مواضيع

كانت السّمة الخاصّة بقوّات أميني أنّهم أهل بكاء

كان انتقاء الحاج أحمد أميني[1] لأفراد القوّات الخاصّة من السّمات الخاصّة به. كان يذهب ويفتّش في كل فرق الجيش ويختار قوّاته.

تراه يأخذ قوّةً من الاتّصالات، وقوّةً من المشاة، ووحدةً من الدّعم، حتّى أنه استقدم ثلاثة أو أربعة من شباب أصفهان.

كان لدى جميع قوّات أميني روحٌ معنويّةٌ عاليةٌ وشجاعةٌ خاصّةٌ، فكانت هذه الكتيبة مركزاً لشجعان الجيش بحقّ. كانت الكتائب تتشكّل عادةً من مدينةٍ واحدةٍ، لكنّ الحاج أحمد كان يختار قوّاته من كلّ المدن. على سبيل المثال، كان الشّهيد طيّاري من أبناء منطقة فارس. في كل مرّةٍ يأتي إليه شخصٌ، كان يستمر تحت إمرته حتّى النّهاية. كانت السّمة الخاصّة بقوّات أميني أنّهم كانوا أهل بكاء؛ فبالإضافة إلى الشّجاعة كانوا أهلّ دعاءٍ وصلاةٍ. خلال عمليّة «والفجر 8»، قامت هذه القوّات بأعمالٍ عظيمةٍ، سواء في البعد الرّوحيّ والمعنويّ أو في الشّجاعة. عندما تنظر إلى وجوههم، كنتَ ترى أنّهم كانوا يافعين وشُبّاناً بشكلٍ عامٍّ؛ شبابٌ مُلتهبون كانوا مليئين بالمعنويّات والشّجاعة. اختار مائة وثمانين شخصاً منهم كغوّاصين.[2]


لم نكن قد نفّذنا عمليّاتٍ في نهرٍ هائجٍ كنهر أروند

يروي الحاج قاسم سليماني عن إدارة الشّهيد أحمد أميني خلال عمليّة والفجر 8 التّالي:

العمليّة الأخيرة للجمهوريّة الإسلاميّة والتي تمّ التّخطيط لها كعمليّةٍ رئيسيّةٍ ومهمّةٍ كانت والفجر 8. كان لهذه العمليّة العديد من الحساسيّات الهامّة. بعض الحساسيّات كانت عامّةً والبعض الآخر خاصٌّ بجيش ثار الله، وكانت هذه المرّة الأولى الّتي أراد فيها القيام بمثل هذه العمليّة. حتّى الآن، لم نكن قد نفّذنا عمليّاتٍ في نهرٍ هائجٍ كنهر أروند. كانت منطقة العمليّات منطقة مستنقعات؛ رأس البيشة، الفاو، خور عبد الله والمسافة الفاصلة بين خور وأروند. أعقب هذه العمليّات ثلاث عمليّاتٍ كبيرةٌ نُفّذَت دون نجاحٍ يُذكر. والفجر التّمهيديّة، خيبر وبدر كانت ثلاث عمليّاتٍ كبرى فشِلَت أو لم تحقّق نجاحاً كبيراً في الأهداف المحدّدة لها. بالنّظر إلى أنّ العمليّة كانت أكثر صعوبةً وتعقيداً من العمليّات الثّلاث السّابقة، كان هناك خوفٌ من أن تكون نتيجتها مماثلةً للعمليّات السّابقة. كان يمكن أن يكون لهذه النّتيجة تأثيرٌ عميقٌ على مسار الحرب. استخدمنا خلال عمليّتي بدر وخيبر نبات الحور كغطاءٍ ووصلنا إلى العدوّ. كانت درجة حرارة الممرّات المائيّة عالية وكانت بمثابة الأفران في الغابة الكثيفة، وكان يمكننا اتّباع مبدأ التّمويه والاستتار. في أروند، كان عرض النّهر واضحاً وكان العدو مشرفٌ علينا تماماً.

كان يصل عرض أروند إلى 2 كيلومتر

كان يمكن للعدوّ تدمير جميع القوّات بسهولةٍ عن طريق إطلاق النّار، وبدا من الصّعب اتّباع مبدأ المباغتة. كانت الأهواز المدينة الأكبر والأقرب للعدوّ وكان بإمكانهم، بطبيعة الحال، الحصول على الأخبار والمعلومات من الجواسيس والمُخبرين. كنّا نتحرّك باتّجاهَين- الغرب والجنوب والجنوب الغربيّ. كان من السّهل السّيطرة عليهم عبر الطّابور الخامس في المقابل كان يمكنهم الحصول على الأخبار والمعلومات بسرعةٍ. كانت كلّ مواصلاتنا من داخل مدينة الأهواز. بعد عبورنا المدينة وخوين، كنّا في مرأى العدوّ. و في الشّويبدة (في آبادان)، عندما عبرنا نهر بهمنشير ونزلنا باتّجاه أروند، كنّا في المرأى غير المسلّح للعدوّ. هناك نقطةٌ أخرى وهي أنّ الخطّ هناك كان شبه مهجور. وفي هذه المناطق حيث كنّا نريد عبور أروند، كانت قوّات الدّرك موجودة هناك واحدةً تلوَ الأخرى. بسبب وجود نهر أروند، الّذي كان يُعدّ عقبةً رئيسيّةً، لم يستخدم العدوّ المنطقة كثيراً من النّاحية العمليّاتيّة، بل كان استخدامه مرتبطاً أكثر في مجال التّجسّس العراقيّ. المشكلة التّالية، الّتي كانت خاصّة بجيش ثار الله وكان لها تأثيرٌ كبيرٌ على مصير قوّات كسر الخطوط والغوّاصين، هي عرض نهر أروند. عرض أروند كان أوسع نقطةٍ في منطقة العمليّات الخاصّة بفرقة ثار الله 41 ولواء المهديّ. كان مكاناً مرتبطاً بالبحر وكانت شدّة المدّ والجزر فيه أكبر من الأماكن الأخرى. كان الشّاطئ، الّذي كانت تغطّيه المياه عند المدّ والجزر، واسعاً جدّاً. عند الجَزر، كان في مقابلنا مستنقعٌ كبيرٌ يُضاف إلى عرضه مائةٌ إلى مائةٍ وخمسين متراً في حالة المدّ، فكان عرض أروند عمليّاً يصل إلى 1300 – 1400 متر. كان يصل هذا العرض في بعض الأحيان إلى كيلومترين؛ فعادةً ما كانت تمتلئ الجداول بالماء؛ ولكن نظراً لعدم تجريفها، فإنّ مياه المجاري المائيّة كانت تمتدّ إلى كامل البستان وتغطّيه. حتى أنّ المياه كانت تصل إلى الطّريق الخلفيّ، الّذي كان يَبعُد عن أروند في الحالات العاديّة أربعة إلى خمسة كيلومتراتٍ.

تقرّحت أجسامهم كلّها بسبب ملوحة الماء

بعد تسليم المهمّة، كان موضوع الغوص أوّل شيءٍ يجب أن نتعامل معه بجدّيّة. كان علينا كسر خطّ العدوّ بقوّة الغوص حتّى نتمكّن من الخروج عبر الطّرق الأخرى، من خلال الجداول، لندعم قوّة الغوص ونكون قادرين على السّعي وراء أهدافٍ أخرى. لأجل كسر الخطّ، كانت كتيبة الحاج أحمد أفضل كتائبنا وأكثرها تدريباً. وكان علينا اكتشاف ذلك.

لم نذكر مكان منطقة العمليّات ضمن توجيهات الحاج أحمد العمليّاتيّة، لكن قلنا أنّه يجب عليك عبور منطقة المدّ والجزر الزّرقاء. من السّمات المميّزة عند الحاج أحمد أنّه عندما كان يتمّ تكليفه بمهمّةٍ، كان يذهب تلقائيّاً وعفويّاً ليضع برنامجاً تدريبيّاً متكمالاً. ميزةٌ أخرى خاصّةٌ بالحاج أحمد هي انتقاؤه القوّات الخاصّة، بحيث كان يبحث في جميع أقسام الفرقة ليختار قوّاته، فترى أنّه أخذ قوّةً من الاتّصالات، وقوّةً من الأفراد، وأخرى للأمور اللّوجستيّة وغيرها….، حتّى أنّه استقدم ثلاثة أو أربعة من شباب أصفهان؛ أشخاصٌ مثل صغيرا ومؤذّن وقضاوي. كان هؤلاء نخبة شباب أصفهان في شرق البلاد، فأصبح صغيرا ومؤذّن من قادة سرايا الحاج أحمد أمّا شخصٌ كقضاوي فعمل في القوّة اللّوجستيّة للجيش.

كان لدى جميع قوّات أميني روحٌ معنويّةٌ عاليةٌ و شجاعةٌ خاصّةٌ، فكانت هذه الكتيبة مركزاً لشجعان الجيش بحقّ. كانت الكتائب تتشكّل عادةً من مدينةٍ واحدةٍ، لكنّ الحاج أحمد كان يختار قوّاته من كلّ المدن. على سبيل المثال، كان الشّهيد طيّاري من أبناء منطقة فارس. في كل مرّةٍ يأتي إليه شخصٌ، يبقى عنده حتّى النّهاية. كانت السّمة الخاصّة بقوّات أميني أنّهم أهل بكاء؛ فبالإضافة إلى الشّجاعة كانوا أهلّ دعاءٍ وصلاةٍ. خلال عمليّة «والفجر 8»، قامت هذه القوّات بأعمالٍ عظيمةٍ، سواء في البعد الرّوحيّ و المعنويّ أو في الشّجاعة. عندما تنظر إلى وجوههم، كنتَ ترى أنّهم كانوا شُبّاناً ويافعين بشكلٍ عامٍّ؛ شبابٌ مُلتهبون كانوا مليئين بالمعنويّات والشّجاعة. اختار مائة وثمانين شخصاً منهم كغوّاصين. في منطقة «سرچشمه»، نظّموا دورةً تدريبيّةً للسّباحة وتعلّموها. بالطبع، كان قد تمّ تدريب طاقم الكتيبة من قبل. وبعد ذلك نقلناهم إلى بندر عباس. كان هناك مكانٌ مهجورٌ بجوار المنطقة البحريّة، فأخذه من أجل التدريب على المدّ والجزر. عند المدّ والجزر، يكون ارتفاع أمواج البحر كبيراً جدًّاً؛ أمواجٌ من مترين، أربعة أمتار وأقلّ وأكثر. بطبيعة الحال، كانت السّباحة والغوص في البحر أمراً صعباً ومُرهقاً جدّاً للأخوة الّذين عملوا في المياه العذبة من قبل؛ لكن كان عليهم التّعرّف على مياه البحر والتّعامل معها عند المدّ والجزر. ذهبت لرؤيتهم، فرأيت أنّ الأخوة قد عملوا بجدٍّ في التّيّارات العالية للمدّ والجزر لدرجة أنّ جميع الأجزاء الحسّاسة في أجسامهم قد أصيبت بتقرّحاتٍ شديدةٍ، حتّى أنّ المياه المالحة دخلت إلى جراحهم الّتي كانوا قد أصيبوا بها.

قد تقسم موجة الانفجار شخصاً إلى نصفَين

أضرّت مياه البحر المالحة بأعين البعض منهم. عليك أن ترى هذه الأمور، حتى تستنتج هذا الأمر الّذي كانوا يقولونه عن الحاج أحمد؛ «يكفي أنّهم عشقوا تنفيذ العمليّات». كانت تأتي معظم الأمور تجري بينما كان يأخذنا الكلام والمزاح. نقلنا القوّات إلى سدّ دز، وكانت هناك تمارين مكثّفة للغوص والرّماية. كان بعض تدريبهم صعباً وخطيراً؛ على سبيل المثال، إطلاق آر بي جي من الماء أمرٌ صعبٌ وخطيرٌ؛ قد تقسم موجة الانفجار الشخص إلى نصفين. كانوا يمارسون هذه التّدريبات والرّماية في الماء وقوفاً واستلقاءً وفي وضعيّاتٍ مختلفةٍ. بعد ذلك تمّ نقل الكتيبة إلى بهمن شير. كان نهر بهمن شير مشابهاً لنهر أروند وقريباً منه. نصبوا الخيام في البساتين الّتي تقع قبل «شويبدة»، لكن بسبب الأمور الأمنيّة، تمّ استخدام الغرف الطّينيّة للسّكّان المحلّيّين في الغالب. بدأت القوّات هناك بالتّدريب العمليّ أثناء التّحرّك على الشّاطئ، وكسر الخطّ، والتّحرّك في المستنقع، والحركة العموديّة، وما إلى ذلك، كما ابتدعوا طرُقاً للتّحرّك خلال المدّ والجزر. إذا تفرّقت القوّات في الماء وتحرّكت على التّوالي، فلن تتمكّن من الوصول إلى شاطئ العدوّ بأمانٍ. في بهمن شير، كان معظم العمل الّذي تمّ إنجازه تكتيكيّاً؛ طريقة التّحرّك، طريقة الوصول إلى خطّ العدوّ، والتّعامل مع المدّ والجزر، وما إلى ذلك. كان نهر بهمن شير مشابهاً لنهر أروند، كما كان القسم الأكبر من المدّ والجزر يحصل هنا. كان شاطئ بهمن شير مثل شاطئ أروند تماماً؛ وشمل شاطئ مستنقعات وبساتين حول الشّاطئ وطرق ومروج؛ لكن بالطّبع، كانت شدّة المدّ والجزر في أروند أقوى بكثيرٍ منها في بهمن شير.

كان المدّ والجزر شديداً عند منفذ الخليج الفارسي

بين الأعمال والتدريبات، كان أسلوب التحرّك في الماء؛ لكي لا تأخذ الأمواج القوّات معها، حيث كان المدّ والجزر شديداً عند منفذ الخليج الفارسي وكان يدفع الشباب إلى وجهة معيّنة. ما كان مهمّاً أثناء العمل، هو الوصول إلى النقطة المستهدفة على ساحل العدوّ. كان ينبغي أن تترجّل كلّ القوات في نقطة معيّنة، ولم يكن ينفع أن يصل كلّ واحد منها على حدى؛ إضافة إلى أنّهم كانوا سيستشهدون كلّ في تلك الحالة. كان الحاج أحمد قد وضع تدابير مختلفة من أجل إنجاز هذا العمل؛ في المرحلة الأولى، كان يصرّ على أن تدخل القوات إلى المياه مع بعضها وجنباً إلى جنب؛ لكنّ هذا الأمر لم يكن ليُطبّق بسهولة. ففي بهمن شير حيث كان المدّ والجزر أقلّ شدّة بشكل كبير، كنت ترى أنّ أحدهم كان يدخل الماء ويخرج منه في نقطة تبعد كيلومترين. كان هناك حلّين؛ الأوّل هو تماسك الأيدي ببعضها البعض؛ أحدهم يعطي يده اليسرى والآخر يده اليمنى، ثمّ يسيرون داخل الماء؛ والأسلوب الآخر كان استخدام الحبال. كانوا يعقدون الحبال ضمن مسافات متساوية وكان كلّ شخص يمسك بعقدة ويمشون بشكل متّصل مع بعضهم البعض. كان هذا الأسلوب أنجح وأكثر فعالية من الأسلوب السابق، وقد تمرّنت القوّات عليه بشكل أكبر.

كانت الأسلحة كلّها تصبح غير قابلة للاستخدام داخل المياه

كانت ثياب الغوص، نظراً إلى نوعيّتها، تطفو بالشباب فوق سطح الماء. كان الحاج أحمد يبذل قارى جهوده لكي ينسّق بين القوات التي ترتدي هذه الثياب وتحمل هذه المعدّات. ينبغي الالتفات إلى أنّ القوّة التي تسعى لأن تخترق صفوف العدوّ وتعبر ساحل أروند، لا تستطيع أبداً أن تحمل معها تجهيزات أساسيّة. فغالبية الأسلحة التي كانت بمتناول أيدينا كانت تفقد فاعليتها في الماء، وكنّا قد توقّعنا أنّ الوقت الفاصل بين لحظة دخول الإخوة إلى الماء ولحظة خروجهم هو ساعة على الأقلّ. وخلال هذه الساعة ونظراً لشدّة المدّ والجزر وكون أطراف الساحل محاطة بالمستنقعات، كانت كلّ الأسلحة التي يحملونها تُستهلك وتُصبح غير قابلة للاستخدام. في أنحاء العالم، تستخدم القوات الخاصة أسلحة خاصّة مضادّة للمياه من أجل القيام بهذه الأعمال، لا تلك الأسلحة البدائية التي كانت بحوزتنا.

بذل الحاج أحمد جهوداً كبيرة من أجل موازنة ثقل مستلزمات الغواص. فإذا تخطّى وزن الأسلحة والمعدّات التي يحملها الغواص أكثر من الحدّ اللازم، كان مصيره سيكون الغرف وإذا كان وزنها أقلّ من الحدّ اللازم، كان سيطفو فوق الماء. كان الوزن المسموح به مختلفاً باختلاف وزن وحجم أجساد الأشخاص. لقد أنجز الحاج أحمد هذه الأعمال في بهمن شير.

لعلّ غالبيّة الناس لا يعلمون من كان يعتني بأبنائهم

الإنجاز الآخر، كان التعرّف على أعمال العدوّ؛ مثل سائر العمليّات الأخرى. لم يكن ليدع قوّاته تنطلق قبل أن يذهب ويستطلع جبهة العدوّ عن قرب وبدقّة. كان يمشي باطمئنان عندما يرى النقطة التي ينوي اختراقها بشكل مباشر ويستطلعها عن قرب. هذا كان أسلوبه في العمل. وفي العمليّات السابقة أيضاً كان يقطع حقول الألغام بمساعدة شباب الاستخبارات والعمليّات ويستطلع كلّ الأمور بشكل جيّد؛ مكان استراحة قوّاته؛ مكان توقّفهم؛ كيفيّة اختراقهم لجبهة العدو؛ النقطة التي سيضربونها بالآر بي جي و… عبر الحاج أحمد نهر أروند على مرحلتين برفقة صغيرا، مؤذّن، قنبري وسائر شباب الاستخبارات والعمليّات، ذهب إلى ساحل العدوّ وتفقّد العوائق وجبهة العدوّ عن قرب، ثمّ عاد. كان هذا الاستطلاع يضفي دقّة على عمله ويجعله أكثر اطمئناناً. لعلّ أغلب النّاس لا يعلمون كيف استشهد أبنائهم، ومن كان يعتني وكيف كانت تتمّ الاستفادة منهم.

كان الحاج أحمد أحد آلاف القادة الذين كان وجودهم يحترق من أجل الحفاظ على قواته وإيصالهم سالمين غانمين إلى خطوط العدوّ، ويستفيد منهم من أجل تحقيق الأهداف التي كانت أهداف الإسلام في واقع الأمر. لهذا السبب، كان يتقبّل الأخطار دائماً ويبذل الجهود ويتكبّد العناء من أجل أن تُنجز العمليّة بأفضل صورة وأبسط شكل ممكن. كان يجري الاستطلاعات ثمّ ينفّذ دورة قصيرة مدّتها عشرة أيام لكي يوجّه قوات الغوص وقادة الوحدت ومعاوني الفرق والكتائب ويبيّن لهم الأمور في ساحل العدوّ. كانت هناك شجرة يتسلّقها ويُري قواته بواسطة المنظار كلّ واحدة من المتاريس، والنقطة التي ينبغي أن يسيطروا عليها، والمعابر وأساليب العمل، وكان يخبر كلّ واحد منهم مساره الخاص الذي ينبغي أن يدخل منه، وأين ينعطفون إلى اليمين وإلى اليسار ثمّ بعد هذه التوجيهات كان يتّضح لقوّاته ما ينبغي عليهم فعله وكانوا يحيطون بكلّ تفاصيل مسؤوليّاتهم. لقد كان الغوّاصون في فيلق الحاج أحمد على دراية تامّة فعلاً بكلّ ظروف العدوّ وتفاصيله مثلهم مثل أيّ قائد فيلق آخر.

وافقت على اقتراح الحاج أحمد على مسؤوليّتي

الإنجاز الآخر الذي قام به -وأظنّ أن لم تنجح أيّ واحدة من فرق الغوص في تحقيقه – هو أنّه عرّف قواته على نهر أروند وأجرى مناورات العمليّة داخل هذه المياه. كان يصرّ علينا بأن نتمرّن داخل هذه المياه، لكي يزول خوف الإخوة. كان يقول، ينبغي أن أكسر هذا الخوف والقلق. وفي العمليّة كانت لدينا ثلاث محاور لنتحرّك عبرها، وكان كلّ جبهة يوجب علينا عبور نهرٍ معيّن. يكفي عندما ينطلق 150 أو 160 غوّاصاً في الأنهر لكي يصلوا إلى بداية نهر أروند أن تأخذ الأمواج أحدهم وتسوقه نحو العدوّ، فتفشل العمليّة كلّها. أصرّ علينا كثيراً وجاء بالأدلّة على ضرورة أن نتمرّن، وأنّنا إن لم نتمرّن سوف نواجه مشكلة وأنّ هذا التمرين مؤثر بشكل كبير في النجاح. قبلت وافقت على اقتراحه دون أن أطلع المقرّ على ذلك.

أدخل الحاج أحمد شبابه من الأنهر الثلاثة علي شير، بلامه ومجري، وبدأ تعليمهم الغوص ووصلوا إلى بداية نهر أروند ثمّ عادوا. تمّ توجيههم وإطلاعهم على مسار نقطة الانطلاق ورأوا أروند عن كثب. عاودوا تكرار هذه العمليّة في الليلة التالية أيضاً. عندما رأيت حركة الإخوة الغواصين، شعرت أنّ اختراق خطوط العدوّ بات سهلاً إلى درجة كبيرة بالنسبة إليهم. كانوا محيطين بتفاصيل جبهة العدوّ وكان كلّ واحد منهم بمثابة خبير مطّلع على تفاصيل نهر أروند. قبل ليلة أو ليلتين من العمليّة، عقدنا جلسة وكان على قادة الكتائب أن يشرحوا مخططاتهم من أجل اختراق خطوط العدوّ.

كان موضوع كلّ كلمة من كلماته حول مواجهة الموت

كان قادة عدّة فيالق حاضرين في تلك الجلسة، وقدّم الجميع تقاريرهم، كان الحاج أحمد يدقّق كثيراً على أسلوب بيانه وتوضيحه لتكتيكه، كان يظنّ أنّه من الممكن أن يُفتضح أمره ويكتشف العدوّ ذلك، رغم أنّ مستوى الأمن الاستخباري للجلسة كان كبيراً جدّاً ويتخطّى طرح مثل هذه القضايا؛ لكنّه كان متردّداً بشكل دائم. أصرّيت عليه أن يوضح، لفت كلامه انتباه الجميع، كأنّ أحداً لم يكن قادراً على التنفس، كان الجميع ينصتون إليه من أعماق وجودهم ويترقّبون ما سيقوله هذا الشاب قصير القامة والجريء الذي كان كلّ حديثه وموضوع كلّ كلمة من كلماته حول مواجهة الموت. لم يكن الحديث عاديّاً، بل حول شخص أراد النزول إلى حفرة نار ومصارعة الموت، وكان يفصّل المشاهد. كان الحاج أحمد ذو هيبة خاصّة عند التحدّث، وكانت لديه جرأة خاصّة. بعض الذين لم يكونوا يعرفونه كانوا يظنّون أنّه يغالي ويبالغ.

سأل السيّد علائي، قائد المقر: يا سيّد أميني، ما الذي ستفعله إذا رآك العدوّ وأنت داخل الماء؟

لم يكن لهذا السّؤال جواب، ما الذي كان الغوّاص ليقدر على فعله؟! ردّ الحاج أحمد على الفور: سأقرأ آية «وجعلنا»، قال ذلك بثقة تامّة.

بعده حدّثت الآخرين بقضيّة عمليّة «بدر» وأصبحت آية «وجعلنا» وسيلة مهمّة استخدمها الشباب لحفظ أرواحهم في تلك العمليّة. بكى الحاج أحمد وقرأ مجلس عزاء وقال بأنّنا سنفعل ذلك بالتوسّل بالسيدة الزهراء وعقد الأمل على الله عزّوجل ودعاء إمامنا الخميني العزيز. لا تقلقوا، وبدأ يتحدّث ضمن هذا المضمار.

أين تلك الدّموع من هذه الضحكات!

كان قد تمّ تحديد نقطة بجانب نهر أروند خاصّة بفرقة الغواصين، وتمّ نقل القوات إلى هناك قبل يومين أو ثلاثة. عقدنا جلسة ضمّن القوات في مقرّ القيادة، وتحدّثت إليهم فيها. كانت جلسة عجيبة. لعلّه لم يشهد التاريخ نظيراً لمثل هذه الجلسات؛ بسبب الروحانيّة التي كانت لدى الإخوة، وحماستهم ومعنوياتهم العالية. لقد صنع الحاج أحمد من الأشخاص العاديّين، رجالاً لعلّ العرفاء الذي يبلغون منزلة عالية وسامية في سنّ العجز، لا يقدرون على الوصول إليهم. لو أنّك كنت تتجوّل في الليالي في مزارع النخيل في بهمن شير، كنت سترى عند كلّ نخلة شخصاً جالساً مثل أيتام مسلم بن عقيل، يصلّي ويبكي ويرفع يديه بالدعاء. لم يكن ممكناً أن لا ينهض شخصٌ في كتيبة الحاج أحمد لأداء صلاة الليل والتضرع والبكاء. كانت الشمس تغرب، وكان عليك أن ترى البكاء في تلك الجلسة، وتشاهد ركوبهم في السيارات، بكاء ووداع وعناق وذرف دموع من جهة، وضحك عند ركوب السيارات من جهة أخرى.

أقسم بالله أنّهم كانوا بهيئة كأنّهم كانوا في مدينة كرمان، كانوا قد ارتدوا ثيابهم الجديدة كأنهم ذاهبون إلى عرس، يمزحون مع بعضهم البعض ويضحكون؛ كان المشهد شبيهاً تماماً بالمشهد الذي نُقل حول أصحاب الإمام الحسين  (ع) في ليلة عاشوراء، على سبيل المثال كان مسلم يمازح حبيب بن مظاهر، ويتحدّثون ويضحكون، لقد رأيت ذلك بكلّ وجودي في شباب الحاج أحمد، فلم يكن هناك شخصٌ واحدٌ أيضاً يفكر بما سيحدث الليلة. استقلّوا السيارات وذهبوا إلى الساحل وارتدوا ثيابهم. كانت أجواء عجيبة!

كأنّ رسول الله كان على وشك أن يعرج، كانت الروحانيّة تلوح في أجواء الساحل، وكان كلّ من يرى هذا المشهد، يجهش بالبكاء. كان مستحيلاً أن يكون أحدهم هناك دون أن تنسكب الدموع من عينيه. كان الشباب ذوي القامات الممتشقة والوجوه النقيّة والروحانيّة يرتدون ثياب الغوص ويستعدّون للانطلاق.

تحليلاتكم لا تنفع أحداً سواكم

كنا قد مددنا أسلاك هاتف من شطّ الماء حتى الالخندق الذي أتواجد فيه، لكي نراقب الإخوة بشكل دقيق. وكان الماء في حالة المدّ. وقع هناك أمرٌ كنّا قد توقّعناه سابقاً، توقّعنا أنّ المدّ في ليلة العمليّة سيكون في أكمل حالاته، وفي هذه الحالة كانت مدّة استقرار الماء حوالي العشرين دقيقة، كنّا قد توقّعنا أن نتمكّن من العبور بأنفسنا باتجاه ساحل العدوّ أو نكون قد قطعنا نسبة كبيرة من المسافة خلال هذه المدّة حتى يبدأ الجزر حيث تكون المياه في وضع مستقرّ. كنّا نتوقّع أن يكون الطقس جيّداً ويكون الماء ساكناً وهادئاً. لعلّ الله كان يريد أن يقول لنا في تلك اللحظات أن هؤلاء عبادي وأنتم لا تملكون اختيار أيّ شيء. وتحليلاتكم لا تنفع أحداً سواكم أيضاً، أنا أريد أن آخذهم! هؤلاء إلهيّون وأنا المسؤول عن تحرّكاتهم. طبعاً توصّلنا في ذلك الحين إلى هذه النتيجة.

وجّهوا لنا أمراً بالانطلاق حتى ننطلق

في كلّ تلك الساعات، كنا نشعر بالقلق والاضطراب؛ كنّا نفقد أعصابنا ونستعيدها. عندما وصل الشباب إلى مسافة قريبة من الساحل، اتّصل بي يزداني. ثمّ تحدّث إليّ بعده الحاج أحمد، قال: لا يمكنك الذهاب أبداً! سألته، لماذا؟ قال أنّ الأمواج شديدة لدرجة أنّها لا تسمح لنا بدخول الماء! ذهبت باتجاه الشباب فرأيت أنّ الموج شديدٌ لدرجة أنّه يطيّر الشباب إلى أطراف الساحل. عدت إلى الالخندق واتّصلت بالحاج أحمد، سأل: ما الخطب؟ قلت له بأن ليس هناك خطبٌ معيّن، يقول السيد يزداني بأنّ المدّ والجزر شديد، لكن لا مشكلة لدينا، وجّهوا لنا أمراً بالانطلاق حتى ننطلق. قال لتنطلقوا إذاً، لكن قبل أن تدخلوا الماء، توسّلوا بالسيدة الزهراء أوّلاً واقرأوا دعاء التوسّل. إجعلوا السيدة فاطمة الزهراء واسطة ثمّ ادخلوا الماء. كانت شدّة الأمواج أربعة أضعاف؛ أي أسوء ظروف ممكنة! وفي مثل هذا الماء كان القارب لا يقدر على التحرّك وكان من الطبيعي أن يضيع الغواصون بين الأمواج؛ لكن لا شكّ لديّ أنّه في أنّ اليد الغيبيّة حمت الإخوة وأوصلتهم إلى سواحل العدوّ. وفق التحليل الماديّ، كان التحرّك والتقدّم داخل الماء مستحيلاً، لم تكن الأمواج تسمح للإخوة بأن يتنفّسوا، بغضّ النظر عن عدم القدرة على الغوص والتقدّم وسط أمواج بطول ثلاث أو أربعة أمتار. كنّا قد توقّعنا أن يوصل الإخوة أنفسهم إلى الساحل في غضون ساعة. وكنا قد نسّقنا موعد انطلاق العمليّة وفق ذلك.

سنلتقي على ساحل الكويت!

ولأنّ فيلق ثار الله كان يسير داخل أعرض نقطة في نهر أروند، كنّا قد توقّعنا أن يطول بهم الأمر من الناحية الزمنيّة. دخل الشباب إلى المياه وتحرّكوا، ازداد قلقنا عندما أراد الله أن يمتحننا وتكاتفت الظروف ضدّنا لكي لا نتمكّن من لعب أيّ دور. كانت قد مرّت عشر دقائق عندما عاد أحد الغواصين وقال بأنّ شدّة الأمواج كانت لدرجة أنّها بعثرتنا جميعاً، تلاشى صفّنا ورأيت نفسي فجأة على ساحلنا؛ قطعنا الأمل بعد هذا الكلام!

ونظراً لمزاح بعض الغواصين مع بعضهم البعض قبل الانطلاق وقولهم بأنّنا سنلتقي في ساحل الكويت أو داخل معدة الحوت والقرش أو في وسط البحر وعلى الجزيرة الفلانية و… رأيت كلّ تلك المشاهد أمامي. مرّت 30 دقيقة عندما انبعث صوت من جهاز الحاج أحمد يقول، هاشم، هاشم، أحمد. وبدأ يناديني. يعلم الله أيّ حالة شعرت بها حينها. لم أكن أصدّق في البداية أنّه وصل إلى ساحل العدوّ وخطر على بالي أنه في ساحلنا نحن؛ لكن عندما بدأ يخفض صوته ويتكلم بهدوء، أيقنت أنّه وصل إلى ساحل العدوّ. كان شرح كيفيّة قطع كلّ تلك الطريق والوصول مهمّاً جدّاً. قدّم الحاج أحمد تقريره الأوّل، قال بشكل مشفّر أنّني وصلت إلى ساحل العدوّ ووصلت مع قواتي إلى نقطة واحدة. كان المذهل والعجيب أنّهم وصلوا إلى النقطة التي كنا نتمنّى أن يصلوا إليها ولم نصل إليها أبداً في جولات الاستطلاع. تماماً أمام معسكر قشله والنقطة التي كان ينبغي أن يوجّهوا منها ضرباتهم للعدوّ، كانوا قد وصلوا قبل الموعد المتوقّع. كان لدينا متّسع من الوقت، قلت لهم اصبروا لنرى ما سيحدث. قلت له أن ينادي صغيرا ومؤذن، قائدي فرقتين في كتيبة الحاج أحمد كان من المقرّر أن يعملا انطلاقاً من محاور أخرى. قال بأنني لا أملك اتصالاً بهما. قلت انتظر لكي يصل الإخوة المرافقين لنا. كنت أقصد الكتائب التي ستقاتل من الميمنة والميسرة، ثمّ أجرينا اتصالات أخرى ثلاثة أو أربعة، قال: أنا في البستان؛ أي أنهم دخلوا حقل ألغام العدوّ، وفي هذه الأثناء أعلن صغيرا أنّه وصل إلى جبهة العدوّ.

انقطع اتصالنا بالحاج أحمد

مرّت ربع ساعة ثمّ طلبت من الإخوة أن يبدأوا العمليّة. قال الحاج أحمد في اتصاله الأخير أنّني عبرت خطوط العدوّ وبتّ في جبهتهم الخلفيّة. عبرنا البستان وتسلقنا جدرانه وبتنا في الجهة الأخرى. كان قد دخل إلى جبهة العدوّ وقسّم قواته ووضع كلّ قسم منهم بجانب معسكر؛ حتى أنّه دخل بعض المعسكرات واستطلعها، كان المذهل أنّ مؤذن ذهب إلى داخل أحد الخنادق وحضّر إبريق شاي ساخن. جلس واحتسى كوباً من الشاي ثمّ خرج! حان موعد انطلاق العمليّة، هتفت بكلمة السرّ وكانت هذه أوّل عمليّة أهتف فيها بكلمة السر وأنا هانئ البال تقريباً. ثمّ بدأت القوات عمليّة تطهير ساحل العدوّ، وفي أقلّ من عشرة دقائق انقطعت كلّ نيران العدوّ التي كانت تنهمر فوق نهر أروند. أبدع الحاج أحمد في نقطة أخرى لعلّ أحداً لن يصدّقها إن تمّ شرح تفاصيلها. أخذ معه مصابيح شديد الإضاءة؛ من تلك المصابيح التي تشبه منارة سيارة الشرطة وتوضع على حافة الطريق عندما تجري عمليّات إصلاح الطرق لكي لا تقع حوادث سير في الليل. رأيت فجأة أنّ كلّ ساحل العدوّ بات مضاء وبدأت الأضواء تغمز. عثرت القوارب على الطريق بسهولة وبسرعة كبيرة وأتت مسرعة باتجاه نقطة المسح والتطهير لكي تواصل قواتنا عملها. انقطع ارتباطنا بالحاج أحمد أثناء هذا الاتّصال ….

  • [1] ولد أحمد أميني في 22 أيلول 1963 في قرية محمد آباد برفسنجان. توجّه إلى الجبهة للمرّة الأولى خلال عمليّة الفتح المبين وعاد منها جريحاً. منذ ذلك الحين، لم تكن هناك عمليّةٌ لم يكن لها أثرٌ في جسد «الحاج أحمد». انتشر صيت شجاعته تدريجيّاً داخل الجيش، و بالتّزامن مع المرحلة الثّانية من عمليّة والفجر 4، تمّ اختياره كقائدٍ لإحدى كتائب فرقة ثار الله 41. كانت عملية والفجر 8 قمّة عطاء هذا الرّجل العظيم. عبرت كتيبة الغوّاصين خاتم الأنبياء 410 تحت قيادته نهر أروند البرّيّ ووطأت أرض العدوّ. شكّلت كتيبة الغوّاصين الموجة الأولى من الهجوم. الحاج أحمد أميني الّذي كان في آخر مهمّةٍ له من قِبَل حرس الثّورة الإسلامية، كان أوّل من استشهد من هذه الكتيبة، وقد روى شاطئ بدمائه أروند في 11 شباط 1985، بعدما أصيب في رأسه بشظايا قذيفة هاون واستشهد عن عمرٍ يناهز 22 عامٍ.
  • [2] مذكّرات الحاج قاسم عن الشّهيد الحاج أحمد أميني / مأخوذةٌ من كتاب «الجسر الخشبيّ».
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟