخر بالنّفس في المجتمع، كانت له شخصيّة خاصّة. لم يلاحظ أحدٌ شخصيّتَه ما دام لم يقترب منه. خلال مرحلة الدّفاع المقدّس، لم أعرف الكثيرعن الشّهيد همداني لأنّنا كنّا نعمل في وحداتٍ مختلفةٍ في ذلك الوقت، لكنّني تمكّنتُ من التّعرّف على هذه الشّخصيّة القيّمة في سوريا خلال الآونة الأخيرة.
في المرّة الأخيرة الّتي رأيتُ فيها الشّهيد همداني، صُدمتُ للحظةٍ، وعلمتُ فيما بعد أنّه كان علمٍ بشهادته قبل حصولها. عندما تحدّثتُ إلى عائلته في وقتٍ لاحقٍ، أدركتُ أنّه كان على علمٍ بذلك قبل عدّة أيّام وأنّه كان قد سلّم عائلته رسالةً بعد إتمامه جميع أعماله وإجراءاته التي تشير أنّه سيرحل عن هذه الدّنيا. قال لي بابتسامةٍ ووجهٍ بشوشٍ: «تعال نأخذ صورةً معاً، ربّما تكون هذه الصّورة الأخيرة لي ولك». لم يكن من الّذين يلحّون على شيءٍ كالرّغبة في التقاط صورةٍ مع شخصٍ ما، لذلك صُدمتُ عندما قال هذا الكلام. أردتُ أن أقول: «لا تذهب»، وكنتُ عائداً للتوّ من المكان الّذي أراد الذّهاب إليه، لكنّ شعوراً ما أخبرني ألّا شيء مهمّ هناك، لكنني لم أقل له شيئاً.
عندما رأيتُ حالةَ الشّهيد همداني تلك، تذكّرتُ هذا الشِّعر:
إنما ميدان الحرب هو ساحة رقص الرجال وتلطخهم بدمائهم
يصافحون لفَقد أيديهم، يرقصون ليحاربوا عيوبهم
هذه حالةٌ جميلةٌ جدّاً، فالقطرةُ التي تسقط في البحر لا تبقَ قطرةً، فهي تختلط بالبحر. لقد رأيت فيه تلك اليد ورأيته بحالة الرّقص تلك وحالة الطّيران والعروج والشّوق.[1]
- [1] خطاب الحاج قاسم في مراسم الذّكرى السنويّة للشّهيد همداني.
تعليق واحد