مواضيع

تنافس شقيقين على الذهاب نحو المقتل

في الحرب المفروضة، كان هناك شقيقان يتناقشان. شابان من رفسنجان اسمهما أحمد ومحمّد قنبري، لعلّ الفرق العمري بينهما كان أقلّ من سنتين، جاء هذان الشابان الوسيمان وحسنا المظهر في عمليّة «والفجر 8». كان أحمد أكبر سنّاً من محمّد؛ لكنّ محمّد كان أضخم من الناحية الجسديّة من أحمد. كان كلّ واحد منهما يصرّ على أن يشارك هو دون أن يشارك الآخر. كان استدلال أحمد أنّه الأخ الأكبر، فقال: لقد أوصتني أمّي بأخي وإذا استشهد، لا أستطيع أن أعود إلى الجبهة؛ لأنّ والدتي ستمنعني من ذلك. وكان الأخ الأصغر يصرّ بأنّه لو استشهد أخي الأكبر الذي أوصته أمّي به، فإنّ والدتي ستحول دون عودتي؛ لذلك ذهب كلامهما واستشهدا.[1]

ليس محتّماً أن تكون هناك دلالات خاصّة لأولياء الله

لقد أخفى الله جلّ وعلا أولياءه بين عباده.[2] لذلك ينبغي اجتناب النّظر إلى أيّ أحد نظرة عدم احترام ونظرة بعيدة عن الأدب، بل ينبغي التقدّم في الاحترام والأدب. لعلّ هذا الذي لا تبدو عليه القيمة، ذلك الذي يعمل لديكم، يكون وليّاً من أولياء الله. ليس محتّماً أن تكون هناك دلالات خاصّة لأولياء الله. انظروا إلى نوّاب صاحب العصر والزّمان  (عج) الأربعة، كان أحدهم بائع زيت. ومن بين أصحاب أميرالمؤمنين  (ع) العظام كان ميثم التمّار، كان بائع تمر. ما الذي يعنيه اسم ميثم التمّار؟ ليس محتّماً أن يكون ميثم التمّار رئيس العشيرة الفلانيّة، أو العالم الفلاني.

كان الشهيد حسين الأسدي[3] من هؤلاء الأولياء المخفيّين؛ كان يعيش إلى جانبنا ومعنا والتقيت به مرّات عديدة، سلّمت عليه، وها أنا اليوم أتحسّر على تلك الأيّام.

لقد كان حسين أسدي حتّى الأمس شخصاً عاديّاً في هذه القرية. لم نكن نتوقّع كونه من الأولياء الإلهيّين العظام. لماذا كان أولياؤنا يبادرون للسلام عندما يلتقون أحدهم -ولا فرق في كونه أصغر منهم سنّاً أو أكبر-؟ هذه خصلة أنبيائنا، وهذه كانت خصلة عظمائنا.

كيف بلغ حسين الأسدي هذه المرتبة؟! لقد كان أسدي بالأمس شخصاً يأمر بالخير. كان يأمر بالمسجد. كان يأمر بالصّلاة، كان يأمر ببناء المسجد. كان يأمر بتكريم الشهداء؛ لكنّ أسدي اليوم يختلف عن أسدي الذي كان في السابق. هذه المرتبة من المعتقدات الدينيّة، نقلته من التسليم إلى التصديق ومن التصديق إلى اليقين.[4]

كنّا نشكّ في بلوغه سنّ التكليف

أمعنوا النّظر في الوجوه، انظروا إلى مشاهد عمليّة «والفجر8». أولئك الذين سطّروا هذه العمليّة المعقّدة والثقيلة من الناحية العسكريّة، لم يكن قد نبت الشعر في لحى العديد منهم، كانوا فتية. كان حسن يزداني[5] طالب علم يبلغ من العمر 17 عاماً وكان بطل عمليّة «والفجر8». لقد كان طالب علم نحيل الجسم؛ لكنّه كان قويّ الرّوح وأوّل من بادر وتقدّم وتطوّع لعبور نهر أروند. لقد كان إمام جماعة الفيلق. سبح في نهر أروند 30 مرّة واخترق صفوف العدوّ. استطلعهم وجلب المعلومات للفيلق. ورغم امتلاك نهر أروند اسم النهر المتوحّش، بحيث قلّما كان أحدٌ يملك شجاعة التوكّل واجتيازه، قام حسن بهذا الأمر 30 مرّة بفضل إرادته القويّة في عمليّة «والفجر8».

لقد كان إمام جماعة فيلق ثار الله. بعد استشهاده كنّا نفكّر بهذه القضيّة أن هل بلغ حسن سنّ التكليف خلال السنين التي كنّا نؤدّي فيها خلفه صلاة الجماعة؟![6]


  • [1] كلمة الحاج قاسم سليماني في حفل تكريم شهداء خانوك عام 2010.
  • [2] عن أمير المؤمنين  (ع) أنّه قال: إنّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعةً في أربعة، أخفى … وأخفى وليّه في عباده فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم. (الخصال، ج1، ص:231)
  • [3] ولد الشهيد حسين الأسدي الخانوكي عام 1960 في عائلة متديّنة في مدينة خانوك. كان له دورٌ مؤثّر في انتصار الثورة الإسلاميّة وانضمّ إلى مؤسسة جهاد البناء بعد انتصار الثورة الإسلاميّة. بالتزامن مع بدء الحرب المفروضة تطوّع للمشاركة في الجبهة وأصبح عضواً في صفوف الحرس الثوري في العام 1981. انشغل حسين بعد الحرب بالخدمة في منصب مسؤول التبليغ الإسلامي في مقرّ القدس في سيستان وبلوشستان. ثمّ نال أخيراً فيض الشهادة في العام 18 تشرين الأوّل من العام 2009 إثر عمليّة اغتيال نفّذها عناصر جماعات المنافقين الإرهابيّة.
  • [4] كلمة الحاج قاسم سليماني في حفل تكريم شهداء خانوك عام 2010.
  • [5] أحد الغوّاصين الذي طرح بعبوره لنهر أروند الفكر الأساسيّة لعمليّة «والفجر 8»، كان حسن يزداني؛ وُلِد الشهيد العارف حسن يزداني عام 1969 في كرمان؛ لكنّه انتقل إلى مدينة قم المقدّسة عام 1980 وبعد انتهاء العام 1981 عاد مع عائلته إلى كرمان ثمّ انضمّ إلى حوزة كاشان العمليّة من أجل مواصلة دروسه الدينيّة.
  • عاد إلى كرمان في صيف العام نفسه ومن هناك انطلق إلى الجبهة. لفت أنظار القادة بسبب درايته الواسعة، فانضمّ إلى وحدة الاستخبارات وبدأ عمله كمسؤول لمحور الاستخبارات والاستطلاع. في وحدة الاستخبارات تعرّف على إخوة منهم حسين يوسف إلهيّ، إبراهيم هندوزادة، مهرداد خواجويي، كياني و… كانت مشاركته في وحدة الاستخبارات في جبهات قتال الحقّ ضدّ الباطل تجربته الأولى في ميدان الحرب. استطاع أيضاً في عمليّة «والفجر 8» أن يسطّر ملحمة اجتياز نهر أروند 30 مرّة، رغم وجود مشاكل من قبيل سرعة المياه، برودة الأجواء في الشتاء، جزر ومدّ المياه ومشاكل أخرى، حيث حاز لقب «قائد أروند». عندما كان يشرح ظروف العمليّة في الجلسات، كان يتحدّث بدرجة عالية من الدقّة والإتقان بحيث كان قائد الفيلق (الحاج قاسم سليماني) يثق به ثقة تامّة ويوقن بتحليله ويعمل بناء عليه.
  • تعرّض خندق الاستخبارات في 13 شباط 1986 لهجوم كيميائي من قبل العدوّ، فتخلّى حسن يزداني بكلّ تضحية وإيثار عن قناعه واضعاً إياه على وجه أحد رفاقه وأصيب هو بهذا السلاح، ونال فيض الشهادة في مستشفى الإمام الرّضا  (ع) بعد مرور 11 يوماً.
  • [6] كلمة الحاج قاسم سليماني في مؤتمر تكريم شهداء محافظة كرمان العاشر.
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟