مواضيع

الإدارة الثوريّة تعني …

ما الذي يعنيه العمل الثوري الناجح؟ البعض يخلطون بين مفهوم الإدارة الثوريّة والثوريّة وبين انعدام النظم، والهرج والمرج وعدم وجود أيّ نوع من أنواع الانضباط؛ وهذا تعبيرٌ ظالم وبعيدٌ عن المروءة. أهمّ مؤشّرٍ للإدارة الثوريّة هو الروحانيّة، والإمام الخمينيّ الرّاحل (ق) مصداقٌ حقيقيّ للعمل والإدارة الثوريّة. الثورة الإسلاميّة اليوم مدينة لإدارة سماحة الإمام الخمينيّ (ق) الثوريّة، الإدارة الثوريّة، هي كإدارة حجّة الإسلام الشهيد ميثمي الذي هو واحدٌ منكم؛ الشّخص الذي كان ممثّل الإمام الخمينيّ (ق) في مقرّ خاتم الأنبياء؛ لكنّه لم يركب يوماً سيّارة بيت المال وحمل عباءته بيده وجال مستخدماً السيّارات العموميّة في الشوارع انطلاقاً من الغرب إلى الجنوب والجنوب باتجاه مختلف الجبهات وكان يصل إلى وجهته بهذه الطريقة.

الثوريّ يعني ذاك الذي فضّل الموت على الحياة الذّليلة، والعمل الثّوري شبيهٌ بعمل طالب علمٍ شهيد مثل الشهيد رداني[1] الذي كان قائداً لأحد الفيالق في الحرب؛ وقد كان عارفاً وعندما نوى الزّواج، أرسل بطاقة دعوة[2] للسيّدة فاطمة الزّهراء (س). العمل الثوري هو العمل الذي يرجّح فيه الشخص مصالح الشّعب والإسلام على مصالحه الشخصية ويترقّب فيه أوامر الوليّ ولا يختلق الحجج ويجعل نفسه درعاً [للدفاع عن الإسلام]؛ كما فعل شهداء الدفاع عن المقدّسات الذين لم تكن بيوتهم وأعراضهم معرّضة للخطر؛ لكنّهم اتّجهوا نحو سوريا لكي يدافعوا عن الإسلام.[3]


لا يُمكن نسيان ذكريات تضحياته الجسام إلى جانب الشهيد حسن باقري في «شذّابه» ولا تزال هذه الذكريات عالقة في أذهان مجاهدي الإسلام.

كلّما كانت والدة الشهيد تخطّط لتزويج ابنها وتجرّه إلى إحدى الزوايا لتطرح الأمر عليه، كان يردّ عليها بالقول: لقد تقطّع أبناء الناس إلى أشلاء، وسقطوا شهداء في الصحاري القفار، ثمّ تطلبون مني أن أترك أعمالك وتعال لنزوّجك؟!

أسأل الله أن يمنّ عليكِ بالصّبر!

رغم كلّ ذلك، كان قد سمع أنّ الإمام الخمينيّ(قدس سره) طلب أن تزوّجوا زوجات الشّهداء. ولم تكن أمّه تكفّ عن طرح الموضوع وكانت تهمس في أذنه باستمرار أنّ الوقت قد حان لتتزوّج. قبل في نهاية الأمر وأرسل والدته وشقيقته لطلب يد إحدى السيّدات.

لم يكن قد أخبر عائلته أنّ السيّدة التي اختارها زوجة شهيد. وهذه السيّدة كانت ترفض كلّ المتقدّمين لها، ورفضت مصطفى أيضاً.

أرسل مصطفى رسالة بأنّ الإمام الخمينيّ(قدس سره) قال: «تزوّجوا زوجات الشهداء» لم تقبل مرّة أخرى، كانت ترغب في أن تصبر حتّى انقضاء سنويّة زوجها الأولى.

ثمّ بعث مصطفى برسالة بأنّكِ من السّادة، وأنا أودّ مصاهرة السيّدة الزهراء  (ع). لم تقدر على الرّفض وأجابت بالقبول.

عقدا قرانهما عند الإمام الخميني(قدس سره)، وقال مصطفى في تلك الجلسة: «سيّدي، نرجو أن تنصحنا». نظر الإمام الخمينيّ(قدس سره) إلى العروس وقال: «أسأل الله أن يمنّ عليكِ بالصّبر!»

في أيّ عرسٍ نشارك إن لم نشارك في عرسه؟

قام طالب العلم الشهيد مصطفى رداني بور بإرسال بطاقة دعوة للسيّدة الزّهراء (سلام الله عليها) إضافة لبطاقات دعوة الضيوف، وقام بإلقائها في ضريح حرم السيّدة فاطمة المعصومة.

عند حلول الفجر، ومع قدوم صوت أذان الصّبح، استيقظت شقيقة مصطفى في حال من الحيرة والاضطراب. ذهبت إلى غرفة مصطفى على الفور وقالت: مصطفى .. مصطفى! أقسم بالله أنّ السيّدة الزّهراء جاءت برفقة سيّد نوراني وسيّدة أخرى وشاركت في عرسك. عندما .. عندما عرفتها قلت لها: سيّدتي! فداك روحي! لقد شرّفتنا بقدومك! لقد تفضّلتِ علينا .. لكن كيف تشاركين في عرسنا نحن؟! أجابتني: لقد جئنا لنشارك في حفل زواج ابني مصطفى .. ففي عرس من نشارك إن لم نحضر عرسه؟ .. ثمّ أفقت من الرّؤيا مذهولة.

وقع مصطفى على الأرض فجأة، وضع يديه على الأرض وعلا صوته بالبكاء .. كان يردّد: روحي فداء لها! لقد قبلت دعوتي.

  • أيّ دعوة؟!
  • رغبتُ في أن يكون عرسنا موضع رضا صاحب العصر والزّمان  (عج)، فكتبت بطاقة دعوة له، وبطاقة دعوة لوالدته الجليلة السيّدة فاطمة الزّهراء  (ع) وبطاقة دعوة للسيّدة فاطمة المعصومة  (ع). ألقيت بالرّسالة الأولى في بئر مسجد جمكران، وألقيت الرّسالة الثانية في ضريح السيّدة فاطمة المعصومة  (ع) .. وها قد اتّضح أنّها تفضّلت عليّ وقبلت دعوتي .. لقد ارتاح بالي الآن بأنّ حفل عرسنا كان مورد رضا مولانا صاحب العصر والزّمان (عج).

سوف أستشهد حتماً

لم ينم الشهيد مصطفى رداني بور وبقي يصلّي حتّى انبلاج الصّبح، وكان يبكي ويدعو. كان يكرّر، سوف أستشهد حتماً.

كان صديقه قد قال له: تبكي إلى هذا الحدّ، وتردّد أريد أن أستشهد، لماذا تزوّجت إذاً؟

أجاب: «زوجتي سيّدة. أرغب في أن أكون محرماً في ذلك العالم على السيّدة الزّهراء  (ع)، لعلّها ترمقني بنظرة!» ليلة العرس نهض ليلقي كلمة، فقال: «ليس عرس الليلة عرسي، عرسي الحقيقي هو عندما أتضرّج بدمي» لم تمضِ ثلاثة أيام على عرسه وانطلق نحو منطقة العمليّات وشارك في عمليّة والفجر 2 ثمّ استشهد في منطقة الحاج عمران وعلى تلال الشهيد برهاني.

  • [2] ورد في مذكّرات زواج هذا الشهيد:
  • [1] عالم الدّين الشهيد مصطفى رداني بور، قائد مقرّ الفتح في حرس الثورة الإسلاميّة، وُلد عام 1958 في أحد البيوت القديمة الواقعة في منطقة محرومة (خلف مسجد الإمام) في مدينة «أصفهان». كان والده عاملاً يحمل الأثقال وكانت والدته تخيط السجّاد، وبذلك كان والداه يؤمّنان مصاريف الحياة. أمضى الشهيد رداني بور أولى سنوات طلبه للعلم في حوزة أصفهان العلميّة. ثمّ اتّجه نحو مدينة قم من أجل مواصلة رحلته العلميّة والاستفادة من حضور الفضلاء والعظام، وواصل دراسته في مدرسة حقّاني. تشرّف بلقاء الإمام الخمينيّ(قدس سره)في جلسة حضر فيها ممثّل الإمام وإمام جمعة أصفهان، وطلب من الإمام الخميني(قدس سره)أن يحدّد له تكليفه فيما يخصّ التوجّه إلى كردستان. ردّ الإمام الخمينيّ(قدس سره)على الشهيد ردّاني بور قائلاً: «عليك أن تذهب إلى كردستان وتعمل هناك».
  • [3] كلمة الحاج قاسم سليماني في مؤتمر «الحوزة الثوريّة، الآمال والهواجس» في قاعة الاجتماعات في مدرسة دار الشفاء العلميّة في مدينة قم المقدّسة
المصدر
كتاب سيد شهداء محور المقاومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟