كان شفيع زادة «حسَناً» بكلّ معنى الكلمة
كل شهيدٍ مثل باكري، همّت، حسن باقري، شفيع زادة، ياغتشيان وتجلّايي هو كافٍ لأمّة، فَهُم القمم الّتي تحقّقت في نطاقها الخُضرَة وأحدثت تغييراتٍ كبيرةً في المجتمع.
اكتشف حسن باقري العديد من القادة والمؤسّسين في تاريخ الدّفاع المقدّس، ومنهم حسن شفيع زادة مؤسّس مدفعيّة حرس الثّورة الإسلامية الإيرانيّة[1]، باكري، همّت، متوسليان، تجلّايي وغيرهم، والّذين كان لهم تأثيراً كبيراً خلال الحرب حتّى أصبحوا أكثر الأبطال ديمومةً وقد أظهروا ذلك لكلّ العالم. كان حسن شفيع زادة، بطل أذربيجان، أحد قادة فرقة عاشوراء، والّذي كان، من خلال تأسيس مدفعيّة الحرس الثّوريّ الإيرانيّ مع تلك المنظّمات وتأثيره غير المسبوق في الدّفاع المقدّس، رجلاً ذكيّاً بارزاً بالمعنى الحقيقيّ لكلمة «حسن».[2]
«شفيع زادة» و«طهراني مقدّم» هما أبابيل الثّورة
في الثّقافة الإسلاميّة، «أبابيل» هي رمزٌ لحمَلةِ نار الغضب الإلهيّ على أولئك الّذين يدّعون أنّهم في حربٍ مع الله. كانت هناك طيورٌ صغيرةٌ مثل «السّنونو» تقذف حجارةً صغيرةً على راكبي الفِيَلة مع «أبرهة». الحجارة الّتي ورد ذكرها في القرآن تُسمّى «سِجّيل».
يُمكن تسمية «حسن شفيع زادة» و«حسن طهراني مقدّم» بأبابيل الثّورة الإسلاميّة، وهما شابّان كان يُنظر إليهما على أنّهما أصغر من طيور السّنونو في مواجهة الشّيطان، لكنّ مساعيهما السّماويّة سحقت جيوش الكفر والشّرك.
مع بدء الحرب المفروضة وحصار آبادان، اندفع الجنرال «حسن شفيع زادة» إلى الجبهات الجنوبيّة بمجموعةٍ من قذائف الهاون الّتي كانت تحت مسؤوليّة الشّهيد باكري، ووصل مع عددٍ من المقاتلين الآخرين إلى جبهة آبادان بعد عدّة أيّامٍ من الصّعوبات، واستقرّوا في المحطّة السّابعة. بعد ذلك، حين أصدر الإمام الخميني قراره لكسر حصار آبادان، لعب دوره التّاريخي في كسر هذا الحصار وصدّ البعثيّين الغُزاة والمحتلّين. بعد عمليّة «طريق القدس»، شغَل الشَهيد شفيع زادة منصب رئيس أركان لواء كربلاء ولعب دوراً رئيسيّاً في تشكيله وتماسكه وقيادته.
إطلاق قيادة المدفعيّة في الحرس الثّوري الإيرانيّ
بعد عمليّة «الفتح المبين»، ومع الخبرة الّتي اكتسبها، أدرك أنّه مع توسّع التّنظيم الشّعبيّ القتاليّ، ومن أجل تنفيذ عمليّاتٍ واسعةِ النّطاق، هناك حاجة إلى منظّمةِ دعمٍ ناريٍّ تُسمَى «المدفعيّة». أثناء قيامه بالقصف المدفعيّ الأوّل وتنظيمه، تولّى مسؤوليّة تنسيق الدّعم النّاريّ في قاعدة فتح خلال عمليّة «بيت المقدس» بموافقة عددٍ من القادة، وقد فعل ذلك بشكلٍ جيّد. كان يقدّم دائماً خططاً طويلة المدى بفضل مبادرته وإبداعه وبُعد نظره، مع التّأكيد أيضاً على مسألة تدريب القوّات.
لاحقاً، بجهوده الدّؤوبة ليلاً ونهاراً، سُرعان ما نظّم الغنائم على شكل مدفعيّةٍ عسكريّةٍ وكتائبَ مدفعيّةٍ مستقلّة، وفي عمليّة «رمضان»، استخدم الغالبيّة العُظمى من المدفعيّة ضدّ العدوّ البعثيّ.
مساعدة سوريا وحافظ الأسد لإيران
في تمّوز 1984، تلقّى محسن رفيق دوست، وزير الحرس الثّوريّ الإسلاميّ آنذاك، دعوةً رسميّةً من سوريا وليبيا. كانت نتيجة تواجد وزير الحرس الثّوريّ الإيرانيّ في سوريا وليبيا، تليها زيارة الرّئيس آنذاك -الإمام آية الله الخامنئي- إلى تلك الدّول، حصول إيران على هذا السّلاح الفعّال والاستراتيجيّ – وهو الصّاروخ. وعقب هذه اللّقاءات والمحادثات، تعهّد الرّئيس السّوريّ الرّاحل حافظ الأسد بتدريب عددٍ من القوّات الإيرانيّة لاستخدام عددٍ من الصّواريخ، ووعد الرّئيس اللّيبيّ بالتّعاون لإيصال عددٍ محدودٍ من صواريخ «سكوديت» مع معدّاتها إلى الجمهورية الإسلاميّة في إيران.
بعد المفاوضات ودون أيّ تأخير، أصبح تشكيل وحدةٍ صاروخيّةٍ في قلب مدفعيّة الحرس الثّوريّ أمراً أساسيّاً. فغادر 13 جنديّاً من ذوي الخبرة في مجال المدفعيّة، إلى جانب عددٍ من المترجمين، إلى سوريا لتلقّي التّدريب على الصّواريخ. كان السّوريّون يعرضون على القوّات الإيرانيّة برنامجاً مدّته ستّة أشهر لتدريبها على استخدام الصّواريخ. وكان قائد مدفعيّة الحرس الثّوريّ الإيرانيّ -حسن طهراني مقدّم- مسؤولاً عن القوّات الإيرانيّة في هذه المهمّة. كان حسن شفيع زاده القوّة الأولى الّتي رافقته في هذه المهمّة ووعدت بالتّعاون. كما كان يدرك أهمّيّة مطابقة النّيران في الحرب، ومنذ الأيّام الأولى لوجوده على جبهة آبادان، استخدم غنائم قذائف الهاون ضدّ مواقع العدوّ. سُرعان ما وقَع القائد الجديد للدّعم النّاري في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ في حبّ قوّة وسلطة حسن شفيع زادة؛ كلاهما كان لديه أفكاراً كبيرةً لمعاقبة البعثيّين المُعتدين.
إنشاء مركز تدريب مدفعيّة الحرس الثّوريّ الإيرانيّ
في 20 نيسان 1982، قدّم رحيم صفوي عبر قرارٍ لقادة معسكرات القدس والنّصر والفجر والمنطقة الثّامنة، في ملعب الجولف بالأهواز، حسن مقدّم باعتباره الشّخص المسؤول عن إطلاق نيران المدفعيّة والهاون في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ. عندما قرأ القرار، كان حسن شفيع زادة أوّل من تذكّر اسمه للتّعاون. في وقتٍ لاحق، تمّ افتتاح مركز حفظ وصيانة المدفعيّة في الأهواز، كما تمّ إنشاء مركز تدريب المدفعيّة في أصفهان من قِبل حسن شفيع زادة ويعقوب زهدي.
كانت مدفعيّة الحرس الثّوريّ الإيرانيّ تتطوّر يوماً بعد يوم وأظهرت نفسها أكثر فأكثر في الحرب. لم يعد من الممكن تنفيذ أيّ عملية أخرى بدون دعمٍ مدفعيٍّ. لعبت المدفعيّة، وهي واحدةٌ من أكثر وحدات الحرس الثّوريّ فعاليةً وأهمّيةً، دوراً في الحرب وكان لديها ما تقوله فيها. حصل شفيع زادة خلال عمليّاتٍ مختلفةٍ على المزيد من غنائم المدفعيّة لتشكيل مجموعات مدفعيّةٍ جديدةٍ بعدّة كتائب.
شكّلت هذه المجموعات سلاحاً قويّاً لقيادة القوّات المقاتلة. ففي معارك خيبر، والفجر 8، كربلاء 1، كربلاء 5، وكربلاء 4 الّتي كان للحرس الثّوريّ مسؤوليّتها العمليّاتيّة بشكلٍ مستقلٍّ، تمّ تقديم الدّعم النّاريّ لكامل منطقة العمليّات تحت قيادته. كانت ذروة دورها خلال عمليّة «و الفجر 8»، فالنّيران الكبيرة والمركّزة الّتي أطلقتها على العدوّ بتفوّقٍ كاملٍ، ووفقاً للقادة العراقيّين الأسرى، لم يكن قد رأى أحدٌ مثلها خلال الحرب، لأنّ أغلب وحدات العدوّ كانت تُدَمَّر قبل أن تصل إلى خطّ المواجهة وتشتبك مع جنود الإسلام.
كانت قذيفة الهاون سلاحاً مهمّاً للحرس الثّوريّ
يصف اللّواء السّيّد يحيى رحيم صفوي بداية الحرب والوضع غير المؤاتي لمنشآت الدّفاع التّابعة للحرس الثّوريّ الإيرانيّ، على النّحو التّالي:
كان الوضع في بداية الحرب محرجاً للغاية. سقطت خرمشهر، وكانت آبادان تحت الحصار بــ 270 درجة، وأغلقت جميع الطّرق المؤدّية إلى آبادان تقريباً، ووصل العراقيّون إلى ما وراء حدود الأهواز، وكانت المدفعيّة العراقيّة تضرب مدينة الأهواز بأكملها، وكان الجميع قلقاً من سقوط الأهواز أيضًا.
في ذلك الوقت، لم يقدّم لنا بني صدر، الّذي لم يكن يثق بقوّات التّعبئة والجيش، الذّخيرة وما كنّا نحتاجه للحرب.
في هذه الأجواء، أمر الإمام الخمينيّ بكسر حصار آبادان. توجّه مهدي باكري وحسن شفيع زادة إلى آبادان ومعهم قذيفة هاون عيار 120. جاء الرّجلان إلى منطقة الجولف. في تلك الظروف، كانت تُعتبر قذيفة هاون عيار 120 سلاحاً مهمّاً للغاية للحرس الثّوريّ الإيرانيّ، وكان على كبار قادة الحرس الثّوريّ أن يقرّروا مكان نشرها. انطلق الرّجال الثّلاثون إلى آبادان وكان مهدي باكري قائدهم وحسن شفيع زادة حارس الهاون، بحسب رؤية وأوامر قيادة العمليّات الجنوبيّة.
«كان السّيد مهدي باكري قائد هذه الوحدة وكان شفيع زادة هو حارسها. كانت حصّتهم ثلاث قذائف هاون في اليوم! ونظراً لقلّة الإمكانات والتّجهيزات، فقد وقفوا بشجاعةٍ حتّى عملية (ثامن الأئمّة) في 26 تشرين الأوّل 1981، عندما تم كسر حصار آبادان.»
من الحصّة اليوميّة لقذائف الهاون إلى 700 مدفع!
يقول العميد الرّكن يعقوب زهدي رفيق الشّهيد شفيع زادة عن عمليّة كربلاء 5:
«خلال عمليّة كربلاء 5، قلت لحسن شفيع زادة: هل تتذكّر أنّه في الأيّام الأولى من حرب آبادان مع السّيد مهدي باكري، كانت حصّتكم ثلاث قذائف هاون من عيار 120 فقط يوميّاً؟ لكن الآن يوجد 700 مدفع تحت إمرتك وتطلق 600 صاروخ كاتيوشا في اليوم، هل حلمت بهذا يوماً؟ هل تصدّق هذا؟
أجابني: يا يعقوب، لقد اختار الله تلك الأيّام الّتي سبقت لاختبار جدارتنا وكفاءتنا وإظهار درجة مثابرتنا وإخلاصنا، والآن نشكر الله على جعلنا مستحقّين، وعلى كشفه لنا ركناً من قوّته في الدّفاع عن دينه ومعاقبة أعدائه.»
قضى حسن حياته كلّها في مؤخّرة شاحنة.
كان شفيع زادة هو القائد، ووفقاً لمنصبه كان يمكنه ركوب سيّاراتٍ مميّزة، لكنّه كان راضياً عن شاحنة الخُردة، فقد قضى حياته كلّها في مؤخّرة الشّاحنة. عاش، أكل، نام واستراح في نفس الشّاحنة، واستخدمها أحياناً لتسهيل نقل التّعبويّين من مكانٍ إلى آخر.
على الرّغم من عدم وجود قيودٍ على الخدمات اللّوجستيّة والدّعم، إلّا أنّه كان دائماً قنوعاً بما لديه. كان يرتدي ملابس بسيطةً وعاش حياةً بسيطةً ونصح الآخرين باستخدام أموال المسلمين بشكلٍ صحيح.
أصيبت سيّارة الشّهيد شفيع زادة بقذيفة مدفعيّةٍ معاديةٍ بتاريخ 29/5/1987 في منطقة عمليات كربلاء 10 في الشّمال الغربيّ (منطقة ماووت) أثناء توجّهها إلى خطّ المواجهة، فهرع للقاء ربّه واستشهد.
- [1] شرب حسن شفيع زادة، ابن أرض أذربيجان النّقيّة، كأس الاستشهاد قبل 28 عاماً في منطقة ماووت العراقيّة. قام هو و«حسن طهراني مقدّم» بتشكيل مدفعيّة الحرس الثّوري بنيران المدفعيّة التي غنموها من الجيش البعثيّ، وقد خلقا بهذه المدفعيّة ملاحم لا تصدّق خلال عملياتٍ مثل «و الفجر 8». بعد استشهاد شفيع زادة، رفع رفاقه، تحت لواء حسن طهراني مقدّم في العقود التّالية، أيدي الحرس الثّوريّ الإيرانيّ النّاريّة إلى آلاف الكيلومترات وأنشأوا قدرةً تاريخيّةً لإيران الإسلاميّة.
- [2] الحاج قاسم سليماني في حفل إحياء ذكرى الشّهيد باكري والشّهداء القادة لفرقة عاشوراء 31.