إمكانات العراق هذه كانت ورائها الدّول العربيّة
انظروا إلى ذلك المقلب من المشهد! انظروا في أيّ أوضاع كان العدوّ. هناك وثائق تثبت أنّ العدوّ كان قد بدأ بالتخطيط للهجوم على إيران منذ العام 1980. وأكثر عامين شهدا مبيعات للنّفط العراقي هما 1980 و1981. المرحلة الوحيدة التي نجح فيها العراق في بيع مليوني برميل نفط يوميّاً كانت تلك المرحلة.[1] وأمّن عبر الأموال الإضافية الناتجة عن بيع النفط احتياطيّاً كبيراً من النقد الأجنبي وما يحتاجه من المال في الحرب، واشترى طوال قرابة العام كلّ الإمكانات التي يحتاجها من العالم، وحاول تعويض عدم كفاءة جيش النظام البعثي مقابل جيش إيران قبل الثورة الإسلاميّة بسرعة. طبعاً استمرّ هذا الأمر بعد مرحلة الدفاع المقدّس.
بلغ الأمر نقطة أصبح فيها حجم جيش النظام البعثي أكبر من أرض العراق. وحجم الجيش الكبير هذا، كان سبب الخطأ الاستراتيجيّ الذي ارتكبه صدّام في هجومه على الكويت.
إضافة إلى احتياطي النّقد الأجنبي في العراق نفسه، تحوّلت سائر الجهات الأجنبيّة، والغربيّون بشكل خاصّ وبعض الدول العربيّة المهمّة إلى صندوق تمويلي للحرب ضدّنا. ونسبة الأموال التي قدّمتها السعوديّة، الإمارات والكويت طوال فترة الحرب لصدّام -مساعدات دون مقابل- كانت تساوي لوحدها ضعفين ونصف كلّ ميزانيّتنا التي أنفقناها على الحرب. دقّقوا، هذه الأموال كانت غير الأموال التي أنفقها صدّام نفسه على الحرب. هذه المساعدات الماليّة كانت غير المساعدات غير المباشرة التي تمّ تقديمها للنظام البعثي. كان صدّام يشتري بهذه الأموال الأسلحة بمنتهى السهولة. وسبب امتلاك العراق لكامل الإمكانات كانت الدول العربيّة التي وفّرت له كلّ ما يحتاجه.[2] لو لم نلتفت إلى هذه الأمور لم نكن سنستطيع إدراك عمق وعظمة هذا الإنجاز بشكل جيّد. حسناً، لاحظوا أوضاع البلدين: أحد الطرفين ليس مستعداً ويشهد نزاعات واضطرابات داخليّة نشأت بعد الثورة الإسلاميّة والطرف الآخر بذل أقصى جهوده طوال عام ونصف العام لكي يستفيد من الدول الداعمة له في سبيل التجهيز وشنّ الهجوم. شنّ العدوّ هجومه علينا لسببين، ووصل إلى مشارف كبرى مدننا بسرعة. لم يمزحوا حين قالوا أنّ الجنديّ البعثي حينها عبر نهر كرخة وسأل كم تبقّى حتى الوصول إلى طهران؟ لأنّه كان قد قطع مسافة عدّة ساعات بدبّابته دون أيّ تصدٍّ ومواجهة وقد وصل إلى مشارف الأهواز، لم يكن يدرك مساحة إيران الكبيرة! بعض هؤلاء الإخوة العراقيّين جاؤوا إلى إيران بعد سقوط نظام صدّام وقطعوا المسير من مهران إلى طهران، فكانوا يستغربون من وسعة الأراضي الإيرانيّة ويقولون، يا للعجب! إيران قارّة في حدّ نفسها.[3]
[1] في بدايات نشوب الحرب ضدّ إيران، كان العراق يعيش أوضاعاً اقتصاديّة جيّدة؛ وقد كان بلداً ثريّاً وكانت عائدات النفط الكبيرة كافية لتدوير عجلات الاقتصاد وتوفير رفاهية الناس. كان احتياطي النقد الأجنبي لذلك البلد يبلغ في تلك الفترة أكثر من 30 مليار دولار. (موسوعة الحرب بين إيران والعراق)
[2] إحدى الأسباب التي شجّعت الدول العربيّة على مهاجمة إيران، كانت الأوهام التي شغلتهم وخوفهم من انتقال تجربة ثوريّة شبيهة بثورة إيران إلى دولهم؛ لذلك فإنّ هذه الدول بادرت عبر تجهيزها للعراق إلى مواجهة ثورة إيران الحديثة ومحاولة منع انتقالها إلى دول المنطقة.
أموال العرب في المنطقة ودعم الشّرق والغرب
يورد مركز وثائق الثورة الإسلاميّة في إحدى التقارير شرحاً لمستوى الدعم المالي والتسليحي الذي قدّمته الدول العربيّة: طوال سنين الحرب، أطلقت الدول العربيّة على صدّام ألقاباً عديدة مثل «قائد وفاتح القادسيّة»، «مفخرة العرب» و«صلاح الدين الأيوبي في هذا العصر» وقدّمت لصدّام ونظامه مليارات الدولارات دون مقابل. يصرّح أحد قادة الحرب في هذا الشأن: «لقد تلاشت الآلة العسكريّة العراقية فعلاً في العديد من العمليّات مثل خيبر، والفجر 8 وكربلاء 5؛ لكن لم يكن الأمر يطول أكثر من أشهر قليلة حتّى يعود صدّام بعد كلّ عمليّة بإمكانات أكثر وأحدث. لم يكن هذا الأمر ليتمّ لولا وجود أموال العرب في المنطقة ودعم الغرب والشّرق».
لذلك يمكن القول بوضوح أنّ الدول العربيّة مع امتلاكها للذخائر النفطية الهائلة، كانت الداعم للعراق. وصدّام حسين نفسه أقرّ بعد اعتقاله في تحقيق جرى معه في شباط من العام 2004 أنّ العديد من الدول العربيّة ساندت العراق طوال الحرب من الناحية الماليّة.
مشاركة أربعين ألف جنديّ أردني في الحرب ضدّ إيران
كان الأردن الداعم الأساسيّ للعراق في البداية. الأردن الذي لم تكن تربطه علاقات حسنة بإيران بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، أقام علاقات وديّة وقريبة جدّاً من العراق. بعد مؤتمر جامعة الدول العربية في بغداد وتونس، تقاربت العلاقات بين الأردن والعراق أكثر فأكثر بشكل يومي وتعمّقت لدرجة أنّ الملك حسين اتّخذ موقفاً صريحاً لصالح العراق وضدّ إيران ودعم العراق بشكل صريح عبر المساندات السياسيّة، الاقتصاديّة والعسكريّة الكثيرة ومن بينها منح قروض بملايين الدولارات للعراق.
تنقل صحيفة «الغارديان» التي تطبع في بريطانيا عن مصادر فلسطينيّة في بيروت عام 1981: «أوفد الملك حسين، ملك الأردن حوالي الخمسة آلاف من قواته إلى العراق لكي يتكفّلوا بالمسؤوليات الأمنيّة المحليّة بحيث يتمكّن الجنود العراقيّون من المشاركة في جبهات الحرب مع إيران بحريّة». تشير هذه الجريدة أيضاً إلى أنّ الملك حسين كان أوّل ملك عربيّ هبّ لدعم ومساندة العراق في الحرب بين إيران والعراق بحيث أنّ عدداً من المتطوّعين الأردنيّين في الجيش العراقي اعتقلوا في عمليّة بيت المقدس على يد مجاهدي الإسلام. إضافة إلى ذلك، كان الملك حسين يلتقي صدّام بشكل مستمرّ ويعلن عن دعمه له، ويحمل إليه رسائل أمريكا إلى بغداد. وقد تمّ تخصيص المرفأ الخلفي لهذا البلد المطلّ على البحر الأحمر لأجل إرسال مساعدات الغرب التسليحيّة إلى العراق، وتدفّقت عبره المساعدات للنظام البعثي. كما أنّ 40 ألف جنديّ أردنيّ مسلّح تموضعوا بأمر من الملك حسين على الحدود بين الأردن والعراق لكي ينطلقوا باتجاه جبهات القتال ضدّ إيران.
طوال حرب الأعوام الثمانية بين إيران والعراق، كان نظام النقل الوحيد إلى العراق يمرّ عبر الأردن. وضمن هذا الإطار نشأت شبكة حمل ونقل ضخمة بين البلدين. وإضافة إلى إرسال الملك حسين الجنود الأردنيّين إلى العراق من أجل قمع الشعب الإيراني المسلم، أعلن في إحدى تصريحاته قائلاً: «سوف نرسل المزيد من القوات إلى العراق إذا استدعت الحاجة ذلك».
لا شكّ في أنّ الاكتفاء بالاهتمام بتصريحات الملك حسين في جلسة مجلس الوزراء الأردني العادية عام في آذار من العام 1981 كفيلٌ بإظهار موقف ذلك البلد من الحرب الدائرة بين إيران والعراق: «مسؤولية العرب هي التعاون من أجل وحدتهم واجتناب تسلّل الأخطار من أيّ مكان كان، نحمل على عاتقنا مسؤولية الحفاظ على استقرار وتلاحم العالم الإسلاميّ؛ ونحن بصفتنا دولة عربيّة علينا أن لا نسمح بأيّ اعتداء مهما كان مصدره على أيّ جزء من الأراضي العراقيّة.»
تقديم الكويت 30 مليار دولار للعراق
إضافة إلى الأردن، كانت الكويت أيضاً تُعدّ من الداعمين العرب لصدّام حسين. وهذا البلد لم يكتفِ بوضع أرضه وقواعده الجويّة بمتناول العراق، بل منح العراق قرضاً يبلغ 14 مليار دولار إضافة إلى النّفط الذي كانت الكويت تصدّره إلى العراق. وقد صرّح «الشيخ صباح»، أحد سفراء الكويت في أمريكا حول مقدار هذه المساعدات: «لقد أنفقت الكويت 14 مليار دولار كمساعدة ماليّة وأكثر من 16 مليار دولار عبر المساعدات الخدماتيّة وغيرها للآلة العسكريّة العراقيّة.»
السعوديّة، أكبر الداعمين العرب للعراق في فترة الحرب
إضافة إلى هذين البلدين، قدّمت الإمارات العربيّة المتحدة مليار دولار وقطر مبلغ خمسمائة مليون دولار حتى أواخر العام 1981 للعراق. كما أنّ الكويت والسعوديّة اتفقتا منذ العام 1982 بأن يتمّ إيداع عائدات 300 إلى 350 ألف برميل نفط في حسابات العراق بشكل يومي.
والداعم الآخر لصدّام في المنطقة، أي السعوديّة التي كانت قد أقامت علاقات خاصّة في هذه الفترة مع أمريكا، بادرت إلى التقليل من سعر النفط وبذلك قلّصت مصدر الدعم المالي الوحيد لإيران إلى أقصى الحدود. إضافة إلى ذلك كان المسؤولون السعوديّون يشدّدون باستمرار على علاقتهم بصدّام ويشجّعونه ويرفعون من معنويّاته. على سبيل المثال، أعلن الملك السعودي حينها، الملك خالد، في اتصال هاتفي مع صدّام بتاريخ 25 أيلول عام 1980 عن دعم بلاده للعراق. وعليه يمكن اعتبار السعوديّة أهمّ داعمٍ عربي للعراق خلال فترة الحرب بحيث أنّ مجموع الدعم المالي الذي قدّمته بلغ الثلاثين مليار دولار من أًصل 70 مليار دولار قدّمتها بلدان الخليج الفارسي للعراق.
دعم مصر، السودان وليبيا للعراق
ينبغي أيضاً وضع مصر ضمن البلدان الداعمة لصدّام. بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، أعلنت مصر بإيوائها لمحمّد رضا بهلوي ووقوفها ضدّ الثورة الإسلاميّة في إيران. وبعد أنور السادات، أكمل حسني مبارك سياسة الدعم للعراق في حربها ضدّ إيران. طوال العقد الثامن أنفق الرّئيس المصري «حسني مبارك» ما يعادل 3,5 مليار دولار على الصواريخ والأسلحة التي أرسلها إلى صدّام.
والسودان أيضاً أرسل في كانون الثاني من العام 1983 مئات الجنود من جيشه إلى الجبهات ضدّ إيران. كما أنّ الرّئيس السوداني «جعفر النميري» أصدر أمراً بافتتاح مكاتب في الخرطوم وسائر المدن لتسجيل أسماء المتطوّعين للقتال في جبهات الحرب ضدّ إيران. وقد أقرّ «جعفر النّميري» في حوار مع مجلّة «اليوسف» الصادرة في القاهرة أنّ إرسال القوات إلى العراق تمّ بناء على قرارات مؤتمر جامعة الدول العربيّة.
وليبيا أيضاً رغم أنّها أعلنت في بداية الحرب عن دعمها لإيران، إلا أنّها غيّرت بعد فترة موقفها، وانضمّت إلى حلفاء النظام البعثي. لكنّ حكومة اليمن في ذلك الوقت قدّمت نفسها منذ البداية كحليفة للعراق. ويصرّح المسؤول السابق لملف إيران في استخبارات العراق «وفيق السامرايي» في هذا الشأن: «كانت اليمن قد أرسلت «كتيبة مشاة العروبة» إلى العراق. والأردن أيضاً أرسلت قوات «اليرموك» إلى العراق وأرسل السودان أيضاً عدداً من المتطوّعين الذين قاتلوا في الجبهة الشرقيّة لنهر ميسان في الخطوط الأماميّة.»
إضافة إلى البلدان التي سلف ذكرها يمكن الإشارة إلى بلدان كالبحرين، عمان، المغرب، الجزائر والصومال ضمن لائحة داعمي صدّام.
- [3] كلمة الحاج قاسم في مؤتمر شهداء أدوات التابعين لفيلق 41 ثار الله.
تعليق واحد