كان أحمد خُلاصة عن الإمام
جدول المحتويات
- لقد عاقبتهم الثّورة
- تشكيل فرقة النّجف الأشرف بخمسين فردٍ
- كان أحمد فطِناً ومدبّراً
- كان أحمد مميّزاً في التّخطيط والقيادة
- لماذا اختار أحمد الفيّاضيّة؟
- أحمد هو الشّخص الّذي أحدث تغييرا كبيرا في نظام القوّة الدّفاعيّة
- كانت المميّزة الأخرى بُعد نظر أحمد، والّتي أصبحت أكثر وضوحاً في نهاية الحرب وبعدها. كما ترون إدارة أحمد الآن، كانت هي نفسها تماماً أثناء الحرب. خلال الحرب، جلس السّيّد محسن ومجلس القيادة واختاروا منطقة العمليّات. لكنّ موضوع التّخطيط للعمليّة وكيفيّة استخدام المنطقة متروكٌ لأحمد وآخرين. استفاد أحمد من الإدارة وكان بعيد النّظر في هذا الأمر. أي عندما كان في سلاح الجوّ، كان يشعر أنّه في يومٍ من الأيّام سوف نواجه حتماً هذا الموقف أو ندخل في حربٍ في مكانٍ ما، بعد انتهاء الحرب العراقيّة الإيرانيّة.
- لطالما كنت أقول: كم تعمل يا أحمد؟
- لقد حدّد نظاماً خاصّاً لكلّ شيء
- كان أحمد يقلّب أماكن الجميع!
- كم شخص يعرف أنّ أحمد كان مؤسّس جيش النّجف الأشرف؟!
- لم يأتِ مرّةً ليقول إنّني مُصاب
- هذان الشّخصان كانا المحررين لخرمشهر
- ماذا حصل في سريلانكا؟
- كم تبلغ قيمة الصّواريخ؟
- قال: كم تبلغ قيمة الصّواريخ؟
- كان أحمد كاظمي البطل المجهول لزلزال بم
كانت تربية الإمام الرّاحل في مجتمعنا مثل تلك الخلايا الجذعيّة التي أحدثت التّغيير، وظهر هذا التّغيير أيضاً في الأماكن الّتي كان له أثر فيها، كالأشخاص الّذين كانوا بطريقةٍ ما كالإمام. بالطّبع، فإن أولئك كانوا حرفيّاً خُلاصةٌ عن الإمام في أبعادٍ مختلفةٍ من سلوك الإمام، روحانيّة الإمام، وشخصيّة الإمام لكنّهم لم يكونوا بمستوى الإمام. في الحرب، كان للإمام الرّاحل تأثيرٌ أيضاً وكانت هناك شخصيات خلاصاتٍ منه. كان أحمد أحد هذه الخُلاصات، ولم يكن ذلك بسبب اتّصال أحمد بالإمام؛ بل كان بسبب وَفرة حبّه للإمام. الآن سأذكر صفاته، وما كان تأثير أحمد على المجموعة في الحرب، ممّا جعلنا نقول إنّ جزءاً من شخصيّة الإمام الرّاحل الوجوديّة تبلورت في شخصٍ مثل أحمد كاظمي[1]. كان أحمد أكثر
[1] كان يوم 10 كانون الأوّل 2005، عندما صَدَمت الأخبار السّيّئة الجميع؛ وتحطّمت الطّائرة الّتي كانت تقلّ قائد القوّات البرّيّة لحرس الثّورة الإسلامية مع مجموعةٍ أخرى من قادة الحرس بالقرب من أرومية، ممّا أدى إلى استشهاد جميع ركّابها.
حتّى ذلك الحين، ربّما كانت قلّةٌ من النّاس تعرف الجنرال أحمد كاظمي كقائدٍ للقوّات البرّيّة في حرس الثّورة الإسلامية الإيرانية. لكنّ أحمد كاظمي كان اسماً معروفاً بين قادة الدّفاع المقدّس والقوّات المسلّحة.
أثناء وبعد الدّفاع المقدّس، كان الجنرال كاظمي أحد أهمّ القادة المؤثّرين في حرس الثّورة الإسلامية. وقد أظهر تواجده في مناصب، مثل قيادة فرقتي النّجف الأشرف الثامنة والإمام الحسين (ع) الرّابعة عشر وقيادة قاعدة حمزة سيّد الشّهداء وقيادة القوّات الجوّيّة والبرّيّة لحرس الثّورة الإسلامية، قوّته القياديّة العليا.
ولد الشّهيد كاظمي في نجف آباد بأصفهان عام 1958، وقضى طفولته ومراهقته في نفس المدينة. في سنّ السّابعة عشرة ذهب إلى سوريا للدّفاع عن الشّعب الفلسطينيّ وخضع للتّدريب العسكريّ، وخضع في أحد مقارّ حركة فتح لدوراتٍ في الحرب غير النّظاميّة.
لقد عاقبتهم الثّورة
مع بداية نضالات الأمّة الإيرانيّة ضدّ النّظام الإمبراطوريّ، بدأ أحمد أيضاً نضاله ضدّ الشّاه واعتقله السّافاك مرّةً واحدةً. يقول محسن رضائي عن نضالات أحمد كاظمي قبل الثّورة: «نشط في عامَي 1977 و1978 في التّظاهرات والمسيرات وتوزيع المناشير وكتابة الشّعارات. في آخر محرّم قبل انتصار الثّورة، تعرّف عليه عملاء السّافاك واعتقلوه من بين جموع موكب العزاء. بقي في سجن السّافاك لعدّة أشهرٍ وتعرّض لتعذيبٍ شديدٍ. وكان الشّرطيّ قد لَكَم أحمد على فمه بحذائه، ونزف أنفه حتّى شهرٍ بعد إطلاق سراحه. بعد انتصار الثّورة، طلب منه المسؤولون القضائيّون في نجف آباد تسجيل التّعذيب الخطير الّذي تعرّض له حتّى يتمكّنوا من محاكمة المسؤولين، لكنّه لم يقبل وكان يقول: «لقد عاقبتهم الثّورة». اللّافت أن أحد هؤلاء، قبل استشهاد أحمد ببضع سنواتٍ، طلب من أحمد كاظمي المساعدة في نقل ابنه من جامعة آزاد من مدينةٍ إلى أخرى، وقد أوصى أحمد جامعة آزاد بحلّ مشكلته.»
تشكيل فرقة النّجف الأشرف بخمسين فردٍ
بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة، توجّه أحمد كاظمي، مع بداية الحركات الانفصاليّة في كردستان، بمجموعة قوامها 50 شخصاً، إلى المناطق الغربيّة من البلاد لمواجهة أعداء الثّورة.
ومع بداية الحرب المفروضة، توجّه إلى المناطق الجنوبيّة من البلاد وتولّى مسؤوليّة الجبهة الفيّاضيّة في منطقة آبادان. شكّلت مجموعةٌ مكوّنةٌ من 50 شخصاً، مع أحمد كاظمي، النّواة الأولى للتّشكيل العسكريّ، الّذي أصبح لاحقًا أحد أقوى الفرق العسكريّة في إيران، وسمّيت المجموعة فرقة النّجف الأشرف الثّامنة.
أصبح أحمد كاظمي، الّذي كان شابّاً مجهولاً في بداية الحرب، قائداً قويّاً ومؤثّراً في السّنوات التّالية، لدرجة أنّه أعلن تحرير خرمشهر عبر اللّاسلكيّ خلال عملية بيت المقدس.
يبيّن الحاج قاسم سليماني خواصّ ومميّزات الشّهيد أحمد كاظمي في ذكرى أربعينيّته في حوارٍ مشتركٍ مع الجنرال رشيد. يقول الحاج قاسم في هذا الحوار عن إدارة الشّهيد كاظمي ما يلي:
كان أحمد فطِناً ومدبّراً
كانت الفِطنة من سمات أحمد، أيّ أنّه في المعنى الحقيقي كان مدبّراً. لم ينتظر حتى يتمّ إخباره في المعسكر عن خطّ جيشه. عند مناقشة منطقة عمليّةٍ ما، كان دائماً ينظر إليها من زوايا عديدة؛ لذلك كانت موافقاته منطقيّةً، وكذلك كانت اعتراضاته منطقيّةً أيضاً.
ثانيًا، عندما أراد اختيار خطّ الحدود، كان لمعارضته أو موافقته في العمليّة تأثيرٌ على كيفيّة عمل فرقة النّجف الثامنة. على سبيل المثال، أنظروا إلى جميع الخطوط الحدوديّة التي اتّخذتها فرقة النّجف. أصرّ أحمد على أنّ النّصر والهزيمة لن يكونا على عاتق أحد.
في الواقع، اعتمدت فرقة النّجف وأحمد بدرجة أقلّ على فصائليهما الموجودة على أطراف المحاور الّتي يعملون فيها. كان دائماً يختار أن يكون هذا الفصيل طبيعيّاً أو أنّه يختاره بطريقةٍ تؤثّر على العمليّة بأكملها؛ مثل عمليّة والفجر 4. في هذه العمليّة، توقّف حسين خرازي تحت مرتفعات صخرة المعادن. توقّفت عند قمّة بنجوين، وتوقّف الحاج همّت على مرتفعات خلوذة، كما توقّف باكري على مرتفعات كنكرك، وعندما أتى إلى عمله، جرّد «خلوذة» و«بنجوين» من مميّزاتهما وسيطر عليهما. كان هدف أحمد هو الحصول على مرتفعات لورستان. كانت عمليّة أحمد عمليةً صعبةً. في عمليّة والفجر 4، كان الضّغط على أحمد أكبر من الضّغط علينا جميعاً؛ لأنّه أراد أن يأتي عبر حقل الألغام من سهل شيلر؛ كان الجناح مفتوحاً للوصول إلى لورستان، وكانت قمّة واحدة؛ لكنّه اختار أن يأخذ النّقطة، ويحرّر المنطقة بأكملها، وقد قام بذلك.
في الحقيقة، خلال عمليّة «الفتح المبين»، لم يكن أحدٌ في الجناح الأماميّ لأحمد، فقد جاء من زليجان إلى وسط جبل المشداغ وخرج إلى منطقة «الرّقابيّة». كان هذا الجانب أيضاً مرتضى قرباني، ورؤوفي كقائد فرقة وليعصر السّابعة، ومتوسليان، وكنت أنا في هذا الجانب، وكان خرّازي أيضاً. وصل إلى الخطّ الحدوديّ بيني وبين خرازي وأسقط الجميع بما فعله.
وتجدر الإشارة إلى مناورة أحمد في عمليّة بيت المقدس حين سار بمحاذاة نهر الخين والتفّ حول العدوّ. حتّى في المرحلة الأولى، كان التّكتيك الّذي اعتمده حين جاء من أعالي «دار خوئين» وقصم ظهر العدوّ مهمّاً جدّاً.
كان أحمد مميّزاً في التّخطيط والقيادة
في عمليّة كربلاء 5، جاء إليّ أنا ومرتضى قرباني برفقة حسين خرازي وزاهدي. ذهب في اليوم الأوّل إلى الغرب من قناة الصّيد ونظر إلى الجبهة، كان يبدو مستاءً، وشعرتُ أنّه يعتقد بعدم وجود أحدٍ يعتمد عليه للقيام بهذا العمل. لم يقل لنا كلّا على الرّغم من إصراري أنا ومرتضى هناك، لأنّنا كنّا في ساحة الحرب، لكن اتّضح أنّ الإجابة كانت لا. جاء وأخذ هذه الزّاوية من السّيف خماسيّ الأضلاع وأسقط المنطقة الّتي أمامه بالإضافة لطريق «شلمجة».
لذلك نقول إنّ أحمد كان يتمتّع ببراعةٍ فائقةٍ في التّخطيط والقيادة. على سبيل المثال، في عمليّة رمضان، أنظروا إلى المكان الذي يهاجم فيه أحمد؛ كما أنّه يتحرّك مباشرةً إلى الطّرف الشّمالي لقناة الصّيد. هذه الحركة، تعني أنّ كلّ شيءٍ حتّى شلمجة، يصبح بدون مميّزات وعديم الفائدة. التفت الفرقة السادسة من خلفها واستطاعت كسر الصفوف الخلفية للعدو عبر تشكيلات ثلاثية. في آبادان، اختار أيضاً مكاناً مميّزاً حتّى يُفقد بقيّة المناطق دون أي ميزة.
لماذا اختار أحمد الفيّاضيّة؟
يروي مهدي كياني: كنت جالساً في فيلق آبادان، أتى مهدي وأخبرني أنّ شخصاً جاء من أصفهان ويريدني في حاجةٍ. جاء وقال: «أنا أحمد كاظمي، وقد أحضرت بعض القوّات إلى هنا، فأعطونا خطاً للدّفاع». قلت له: «تعال بعد الظّهر لنتحدّث».
جاء في فترة ما بعد الظّهر وكان هناك مكان بجوار «بهمن شير» حيث اعتاد العراقيّون المرور عبر هذه التّلال لهجوم أو العمل الاستخباراتيّ، وعرضته على أحمد وطلبت منه الذّهاب إلى هناك. غادر ثمّ عاد بعد فترةٍ وقال: «هذا ليس من شأننا، أعطني مكاناً مفيداً». في عام 1980، وليس عام 2005، قال: «أعطني مكاناً مفيداً ويمكنني استخدامه».
ذهبت إلى كلهر في الفيّاضيّة وقلت له أن يأتي إلى هنا. قال إنّ هناك مكاناً قريباً من العراقيّين يناسبه: «هذا مكانٌ جيّدٌ بالنّسبة لي». بعد ذلك جاء كلهر وقال: «أخبرنا أحمد أن نذهب إلى الجانب الآخر»، ووقف أحمد هناك للحصول على نتيجة.
هذه المسافة المحدودة بيننا وبين العراقيّين، والّتي لم تكن كبيرة، أصبحت النّقطة الهشّة للعراقيّين، وكان لها دور مهم في منع سقوط آبادان وكسر الحصار عليها. كان الأمر كما لو أنّ هذه المهارة والبراعة كانت مختبئةً باستمرارٍ في أحمد منذ اليوم الأوّل. في منطقة آبادان، يمكن رسم الخطوط في أيّ مكانٍ، ولكن لماذا اختار أحمد الفيّاضيّة؟ لأنّه كان يعلم أنّه إذا مارس الضّغط، يمكنه أن يغلق الجسر في وجه العراقيّين ويجعل الجبهة بأكملها غير فعّالة، وهذه كانت من صفات أحمد في الجبهة. الآن هناك الكثير من النّقاش حول هذا الموضوع، فكلّ هذا فيه الكثير من التّفاصيل.
أحمد هو الشّخص الّذي أحدث تغييرا كبيرا في نظام القوّة الدّفاعيّة
كانت المميّزة الأخرى بُعد نظر أحمد، والّتي أصبحت أكثر وضوحاً في نهاية الحرب وبعدها. كما ترون إدارة أحمد الآن، كانت هي نفسها تماماً أثناء الحرب. خلال الحرب، جلس السّيّد محسن ومجلس القيادة واختاروا منطقة العمليّات. لكنّ موضوع التّخطيط للعمليّة وكيفيّة استخدام المنطقة متروكٌ لأحمد وآخرين. استفاد أحمد من الإدارة وكان بعيد النّظر في هذا الأمر. أي عندما كان في سلاح الجوّ، كان يشعر أنّه في يومٍ من الأيّام سوف نواجه حتماً هذا الموقف أو ندخل في حربٍ في مكانٍ ما، بعد انتهاء الحرب العراقيّة الإيرانيّة.
عندما تذهب إلى سلاح الجوّ، ترى أنّ أحمد يعير الاهتمام لترسانة ومنظومة صواريخ حرس الثّورة الإسلامية. لا أريد التّقليل من دور السّيّد شمخاني، لكنّ الشّخص الذي أحدث تغييرا كبيرا في نظام القوّة الدّفاعيّة، كان أحمد. يعلم الأخ رشيد أنّه استغرق وقتاً طويلاً وقضى وقته ليل نهار لإنهاء مسألة صاروخ شهاب 3، وكانت تواجهه أمورٍ أخرى أيضا، على سبيل المثال كان أحمد يصرّ على إدخال نظام مروحيات جديد يحقق خرقا في الجمود الّذي كان سائدًا في ذلك الوقت. أصرّ على تصميم طائرةٍ قصيرة المدى تستطيع التحليق على ارتفاعٍ منخفض؛ وتكون فعّالة لدعم الجبهة؛ أي أنّه كان يملك بصيرةً وبُعد نظر منذ ذلك الوقت.
لطالما كنت أقول: كم تعمل يا أحمد؟
تمتّع أحمد بميزةٍ أخرى هي استغلال الفرصة في البُعد التّكتيكي وفي البُعد الاستراتيجيّ. في البعد التّكتيكي، عندما كان يضرب العدوّ، لم يكن ليتوقّف إلّا عند اللّحظة الّتي كان يحصل فيها على نتيجة. انظروا إلى جميع عمليّاته، تستطيعون رؤية هذا الأمر؛ لم يُجبَر يوماً على التوقّف عن القصف. أينما كان المسار مفتوحاً، كان يواصل ضغطه للوصول إلى النّقطة الّتي كانت الهدف من عمله. هكذا كانت كلّ عمليّاته. قد لا تعرفون، على سبيل المثال، أنّه توقّف تحت مرتفعات لورستان، وفي المرحلة الثّانية ذهب إلى الوسط، ثمّ قام بالتفافٍ وسيطر على لورستان وأنهى العمليّة التي كانت تجري هناك في خطوةٍ واحدةٍ؛ أي أنّنا لم نرَ عمليّاتٍ لأحمد تقسّمت على مراحل؛ باستثناء العمليّات واسعة النّطاق الّتي تولّى فيها أحمد القيادة وكانت تُحسب له كإنجاز. كانت جميع العمليّات على هذا النّحو.
كما ترون، حتّى خلال عمليّة «بدر»، كلّما تطوّر سير العمليّة، كان يتحرّك بشكلٍ مستقيمٍ حتّى وصل إلى نهر دجلة، ثمّ عبر نهر دجلة وذهب ووقف على جانب طريق العمارة -البصرة، متجاوزاً منطقة الرّوطة بأكملها حتّى قناة السّويب.
كان يدل هذا على استغلاله للفرص في عملياته التّكتيكية والاستراتيجية. عندما وصل أحمد إلى القوّات البرّيّة، كان يضرب العدوّ بتوقيته. لطالما سألته: كم تعمل يا أحمد؟ عندما كان في القوّة الجويّة، أحسبوا فترة وجوده فيها؛ أنا لا أريد أن أقلّل من عمل الآخرين لا قدّر الله؛ لكن اجمعوا كلّ الفترات الأخرى باستثناء فترة السّيد قاليباف، سترون أنّه حقّق قفزةً. خلال تواجده في القّوة البرّيّة، كان يركض حينها كالّذي لا يملك وقتاً للوصول إلى نقطةٍ معيّنةٍ والحصول على نتيجةٍ استراتيجيّةٍ. كان أحمد فريداً حقّاً في هذه المواضع. كما أودّ أن أذكر أنّ أحمد كان يعتبر أنّ الفرص محدودةٌ من النّاحية الزّمنيّة، سواء في التّكتيك أو الإستراتيجيّات؛ كمن ليس لديه وقت؛ هذه هي الطّريقة الّتي كان ينظر بها إلى القضايا.
لقد حدّد نظاماً خاصّاً لكلّ شيء
انضباط أحمد كانت من السّمات الأخرى التي كان يتمتع بها. انظروا إلى الانضباط في قراراته بشكلٍ عام، فعندما كان أحمد في سلاح الجوّ، ترون أنّه قد حدّد نظاماً لكلّ شيء. أينما ذهبت تستطيع رؤية تنظيمه. لن تجد مكاناً فوضويّا في سلاح الجوّ. في الثّكنة الّتي كان يتواجد فيها، على الرّغم من أنّه مبنى قديمٌ ومتهالك؛ لكنّه استطاع تنظيمه وترتيبه ومنحه هيكليّة مناسبة.
ساحة التنظيم الصّباحيّة هي أفضل ساحةٍ صباحيّةٍ، وكذلك فإن المقبرة الّتي أنشأها للشّهداء هي أجمل المقابر. هذا التّنظيم كان يتكرّر في أيّ عمل يقوم به أو قاعدة يذهب إليها. كم سنة مرّت على قاعدتنا الجويّة؟ مرّت خمسون سنة، اذهبوا وانظروا، هذه أيضاً من إنجازات أحمد؛ فكانت أفضل القواعد نظرًا للإمكانات الّتي كانت آنذاك. كان خطّ أحمد كاظمي هو الأنظف خلال الحرب. كان عمله الأفضل، وطعامه كان أفضل طعام، كان يمكن رؤية الانضباط في كلّ مكان، في ترتيب الخنادق، في ترتيب الأسلحة و… أنظروا إلى مذكّرات الإمام القائد، يقول: «عندما زرتُ جيش النّجف، كانت فرقة أحمد كاظمي هي الفرقة الأولى الّتي كانت قد جهّزت قائمةً خاصّةً بالدّبّابات». كان لديه خطّة للجميع ولكلّ شيء، وكان هناك انضباطٌ خاصٌّ في جميع أعماله؛ ليس لأنّه كان لديه تأديبٌ صارم، كلا؛ كان كلّ شيء في مكانه، وما كان يفعله هو الشّيء الصّحيح الّذي ينبغي فعله.
كان أحمد يقلّب أماكن الجميع!
بعد الحرب، ظهرت سِمتان لأحمد، برأيي طوّرتا العديد من الصّفات الرّوحيّة لديه. كانت إحداهما أدب أحمد والأخرى كتمانُه للسّرّ. نادراً ما رأيت هذه الصفات تجتمع في شخصٍ واحد. من الصّعب على قائدٍ عسكريٍّ أن يكون له مثل هذه الشّخصيّة، والقول إنّ أحمد كان خلاصةً عن الإمام، قولٌ صحيحٌ حقّاً.
راقبوا، عندما كان حسين خرازي يرتدي قميصه فوق بنطاله، فإنّ 99٪ من لواء الإمام الحسين (ع) كانوا يلبسون قمصانهم فوق سراويلهم. كما قاموا بتقليد نبرة صوت حسين، وذكر حسين، وطريقة مشي حسين؛ أحمد كان كذلك أيضاً. كانوا يقلّدونهم فعلاً. لقد كانوا حقّاً قدوةً ومثالاً يُحتذى به وكان لديهم الكثير من التّأثير على الآخرين.
كان أدب أحمد رائعاً، وأعتقد أنّ أدبه كان مفتاح كلّ شيءٍ وجعل الكثير من الأمور تبدو أفضل. مثالٌ على تواضع أحمد كان في الاحتفالات المختلفة؛ على سبيل المثال، خلال أسبوع الحرب، عندما يتمّ دعوة القادة أو في يومٍ من الأيّام يتمّ دعوة هيئة الأركان العامّة إلى اجتماعٍ، يكون ترتيب المقاعد متناسباً مع الرّتبة والدّرجة والموقع، ولكلّ فردٍ مكانٌ محدّدٌ. كان من أسباب رفضي حضور بعض الاحتفالات هو أخلاق أحمد وتواضعه الكبير؛ كانت معركةٌ في المقرّ؛ كان أحمد يقلّب أماكن الجميع ويبدّلهم حتّى يظل واقفا هو في النّهاية، ولا يمكن أن تجري الأمور خلاف ذلك. إذا أردنا الذّهاب في رحلةٍ ما بثلاثة سيّارات على سبيل المثال، كان يستقل السيارة الخلفية ويتوقف لفترات طويلة بحيث تكون كل السيارات أمامه. حتّى في زحمة السّير، كان أدبه مميّزاً. فتّشوا بين أصدقاء أحمد، لن تجدوا أحداً يذكر أنّ أحمد قال سوءاً في أحدٍ أو اغتاب شخصاً في يومٍ من الأيّام. إذا اعترض أحدٌ، يقول شيئاً مقتضباً ولا يلتفت إلى الموضوع كثيراً. كان يفضّل الجميع على نفسه. طبعاً من الممكن أن يكون أحدهم قد رأى أحمد كاظمي في الحرب ولم يكن على معرفةٍ به ويقول إنّ أحمد شخصٌ عنيدٌ؛ لكنّه لم يكن كذلك وهذا الحكم غير صحيح.
كم شخص يعرف أنّ أحمد كان مؤسّس جيش النّجف الأشرف؟!
وأمّا كتمانُه للسّرّ؛ كم شخص منّا يعرف أنّ أحمد كان مؤسّس لواء النّجف الأشرف، في حين كنا نتساءل عن مؤسس هذا اللواء. قالوا يشيرون إلى أحمد كاظمي ولا يعرفونه، كم شخص كان يُدرك ما يُدركه أحمد؟ كم شخص منّا يعرف أنّ أحمد تخلّى عن كلّ رفاهيةٍ يمكنه الحصول عليها من أجل الدّفاع عن الولاية؟ كم شخص منّا يعرف هذا؟ كم مرّة قيل هذا؟
لم يأتِ مرّةً ليقول إنّني مُصاب
حتّى يوم استشهاد أحمد، لم نكن نعلم أنّه كان مصاب بجروح كثيرة. والله، لم يقل أحمد يوماً أنّ هذه الشّظيّة أصابت رأسي، أو أصابتني في وجهي، ولم يأتِ مرّةً ليقول إنّني مُصاب. كنتُ أنا أقرب النّاس إلى أحمد، ولم أكن أعلم أنّه مُصاب إلى هذا الحدّ، ولم يقُل شيئاً قط! يشهد الله أنّه لم يتكلّم قطّ. كان لأحمد العديد من الصّفات، ودائماً ما كان يتحدّث عن الانقطاع عن الدّنيا! كان رجلاً غريباً حقّاً. أي كلّما ابتعد المرء عنه كلّما شعر أن يبتعد عن القمة التي كان أحمد موجود فيها. لقد كان حقّاً كقمّة الجبال. كان مختلفاً، وتميّز بفضائل كثيرةٍ، ولهذا السّبب أقول إنّ أحمد كان حقّاً خلاصةً لشخصيّة الإمام الخمينيّ(قدس سره) في أبعادٍ مختلفة.
لقد لعب أحمد دوراً حقيقيّاً في جميع العمليّات، ممّا كان له أثراً إيجابيّاً على جميع المحاور الأخرى، وهي نعمةٌ من الله تشمل البعض.
هذان الشّخصان كانا المحررين لخرمشهر
على أيّ حال، فإنّ عمليّة بيت المقدس وتحرير خرمشهر سيبقى مخلّدة في أذهان النّاس إلى الأبد. قد تُنسى عمليّة الفتح المبين، وكسر حصار آبادان، ومعركة الفاو، وحتّى عمليّة والفجر 10؛ لكن لا ينبغي نسيان خرمشهر. أمّا كيف حدث أنّنا لم نجرِ القرعة بين هؤلاء العشرين من قادة الفرقة؛ لكن في نهاية المطاف، سًلّمت قيادة العملية لحسين وأحمد. بمعنى آخر، فإن الله قد أعطى مفتاح تحرير هذه المدينة لأحمد وحسين، وكان هذان الشّخصان المحررين لخرمشهر؛ أي أن قائدين من قادة الفرقة تسلّما عملية تحرير خرمشهر، وهذين القائدين كانا حسين وأحمد. وكانت خرمشهر المدينة التي قُدّر أن يذهب لها هذين القائدين وتبقى في قلبهما للأبد. لم يتحدّث حسين شيئاً عن عملية التحرير طالما كان على قيد الحياة، وكذلك فعل أحمد، لم يقل شيئاً أيضاً. لم نسمع أبداً من الآخرين، ولم يتحدث هو نفسه شيئاً؛ بأن يقول كنتُ في خرمشهر وفعلتُ كذا وكذا! مطلقا!
ماذا حصل في سريلانكا؟
يقول محمّد باقري أنّه كان ضمن وفدٍ في سريلانكا عام 1991 ضمّ أحمد أيضاً. يقول محمّد، الّذي كان على رأس الوفد: «لقد عرّفته على قادة ومسؤولي سريلانكا وقلت لهم: أحمد هذا هو مُحرّر خرمشهر». فقال حينها: «دعك من هذا الأمر». ولاحقًا خلال الأيّام الأربعة أو الخمسة المقبلة، تجمعت جميع البعثات حول أحمد، وكان أحمد ذلك القائد القويّ بالنّسبة لهم، فهو محرّر خرمشهر، وكانوا يهتمون لكل ما يقوله ويكتبونه على الفور.
هل تعتقدون أنّه يمكننا العثور على شخصية مثل أحمد كلّ 200 عام؟ يبدو أن الأمر صعبا إن ظننا أنّ جامعاتنا وكليّاتنا يمكنها تخريج أشخاص كأحمد كل فترة، كلّا! كان أحمد عُصارة شخصٍ يأتي كلّ بضعة قرون. لقد جاء وحقّق مثل هذا الإنجاز، ثمّ انتهى الأمر وغادر.
كم تبلغ قيمة الصّواريخ؟
يقول الجنرال الشّهيد حسن طهراني مُقَدّم: «في إحدى العمليّات ضدّ المنافقين، كان من المفترض أن نستهدف منطقةً بالصّواريخ. كنت قد جهّزت الصّواريخ وزوّدتها بنظام التوجيه، وكانت من تلك الصّواريخ الحديثة. فجاءني نداء من داخل العراق: هل أنت مُستعدٌّ يا مُقَدّم؟
قلت: أجل.
قال: كم تبلغ قيمة الصّواريخ؟
قلت: وهل تريد أن تشتري؟
قال: قُل، كم تستحقّ؟
قلت: ستة آلاف دولارٍ مثلاً.
قال: لا ترمِ، فَهُم لا يستحقّون قيمتها!»
من المُستبعد جدّاً أن تحضر قائداً في منتصف عمليّةٍ ويتصرّف بهذا القدر من الحذر والحكمة. أيّ شخصٍ عندما ينهي عملاً ما يحبّ أن يطلق رصاصة الأخيرة بنفسه كي يلتقط الصّور مع هذا النّجاح؛ لكنّ الجنرال كاظمي كان يهتمّ لرضا الله ويهتم لشؤون بيت المال فقط في عمله. هل تعلمون لماذا؟ لأنّ قدوته كان أمير المؤمنين (ع)؛ فعندما كان يريد القضاء على العدوّ، كان يتريّث قليلاً، لكي يتخلّى عن هوى نفسه، ثم يقوم بعد ذلك بالقضاء على عدوّه قربةً إلى الله تعالى ولنيل رضاه.
كان أحمد كاظمي البطل المجهول لزلزال بم
في السّاعات الأولى لزلزال بم، فشل النّظام الإداريّ والخدماتيّ في محافظتي بم وكرمان بالكامل. ولم تبدأ الإدارات عملها إلا بعد مرور 24 ساعة.
لم يكن الحاج أحمد الرّجل الوحيد الذي شارك خلال سنوات المقاومة والجهاد ضدّ العدوّ البعثيّ. في نفس اليوم الذي وقع فيه الزّلزال، شح÷ جميع الإمكانات الجوّيّة الموجودة لدى سلاح الجوّ التّابع لحرس الثّورة الإسلامية من طائراتٍ ومروحيّاتٍ، إلى المنطقة وتمركز هناك. من خلال تكتيكه، کان تحلق طائرةٌ أو مروحيّةٌ کل اثنتي عشرة دقيقة من أجل نقلّ الجرحى، ممّا ساعد في إخراج أكثر من 30 ألف مصابٍ من بم عبر أكثر من 600 طلعةٍ جوّيّةٍ ونقلهم إلى المستشفيات في مدنٍ أخرى، الأمر الذي ساهم فی إنقاذ آلاف الأرواح. كما شارك شخصيّاُ في عمليّات إنقاذ النّاس من تحت الأنقاض فیما کانت عینیه تفیض بالدّموع.
يقول السّيّد محسن رضائي: «عندما وصلت إليه في اليوم الثّاني لزلزال بم، كان بجانب المدرج في لاندكروزر حيث کان یتابع عملیات الإنقاذ عبر اللّاسلكيّ، فکان يتحدّث إلى الطّيّارين وطواقم الطّيران من جهةٍ وعمّال الإنقاذ على المدرج من جهةٍ أخرى. وكان وجهه المتعب يشير إلى أرقه وقلّة نومه. نمت في اللّيل لبضع ساعاتٍ في إحدى الخيام المجاورة للمدرج، وعندما استيقظت قبل صلاة الصّبح، نظرت إلى المدرج ورأيت أحمد وکان لا يزال يعمل.»
استسلم أحمد للنوم بعد مرور أكثر من مئة ساعة من العمل ولم يحدث هذا إلّا لأنه فقد وعيه.