كان الأمر كما لو كان هناك جدال مع الله
كنّا جالسين في الخندق في جزيرة مجنون، وكان هناك أيضاً السّيّد حميد مير أفضلي[1]. كنّا نرشد شباب كتائب الجيش من أجل العمليّة. أدركت للحظةٍ أنّ السّيّد ليس موجوداً؛ يعني أنه خرج، وقد مضى على خروجه وقتاً طويلاً. فقد ظننت أن هذه النيران الغزيرة قد نالت منه.
لم أكن أريد أن أفكّر بطريقةٍ أخرى. لكن في النّهاية، لم تكن قذائف الهاون تلك تميّز بين هذا السّيّد وغيره. كنتُ خائفاً من الجروح والشّظايا ورحيل السّيّد. نهضت وخرجت. نظرت ورأيت أنّ السّيّد قد ذهب وجلس في خندقٍ على الجانب الآخر، وكان يتحدّث إلى شخصٍ ما. مشيت ببطءٍ واقتربتُ منه، فلم أرَ أحداً. كان رأسه مرفوعاً نحو السّماء، وكان يتحدّث مع الله ويقول: متى عليّ أن أُصلح في النّهاية؟ أيّ طريقٍ عليّ أن أسلكه كي أصل إليك؟
كان الأمر كما لو كان هناك جدال مع الله؛ لا كعدُوَّين، بل مثل صَديقَين. كان يقول: قل لي، أنا السّيّد حافي القدمين[2]، ماذا أفعل، أيّ طريقٍ يجب أن أسلك للخروج من هنا؟ لم أعد أستطيع التّحمّل. أنت تعلم جيّداً أنّي لم أعد أستطيع… لذا أرِحني!
قال: «هذه آخر مرّةٍ نلتقي فيها. لن أبقى معكم بعد الآن. هذه هي عمليّتي الأخيرة». كان حزيناً جدّاً في تلك اللّيلة.
وقال: «طلبت من الله شيئين، أحدهما أن أذهب إلى كربلاء على رجليّ، فقد حصل هذا وذهبت إلى مرقد إمامي ومرقد أخ الإمام، وذهبت مرّتين».
اتّضح من بريق عينيه ونبرة صوته أنّه فرِح، ثم أكمل قائلاً: «التّالي هو الشّهادة، وهي أيضاً…»
نظر في أعيننا جميعاً وقال: «ادعوا …»، نظر إلينا أكثر وقال: «لم يعد بإمكاني التّحمّل، لقد غادر الجميع، ويجب أن أذهب أنا أيضاً».
أومأنا إليه وضحكنا عليه وقلنا له أن يخبرنا عن رحلته إلى كربلاء.
فقال: كان هناك عقيد عراقيّ التقينا به. كنّا ندفع له فيأخذنا إلى المنطقة ويرجعنا، وكنّا نقوم أيضاً بالتّصوير والتقاط الصّور. سألناه ذات يوم: «هل يمكننا أن نذهب إلى كربلاء ونعود؟».
قال العقيد: «كلّا! إنّه صعبٌ جدّاً؛ لأنّنا يجب أن نمرّ عبر الشّرطة العسكريّة في البصرة». الفكرة التي لم تخطر ببالنا. كنا نذهب كل يومٍ إلى الجزيرة وإلى سقيفتنا ونواصل عملنا.
ذات يومٍ جاء العقيد وقال: «لقد وصلتم لأمنيتكم». ذهبت وقمت بكلّ ما يلزم، سأصطحبكم إلى كربلاء. لم نصدّق، لقد طلب مالاً إيرانيّاً، وأعطيناه ليصرّفها ويعود. ذهبنا في سيارةٍ عراقيّةٍ ونمنا في منزل العقيد ليلاً، وفي اليوم التّالي تحرّكنا نحو كربلاء.
قال العقيد: عندما تدخلون المدينة وتذهبون إلى الضّريح، لا يحقّ لكم البكاء، ترمون رؤوسكم إلى الأسفل، وتغادرون. سترتدون أيضاً الملابس العربيّة الّتي لديكم.
ذهبنا، وعندما رأيت أكاليل الزّهور تلك، تذكّرت أنّ العقيد قال إنّه إذا بكينا، فسوف يأتون ويأخذوننا جميعاً. تمالكتُ نفسي وذهبت إلى الضّريح، ولم نكن هناك لأكثر من يومٍ واحد. عدنا خلال يومٍ واحد، وفي المجموع، مكثنا في الحرم مدّة يومين.
بعد شهرٍ أو شهرين من هذا الزّيارة، طلبنا مرّةً أخرى من العقيد أن يأخذنا. قال: «حسناً». هذه المرّة بقينا في كربلاء والنّجف لمدّة أسبوع.. لقد زرت عنكم جميعاً.
ثمّ نظر إلينا وقال: «دعوت كثيراً لأجلكم، لا تكونوا بخلاء، وادعوا ألّا أبقى أكثر».
- [1] جاء السّيّد حميد مير أفضلي إلينا أثناء عمليّة خيبر. كنت أنا ورضا عباس زادة وأحمد أميني وعلي عابديني ومحمد قنبري الّذين استشهدوا جميعاً فيما بعد مع آخرين. كلّهم كانوا إمّا قادة كتائب أو مندوبين أو في مكانٍ ما في موقع المسؤوليّة. في حوالي السّاعة الرّابعة فجراً، جاء وطلبنا جميعاً وقال: «يا شباب، تعالوا واجلسوا، أريد التّحدّث إليكم جميعاً». فذهبنا.
- [2] كان السّيّد حميد مير أفضلي يسمّى «حافي القدمين» في الجبهة. كان السّيد حميد حافي القدمين في الحرّ والبرد في ساحات القتال. وكلّما سُئل عن سبب كونه حافي القدمين لم يجيب حتى قال ذات مرّة: «أنا حافي القدمين لأنّ الكثير من الدّماء أريقت على هذه الأراضي دفاعاً عن الوطن الإسلاميّ».
تعليق واحد