الموازنة التي تلاشت في مرحلة الدفاع المقدّس
بقيت هذه الحرب بعيدة عن المروءة وغير متكافئة حتّى النهاية. وانعدام المروءة هذا تجسّد في الهيمنة والهجمة الدوليّة الواسعة. عندما يكون أحد البلدان تابعاً لهيكليّة وتجهيزات بلدٍ آخر، يكون من المستبعد والنادر أن يرضى بلدٌ آخر بمنحه التجهيزات والإمكانات. عادة ما تكون هيكليّات وجيوش بلدان العالم شرقيّة أو غربيّة. والجيش الوحيد في العالم الذي حافظ على بقاء هيكليّته ومؤسساته داخليّة وبقيت إمكاناته وتجهيزاته محليّة، هو جيش الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. عدا عن الدول العظمى التي تنتج التجهيزات العسكريّة بنفسها -مثل أمريكا وروسيا- فإنّ سائر بلدان العالم تتبع أحد هذين النظامين. وقد قبلوا أصول وقواعد أحد هذين النظامين. موازنة الدفاع المقدّس تلاشت بسبب عدائهم لنا؛ أي أنّ كلّ الخطوط الحُمر التي كانت موضوعة من قبل الدول العظمى والمنتجة للأسلحة وكانوا ملتزمين بها بشكل مستمرّ، أزيلت في حرب النظام البعثي ضدّ إيران؛ لذلك كنّا نرى بشكل متزامن، وصول التجهيزات الروسيّة الشاملة للجيش العراقي وأيضاً التجهيزات الفرنسيّة والألمانيّة وتجهيزات الأمريكيّين! كلّها كانت مجتمعة في جيش النظام البعثيّ.[1]
لقد كنّا في موضع الدفاع ولم نكن في موضع الهجوم؛ كنّا ندافع عن أرضنا؛ لقد تمّت مباغتتنا؛ لقد هاجمونا بخُبث ودون أن نكون مقصّرين في أيّ مجال؛ كانوا في ذروة استعدادهم؛ وكنّا نحن وحيدين وكان العالم كلّه إلى جانبهم. أودّ أن أقول بأنّه عندما يكون أيّ بلد، وحكومة، وشعب، وقيادة أو أيّ إنسان مرتبطاً بالله عزّوجل، فإنّ الله يكفيه. لقد كانت مرحلة الدفاع المقدّس مليئة بالدروس الدينيّة من بدايتها حتى نهايتها، ولعلّها أفضل مظاهر معرفة الدين العمليّة.[2]
[1] أكثر حدث غريب وقع في القرن الحاليّ تمثّل في مؤازرة الشرق والغرب للنظام البعثي في حربه ضدّ إيران. مع بدء هجوم النظام البعثي على إيران، وقفت أمريكا والاتحاد السوفيتي اللذين كانا في حالة حرب باردة إلى جانب صدّام. وقام الاتحاد السوفيتي كأمريكا بمنح أنواع المساعدات التسليحيّة، العسكريّة والماليّة. ومع بدء الحرب، كان صدّام مدعوماً من أكثر من 80 دولة حول العالم بشكل رسمي وغير رسمي، بينما كانت الجمهورية الإٍسلاميّة في إيران محرومة من شراء الأسلاك الشائكة أيضاً، والتي لم تكن تُحتسب سلاحاً.
ينبغي معاقبة إيران بكلّ الأشكال
كانت أمريكا الداعم الأصلي لصدام في حربه ضدّ إيران، وكانت تسعى لتحقيق هدفين: كان هدف أمريكا قصير الأمد، تحرير رهائنها بعد هجومها الفاشل على صحراء طبس والانقلاب العسكري «نوژه»، والهدف الآخر لأمريكا تمثّل في قمع الثورة الإسلاميّة واجتناب صدورها إلى سائر الأماكن في المنطقة والعالم. يعتبر المستشار الأمني لكارتر، برجنسكي أنّ شنّ حرب إقليميّة على إيران مثّل حلّاً مناسباً لاجتناب صدور الثورة الإسلاميّة وصرّح قائلاً: «على أمريكا أن تهتمّ بتقوية الحكومات القادرة على إطلاق عمليّات عسكريّة ضدّ إيران من أجل التصدّي للثورة في إيران.» لذلك قام برجنسكي في لقاء سرّي مع صدّام بزرع هذه الثقة لديه بأنّ أمريكا تساند العراق بكامل وجودها.
يصرّح عضو مجلس الأمن القومي في الحكومة الأمريكيّة في زمن الرئيس كارتر «غري سيك»: بعد حادثة اعتقال الرهائن في طهران، كان الاعتقاد السائد في أمريكا وبشكل خاصّ لدى شخص برجنسكي (مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي) أنّه من الضروري معاقبة إيران بشكل موسّع وشامل. وقد كانت البيانات العامّة التي كان يصدرها، تؤكّد على هذا المضمون بأنّ أمريكا لا تمانع تحرّكات العراق ضدّ إيران.
مساعدات أمريكا للعراق طوال حرب الأعوام الثمانية
إضافة إلى هذا الأمر، تتوفّر وثائق عديدة تكشف الدعم الاستخباري لحكومة دونالد ريغان للنظام البعثي. فبعد 8 أيام فقط من انطلاق هجوم صدّام ضدّ الأراضي الإيرانيّة، تمّ تسليم الحكومة السعوديّة 5 طائرات آواكس للاستطلاع تعود للقوات الجوية الأمريكية من أجل إجراء طلعات جوية استطلاعية فوق الأجواء الإيرانيّة وتقديم المعلومات لجيش النظام البعثي. وضمن هذا الإطار سلّمت منظمة السي آي أي منذ بدء الحرب نظام البعث العراقي صوراً جويّة وفضائيّة لنقاط تموضع القوات العسكريّة وآبار النفط الإيرانيّة.
شكّل التجهيز العسكريّ جانباً واحداً فقط من جوانب دعم أمريكا لصدّام طوال الحرب. إضافة إلى ذلك منحت حكومة الولايات المتّحدة الأمريكيّة العراق 840 مليون دولار من أجل استيراد المواد الغذائيّة لكي لا يؤدّي استمرار الحرب إلى اتخاذ الرأي العام الداخلي موقفاً رافضاً لها. كما منحت أمريكا العراق قرضاً بقيمة مليار دولار من أجل شراء الأسلحة واستخدام التقنيات الحديثة.
من الخطوات التي تمّت أيضاً كانت إزالة العراق من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وهذا ساهم في تقديم الدّعم التسليحي للعراق. إضافة إلى ذلك، شجّعت أمريكا السعوديّة على تخفيض سعر النفط، فحرمت بذلك إيران من أهمّ مواردها الماليّة.
طوال الحرب، تلقّى صدّام أكثر من 60 مليار دولار من الأنظمة الغربيّة، وأمّن بذلك حاجة اقتصاده الماليّ المرتهن. وقامت أمريكا إضافة إلى تجهيز العراق، ببذل محاولات لإدانة إيران في مجلس الأمن الدولي ومنع انعكاس تصريحات المسؤولين الإيرانيّين المحقّة إلى سائر الدول والمؤسسات الدوليّة. أدّى دعم الدول الغربيّة وعلى رأسهم أمريكا لصدّام إلى التهاب نيران الحرب واشتعالها أكثر فأكثر.
دعم أوروبا التسليحي للعراق وتقديم المواد الكيميائيّة
تكشف إحصائيات التجهيزات والدعم لصدام في الحرب عدم التكافؤ بين الطرفين بمنتهى الوضوح. على سبيل المثال عند استعادة «الفاو» في نيسان من العام 1988 كان الجيش العراقي يملك حوالي الـ5 آلاف دبابة، 4500 ناقلة جند مدرّعة، 5500 مدفعيّة، 420 طائرة مروحيّة و720 مقاتلة حربية وقاذفة صواريخ.
هذا الكمّ الكبير من الأنظمة التسليحيّة، أضيف إليه 300 صاروخ سكود بي أرض-أرض من إنتاج الاتحاد السوفيتي والتي تمّ تحديثها بواسطة الألمان، إضافة إلى مقادير كبيرة من الأسلحة الكيميائيّة المصدّرة من أمريكا وأوروبا. استطاعت الحكومة في بغداد بامتلاكها هذا الكمّ الكبير من الأسلحة الحديثة المتعارف عليها وغير المتعارف عليها، تطوير قدرات قوات جيشها البريّة والارتقاء بعدد فيالقها من 27 فيلق عام 1986 إلى 50 فيلق عام 1989.
إضافة إلى ذلك، مدّت أمريكا، البرازيل، بريطانيا والأرجنتين التي كانت متطوّرة من الناحية التسليحيّة العراق بمختلف أنواع الأسلحة. وبادرت إيطاليا إلى إرسال صواريخ ضدّ دروع متطوّرة وساعدت العراق في تصنيع مدفعيّات بعيدة المدى كما دعمت سائر الأقسام في جيش النظام البعثي. وفرنسا أيضاً رغم أنّها أعلنت الحياد في البداية، إلا أنّ الإحصائيات المتوفرة تدلّ على أنّ هذا البلد دعم النظام في بغداد بقرابة الـ4,7 مليار دولار. كما تمّ تزويد صدّام بطائرات سوبر اتاندارد والصواريخ الليزريّة التي كانت تمثّل آخر إنجازات فرنسا في الصناعة العسكريّة. ودارت نقاشات في الحكومة الفرنسية حول إمكانيّة دعم حصول العراق على سلاح نووي في الحرب بشكل محدود، وهذا كان دليلاً آخر على دعم فرنسا لصدام. وكان الألمان أيضاً من الدول التي أرسلت المواد الكيميائية لصدام بحيث استطاع النظام البعثي تصنيع 6000 طن من القنابل الكيميائية التي استهدفت إيران.
مساعدات الاتحاد السوفيتي للعراق طوال فترة الحرب
دعم الاتحاد السوفيتي النظام البعثي عبر إرسال أحدث الطائرات الحربيّة، المروحيّات، الدبابات وسائر الأسلحة. إضافة إلى ذلك سافر قادة جيش الاتحاد السوفيتي إلى بغداد وقدّموا التدريبات اللازمة لجيش النظام البعثي. كانت نسبة 85% من الأسلحة والتجهيزات المستخدمة في الحرب ضدّ إيران من صناعة الاتحاد السوفيتي. أكثر من 400 دبابة تي 55، 300 صاروخ أرض-أرض سكود بي، ألف دبابة تي 62، أكثر من 500 دبابة تي 72 المتطوّرة وقرابة الـ200 طائرة ميغ، شكّلت جزءً من مساعدات الاتحاد السوفيتيّ للنظام البعثي في العراق.
إلى جانب كلّ هذا الدعم العسكريّ المباشر، استطاعت الحكومة العراقيّة دعوة خبراء الاتحاد السوفيتيّ في المجال الصاروخي من أجل تطوير برنامجها الصاروخي الباليستي. ولم يؤدّ تواجد هؤلاء الخبراء إلى صناعة الصواريخ البالستيّة، لكنّه شكّل دليلاً واضحاً على دعم الاتحاد السوفيتي الشامل للنظام البعثي. طبعاً، إضافة إلى فهرس الدعم الذي سلف ذكره، ينبغي أيضاً أن تتمّ الإشارة إلى دول كسويسرا، السويد، النمسا، يوغوسلافيا، الصين، رومانيا، إيطاليا وسنغافورة و… وإضافتهم إلى لائحة داعمي النظام البعثي.
بريطانيا وأمريكا كانت لهما اليد الطولى في تجهيز صدّام
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ دعم الغرب والشرق لصدّام لم يقتصر على مرحلة الحرب بين إيران والعراق، بل استمرّ بعد انتهاء الحرب أيضاً. فقد اكتسب العراق لقب شرطيّ المنطقة بعد انتهاء الحرب، أي نفس اللقب الذي كان يملكه الشاه محمّد رضا بهلوي قبل انتصار الثورة الإسلاميّة.
وضمن هذا الإطار، وكما ذُكر سابقاً، كشفت الوثائق الموثوقة أنّ بريطانيا وأمريكا كانت لهما اليد الطولى في تجهيز صدام بعد الحرب بين إيران والعراق. يصرّح مستشار وزير الدفاع البريطاني «هيتي» في هذا الشأن: «لقد بذلنا قصارى جهودنا من أجل الإبقاء على العلاقات الحميمة مع العراق. طوال حرب الأعوام الثمانية التي شنّها صدام ضدّ النظام في طهران، تدرّب بشكل سنوي ما يقارب الـ40 طيّار عسكريّ عراقي في قاعدة الملكيّة البريطانيّة الجويّة، وكانت تشرف على هذه الدورات شركات مختصّة كشرطاة C.S.I للطائرات.»
- [2] كلمة الحاج قاسم في مؤتمر شهداء أدوات التابعين لفيلق 41 ثار الله.
تعليق واحد