مواضيع

بكى المرحوم آية الله المشكيني ربع ساعة

نحن نفخر بأنّ الحاج علي محمّدي[1] منّا وقد كتب في دفتر ملاحظاته: يا أخي العربيّ الذي تبحث عنّي وأبحث عنك! أقسم بالله! سوف أشفع لك إن قتلتني.

لقد قيل هذه الجملة لسماحة آية الله المشكيني(رحمه الله)، بكى ربع ساعة. هل تبلغ المعرفة والعرفان مثل هذا المستوى؟! عندما راجع ذلك الشاب هذا الرجل العارف وقال بأنّنا نصلّي بعض الأحيان وملابسنا ملطّخطة بالدماء، ما حكم هذه الصلاة؟ تأثّر آية الله المشكيني(رحمه الله) وقال: والله إنّني مستعدٌّ لأن أبدّل كلّ صلواتي مع صلاتك هذه التي تشكّ فيها![2]


شجاعة الحاج علي محمّدي كانت شجاعة مؤثّرة

يتحدّث الحاج قاسم سليماني حول الصفات الشخصيّة لهذا الشهيد العارف رفيع الشأن: لقد كان مجاهداً وبدأت رحلته في الجهاد قبل انتصار الثورة الإٍسلاميّة؛ لذلك فإنّ بعض خطواته الجهاديّة تمّت قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، من قبيل إزالة عناصر النظام البهلوي الفاسد، لقد كان له دورٌ في ثلاث أو أربعة قضايا مهمّة؛ حتّى تلك التي لم تكن مرتبطة بمحافظة كرمان؛ بل كانت مرتبطة بمحافظة خوزستان، وقد شارك في تلك العمليّة.

رغم سنّه الصغير، كانت مشاركته مشاركة فاعلة ومهمّة. لكنّه كان يخفي هذه الصّفة. وعندما دخل الحرب، إضافة إلى تحلّيه بصفة الشجاعة الكبيرة، كان الحاج علي محمّدي يخترق صفوف العدوّ في العمليّات كلّها، أي لم يكن من الذين يسيرون خلف الكتيبة. طبعاً ليس اتّباع الكتيبة سيّئاً. لأنّ مثل هذه التكتيكات كانت موجودة أيضاً. كان من ذلك النوع من قادة الكتائب الذين ينزعجون إذا تمّ وضع كتيبته في الخطوط الثانية، وبسبب هذا الانزعاج كان يصرّ ويصرّ إلى أن يضعوه في مكانٍ آخر. حسناً، من الواضح أنّ الكتيبة التي تعمل على اختراق صفوف العدوّ تكون نسبة احتمال استشهاد قائدها بالمقارنة مع قائد الكتيبة في الخطوط الخلفية كالفرق بين نسبة 80 و50 بالمئة؛ أي أنّ احتمال استشهاد ذاك هو 80 بالمئة، وهذا 50 بالمئة. رغم ذلك كان يصرّ على أن يكون في المكان الذي يتوفّر فيه احتمال الاستشهاد بنسبة 80 بالمئة. وكان يقاتل فعلاً في ميدان الجهاد ويدافع بشكل حقيقي. كانت كتيبته ناجحة بشكل دائم وكانت ضمن أكثر الكتائب نجاحاً في الفيلق، ولهذا النجاح سببان:

الأوّل أنّ الحاج علي محمّدي كان نفسه شخصاً شجاعاً وكانت شجاعته تؤثّر على كلّ الكتيبة وكان الجميع يقتدون به في الصمود والمقاومة واختراق صفوف العدوّ.

والثاني كان دقّته في العمل. نحن قلّما ما نلتفت خلال إدارة الحرب والتخطيط لها إلى الأمور الدقيقة للحرب في البعد الديني والإسلامي، بحيث نقدّم لمختلف الأماكن قدوة وتجارب ناجحة، ونهتمّ بالبعد السلوكي بشكل أكبر من البعد الإداري.

وما رسخ في أذهان الناس حول البعد الإداري -ويتمّ عرضه في بعض الأفلام أحياناً- أنّ أعضاء كتيبة معيّنة يتسابقون أمام حقل ألغام لكي يلقوا أنفسهم فوق الألغام ويُستشهدوا، والواقع أنّ كلّ من يدرك الحرب بشكل صحيح، يعلم بعدم صحّة مثل هذا الأمر؛ لأنّ فتح أحد المعابر لا يحتاج لأكثر من شخصٍ واحد.

كيف يمكن أن يقع أمرٌ كهذا في الحرب؟ هذه من الاتهامات الموجّهة للحرب، لكنّنا نظنّ أنّها دليلٌ على الشهامة؛ فنضخّم كذبة بحيث تؤتي آثاراً عكسيّة. لم نشهد في حربنا أموراً كهذه على الإطلاق؛ بل إنّ شبابنا في مجال التخريب فتحوا المعابر بواسطة أساليبهم الإبداعيّة. برأيي أنّ مثل هذه الممارسات تشكّك بإبداعات الإخوة المضحّين في الحرب.

كان مستحيلاً أن يرضخ لتنفيذ عمليّة قبل فحص المعبر

إحدى خصال الحاج علي كانت امتلاكه الدقّة في الأمور التفصيليّة؛ على سبيل المثال كان يستحيل أن لا يفحص المعبر الذي من المقرّر أن تمرّ كتيبته عبره في ليلة العمليّة. كان من المستحيل أن لا يرضخ لتنفيذ عمليّة قبل فحص المعبر؛ أي أنّه كان يذهب إلى آخر نقطة في ذلك الميدان -النقطة التي كنا نسمح له بالتقدم نحوها، بحيث أنّه إن تقدّم بعدها كان من الممكن أن يُؤسر أو يُفتضح أمره- ويتفقّد الأمور؛ لذلك كان يذهب برفقة قائد المجموعات ويتفقّد الأوضاع قبل أن تأتي الكتيبة. كان يتفحّص المعبر خطوة بخطوة ويحدّد الأماكن التي ينبغي أن تتقدّم فيها الكتيبة ببطئ وتلك التي يجب أن تجلس فيها أو لا تتحدّث فيها والمكان الذي سينام فيها المجاهدون وكيفيّة السّير والدخول والمكان الذي ينبغي لهم أن يتصدّوا للكمين وينفّذوا الخطة المضادّة للكمين، وكان يخطّط لكلّ واحد من الأسلحة الموجودة لدى الطرف المقابل ويضع خططاً لإحباط مفاعيلها. كان يعدّ الألغام أيضاً ويحدّد عدد الألغام الصرصاريّة -أي على شكل صرصور-، وعدد الألغام المضادة للأفراد، وعدد الألغام المضادة للمدرّعات. ثم كان يخطّط ويدخل ساحة العمليّة.

كان صون أرواح الشباب مهمّاً بالنسبة له

في عمليّة «كربلاء 5» التي كانت آخر عمليّة للحاج علي حيث استشهد فيها، ذهب ثلاث مرّات وتفقّد المنطقة. كانت المياه في المنطقة مياه عذبة ولم تكن هناك أيّ عوائق في المنطقة. وكانت تفصلنا عن العدوّ عدّة كيلومترات. عندما أقول عدّة كيلومترات فسبب ذلك أنّني لا أذكر المسافة بدقّة وأخشى من أن أبالغ. كانت المسافة بين 3 إلى 5 كيلومتر على الأقل. كانت المياه تصل إلى صدر الفرد عند خوض هذا المسار وكان الحاج علي يمشي وسط المياه لكي يستطلع المعبر الذي من المقرّر أن تعبره كتيبته ليلاً؛ وكان ذلك في فصل الشتاء. طبعاً، تعلمون أنّ الشتاء في خوزستان قارصٌ جدّاً، خاصّة بالنسبة لمن يقرّر خوض غمار المياه؛ لكن الحاج علي كان يتحمّل كلّ هذه الأمور، ويذهب ليدرس كلّ الأمور الدقيقة؛ لذلك فإنّ صفته هذه ودقّته هذه كانت لأجل أن ينجح في اختراق صفوف العدوّ ويصون أرواح الشباب المجاهدين ويوصلهم إلى الهدف بخير وعافية. هذه كانت إذاً صفة الحاج علي الثانية.

اشتهر ذلك المكان باسم حفرة الحاج علي محمّدي

أما الصفة الثالثة للحاج علي محمّدي، فقد كانت روحانيّته. لا أظنّ أنّ أحداً سمع من الحاج علي محمّدي كلاماً ينطوي على كراهة ولو بمقدارٍ قليل.

كان دائماً عندما يهمّ بالذهاب نحو الخريطة وتقديم الشّرح، يقول هذه العبارة: بسم الله الرّحمن الرحيم؛ تذكرة لنفسي وللحاضرين. لأجل الله، في سبيل الله، هكذا كان يبدأ كلام الحاج علي محمّدي، لكي نعلم أنّنا نقوم بهذا العمل لأجل الله عزّوجل وفي سبيل الله جلّ وعلا وأنّ هدفنا هو الله ولا نأخذ بعين الاعتبار أيّ شيء آخر.

كانت هذه حالته داخل الجلسة؛ لكن كانت لديه حالة أخرى يحاول إخفائها. كان في عداد قادة الكتائب الذين يبتعدون عن شباب كتائبهم لكي يؤدّوا صلاة الليل.

ثمّ في آخر أيام حياة الحاج علي محمّدي، علم بعض قادة الكتائب الذين بدأوا يفتّشون عنه لكي يعلموا أين يذهب الحاج علي، علموا بالقضيّة. كان الحاج علي من أهل البكاء الشديد وكان دائماً ما يلفّ حول رقبته شالاً أسود وكان يلفّ هذا الشال الأسود نفسه حول خصره وكان ذلك يمنحه هيبة وجبروتاً خاصّين. وفي أواخر أيام حياته كان قد تزوّج ولم يعثر على فرصة لأخذ زوجته الجديدة إلى شهر العسل -وهذا من الأعراف- فجاء بها مدّة إلى الأهواز واستشهد بعدها وعادت زوجته.

كان طلاب العلوم الحوزويّة يتسابقون من أجل الانضمام لكتيبة الحاج علي

النقطة الأخرى التي كانت مشهودة في سلوكيات الحاج علي محمدي، هي قدرته على اكتشاف القوات الاستشهادية؛ أي أنّ كلّ قواته كانت تملك هذه الخصلة وجميع الشباب الذين كانوا معه، ضمن أيّ مستوى كانوا، من قادة فرق إلى معاونين ومجاهدين، كانوا يملكون درجات عالية من الروحانيّة.

ولكي لا أكون مغالياً وأوضح الحقيقة، أظنّ أنّ 90 بالمئة من كتيبة الحاج علي كانوا يصلّون صلاة الليل. ولتعلموا هذا الأمر أيضاً أنّ طلاب العلوم الحوزويّة لديهم مشاريعهم الخاصّة ولا يقبلون بسهولة أن يأتمروا بأمر أيّ أحد؛ لكنّهم كانوا عشّاقاً للحاج علي وكانوا يتسابقون للانضمام إلى كتيبة الحاج علي وينهلوا من فيوضات التواجد معه.

طبعاً كان دور طلاب العلوم الحوزويّة بارزاً في الحرب وعلى قيمة عالية، ولا مجال هنا للحديث عنه لأنّه يحتاج إلى بعض التفصيل؛ لكن إحدى الأمور التي كانت تشجّعهم على الانضمام إلى كتيبة الحاج علي، كانت كاريزما الحاج علي إضافة إلى شجاعة كتيبته في اختراق صفوف العدوّ؛ لذلك فإنّ هذه الكتيبة كانت تستقطب إليها غالبية طلاب الحوزة العلميّة.

كانت كتيبة الحاج علي استشهاديّة

أي أنّ الحاج علي كان يجهد في تربية الكوادر المعنويّة والاستشهاديّة، ويمكنني أن أدّعي بكلّ جرأة أنّ كتيبته التي كانت تضمّ 300 مجاهداً، لا شكّ لديّ بأنّ أكثر من 270 منهم كانوا استشهاديّين وكان هذا السلوك قد تحوّل إلى ما يشبه المدرسة الفكريّة، كما نملك نحن في حوزتنا العلميّة مدارس يتلقى فيها طلاب العلوم الحوزويّة أخلاقاً وسلوكيّات متنوّعة في مختلف المجالات كالسياسيّة والأخلاقيّة منها؛ فإنّ هذه الكتيبة كانت قد تحوّلت إلى مدرسة فكريّة؛ أي أنّها تحوّلت فعلاً في الجوانب الأخلاقيّة السلوكيّة و… إلى مدرسة وكان جميع الحاضرين في هذه الكتيبة، يكتسبون صفات الحاج علي كالصّمت، حالة المواظبة على الذّكر (كانت إحدى خصال الحاج علي المواظبة على الذكر)، وأدائهم للنوافل المطوّلة، وإخفاءهم لعباداتهم من أجل اجتناب الرياء. كانوا كلّهم يقومون بهذه الأمور دون أيّ إجبار. في تلك الأيام لم تكن لدينا دائرة تمثيل، ولا جهازاً وقائيّاً، ولم تكن توجد أيّ رُتب؛ لكن الحاج علي كان يوجد حالة كاريزماتيّة تجعل الجميع ينجذبون إليه ويتبعون أمره، لم تكن هناك حالة عصيان واحدة لأوامره؛ أي إذا فتشتم في كلّ العمليّات المهمّة السبع أو الثمانية التي شاركت فيها هذه الكتيبة؛ مثل عمليّات «كربلاء 1»، «كربلاء5» و«والفجر 8» التي كانت عمليّات قاسية وقدّمنا فيها تضحيات وخسائر كبيرة؛ لا نجد حالة واحدة من كتيبة الحاج علي محمّدي لجنديّ عاد أو قال بأنّني أشعر بألم في معدتي أو رأسي أو حرارتي مرتفعة ولا أستطيع المشاركة في العمليّة. لقد كان ذلك مذهلاً بالفعل.

أصيب هذا العجوز بحالة نفسيّة

لقد كان لدينا رجلٌ عجوزٌ يُدعى دهقاني، وقد كانت له سوابق طويلة في الجهاد. حتّى أنّه كان يملك سوابق في الكفاح السياسي قبل انتصار الثورة الإسلاميّة وكان والد شهيدٍ أيضاً وأخ شهيد. كان كلّما يقسم دائماً بروح الحاج علي محمّدي عندما كان ينوي أن يقسم أي أنّه كان مشتاقاً ومجذوباً للحاج علي إلى هذا الحدّ. عندما استشهد الحاج علي، أصيب بحالة نفسيّة. لم يكن يهدأ أو يسكن، بعد الحرب عندما جاء إلى كرمان، لم يكن يستطيع السيطرة على نفسه، كانت لديه حالة خاصّة.

وصلنا إلى «كربلاء5» كان هو في عمليّة «كربلاء 5» ضمن الكتائب الثلاثة الأصليّة التي كان ينبغي لها أن تمشي داخل الماء وتخترق صفوف العدوّ، ولم يكن غوّاصاً أو جنديّ مشاة.

نفّذنا عمليّة في الليلة التاسعة من «كربلاء 5» وكان علينا أن نمشي أطول مسار في مياه بوارين لنصل إلى العدو. ذهبت مرة في إحدى الليالي بنفسي إلى حدود المعسكر لأحدد المسافة التي يقدر العدوّ على رؤيتنا منها، ودخلتا مسافة 2 كيلومتر في المياه وكنت أرى من هناك شبابنا، كانت رؤيتهم متاحة من تلك المسافة بشكل كامل. ثمّ كان علينا أن نقطع مسافة 5-6 كيلومتر حتّى يرانا العدوّ.

أذكر أنّنا قبل أن ندخل الماء لكي نفحصه ونحدّد مدى رؤية العدوّ، كانت هذه البطات السوداء تتحرّك فوق الماء وتُرى بكلّ وضوح، في تلك اللحظة قال لي مسؤول المحور هناك السيد سخي، أن لا داعي لأن تدخل الماء، انظر، رؤية هذه البطات السوداء متاحة بكلّ وضوح! لقد كانت هذه البطات تُرى بوضوح من مسافة بعيدة. رغم ذلك، سارت الكتيبة داخل المياه.

أؤكّد مرّة أخرى أنّ أطول وأقسى مواجهاتنا مع العدوّ كانت في «كربلاء 5»؛ أي أنّ أطول حقل ألغام كان في هذا الميدان. لقد كانت كلّ الألغام والألغام الانشطاريّة، والألغام المضادّة للأفراد، والألغام الثقيلة وغيرها من الألغام متّصلة ببعضها البعض؛ وعلى الأرض وعائمة فوق الماء؛ وكان كلّ واحد منها قادرٌ على إبادة فرقة بأكملها.

ومن ناحية أخرى لم تكن هناك إمكانيّة لإبطال مفعولها كلّها في الماء؛ بل كنا قادرين فقط على إبطال مفعول بعضها والعبور بين الأسلاك الحديدية المتلاصقة بصعوبة.

قبل أن نصل إلى نقطة التحرّر، كان على فرقة التصدي للكمائن أن تطهّر المكان وتقطع الأسلاك الشائكة لكي يدخل سائر الأفراد. كانتا جزيرتان صغيرتان بمساحة تبلغ حوالي الـ30 متراً مربّعاً وكان بداخل كلّ من هاتين الجزيرتين بعض النباتات الخضراء. كنا قد حدّدنا هاتين الجزيرتين وقرّرنا أن تختبئ الكتيبة خلف النباتات التي بداخلهما.

سمعت صوت ارتجاف واصطدام فكّي الحاج علي محمّدي ببعضهما

كان موعد انطلاق العمليّة في تمام الساعة 12. كانت الكتيبة قد وصلت إلى نقطة التحرّر قبل نصف ساعة. كانت الأوضاع سيئة؛ كانت المياه مجمّدة؛ ومن ناحية أخرى دخلت هذه المياه الباردة جدّاً إلى داخل ملابس الغوص الخاصّة بالإخوة وكانت تزيدهم ثقلاً. لقد كان المشي داخل الماء في ظل هذه الظروف ومع حقائب المعدّات الثقيلة صعباً للغاية. من جهة أخرى كانت المناطق الحساسة في أجساد الشباب مجمّدة. وكان على المجاهد أن يتقدم في هذه الظروف داخل المياه ويقاتل.

رحمة الله على الحاج علي محمدي، اتصل بي -كنا قد مددنا خط هاتف من الكتيبة إلى نقطة النزاع، أعني الهواتف العسكريّة التي كان أحد سماعاته بيدي والآخر بيد الحاج علي أحمدي-، قلت له: الشباب يتجمّدون، علينا أن نفعل شيئاً ما بسرعة.

لشدّة ما كانت المياه متجمّدة، سمعت صوت ارتجاف واصطدام فكّي الحاج علي محمدي ببعضهما عبر الهاتف. في ظلّ هذه الأوضاع، اشتبك الجناح الأيسر لفيلق 31 عاشوراء مع العدوّ؛ أي قبل ساعة من الموعد المتفق عليه. طبعاً، كانت المنطقة ستواجه مشكلة مع ما حصل؛ لذلك تحرّك الإخوة باتجاه العدوّ وبدأ الاشتباك.

جاءت طائرات العدوّ على الفور وألقت القنابل المضيئة وجعلت الأجواء مضيئة كما النهار، وهذا كان في الوقت الذي كان فيه كلّ هؤلاء الشباب خلف الأسلاك الشائكة ومقابل العدوّ؛ عدوّ يملك رشاشات ثقيلة.

أبدع الحاج علي هنا ايضاً. كان جزء من حقل الألغام قد بطُل مفعوله وتبقّى جزء آخر. وقد دخل هو مع الفرقة الأولى لكي يكسروا خطوط العدو بسرعة، وكان معاونه برفقة الفرقة الثانية ومعاونه الثالث مع الفرقة الثالثة. نجح وكسر خطوط العدو وأراد أن يتسلّق حصن العدوّ فاستشهد في تلك الحالة، بينما كان نصف جسده داخل الماء والنصف الآخر خارج الماء ويداه معلقتان.

كان جثمان الحاج علي المقظّع عالقاً بالأسلاك الشائكة

كان مشهد عبور هذه الفرقة مع بزوغ الشمس أول الصباح، لافتاً. لقد كان لافتاً بالفعل. إنّني أقول دائماً أن لا شيء قادر على تصوير هذا المشهد المؤلم، إلا الآية القرآنية: <يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليُروا أعمالهم>.

لقد كان جثمان الحاج علي عالقاً بكلّ هذه الأسلاك الشائكة وقطع الحديد وكانت هناك قطعة من جسده معلّقة بكلّ جزء من هذه القطع الحديدية. لقد عبر مثل هذا الميدان وكسر صفوف العدوّ في عمليّة «كربلاء 5»؛ أي أنّ وصولنا إلى اتفاقية 598 واعتبارنا إياها انتصاراً لنا في الحرب، لم يكن لولا وجود الحاج علي محمدي الذي شكّل محوراً أساسيّاً من محاور هذا الانتصار.

كان الشهيد الحاج علي محمدي بور قد أخبر رفاقه قبل عمليّة «كربلاء5» حول كيفيّة استشهاده:

«ستكون هذه آخر عمليّة لي. أنا لن أعود. لقد رأيت أنّهم سلّموني راية. وأنا آخذ الراية لكي أوصلها إلى الحصن؛ لكنّني لا أصل. أنا على يقين بأنّني سأستشهد قبل الوصول إلى الحصن وسأتحرّر من هذه الدّنيا.»

أورد الحاج علي محمّدي بور في مقطع من وصيّته ما يلي:

«لكن أنت يا أيها الأخ العراقي! ورغم أنّك مأمور وقاتل لروحي؛ لكنّني أعتبرك أخاً لي وسوف أصفح عنك، فإذا سمح لي الله ستكون أوّل من أشفع له! استعدّ ولا تجعل للحزن منفذاً في قلبك ولا تشعر بأيّ خوف. صدري جاهز، جهّز بندقيّتك. سوف تسفك دمي؛ لكنّني آمل أن تُغفر ذنوبي بسفك دمي هذا.»

  • [1] ولد اللواء الشهيد الحاج علي محمّدي بور في حزيران من العام 1961 في قرية «دقوق آباد» في رفسنجان. أجبر على ترك الدراسة بسبب بعض المشاكل. ومع تصاعد الحركة الشعبيّة في العامين 1976 و1977 انضمّ إلى صفوف المناضلين. وبالتزامن مع الأعوام الأولى للحرب المفروضة سارع للحاق بالجبهات وخلال هذه الأعوام تمّ تعيينه قائداً لفيلق 412 ثار الله.
  • [2] كلمة الحاج قاسم سليماني في حفل كرمان الثقافي الاقتصادي في برج ميلاد.
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟