لقد اكتشفنا حسن باقري كلّنا
في عملية طريق القدس، كان لدي كتيبتان تعملان ضمن لواء كربلاء. لقد أصبت في تلك العملية. زارني حسن باقري[1] في المستشفى. كنت في غيبوبة ولم ألاحظ الكثير. ثم جئت إلى «الغولف». رحب بي كثيرا وقال لي أن أسّس منظمة لشباب كرمان. لكن قبل ذلك، تولّى مسؤولية عن جبهة شوش لفترةٍ. كنت مسؤولاً عن خط شوش لأقل من شهر عندما اتصل بي، ذهبت إلى «الغولف». قال نريد أن نُوكل إليك مسؤولية خطٍّ من أجل العملية، ذهبنا إلى «دال بري» وقام بإعطائنا التوجيهات فيما خص «بئر النفط». سلمني جبهتي «بئر النفط» و«دشت عباس». تم اكتشاف قادة الكتائب من قبل حسن باقري باستثناء واحد أو اثنين منهم كانوا مسؤولين على جبهات مختلفة.[2]
- لا شك أنّ الشهيد حسن باقري مخطِّط حربٍ
في وصفه قال الإمام الخامنئي: «الشهيد حسن باقري بلا شك مخطط حرب. ومن ينكر هذا المعنى فهو ليس له اطلاع، وإن كان أحد على اطلاع، سيرى أن هذا الشاب العشريني هو في الحقيقة مخطّط حربٍ. متى دخل الحرب؟ في عام 1980، هذا المسار الذي يبدأ من جندي مبتدئ إلى استراتيجي عسكري عبارة عن حركة تستمر لعشرين أو خمسة وعشرين عامًا. ولكن هذا الشاب أنجز هذه الحركة في غضون عامين فقط.»
للاطلاع على تاريخ هذه الألقاب، يمكن الرجوع إلى كلام الشهيد محمد إبراهيم همت. قال ما يلي عن حسن باقري عام 1983: «يشهد الله أن تعقله وفكره كان لا مثيل له بين قادتنا. كان الرجل يفهم شرحه لخطة المناورة من الوهلة الأولى وكان المغزى يتضح عنده بسهولة. بصرف النظر عن هذا، كان لفكره في الحرب قوة وقدرة خاصة على التّحمل. كانت إحدى سماته الخاصة أنه في صباح يوم العملية، كان يأتي إلى خط المقدمة تحت إطلاق نار كثيف وكان يقود العمليات ويتعامل بحزم. إذا أبدت أي من الوحدات تضعف، كان يقوم بمحاسبتها. يشهد الله أنني لم أر قائداً بهذه الصفات من اللطف والعظمة. ولن تعثر على أحد بعد حسن باقري بهذه الخصائص».
في عام 1975 حصل على شهادة الثانوية في الرياضيات وشارك في امتحان القبول بالجامعة. اختار اختصاص تربية المواشي في جامعة الرضائية (أورمية). لم يكن مجال تربية المواشي هو المفضل لديه ولم يناسب روحه العاصفة. واصل درسه لمدة ثلاثة فصول دراسية ثم توقف عن الدراسة في هذا المجال، تم قبوله مرة أخرى في امتحان القبول عام 1979 حيث نال رتبة 104 في مجال القانون القضائي في جامعة طهران. ذهبت إلى الجامعة؛ لكنه لم يجد ضالته هناك أيضًا. ومع اندلاع الثورة، أغلقت الجامعات. هذه المرة واصل نشاطه في صحيفة «جمهوري إسلامي». في الوقت نفسه، كانت مجموعة صغيرة في حرس الثورة الإسلامية قد تشكّلت وهي وحدة الاستخبارات، كان نشاطها الرئيسي يرتكز جمع الأخبار والمعلومات عن الجماعات السياسية. والتحق بوحدة استخبارات حرس الثورة باسم مستعار.
مرت حياة حسن باقري بفترات مختلفة قبل هذه الحقبة. في بعض الأحيان كان يقطع الطريق ليعود من منتصفه، بما في ذلك الدراسة في مجال تربية المواشي بجامعة أورمية؛ لكن الشيء المهم هو أنه يحصل على ما ينشده، فقد حصل على عدة تجارب والتي يمكن أن يستخدمها لاحقًا.
- لم يحمل حسن باقري السلاح
خلال الغزو المفاجئ للعدو في عام 1980، ذهب العديد من الناس من جميع أنحاء البلاد إلى الجبهات. وجد حسن باقري الجميع مذهولين في الجنوب. كان المسؤولون مرتبكين والناس خائفين من التفجيرات المتتالية، كانوا يفكرون في طريقة للاختباء أو الهروب من المدينة في حين أن الجيش نشر بضع وحدات على الحدود، وفي مقابل هذا كان الجيش العراقي يتقدم بـ 12 فرقة. وقد انتشرت شائعات كثيرة في الأهواز. لم يكن أي من المسؤولين يعرف مستوى تقدم العدو.
في بعض الأحيان كانت الأوضاع في بعض المدن والنقاط الحدودية المهمة تبدو ضبابية، ثم تأتي الأخبار الجديدة بأنها في أيدي القوات المحلية وأن بعض الأشخاص فيها مازالوا يقاومون. وقد أربكت الأخبار المتناقضة المسؤولين العسكريين والمدينة بأكملها.
حسن باقري خلافا لكثير من المقاتلين الذين كانت لهم أسماء مشهورة أيضاً، لم يحمل السلاح ولم يندفع لمواجهة دبابات العدو. اختار طريقًا آخر، وكان هذا المسار المختلف والاستثنائي بداية لمسار مختلف من العمليات وجمع المعلومات. واعتبر أن من الأفضل أن يتم معرفة العدو، وبهذه الطريقة فقد ساعدته الخبرات قصيرة التي جمعها من عمله في وحدة استخبارات حرس الثورة الإسلامية والصحافة وغيرها. كأن القدر قاد غلام حسين أفشردي ليصبح «حسن باقري» في الحرب.
اختار غرفة للاستخبارات العسكرية. قام بلصق خرائط المنطقة المحيطة على الجدار ووضع آخر أخبار المعركة على الخريطة. قام برفقة العديد من الأشخاص الذين التحقوا به بالذهاب إلى محاور تقدّم العدو عبر الدراجات النارية وبعض الآليات التي كانت بحوزتهم من أجل جمع المعلومات. تم التواصل على الفور مع مختلف المراكز في محافظتي خوزستان وطهران لتبادل المعلومات. بعد أقل من أسبوع من بدء الحرب، كانت هذه الغرفة قد أصبحت أهم مصدر للمعلومات. كان يمكنهم أن يعرفوا مواقع العدو، وعديد القوات لديه، وما هو غرضه، ومن أجل ماذا أتى، وإلى أي مدى يريد أن يتقدّم، و… نفس الأشياء التي تعلمها خلال الفترة القصيرة التي عمل فيها في الصحافة. كان الأمر كما لو أن جميع التجارب السابقة (التي بدت مبعثرة وغير ذات صلة) قد تم حفظها لمثل هذه الأيام.
- شابٌّ فوق كرسي يلصق خريطة على الجدار
«محمد جعفر اسدي» كان من نخبة القادة خلال فترة الدفاع المقدس، وكان هذا ما نقله خلال تلك الأيام من أيام الدفاع المقدس: أتينا إلى «الغولف»، كانت الأيام الأولى للحرب، رأيت شابّاً فوق كرسي يلصق خريطة على الجدار. قلت لنفسي إن ماذا يظنون، لقد جاؤوا إلى الحرب، حرب الرصاص والبنادق! حتى ذلك الحين، كان ظهره لنا، عندما التفت، رأيت شابًا لم يكن لحيته قد اكتملت بعد. تحدثت إليه وقال لي أعطني تقريرًا كل يوم ويجب أن نكون على دراية بتفاصيل جبهة الفارسيات.
في غضون ذلك، وقعت عيناه على ورقة كتب فيها: 20٪ من المعلومات + 80٪ من العمليات = 100٪ انتصار. اقتلع الورقة من على الزجاج وقال: هذه المعادلة خاطئة. المعلومات والعمليات هما عملين منفصلين وأنا أعطي نسبة 100% لنصيب المعلومات من أي انتصار يتحقق. مع الأدلّة التي قدّمها، تعجبت كم أنه شخص واعٍ. ثم يقوم بتسجيل جميع المعلومات التي كنّا نقدمها على الخريطة ويضع أيدينا في أيدي أبناء مركز خراسان، كانوا أمام مصنع الدرفلة، وكنا في الفارسيات، وكان كل منا يعتقد أن الآخر كان عراقيًا، ثم أدركنا أن حسن باقري كان يرى كل شيء من تلك الغرفة، بينما لم نره في ساحة المعركة أو على الأرض.
بعد ثلاثة أشهر فقط من الحرب، انتشرت قوات العمليات الاستخباراتية على جميع المحاور الجنوبية من عبادان إلى دزفول، وكانت تبلغ عن أدنى حركة للعدو؛ بحيث كان لدى المقر الجنوبي للغولف معلومات كاملة عن العدو وتم تحديد جميع طرق الإمداد ومقار القيادة وخطوط العدو بشكل كامل.
- صرختُ: الركن 2 و20 دقيقة
يشير الشهيد داود كريمي إلى حدث تاريخي في هذا الصدد عندما قال الإمام(قدس سره): أريد سوسنجرد (الخفاجية). رأيت أن الجميع كان يبحث عنها للذهاب إلى غرفة الحرب. لقد اعتمدت كثيرًا على معلوماته وملكاته الذهنية لدرجة أنني لم آخذ معي سوى 7 إلى 8 أشخاص. حتى أنني لم آخذ المسؤولين الرئيسيين عن العملية. ذهبت أنا وحسن باقري إلى غرفة قيادة الحرب. كان الجميع جالسين هناك. وكان السيد الخامنئي حاضرًا أيضًا. جلست بجانبه. وكان الشهيد شمران والسيد مغرضى وتبسيار فلاحى وظهير نجاد والعقيد قاسمى وجميع القادة مجتمعين هناك. كان السيد ظهير نجاد يمشي في منتصف الغرفة لمدة 10 دقائق وهو يفكر. كنا جميعًا ننتظر قراره. فجأةً صرخ بصوتٍ عالٍ: الركن 2! دخل علينا عقيد وقدم تحيته العسكرية. قال: اذهب إلى الخريطة، أخبرنا بحالة العدو. ذهب وكان أكثر كلامه عم هذا الجانب (جبهتنا). ومهما قال السيد ظهير نجاد، تقدّم نحو الأمام (أي تكلم حول أوضاع الخطوط الأمامية وقوات العدو)، لم يكن يتقدّم!. أخيرًا، غضب السيد ظهير نجاد وقال: اذهب واجلس، في هذه اللحظة صرخت: الرکن 2 و20 دقيقة! حسن باقری.
قال: نعم يا حاج. قلت قم إلى الخريطة. قام الشاب البالغ من العمر 20 إلى 22 عامًا إلى الخريطة. مع الأجواء التي كانت سائدة في ذلك الاجتماع (حيث كان جميع القادة العسكريين في البلاد، ممثل الإمام(قدس سره)، الشهيد شمران،… إلخ)، يجب على الشخص في هذا العمر الاعتماد على نفسه ومعنوياته والاعتماد على موارده الذهنية والاستخباراتية. شرح المحاور واحداً تلو الآخر، وسرعان ما انتقل من الحديث عن قواتنا إلى الحديث عن العراقيين، وتكلّم حول الحلول، ومتى وأين يمكن القيام بمختلف الأعمال. شرح كل ذلك بشكلٍ جيدٍ، تغير جو الاجتماع تماما. كان عليكم أن تروا السعادة التي ظهرت المسؤولين. أعطى حسن كل التفسيرات والمعلومات، والتي من خلالها تقرّر أن تبدأ العملية.
- تغيير استراتيجية الحرب من محورية المعدّات إلى محورية الإيمان
في الثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير)، بعد ثلاثة أيام من رسالة الإمام، تمت دعوة الإمام الخامنئي لـ«الغولف». كما حضر المجلس الأعلى للدفاع: السادة رضائي ورفيق دوست والحاج عبد الله محمود زاده وإبراهيم سنجقي. كانت «جلسة الغولف» تلك حاسمة للغاية بالنسبة للحرب. في ذلك الاجتماع، قدم حسن باقري تقريرًا يستند إلى الخريطة إلى الإمام الخامنئي والقادة، مؤكداً أنه وإن كان العدو قوياً. لكن يمكننا أيضًا مواجهته، ولدينا أيضًا الحل، وحلنا هو الانتقال من التفكير في محورية المعدات -والذي هو رأي بني صدر- إلى محورية الإيمان؛ لأننا مسلمون وقد وعدنا الله بالنصر في الآية 149 من سورة البقرة. ثمّ وعدنا أنّ الشخص المؤمن يساوي عشرة من الأعداء. وعند ذاك قدّم حسن باقري اقتراحا بتغيير استراتيجية الحرب بحيث يمكننا مواصلة الحرب بمقاربة الإيمان وثقافة عاشوراء والتعبئة الشعبية للتواجد في الحرب. استمر الاجتماع من الصباح حتى الظهر. لقد بذل الشهيد باقري قصارى جهده لترجمة كلام الإمام إلى حقيقة وكانت لديه الشجاعة لقول هذه الكلمات. وهو أنّه يمكن للمرء أن يهاجم نقاط ضعف العدو إذا كان يعرف العدو جيدًا. ثم بدأ في التصميم والتخطيط لعدد قليل من العمليات المحدودة.
بينما كان يجند واحدة من أقوى الوحدات العسكرية وأكثرها كفاءة في الحرب، كان الجيش الإيراني يقاتل مع جيش العدو عبر مختلف الجبهات. خطط الجيش ونفذ أربع عمليات كبرى لم تُكلّل بالنجاح. فشل هذه العمليات الأربع ترك القادة العسكريين في حالة من اليأس. في مثل هذه الأيام، اقترح حسن باقري نوعًا جديدًا من القتال: لقد منحتنا هذه الحرب العديد من الفرص الذهبية لتنمية المواهب، ويمكن لقواتنا -بحكم أبعادها الثورية وعدم خضوعهم للقوانين أجنبية- الخروج من القوالب الجاهزة، وأن يبتكروا بفكرهم البناء، أساليب لن يتمكن العدو من أن يقف في وجهها بسهولة بهذه القوات.
- إذا لم تذهب إلى خط الجبهة، فسوف أتعامل معك بطريقة أخرى
كان وجهه وبنيته النحيلة لا تدل للوهلة الأولى أن باستطاعته القيادة بشكل حاسمٍ في ساحة المعركة، لكنه أظهر أنه في القتال اتخذ أكثر القرارات صراحةً وحسمًا، والتي كانت غير متوقعة حتى بالنسبة لأولئك المقربين منه؛ يروي اللواء محمد باقري:
في المرحلة الثانية من عملية رمضان وقع حادث لإحدى الكتائب العاملة. تلك الكتيبة كانت محاصرة من قبل العدو، في معسكر النصر، كان يستمع حسن أيضًا إلى الكتيبة لاسلكيًا. لقد شعر أن إحدى الكتائب قد تقدمت كثيرًا وقد تكون محاصرة. حذر قائد وحدته. وبالفعل كانت الكتيبة محاصرة.
ابتدأ بحبٍّ قائد اللواء بالسؤال وقال: أين أنت الآن؟ فأجابه إنه كان في مقر اللواء.
قال: عليك أن تجتاز العوائق وتدخل ساحة المعركة وتنقذ هذه الكتيبة من الحصار ولن يحدث هذا حتى تذهب. هذه الكتيبة لا تعلم أنها محاصرة وإذا قلت أنهم تحت الحصار فقد يذعرون ويزيد الوضع سوءًا. رفض قائد اللواء الانصياع لهذا الأمر متحجّجاً بقوله أنّه ليس هناك حاجة لذهابه وسأعمل على تنسيق المدفعية، وكان يقول بأنه مشغول و…، كان الأمر غريباً بالنسبة لشخصٍين كانا في الحرب معاً ليلًا ونهارًا لمدة عامين على الأقل ويعرف كل منهما الآخر جيدًا. قال: إذا لم تترك موقعك الآن وتذهب إلى الخط وتنقذ هذه الكتيبة، فسوف أتعامل معك بطريقة أخرى. أنا قادم الآن إلى هناك، لا يجب أن لا أجدك في مكانك فإما تذهب إلى مكان الحصار وتستشهد مع الكتيبة أو تنقذهم منه، الكتيبة المحاصرة على جانبٍ وقائد اللواء حيٌّ يرزق في هذا الجانب، إنّ هذا الأمر غير مقبول لدي. لقد تعامل معه بطريقة شديدة جعلت وجوه من في مركز قيادة معسكر النصر شاحبةً.
- يجب أن أحاول ألا يُقتل أحدٌ من كلا الجانبين
يقول اللواء فتح الله جعفري عن صفات الشهيد حسن باقري:
طرح حسن باقري في نظريته قضية مهمة للغاية ولم يتم طرحها في أي جيش آخر. وقال «هدفنا ليس العمل على قتل العدو أو القضاء عليه، يجب أن نحاول ألا يُقتل أحدٌ من كلا الجانبين. لأن القوات العراقية مفيدة لمستقبل الثورة الإسلامية العراقية». وبالفعل في هذه الأيام، عندما نرى الأحداث في المنطقة وفي العراق، فإننا ندرك نظرة باقري المستقبلية.
الشهيد باقري كان يحاول الاستفادة من القوات العراقية التي تلجأ إلينا أو تلك التي تقع في الأسر. كان لدينا 200 عراقي في إحدى النقاط فقط من اللاجئين أو الأسرى. لقد ساعدونا في الإصلاحات والدعم، وشاركوا أيضًا في العمليات. لهذا لو استمعت إلى أحاديث الشهيد باقري، فسترى أنه كان يقول باستمرار على جهاز اللاسلكي أنه يجب أن يحرصوا على عدم مضايقة الأسرى. لماذا كان يقول هذا؟ لأن هذا ما كان يفعله، في الحرب من التهذيب الإنساني والقيام بالتكاليف الشرعية؛ لم يكن هدفه القتل. قبل العملية كان يقدم لنا قائمة بتجهيزات العدو ويخبرنا أن نكون حريصين على عدم تدمير هذه التجهيزات والمنشآت في تلك المنطقة.
كان العراقيون يقولون أن هناك ظاهرة على الجبهة الإيرانية غير معروفة لنا. تم دراسة جميع عملياتنا من قبل جامعة البكر في بغداد. أتذكر حسن باقري وهو يسألهم: من برأيكم يخطط لعملياتنا؟ وكانوا يقولون إنكم تستشيرون كوريا وسوريا وباكستان والهند،… إلخ، واعترفوا لاحقًا بأن عمليات إيران لا تتوافق مع أي جيش. ولأنهم كانوا عسكريين، كانوا يدركون أنّ هذا النوع من القتال لا يتوافق بأي حال من الأحوال مع السيناريوهات العسكرية وكان نتيجة طريقةٍ تفكيرٍ جديدة. لقد آتى فكر حسن باقري في الجبهات أُكله. كان لديه حقًا فكرٌ تخطيطي؛ يتطلب التخطيط معرفة دقيقة بالعدو والأرض والقوة الداخلية وتوازن القوى وما إلى ذلك. توازن القوى مهم جداً وكان الشهيد باقري بارعا في ذلك.
- ضمّدوا جراحكم واذهبوا مجدّداً للاستطلاع في الليل
يقول الشهيد الحاج حسين همداني عن إجراءات الاستطلاع في عملية بيت المقدس ودقة الشهيد حسن باقري:
بعد عملية فتح المبين (1982) اتصل بنا حسن باقري وقال: لديكم 48 ساعة للراحة أو السفر. بعد ذلك، يجب أن تكونوا متمركزين في مقر الطاقة الذرية بشكل سري للغاية.
قلت ما الأمر؟ وقال الشهيد باقري: «من المقرّر تنفيذ عملية أخرى أكبر من فتح المبين ولها أهداف مهمةٌ وقيمةٌ».
ذهبنا إلى هناك في الوقت المحدد، جاء حسن باقري وقال لي: «سآتي كل صباح على الساعة التاسعة وأطلب منك تقريرًا، ثم أكّد: همداني! عليك أن تضع يدك على طريق خرمشهر الإسفلتية، عندما تصل إلى الطريق، سينتهي هذا الجزء من المهمة!»
لقد كانت حقاً مهمةً صعبة. طلبنا الإمكانات اللازمة فقام بتوفيرها. كان يأتي كلّ صباحٍ وعندما كنّا نعود من الاستطلاع نراه جالسًا وينتظر مجيئنا. بمجرّد وصولنا، كان يقول: «حسنًا! ماذا فعلتم؟» ثم يأخذ تقريرنا ويدون الملاحظات ويغادر ويعود مرة أخرى في اليوم التالي. ولم يكن يقبل أية أعذار أو تقصير وكان يهدف جراء حزمه هذا تحقيق أهداف عملية بيت المقدس. في إحدى عمليات الاستطلاع، قطعنا مسافة 12 كيلومترًا تقريبًا. ذهبنا بشكل ملتوٍ، واستدرنا يميناً وشمالاً، وممرنا بعدة مواقع للعدو. لذلك جُرحت أقدام الشباب.
عندما عدنا من الاستطلاع قدمنا له التقارير اللازمة وقلنا: لقد تمّ إحصاء السيارات، كل دقيقة، يتردّد هذا العدد من السيارات وكل ليلة نتقدم بخمسمائة متر.
قال حسن باقري واصلوا العمل الليلة أيضاً. قلت إنّ أقدام الشباب أصيبت وتقرّحت.
فأحضر إبرة غرزها في أقدام الشباب وفقأ التقرحات. ثمّ قال بحزمٍ شديدٍ: «ضمّدوا جراحكم واذهبوا مجدّداً للاستطلاع في الليل». في إحدى الليالي، وضع أحد الشباب يده على الطريق ثم قبّلها. لما قصصنا هذا لحسن باقري قبلنا جميعًا وقال: «السيطرة على طريق خرمشهر الإسفلتية أمرٌ حتمي إن شاء الله».
قال هذا بينما الوحدات لم تدخل المنطقة بعد ولم يتم القيام إلا بأعمال الاستطلاع وكنا بعيدين عن العملية.
كان يقول: «وعد الله حتميّ». وعد الله بأننا سننتصر ونصل إلى طريق خرمشهر، قال ذلك بكلّ ثقة لدرجة أننا اعتقدنا أنه قد ألهم ذلك وأنّه يتحدث بلسان الغيب.
في ليلة عملية بيت المقدس، أول وحدة لنا تصل إلى طريق خرمشهر، أعلنا ذلك على اللاسلكي. في الصباح كان الجو لا يزال معتماً عندما رأيت حسن باقري يصل. جاء إلي وقال: همداني السيطرة على طريق خرمشهر أمرٌ حتمي. لقد كافئنا الله أجر جهودنا.
- [1] ولد حسن باقري (غلام حسين أفشردي) في 16 آذار (مارس) 1963 في طهران وكان بقي من 45 يومًا كي يبلغ 27 عامًا. استشهد في 30 شباط (فبراير) 1982 شمال الفكة. استطاع أن يشارك ل 28 شهرا في حرب الثماني سنوات قبل أن يستشهد؛ لكن كلما تحدث خبراء الدفاع المقدس عن ذلك الوقت، يطلقون على هذا القائد ألقاب مثل «العبقري ذو العقل الكبير»، «ذكي للغاية»، «استراتيجي»، «مخطط»، «أبو الحرب في حرس الثورة الإسلامية» وما إلى ذلك. هذه الألقاب متأصلة في اسمه لدرجة أنه أحدًا غيره لم ينل على ما ناله هو من هذه الأحاديث.
- [2] تصريحات الحاج قاسم حول سمات شخصية الشهيد حسن باقري.
تعليق واحد