مواضيع

ذلك الشّاب الزّابُليّ، كان مقرّباً من الله

ذاك الشابّ الزّابليّ، حسين علي عالي[1]، كان شخصيّة في حدّ ذاته! كان صاحب روح سامية. أيّ تفسير كان لديه حول الحرب بحيث أنّه كان في كلّ ليالي العمليّات، عندما كان في الخطوط الأماميّة، يقطع الأسلاك الشائكة، ثمّ ينام عليها ويترجّى المجاهدين أن يعبروا فوقه؟ لقد نقلت هذه القضيّة لآية الله بهاء الديني فبكى عشرة دقائق.

لم يكن في مكان هادئ، ولا في ملعب تحت الأضواء القويّة ومقابل عدسات الكاميرا، كان ذلك في ليلة مظلمة؛ ولم يكن هناك من مراقب سوى الخوف والموت، عندما كان يقطع الأسلاك الشائكة، كان ينام فوقها ويصبح كالفراش، ثمّ يترجّى القادة أن يعبروا فوقه.

كم ينبغي للعالِم أن يجهد لكي يبلغ هذه المنزلة. كانت الحرب مليئة بهذه النماذج، شخصيّات قيّمة، وأفراد كانوا مقرّبين من الله عزّوجل، كانوا رفاق الله.[2]

نحن نفخر بأنّ حسين علي منّا. كان فتى، وقد قال لي مرّة أنّني بلغت مرحلة باتت الأرض تحدّثني وبتّ أقدر على عدم السّير فوق الأرض![3]


ضع أذنك على الأرض واسمع

ينقل الشهيد مرتضى بشارتي، أحد رفاق الشهيد عالي، خاطرة عجيبة عن الشهيد عالي تُثبت قربه الكبير من الباري جلّ وعلا. يقول الشهيد بشارتي: رافقنا حسين لنجري عمليّة استطلاع. حان وقت الصلاة. صلّى الأخ عالي في البداية صلاة يرافقها صوت حزين وقلب مكسور. ثمّ وقف هو ليحرس ووقفت لإقامة الصلاة. طلبتُ من الله عزّوجل في الصلاة أن يزيد من يقيني وأكملت صلاتي. بعد الصّلاة لاحظت أنّ حسين يضحك، قال لي: «هل ترغب في أن يزداد يقينك؟»

سألته مستغرباً: «نعم، لكن من أين عرفت ذلك؟»

ضحك وقال: «كم هو المقدار الذي ترغب به؟»

قلت: «كثيرا.»

قال: «ضع أذنك على الأرض واسمع.»

فعلت ما قاله لي، سمعت أنّ الأرض تحدّثني وتنصحني وتقول: «مرتضى! لا تخف. العالم ليس عبثاً وعملك ليس بلا فائدة. أنا وأنت عباد الله؛ لكن بلباسين مختلفين وشكلين مختلفين. حاول أن لا تعصي الله بتصرّفاتك السيّئة و…» كانت الأرض تحدّثني بشكل متواصل!

ثمّ قال لي حسين: «مرتضى! هل ازداد يقينك؟!»

حدّثتُ نفسي: «لقد كنت أظنّ أنّ الإنسان قادرٌ على الاقتراب من الله عزّوجل بشكل كبير؛ لكن ليس إلى هذا الحدّ!»

سوف أُستشهد في هذه العمليّة

ارتدى حسين علي عالي زيّ الجهاد وسارع للانضمام إلى الجبهة في سنّ الرابعة عشرة بينما كان تلميذاً، لشدّة حبّه للإمام الخمينيّ ورغبته القويّة بالحفاظ على النظام الإسلاميّ! لقد شارك هذا التلميذ المجاهد في العديد من العمليّات واستلم قيادة الاستخبارات في فيلق 41 ثار الله بسبب إحاطته الكبيرة بهذا المجال، وسجّل اسمه كأحد القادة الأكثر شباباً والأصغر سنّاً في تاريخ الدفاع المقدّس.

كان الشهيد عالي غوّاصاً شجاعاً وبارزاً بشكل كبير وكان يطوي أغلب المسارات بسهولة ومن أعماق قلبه وبإخلاص شديد. لقد كان مميّزاً بالفعل. في عمليّة «كربلاء 5» استطلع منطقة المحور التي كانت شديدة التعقيد في أقلّ من 15 ليلة، وكان في كلّ ليلة يقطع مسافة المحور الطويلة المغمورة بالماء، والتي كانت في منطقة شلمجه، وكان يقطع الطريق بروحيّة عالية وبفرح وسرور رغم وجود الأشواك في قعر المياه، ثمّ يعود منتصراً. قال الحاج قاسم سليماني حوله: في بعض الأحيان كانت إحاطته الاستخباريّة قويّة لدرجة لم أكن قادراً على معارضة كلامه.

والمعبر الأوّل والوحيد الذي فُتح في عمليّة «كربلاء 5» كان المعبر الذي تولّى قيادته الشهيد عالي.

يقول أحد رفاق الشهيد عالي في الجهاد حول آخر لقاء له بالشّهيد:

كانت ليلة عمليّة «كربلاء 5»، وكنّا جالسين بقرب خزّان المياه لكي نتوضّأ. كان حسين علي يُنشد أشعاراً زابليّة بفرح وسرور، ويقول: «ليلة العمليّة هي ليلة اللقاء بالمهديّ  (عج). علينا أن نلتقي صاحب العصر والزّمان ونحن على وضوء، ثمّ ودّع الإخوة جميعاً. عندما وصل إليّ قال: «سوف أُستشهد في هذه العمليّة». قلت له وأنا أضحك: «أنت تمزح، نحن ملازمان لبعضنا البعض، سأكون معك أينما ذهبت». حدّق في عينيّ وقال لي: «ليس الأمر كما تظنّ، بل إنّه يحتاج إلى شروط، ومقدّمات، لقد وصلت إلى اليقين، أنا أعلم أنّني لن أعود من هذه العمليّة!»

عندما لاحظ هذا الشهيد العارف في عمليّة «كربلاء 5» أنّ حياة رفاقه معرّضة للخطر، أقام آخر صلاة له ثمّ استلقى على الأسلاك الشائكة ليفتح الطريق أمام المجاهدين، وفي هذه الأثناء أصابت خاصرته رصاصة ونال فيض الشهادة.

  • [1] تمّ نقل كلمات ومذكّرات خاصّة حول هذا الشهيد الذي غلبت سادت روحيّاته توجّهاته العرفانيّة بحيث أنّه يُسمّى بدل حسين علي عالي بالشّهيد العارف، وكلّ واحدة من هذه الأمور المنقولة عنه يُمكن أن تكون كافية لاشتهار أحد المجاهدين؛ لكنّ حسين علي كما العديد من المجاهدين في المناطق المستضعفة مثل سيستان وبلوشستان، بقي مجهولاً.
  • [2] كلام الحاج قاسم سليماني في وصف صفات شخصيّة الشهيد العارف حسين علي عالي.
  • [3] كلمة الحاج قاسم سليماني في حفل مدينة كرمان الثقافي الاقتصادي في برج ميلاد في طهران.
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟