مواضيع

ما السّبب في كون شهدائنا كأقرباء الأئمّة؟

لعلّ البعض يشكّون في أن هل مزار هؤلاء الشهداء، مثل خدا أكرم سليماني، قباد شمس الديني[1]، فيروزي وعلي دادي، مثل قبور الأئمّة(عليهم السلام) لكي نذهب ونلتجئ ونتمسّك؟ لماذا يشبه شهداؤنا أقرباء الأئمّة؟ هؤلاء أشبه بشيء نورانيّ متّصلٌ بمصدر النور؛ كحقل مغناطيسي متّصل بحقل أضخم منه. شهداؤنا ليسوا معصومين؛ لكنّهم متّصلون بالمعصوم بشكل كامل. هم مركز التوسّل، مركز التوجّه. إذا سألت هذا الحضور أين قبر جدّك؟ لعلّ أغلبه لن يعرف مكان القبر أو أنّه لا يزور القبر طوال السنة، لا يوجد زائر ولا ذاكر! لكنّ هذا [الشهيد] هو ابن الحاج عزيز الله، ابن محمّد سليماني .. هذا ما يُخلّد ويبقى.

لماذا يجهد الأب في سبيل أن يُدفن إلى جانب قبر ابنه الشهيد؟ يريد الأب أن يتقرّب من ابنه. لقد بلغ الابن حدّاً يجعل الأب الذي كان المربّي له والسبب في قدومه إلى هذا العالم، يتقرّب منه. إذا قرّرت مؤسسة الشهيد أن تمنح ميزة لآباء وأمهات الشهداء، فإنّها تسمح بدفنهم إلى جانب قبور الشهداء. منزلة الشهيد هذه على درجة كبيرة من الأهميّة. أنت كائناً من كنت، إن كنت قائداً أو قائد فيلق، لن يسمحوا لك بأن تُدفن هناك ما لم تُستشهد. طبعاً للشهيد مراتب مختلفة؛ لن يكونوا قد بالغوا إن قالوا أنّ هذا الشهيد شبيهٌ بعليّ الأكبر ابن الإمام الحسين  (ع).

لاحظوا هذه الجملة التي صرّح بها الإمام الخامنئي في وصف الإمام الخمينيّ (ق): «لقد كان الإمام الخمينيّ (ق) استثناءً، بعد المعصومين»؛ كم لدينا أقارب أئمّة صالحين بعد المعصوم في مراتبهم؟ كم لدينا من الأصحاب الخواصّ؟[2]


الحاج قباد، مسلم بن عوسجةِ فيلق ثار الله

مع انطلاق الحرب المفروضة التحق بالشباب حتّى نال أمنيته القديمة، أي الشهادة؛ كان الحاج قاسم سليماني قد أطلق اسم مسلم بن عوسجة الفيلق على الحاج قباد.

وأمام إصرار المسؤولين في ذلك الوقت على الحاج قباد بتقاضي راتب شهري مقابل مشاركته في الجبهة، وجّه إليهم رسالة قصيرة كتب فيها:

«بسم الله الرّحمن الرّحيم،

بعد التحيّة والسّلام لأرواح الشهداء الطيّبة، لديّ عددٌ من الأغنام يكفي لإشباع بطون أبنائي، قدّموا راتبي للفقراء والأيتام.»

كان قد ذهب إلى جماران للتشرّف بلقاء الإمام الخمينيّ(قدس سره)، ولم يكن المسؤولون في بيت الإمام يسمحون له بلقاء الإمام، علم سماحة الإمام بنحو من الأنحاء بقدومه، فطلب منهم أن يسمحوا له بالدخول، تشرّف بزيارة الإمام، وقال له خلال اللقاء: أرجوا أن تدعوا لي بأن تكون الشهادة في سبيل الله من نصيبي، فردّ الإمام: آمل أن لا تُحرم أجر الشهادة. وكان قباد يتباهى ويفخر بكلام الإمام هذا حتى شهادته.

يقول أحد رفاقه المجاهدين: قبل يومٍ من العمليّة، كنت جالساً إلى جانبه وكنّا نتبادل أطراف الحديث. وبينما كان يتلوّى من ألم كليته، قال لي: لقد تحقّقت كلّ وعود الإمام الخمينيّ؛ وعندما جاء إلى إيران، قبّلت يده وقلت لسماحته: أدعُ لي بالشهادة. لا زال دعاء الإمام هذا غير متحقّق.

سأترك الحرب للأبد

على مشارف عمليّة «والفجر» جمع «الحاج أحمد أميني» قادة كتائب فيلق 41 ثار الله في أحد الأيام في في مجمع نورد خلف متاريس وحدة التخريب. كان الجميع جالسين على الأرض. تحدّث قليلاً عن العمليّة المقبلة ثمّ قال:

«منطقة العمليّة صعبة وحساسة. أنا مجبرٌ على أن آخذ معي أشخاصاً أثق بهم مئة بالمئة. من أكون واثقاً بأنّهم قادرون على تحمّل هذه الصّعاب. رغم أنّ الأمور كلّها بيد الله، لكنّني أتحمّل المسؤوليّة أيضاً. تقع على عاتقي مهمّة ينبغي لي النّهوض بها. أولئك الذين أستثنيهم من المشاركة، قادرون على الالتحاق بسائر الكتائب، الجميع سيرحّبون بكم ويمكنكم الذهاب إلى العمليّة بواسطة القوارب.»

عندما انتهى كلامه، فصل من بين قوّاته من كان أداؤهم ضعيفاً في التدريب أو كان يشعر بكونهم ضعافاً أو من المدخّنين أو أنّهم باتوا متقدّمين في العمر. أحد هؤلاء الأشخاص كان «قباد شمس الدّيني». رجلٌ بعمر 68 كان يعشق الحاج أحمد. نهض الحاج قباد منزعجاً ووقف في إحدى الزوايا. عندما انتهى الحاج أحمد من عمله، توجّه لتوديع الأشخاص الذين فصلهم.

انفجر قباد بالبكاء قائلاً: «حاج أحمد! زوجتي وأطفالي يعيشون الآن في مكان لا يوجد فيه حولهم سوى الحيوانات المتوحّشة، لقد تركتهم في الصحراء لكي تأخذ بيدي وتفصلني عن الكتيبة. لقد تحمّلت المشاق كلّها. تعلّمت السباحة رغم كبري في السنّ. تعلّمت الغوص استعداداً لليلة العمليّة. لا يقبل أحدٌ بأن تنام زوجته وأطفاله حيث تنام زوجتي وأطفالي. إذا قبل أحدٌ بذلك سأترك الحرب للأبد.»

أخذ الحاج أحمد بيد الحاج قباد. قبّل وجهه واعتذر منه قائلاً: «لقد أخطأت بحقّك، فلتجلس مكانك ولا شكّ في أنّ قوّتك تساوي قوّة كلّ هذه الكتيبة.» استشهد الحاج قباد في هذه العمليّة.

هذه الحكومة لا تبذل الدّماء حتّى تُملأ البطون من مال الدّنيا

ورد في مقطع من وصيّة الشهيد قباد شمس الدّيني:

«فليعلم المسؤولون أنّهم إذا فسخوا ميثاقهم مع الشّهداء، أو ضاع حقّ مظلومٍ باسم الشهداء، فإنّنا لن نسامحهم. هذه الحكومة لا تبذل الدماء لكي تُملأ البطون من مال الدنيا، بل هي تبذل الدماء لكي يسود الإسلام المحمّدي الأصيل وتسود العدالة والمساواة.»

  • [1] ولد قباد شمس الديني في عيد النوروز من العام 1308 هجري شمسي، في آبادي روسكين التابعة لقرية رابر في كرمان؛ وترعرع في عائلة قرآنيّة. كان قباد خلال فترة انتصار الثورة الإسلاميّة من أكثر أصحاب الإمام الخمينيّ(قدس سره) وفاء له وتمسّكاً به، وكان عالم دينٍ يزور مدينة قم المقدّسة كلّ عام في أيام شهر رمضان المبارك وأيام عزاء سيّد الشهداء الإمام الحسين  (ع)، وكان يقول بأنّ اسم سلمان أجمل من شخصيّة قباد. ومنذ تلك الأيام كان الرّفاق يدعونه باسم سلمان.
  • [2] مقطع من كلام الحاج قاسم سليماني في مؤتمر شهداء قرية قنات ملك.
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟