هل يباهي البعثيّون بقتلاهم في الحرب؟

خلال هذه الحرب الطويلة، كانت هناك قيادتان: قيادتنا في قضيّة الدفاع المقدّس، وقيادة في الطرف المقابل كانت المهاجم الأساسيّ. أظنّ أنّه لا يستطيع أيّ أحد قدّم قتيلاً أو قتلى في العراق لا يقدر طوال عمره أن يتباهى بأنّ ابنه أو عزيزه -الذي يحبّه كثيراً- قُتل في ركب، وتحت قيادة شخصيّة مثل صدّام الجائر والجبّار والظالم والجشع وقاتل بأمر منه وقُتل؛ كلّ العوائل تعتبر هذه الدماء مهدورة، لا يستطيع أحدٌ أن يتباهى بهؤلاء القتلى.
لكن في هذه الجهة، فإنّ ذلك الذي كان القائد الأعلى في هذه الحرب هو كهلٌ نورانيّ يخاف الله ولا يفكّر إلا بالله والقيم الإلهيّة والإنسانيّة. كلّ عوائل الشهداء تتباهى بشهدائها وبالقائد الأعلى في هذه الحرب وتنظر إلى هذه الدماء كذخر لها. هويّة قادة الحرب أمرٌ في غاية الأهميّة.
حتّى ضمن المرتبة الأدنى من القيادة العليا، من المهمّ معرفة هويّة من كانوا قادة ميدانيّين وقادة عمليّات وما هي الخصال التي كانوا يتمتّعون بها. في تلك الجهة كان هناك أشخاص من السّكارى وكنت عندما تفتّش متاريسهم لا تجد سوى المجلّات الإباحيّة وآثار اللهو واللعب وقضايا من هذا القبيل.
من كان قادتنا في هذه الجهة؟ عندما نمعن النظر في شخصيّات شهدائنا، سنجد أنّهم كانوا أكثر الناس قيمة ولم نقرأ أو نسمع بنظير لهم سوى في عصر رسول الله (ص) أو حواريّي الأنبياء الإلهيّين. وهناك كلامٌ كثير بشأن هؤلاء القادة الشهداء وفيما يتّصل بشرح ماهيّتهم. من كان الشهيد زين الدين؟ من كان حسين خرازي؟ كيف كان يحرس الناس في ميدان الحرب؟ كيف كان يدرّبهم ويربّيهم؟ كيف كانت علاقته بهم؟
ما رسخ في بالي بشأن الحرب ولا أنساه، هو أسلوب وكيفيّة إدارة الحرب. نحن نضخّم في بعض الأحيان نظريّات المنظّرين الغربيّين في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة؛ على سبيل المثال، قام أحدهم قبل مئة عام أو مئتي عام بطرح نظريّة بشأن الإدارة وتقوم كلّ جامعاتنا اليوم بالاهتمام بها وتدريسها. وفي الوقت عينه نحن لا نلتفت إلى قضيّة أنّ شابّاً بعمر عشرين ونيّف كمهدي زين الدين امتلك قدراً من التأثير الروحانيّ بحيث أنّه كان قادراً على إدارة عدّة آلاف من القوات الشابّة ذات المشاعر الجيّاشة في ظلّ أصعب الأزمات وأكثر المراحل حساسيّة.
شابٌّ بعمر عشرين ونيّف، ثلاث وعشرين عاماً، كان قائد كتيبة أو فيلق. من كان في هذه الكتيبة؟ كهولٌ تتراوح أعمارهم بين الستّين والتسعين عاماً، شبابٌ بمشاعر جيّاشة، فتية متحمّسين، أساتذة جامعات وطلاب جامعيّين، موظّفون، أساتذة مدارس وطلاب. كثيرٌ من هؤلاء كانوا أرقى مرتبة من هذا القائد من الناحيتين العمريّة والعلميّة؛ لكنّ العلاقة بين هؤلاء وقائدهم كانت بالفعل مثل علاقة الحواريّين بعيسى. هذه الأمور تستدعي التأمّل.