مواضيع

كنت أعتقد أنه مصنوع من الفولاذ

ستبقى الجبهة والحرب حاضرة في أذهان كل من عاش فيها وقاتل فيها وأنا أحتفظ بتلك الساعات من حياتي ككنزٍ ثمينٍ في ذهني. «علي جاله[1]» هو أيضًا جزء من هذا الكنز الثمين الذي ستبقى ذكرياته دائمًا في خاطري. تم اختيار علي، إلى جانب عدد من المجاهدين، للتدريب على مدفع 106 وكان يمكن القول إنّه الوحيد الذي سرعان ما أصبح ماهرًا في هذا المجال. كان من مؤسسي وحدة دعم فرقة ثار الله. لم يكن علي مکتفیا بمدفع 106 خاصته؛ بل كان يأتي دائمًا بمقبضين من نوع «آر بي جي» ليستخدمهما عند الضرورة. بفعله هذا كان يضلل العدو ويضاعف عدد القوات في نظره.

 كانت السمات الشخصية لعلي جاليه فريدة من نوعها. كان يهتم بالقوات الخاضعة تحت إمرته أكثر من اهتمامه بنفسه. لقد تصرف ووضع الخطط كقائدٍ متمرّسٍ. دائما ما تسعدني أعمال علي وأقول في نفسي أحسنت ألف مرة. لم يكن يتعب من العمل الكثير؛ کنت أعتقد أحيانًا أنه مصنوع من الفولاذ. في الحالات التي لم يكن لديه منصة أو متراساً لنشر مدفع 106 الخاصة به، فإنه إما سيجد مكانًا آخر لنشر المدفع أو يبني متراساً أو قاعدة في تلك اللحظة، بمفرده أو بمساعدة شبابٍ آخرين. ما زلت أتذكر الصوت العالي والذكوري لـ «علي جاله» الذي كان يهدر كالصاعقة في العملية، لم يكن من جنسنا.

عندما سمعت صيحة الله أكبر من الشهيد تاجيك والشهيد طياري من أعلى الخط، أدركت أن «علي جاله» قد أصاب الهدف بشكل صحيح ودمر الدبابات.[2] كان لإطلاق النار الناجح الأول تأثير کبیر على الشباب ووضع العملية. توقف الجنود العراقيون ولم يفعلوا شيئًا لبضع دقائق ثم فروا إلى منطقة خور عبد الله. هذا المشهد كان أجمل مشهد للحرب والذي للأسف ليس لدينا أي صور أو فيديوهات له. ليتكم كنتم موجودين لتشاهدوا قوة مقاتلينا عن قرب.

لقد تعرض العدو للإذلال لدرجة أن أكثر من ثلاثين دبابة كانت تطلق النار دفعة واحدة على «علي جاله» والشباب. لقد تکرر هذا المشهد الحربي مرات ومرات، وکان الشباب وبغض النظر عن شدة الخطر، یواجهون العدوٍ مدججٍ بالسلاح بکل ثقة وطمأنينة. من حيث الأخلاق والتقوى، كان من أتقى القادة الذين كانوا مقدامين في الحرب ومحاربة العدو. كما اشتهر بين الشباب المجاهدين بالإيمان والتقوى والتضحية بالنفس. بقي العديد من قوات علي معه حتى اللحظة الأخيرة، في الغالب بسبب أخلاقه الحميدة. في المنطقة وفي الجبهة وفي الحرب، كان هناك صفاءٌ وعشق ومودة، لا أحد يهتم بنفسه فقط، الجميع يهتم بأصدقائهم ورفاقهم، والجميع قاتلوا وضحوا بأرواحهم في سبيل الله. استشهد «علي جاله» على نفس النهج والطريق وحلّق في السماء.[3]


الكتيبة التي أصبحت فيما بعد لواءً، تولى الحاج علي جاله قيادة كتيبة مدفعية 106 ملم، ثم رجال مضادات الدروع. وأخيراً، بعد مشاركته في عملية عسكرية عام 1986، خلال عملية «كربلاء 5» في شلامجة، استشهد في انفجار بقذيفة هاون.

  • يا فتى هل رأيت ذلك؟! لقد أراد قتلنا

لم أكن أعرف ما الذي كان يتحدث عنه، كنت أعتقد أن الطفل كان أحد معارفه؛ لكن عندما أوضح، اكتشفنا أنه طفله حديث الولادة وأنه لم يعد إلى كرمان بسبب المشاركة في العمليات ومحاربة العدو. عندما كان يذهب إلى المتراس لإطلاق النار من مدفع عيار 106 ملم، كان يقوم بتعديل كل شيء دون خوف ثم يطلق النار.

كنت قائد الكتيبة المضادة للدبابات وكان هو نائبي. كنّا إذا ضربنا اثنتي عشرة دبابة في عملية واحدة. فإن مما لا شك فيه أن خمساً أو ستاً من هذه الدبابات كان علي جاله هو من يصيبها. اشتدت نيران العدو في ليلة عملية «كربلاء 5». كنت بحاجة لرؤية الحاج علي عن قربٍ، وفي موقف إطلاق النار هذا، قلت من خلال اللاسلكي، هل ستأتي إليّ أو آتي أنا إليك؟ قال سوف آتي. بعد فترة شعرت أن نيران العدو كانت ثقيلة للغاية وقلت في نفسي أنّه يجب الاتصال به وإخباره ألا يأتي. كان الأوان قد فات فعندما اتصلت؛ كان قد دخل إلى خندقي. وكان للحاج علي جاله دور رئيسي في إيقاف دوريات العدو.

أثناء المعركة، مع كل قذيفة تستهدف موقعنا، كان يحني ظهره ويجعل رقبته أکثر انخفاضاٌ من خصره وبعد الانفجار يتدخل بطريقة خاصة ويقول: يا فتى هل رأيت ذلك؟! لقد أراد قتلنا، وقد كان الجميع يتذكر هذه الحالة، لأنها كانت تتكرر مراتٍ عديدة.

  • [1] ولد الشهيد اللواء الحاج علي جاله في «نتيز عليا». مع بداية الحرب المفروضة، ذهب إلى ساحات معارك الحق في مواجهة الباطل وشاركت في كتائب مختلفة في قوات التعبئة ثم حرس الثورة الإسلامية. في عملية «والفجر الأولى» في عام 1982، دخلت مدفعية 106 ملم الخدمة في فرقة ثار الله 41. في ذلك الوقت، لم تكن كتيبة رعد أو لواء العتاد قد تشكلت بعد، وكان مقاتلو كتيبة المدفعية 106 ملم يعملون بشكل مستقل تحت قيادة الفرقة، إلى أن تم تشكيل كتيبة تحت اسم دعم فرقة ثار الله 41 لأول مرة قبل عملية بدر، وأصبح الحاج علي جاله من أوائل القادة والمؤسسين لهذه الوحدة العسكرية القوية.
  • [2] في ذلك الوقت، تم تشكيل قسم جديد ولم يكن به العديد من المرافق، كان الحاج «علي جاله» يجلب الكتل من ضواحي المدينة وبقية الفرق الأخرى بواسطة الشاحنة التي يملكها لبناء خنادق المعدات. لقد صنع حوالي 70 ٪ من المعدات بنفسه، وعندما لم يكن يعمل، كان يعتنى بمدفعه عيار 106 ملم فيصلحه أو يعدّله. لقد أحب حقًا البندقية 106 ملم وشجع جميع القوات على الحفاظ على المعدات. ولفترة من الوقت، كان يذهب إلى مريوان كل يوم ويتصل بكرمان داخل المدينة. كان مرتبكًا وقلقًا. كنا نعلم أنه مستاء. لكنه لم يقل شيئًا ولم يذهب إلى كرمان حتى قال ذات يوم يا فتى! أتعلم أن طفلي مات أيضًا.
  • [3] تصريحات الحاج قاسم في وصف سمات شخصية الشهيد علي جاله
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟