مواضيع

وظائف المسؤولون والمؤسسات الثورية

عامة موظفين النظام

لم يكن هذا النظام مجرد شكل، بل كان له محتواه، بمعنى أنّ هناك أموراً لابد من إنجازها في صلب حياة الناس، وإنّ إنجاز هذه الأمور يتطلّب رجالاً مؤمنين ذوي خصوصيات وصفات متميّزة، وبذلك تقام الحكومة الإسلامية التي تضمّ جميع المسؤولين في النظام الإسلامي وليس السلطة التنفيذية فحسب، فيجب على هؤلاء تطبيق توجّهاتهم وسلوكياتهم الاجتماعية والفردية وعلاقتهم بالشعب من خلال الموازين الإسلامية؛ كي يتمكّنوا من بلوغ أهدافهم.

وبعد ذلك يتعيّن عليهم أن يجعلوا تلك التوجّهات نَصْبَ أعينهم، وأن يَهبّوا إلى الحركة نحوها، وبذلك تتحقق الحكومة الإسلامية.

وقد تركّزت الجهود منذ البداية على إقامة الحكومة الإسلامية، سوى أنّ هذه الجهود صادفت بعض العقبات، وقد حالفنا النجاح أحياناً ولم يحالفنا أحياناً أخرى.

وقد زَلّت أقدام بعضنا في منتصف الطريق، وتردّد بعضنا في أصل الأهداف، وبعضنا لم يتمكن من ضبط نفسه، وقد حصل لنا تعلّق بالسلوكيات الطاغوتية.

إنّ مجرد حملنا لاسم الحكومة الإسلامية ليس كافياً، وإلا فقد أُقيمت قبلنا عدّة حكومات حملت عنوان الجمهورية الإسلامية في منطقتنا وفي القارّة الإفريقية وغيرها من الأماكن ولا تزال موجودة.

وقد أُقيمت قبل الثورة حكومة في بلد وحملت اسم الجمهورية الإسلامية، وكنا نطلق عليها حينها مازحين الجمهورية الإسلامية الأمريكية.

إذاً لا يكفي مجرد أن نَتَسَمّى بالحكومة الإسلامية، بل لابد أن يكون سلوكنا وتوجّهنا إسلامياً، ولو حصل اختلال في ذلك ستصاب الحركة المتواصلة والمستمرة والباحثة، اللازمة لإقامة الحكومة الإسلامية بالنَكَث والنَكوص.

طبعاً إنّ الحكومة الإسلامية الكاملة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ستقام على يَدْ الإنسان الكامل(عج) إن شاء الله، وطوبى لمن يدرك ذلك الزمان، فجميعنا دون الكمال، وإنما نروم بما أوتينا من جهد وقدرة إيصال مجموعة المسؤولين في الحكومة -ونحن منهم- مرحلة يبلغون معها نِصْاباً منسجماً مع الجمهورية الإسلامية.

فنحن نحاول إيصال أنفسنا إلى ذلك النِصْاب، فإذا جاءت حكومة وبَيّنَتْ أهدافها فهو شيء مبارك وجيّد.

وإنني قبل أربع أو خمس سنوات ذكرتُ ذلك في هذه الحسينية بحضور مجموعة الكوادر فقلت: الثورة الإسلامية، النظام الإسلامي، الحكومة الإسلامية، ثم يتحقق البلد الإسلامي بعد ذلك.

فإذا أضحت حكومتنا إسلامية عندها ستكون بلادنا إسلامية.

فإذا لم نتمكن كمسؤولين بلوغ حدّ النِصاب الإسلامي في معايشتنا للناس وسلوكياتنا واكتساب رزقنا وجهادنا، فكيف يمكننا أن نترقّب ذلك من الطالب الجامعي والشاب التاجر، أو المسؤول الصغير في الحكومة، أو ذلك العامل والقروي أو ساكن المدينة؟ فلماذا نتحامل على الناس ونعمل على لومهم وتقريعهم؟!

لا تلومُنَّ أحداً، وإذا كان هناك نقصُ فليس لنا إلا أن نلوم أنفسنا.

فعلينا -أولاً- أن نكون إسلاميين، وعندها لابد أن نجسّد الحديث القائل: «كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم»[1]، وبذلك سيتأثر الناس بأعمالنا، ويتحّولون إلى مسلمين حقيقيين، وستغدو البلاد والأحكام والقرارات إسلامية، وهكذا تنفيذها، وكذلك سيكون المسؤولون إسلاميين، وحينها سيغدو الناس بتَبَعِهم إسلاميين من الناحية الأخلاقية.

وطبعاً فإنّ الشيطان لا يموت فهو حي، وقد كان هناك دائماً عدد أو تيارات أو مجموعات تستسلم للشيطان، إلا إنّ الهيكل العام سيكون إسلاميا.

إنّ معنى شعار الحكومة الإسلامية هو أننا نريد تقريب سلوكياتنا الفردية والاجتماعية وسلوكيتنا مع أنفسنا والأنظمة العالمية والنظام السلطوي الذي يحكم العالم، من الموازين والضوابط الإسلامية، وهذا شعار قيّم للغاية، وإن شاء الله ستتمسّكون بهذا الشعار، وأن تواصلوا هذا الجهد بشكل أكثر جدّية وأقل أضراراً وأشد واقعيةً، وسيكون ذلك بمثابة خطوة كبيرة وصولاً إلى تلك الأهداف، وكما أسلفت فإن الوصول إلى هذه الأهداف بحاجة إلى رجال يتناسبون وحجمها؛ وطبعا حينما نقول (رجال) لا نعني بذلك المفردة الواردة في الدستور، فإنها تشمل النساء أيضا، أي أنها بحاجة إلى الأفراد الذين يتناسبون مع حجمها حتى يتمكّنوا من حمل أعباء المسؤولية.[2]

القائد

دور ولاية الفقيه أن تراقب مسار النظام في هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة من المساعي المختلفة لئلا ينحرف عن الأهداف والقيم. يجب أن لاينحرف يساراً أو يميناً. حراسة ومراقبة الحركة العامة للنظام صوب أهدافه السامية الرفيعة هي الدور الأهم والأعمق لولاية الفقيه.[3]

إنّ مسؤولية القائد أمام الشعب تتمثّل في تنبيه مسؤولي السلطات الثلاث إلى واجباتهم، وتحذيرهم وتذكيرهم إذا شاؤوا القيام بحركة من شأنها أن تؤدّي بالنظام والبلاد إلى الانحراف. وإن مسؤولية قضايا البلاد تتحمّلها الأجهزة ذات العلاقة -الحكومة، السلطة القضائية، ومجلس الشورى الإسلامي- أما مسؤولية القائد فهي أوسع مدىً منها، وهي مسؤولية جسيمة للغاية، فحيثما أزمع المسؤولون في السلطة التنفيذية أو القضائية أو أعضاء مجلس الشورى الإسلامي القيام بحركة تتنافى مع أهداف النظام الإسلامي فيجب على القائد أن يقف سدّاً مانعاً بوجههم، وهكذا سيكون بعون الله.

وإنّ حشد الأبواق الدعائية الإستكبارية ضد القائد، ومماشاة بعض العناصر في الداخل عن جهلٍ أو وعي -لا سمح الله- لهم لا تؤدّي به أن يتغاضى عن هذه المسؤولية الإلهية الكبرى، فنحن نؤمن بالقيامة والمحاسبة والمؤاخذة الإلهية، ولا أهمية لمؤاخذة زيد أو عمرو.[4]

الحكومة، مجلس الشورى والسلطة القضائية

الحكومة ومجلس الشورى والسلطة القضائية كلهم يقفون في جبهة واحدة ألا وهي جبهة الدفاع عن الإسلام وعن الشعب العزيز الشريف وعن استقلال البلاد وعن هوية الثورة التي منحت شعبنا وجماهيرنا هويتها، بل منحت الأمة الإسلامية هويتها. هذه هي أهدافنا المهمة اليوم. لذا ينبغي التعاون.[5]

لا فرق في ذلك بين السلطة التنفيذية والجهاز الحكومي أو السلطة التشريعية ونواب المجلس أو السلطة القضائية وأجهزة القضاء في أرجاء البلاد، فعليهم جميعاً العمل والسعي الجاد؛ من أجل تطبيق مبادئ وخطوط الثورة والإمام -وذلك في الحقيقة تطبيق للدستور- دون توانٍ ولا يسمحوا بإهدار أوقاتهم من أجل أعمال أخرى، ومَنْ قصّر في هذه البرهة فسيتعرض للإدانة أمام أنظار الجماهير وحكمها وللمساءلة أمام ربّ العالمين؛ ففي هذه المرحلة، حيث الجماهير بأمسّ الحاجة إلى خدمات مسؤوليها، عليهم أن لا يقصّروا، فالسبيل مفتوح أمام الخدمة وحل المعضلات الاقتصادية والمعاشية للشعب، والطريق مشرع لتطبيق العدالة وردم التمايز الطبقي -والذي يفترض عدم وجوده في مجتمعنا الإسلامي، ولكنه، وللأسف، موجود- فهناك سبل حكيمة ومنطقية وعلى المسؤولين شحذ الهمم؛ وذاك ما تنشده الروح الطاهرة لهذا الإمام العظيم، منّا ومن كافة المسؤولين، وما تتأمّله جماهيرنّا أيضاً.[6]

الإذاعة والتلفزيون

مؤسسة الإذاعة والتلفزيون مع تحمّلها مسؤوليّة «توجيه الثقافة والرأي العام في المجتمع وإدارته» الخطيرة بمثابة جامعة عامّة، وهي تتحمّل مسؤولية نشر الدين، الأخلاق، الأمل والتوعية والترويج لنمط العيش الإسلامي – الإيراني بين أفراد الشعب، كما تتحمّل بصفتها المحرّك والمشجّع على تقدّم البلد، مسؤولية الدعم الإعلامي الشامل والإبداعي في قضيّة التعبئة العامّة للشعب وأيضاً المساعدة على الإدارة التنفيذيّة التي تصبّ في اتجاه تحقيق الأهداف وتطبيق سياسات النظام الكبيرة وتحقيق الرؤية المستقبليّة للبلد.[7]

لذلك عليكم أن تعتبروا مؤسسة الإذاعة والتلفزيون جامعة تُعنى بتدريس مبادئ الإسلام الثوري. هذا ما نفهمه فيما يخصّ الإذاعة والتلفزيون. عندما عبّر الإمام الخميني في وصفها بأنّها «جامعة»، ففي الجامعة تُدرّس بعض الأمور؛ ما الذي يجب أن يتمّ تدريسه في هذه الجامعة؟ ما يتمّ تدريسه في هذه الجامعة هو عبارة عن رسائل، أسس، مفاهيم ودروس الإسلام الأصيل والإسلام الثوري والإسلام الحقيقي. هذا هو الأمر المثالي في الإذاعة والتلفزيون.

نحن نحاول الوصول إلى هذه النقطة؛ لكن تفصلنا عنها المسافات. وأنتم تدركون ذلك أكثر مني أيضاً. أنا أعرف جيّداً عيوب الإذاعة والتلفزيون؛ لكن لا شكّ في أنّ كلّ واحد منكم يعرف أكثر منّي العيوب في قسمه. طبعاً أنتم تعلمون أكثر مني الجهود التي تُبذل هناك والإخلاص في العمل؛ لا نقاش في هذا الأمر أيضاً.[8]

عليكم أن تعلموا جميعاً أنّكم ضباط وجنود هذه الحرب الناعمة؛ جميعكم أصحاب متاريس في هذه الحرب الناعمة ويجب أن تحفظوا متاريسكم، عليكم أن تدافعوا عنها؛ وإذا لم تدافعوا ستلقون الخسران. الدفاع عما تحدّثنا حوله، هو دفاعٌ عن هويّة هذا البلد الوطنيّة؛ ودفاعٌ عن مستقبل هذا البلد؛ ودفاعٌ عن مصير هذا البلد وهذا الشعب؛ دفاعٌ عن الحقائق الجليّة والسامية، فطرح تلك الحقائق يغيظ أعداءكم المستكبرين والجبابرة حدّ الجنون. عندما تكونون حاضرين في متاريسكم وتعملون بإتقان، ستكونون قد دافعتم عن هذه الأمور في واقع الأمر. لذلك، الإذاعة والتلفزيون هي الجبهة الأماميّة للحرب الناعمة؛ فلتعلموا هذا الأمر.[9]

المجلس الأعلى للثورة الثقافية

الفلسفة العميقة للمجلس الأعلى لشورى الثورة الثقافية، هو فهم وشرح وتثبيت وتطبيق ماهيّة الثورة الإسلاميّة الثقافيّة وإعادة الهيكلة المستمرّة لجبهة الثورة الإسلاميّة الثقافية وتحقيق التقدم الثقافي في البلد بما يتناسب مع إمكانيّات وقدرات إيران الإسلاميّة والثورية العظيمة.[10]

هناك حاجة لخطّة ثقافيّة منظّمة. فلنحدد الأوضاع الثقافيّة المطلوبة في البلد ولنضع أمامنا الأجزاء التي تنقسم إليها، ثمّ لنحدّد الأولويات، والأماكن التي تحتاج إلى اهتمام أكبر؛ والأماكن التي بقيت مغفلة خلال هذه الفترة، ولنتابع هذه القضية؛ قد تكون هناك حاجة للمزيد من الاستثمار في بعض المواضع، لنلتفت إلى هذه الأمور. هذا هو التنظيم الثقافي؛ وهو بالطبع عملٌ صعبٌ وشاق؛ بل هو أصعب من الخطّة العلميّة الشاملة. ولكونه عملاً أصعب، شهد تقدّماً أقل. فمرّت أعوام على طرح قضيّة الخطة الثقافية المنظمة في المجلس الأعلى لشورى الثورة الثقافية؛ ثمّ يقدّم لنا حديثاً السيد الدكتور مخبر تقريراً يفيد بأنّ الموضوع قيد النقاش! ينبغي التطرّق إلى هذه القضيّة؛ وهي قضيّة مهمّة.[11]

يجب أن تؤمنوا أن هذا المجلس هو المقر المركزي لثقافة البلاد، وأن تؤمنوا أن هذا المكان هو مقر قيادة القضايا الكبرى في ثقافة البلاد وفي رسم سياسات البلاد. ينبغي للأعضاء أن يلاحظوا هذا الشيء وينتبهوا له.

تعبير المقر قد يكون ثقيلاً على آذان البعض -فالمقر مصطلح حربي وعسكري- ويقولون إن المقر يختص بالشؤون العسكرية، وأنتم لا تتركون التفكير العسكري حتى في القضايا الثقافية! واقع القضية أن المعركة الثقافية إنْ لم تكن أهم من المعركة العسكرية وأخطر، فإن خطرها وأهميتها ليست بأقل، اعلموا ذلك، وأنتم تعلمونه، إنها فعلاً ساحة معركة. والأمر على هذا النحو خصوصاً في المقرات العسكرية. لا يتحمّل المقر مسؤولية تنفيذ التقسيم بمعنى أن تتعلق وحدة معينة به، لكن الوحدات تكون تحت تصرفه، وحسب التعبير العسكري تكون تحت سيطرته العملياتية. عندما نقيم مقراً عسكرياً يقول الحرس مثلاً إن هذه الوحدات من الحرس تحت سيطرة عملياتية من قبل تلك التشكيلات، فدعم وإمداد تلك الوحدات يرجع إلى تلك المنظمة -إما الجيش أو الحرس أو الأجهزة الأخرى- لكن استخدامها وتوجيهها يقع على عاتق المقر. ينبغي هنا التنبّة إلى مثل هذه الحالة.[12]

التربية والتعليم والأساتذة

مهما كان ما ترونه في هذه الدنيا مما يشير إلى آثار جهود بشريّة تفجّرت في برهة من الزمان الخاص بها، ثمّ تراجعت، أو زالت، أو على العكس، تحوّلت، أو تغيّر مسارها، إنّما هو نابعٌ من تراع في الوعي والفكر والإرادة ووضوح الرؤية والروحيّة؛ أي الصفات الأساسيّة التي يمتلكها الإنسان المتربّي. علينا أن نربّي الإنسان ونضخّ فيه هذه الصفات؛ وهذا بيدكم أنتم؛ أي عليكم أن تضعوا أنتم حر الأساس؛ خاصّة في سنين النشوء والشباب حيث يكون الشباب بعهدة وزارة التربية والتعليم.

باعتقادي، ما ينبغي الاهتمام به اليوم في وزارة التربية والتعليم أكثر من أيّ شيء آخر، هو الاعتقاد الإسلاميّ والعمل الإسلاميّ الذي يجب أن يتمّ إحياؤه في أوساط التلاميذ. يجب أن يكون الأمر على هذا النحو بأن لو جاء إلى المدرسة طفل من عائلة بعيدة عن المعتقدات وغير مكترثة للعمل والمعتقد الإسلاميّ؛ أو جاء طفلٌ من عائلة لديها بعض الاعتقاد والاكتراث تجاه الأفكار والعمل الإسلامي، لكنها بسبب جهل الوالدين والنقص الموجود لديهما في المجالين الفكري والنفسي، لا يملكان قدرة التأثير على الطفل، ينبغي هنا أن يتمّ تعويض موارد النقص تلك؛ أي أن يتحوّل هذا الطفل علماً، وعملاً واعتقاداً إلى شخصٍ متديّن؛ يجب أن تكون الهمّة بهذا المستوى.

طبعاً، جميعنا ملتفتون إلى أنّ الإنسان المسلم ليس فقط ذاك الإنسان الذي يملك المعتقد والعمل والإسلاميّ، بل إنّ الأخلاق الإسلاميّة أيضاً ركنٌ أساسي؛ وإلا لو أنّنا افترضنا وجود إنسان يملك معتقدات إسلاميّة محكمة ويطبّق معاني الصلاة والصوم وأمثال هذه الأمور، لكنّه حسود، بخيل، جبان، أناني، فاقد للروحيّة وفاقد للإرادة، فإنّ هذا الإنسان لن يكون إنساناً مسلماً. الإنسان المسلم يجب أن يعمل على الجوانب الثلاثة -جانب التربية، جانب المعرفة وجانب العمل أيضاً-. طبعاً، باعتبارٍ معيّن، كلّها أعمال؛ فالاعتقاد أيضاً نوعٌ من العمل؛ هو عملٌ قلبي. على أيّ حال، المقصود جليّ وواضح.

يجب أن تنصبّ الجهود في المدارس أيضاً على أن يصبح أطفالنا من الناحية الدينية -ضمن إطار الاعتقاد، وضمن إطار التربية والأخلاق وضمن إطارالتعبّد العمليّ أيضاً- أشخاصاً مسلمين؛ هذا هو العلاج وأساس عملنا. طبعاً، روحيّة حبّ العلم، من أنواع التربية الإسلامية؛ أي لو أردنا نشر الأخلاق الإسلاميّة، سيكون ذلك من ضمن هذه الأخلاق. تقدّم مراتب العلم ضمن أساسيات عملكم التي ينبغي إيلاء الاهتمام لها. تقسيم العلوم والعثور على الأولويّات وتحديد ما ينبغي لأعداد التلاميذ الهائلة التركيز عليه من العلوم، هذه كلّها شؤونكم العمليّة والتقنيّة، وأنتم أخبر بها. هذا هو علاج شؤوننا؛ أي يجب أن تتمّ تربية الأطفال بضمير إسلامي؛ وهذا اليوم من الواضحات.[13]

أوّل ما ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار، هو أن نوجد فيه هويّة وطنيّة ودينيّة مستقلّة؛ هذا هو الأمر الأوّل؛ هويّة مستقلّة وعزيزة. يجب أن نربّي الشاب لدينا بحيث يسعى باتجاه السياسة المستقلّة، والاقتصاد المستقلّ، والثقافة المستقلّة؛ وألا تتجذّر فيه التبعيّة، والركون للآخرين، والاعتماد على الآخرين والاتكاء عليهم. نحن متضرّرون من هذه الناحية؛ دعوني أخبركم بهذا الأمر! ترون أنّه عندما تدخل كلمة أجنبيّة إلى البلاد، يستخدمها على الفور الكبير والصغير ومرتدو العمامة ومن لا يرتديها وأمثال هؤلاء. حسناً، لماذا يحدث ذلك؟ لمَ نحن متشوّقون إلى هذا الحدّ ومتعطّشون لاستخدام التعابير الأجنبيّة؟ لماذا؟ هذه هي ذات الحالة التي أورثونا إياها. هذه هي حالة مرحلة الطاغوت، وهي مرحلة شبابنا.

أنا أذكر؛ عندما كنت شابّاً، كأننا كنا نتسابق من أجل استخدام هذه التعابير الأجنبيّة. وكان استخدام الشخص لعدد أكبر من هذه التعابير دليلٌ على كونه صاحب فكر أنوَر ووعي أكبر وأمثال هذه الأمور. هذا خطأ. الهويّة المستقلّة هي أوّل ما ينبغي أن ننمّيه لدى شبابنا وناشئتنا ونطوّره. ثمّ سيكتسب الاقتصاد المقاوم حينها معناه. ليس الأمر على هذا النحو بأن نقرّر تحقيق الاقتصاد المقاوم، ويجلس كبار المسؤولين الحكوميّين ويعقدوا مئة جلسة متتالية ويصدروا البيانات والقرارات بشكل متكرّر؛ ثمّ تكون النتيجة بأن لا يتمّ الأمر بشكل كامل. حسناً، هم يبذلون مساعيهم اليوم لكي يتحقّق هذا الاقتصاد المقاوم. عندما لا تتوفّر الروحيّة، روحيّة الاستقلال والمقاومة والصمود مقابل الآخرين، سيكون الأمر صعباً.

علينا أن نحيي المؤشرات المميّزة والبارزة لدى تلاميذنا؛ نعم، لقد ورد في نصّ هذا القسَم أيضاً التعهّد بإحياء الفطرة الإلهيّة لديه؛ نعم، هذا صحيح؛ لقد جعل الله عزّ وجل بداخلنا جميعاً وجوداً قابلاً للتطوير ويُمكن الاستفادة منه. فعّلوا هذا لدى الطفل ونمّوه.

هذه هي المؤشرات؛ والأساس فيها هي المفاهيم المولّدة للحركة، فلنزوده ونحرّك بداخله المفاهيم المولّدة للحركة والعمل ولنحيها؛ الإيمان؛ الحكمة والتفكير، فليتعلم كيف يفكّر؛ المشاركة الاجتماعيّة، الابتعاد عن الانزواءات الاجتماعيّة غير المحبّذة؛ التكافل الاجتماعي الذي ينطوي على معنى إسلاميّ راقٍ جدّاً.

ترشيد نموذج الاستهلاك؛ لقد تحدّثت مرّات عديدة حول ترشيد نموذج الاستهلاك -في خطابات بداية العام، مع المسؤولين، في الجلسات الخاصّة والعامّة- لكنّ نموذج استهلاكنا لم يصلح لحدّ الآن؛ نحن نستهلك بأسلوب سيء. فقضيّة البضاعة الأجنبيّة التي تحدّثت حولها منذ عدّة أيام هنا في الحسينيّة مع جمع من الأشخاص، هي من هذا القبيل. تهريب البضائع الفاخرة بعشرات ومئات المليارات هو من هذا القبيل. هذه الحركات الطفوليّة داخل الشوارع -حيث إنّ الانتهازيّين من أبناء الأغنياء، يأتون بسياراتهم الفخمة ويجولون الشوارع ويقدمون الاستعراضات بها- سببها هذه الأمور؛ يجب ترشيد نموذج الاستهلاك. ينبغي تعليم هذا الشاب وهذا اليافع هذه الأمور منذ الطفولة. تحمّل المعارض؛ نعم، فعندما نلتفت ونوجه ضربة إلى صدر من يعارضنا لمجرّد أنّه عارضنا؛ فهذا يشير إلى عدم التحمّل. لا يطلب منا الإسلام هذا الأمر؛ بل يطلب عكس ذلك؛ <رُحَماءُ بَينَهُم>[14]. الأدب؛ التحلّي بالأدب. كثيرون منكم مطّلعون على الساحة الافتراضيّة؛ هل يُراعى الأدب في الساحة الافتراضيّة فعلاً؟ هل يُراعى الحياء؟ لا يُراعى؛ أو أنّه لا يُراعى في قسم يُعتنى به. يجب تنمية هذه الأمور لدى الشباب والناشئة.

التديّن؛ عدم تربيتهم تربية أرستقراطيّة وضخّ النمط الأرستقراطي في داخلهم. حسناً، لو أردت تنظيم فهرس هنا وكتابته ثمّ قرائته عليكم، ستنتج عدّة صفحات؛ جانبٌ منه هي هذه الأمور. عليكم إنجاز هذه الأمور؛ هذه مهمّتكم، هذه وظيفتكم المقدّسة. أنتم من تربّون هذا الجيل بهذا النحو وتبنون لديه الثقافة. وإذا استطعتم ترسيخ هذه المفاهيم المولّدة للحركة في أذهان تلامذتكم، ستكونون قد قدّمتم خدمة عظيمة لمستقبل بلدكم. هكذا هو المعلّم لحُسن الحظّ؛ لأنّه يعلّم، ولكونه بطبيعة الحال صاحب سيطرة روحيّة وثقافيّة على التلميذ -لا شأن لنا بأولئك التلامذة سيئي الأخلاق الموجودين في بعض الصفوف، لكن هذا هو الحال بشكل عام؛ ففي الحوزات العلميّة يكون المتعلّم وطالب العلم كالخاضع مقابل أستاذه؛ وليس الحال كذلك في الثقافة الجديدة لكن للأستاذ سيطرة على التلميذ في نهاية الحال- ويمكنكم الاستفادة من ذلك.

حسناً، لمختلف الأجهزة دور؛ يمكنهم خلق هذه الأجواء في وزارة التربية والتعليم بحيث يسهّلون العمل على المعلّم ويحثّونه على البقاء وفيّاً لمضمون هذا القَسَم والمواضيع التي طرحناها.[15]

أئمة الجمعة

تصوّروا في هذا النظام مجموعة ومشهداً عظيماً مليئاً بالناس. إذا افتراضنا وجود مركز توجيه عام -أي جهاز القيادة- وسط هذا التنظيم، فإنّ تلك القواعد والمراكز القريبة من أذهان وآذان وأجساد الناس في أنحاء البلد، هي صلوات الجمعة. أي أنّ صلوات الجمعة تقوم في أيّ نقطة من نقاط البلد تنهض بجزء من عمل القيادة في هذا البلد، فهي توجّه الناس، تحثّهم على الثبات على النهج، وتبعدهم عن الأخطاء، وتعرّف أذهان الناس على المعارف الضروريّة، وتجعل الأعداء آيسين من التغلغل في أذهان الناس، ومنع العدوّ من التأثير بشكل سيء على الناس وتحثّ الناس على التحرّك وبذل الجهود ضمن الإطار العام للنظام. عندما يكون النظام شعبيّاً، يتوجّب على جميع الناس أن يتحرّكوا كي يتحرّك النظام؛ ولو أنّ بعض الناس لم يتحرّكوا، ستتباطئ حركة النظام.

من الذين يحثّون الناس في أنحاء البلد على التحرّك المتواصل؟ أئمّة الجمعة. مسؤولو الثورة الإسلاميّة في أنحاء البلد هم أئمة الجمعة. مقرّات هداية وقيادة الناس في أنحاء البلد هم أئمة الجمعة. متاريس الدفاع الروحاني أمام الأعداء على مستوى المجتمع هم أئمة الجمعة. هنا تكمن أهميّة أئمّة الجمعة. لو تمّ سلب إمامة الجمعة وهذا الجهاز وصلوات الجمعة من الثورة الإسلاميّة، سيتمّ بلا شكّ توجيه ضربة قاسية إلى الثورة.

واحدة من أعظم إنجازات إمامنا الخميني العظيم(رضوان الله تعالى عليه)، كانت إيجاد وتأسيس صلوات الجمعة. لقد وهب سماحته صلاة الجمعة إلى هذا الشعب. لقد كنا محرومين لسنين طويلة من صلاة الجمعة أو لم نكن نملكها. وفي الأماكن النادرة التي كانت هذه الصلاة مشهودة فيها، لم يكن لصلاة الجمعة تلك ذاك التأثير الذي يمكن أن تتركه صلاة الجمعة في الحكومة الإسلاميّة. وفي بعض الأماكن كان هناك بعض الأشخاص السيئين، ولا يدور نقاشنا حولهم. هذا فيما يتّصل بقضيّة صلاة الجمعة.

هل يتحمّل إمام الجمعة مسؤوليّة حيال هذا الأمر العظيم والمهم أو لا؟ لو افترضنا أنّ هذه المقرّات والمتاريس في أنحاء البلد، والتي تتولى مهمّة صون وتوجيه الثورة الإسلاميّة إلى المسار الصحيح، والمنعقدة آمال الناس عليها، لم تعمل بشكل سليم وشابتها -لا سمح الله- مشاكل سياسيّة ومشاكل أخلاقية، ما الذي ستؤول إليه الأمور؟ ما الذي يتوجّب القيام به؟ فلتعتبروا أنّ جلّ روحانيّة الثورة الإسلاميّة تقريباً مرتبطة بجهاز إمامة الجمعة وصلوات الجمعة؛ ستلاحظون حينها كم ستصبح مسؤوليّة أئمة الجمعة أكبر وأثقل. إمامة الجمعة إذاً لا تقتصر على أنّنا نقيم صلاة جمعة ونعتلي منبراً أيضاً. منصب إمامة الجمعة لا يشبه إمامة الصلاة في المساجد واعتلاء المنابر فيها، وهذا طبعاً أمرٌ رائج ومستحسن للغاية وهو جيّد، لكنّ مسؤوليّة ليست بهذا الحجم. فمن يُنصّب إمام جمعة في مدينة معيّنة، عليه أن يدرك المسؤوليّة التي نُصّب فيها. لقد نُصّب ليدير مقرّاً يجب أن يكون نقطة التقاء عقول وقلوب وعواطف وأرواح الناس. عليه أن ينهض بهذا العمل ويُتقنه.[16]


  • [1] الكافي: ج2، ص 105. ح10.
  • [2] خطاب سماحته أمام أعضاء الدولة بتاريخ 30-8-2005م
  • [3] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 3-6-2004م
  • [4] خطاب سماحته أمام أئمة الجمعة بتاريخ 27-7-2002م
  • [5] خطاب سماحته أمام رئيس وأعضاء السلطة القضائية بتاريخ 27-6-2012م
  • [6] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2002م
  • [7] حين تنصيب محمد سرافراز كمدير لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 8-11-2004م
  • [8] خطاب سماحته أمام مسؤولين مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 29-7-1990م
  • [9] خطاب سماحته أمام مسؤولين مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 12-10-2015م
  • [10] حكم بداية عمل المجلس الأعلى للثورة الثقافية بتاريخ 18-10-2014م
  • [11] خطاب سماحته أمام أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية بتاريخ 13-6-2011م
  • [12] خطاب سماحته أمام أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية بتاريخ 10-12-2013م
  • [13] خطاب سماحته أمام أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية بتاريخ 15-1-1992م
  • [14] الفتح: 29
  • [15] خطاب سماحته أمام الأساتذة والمثقفين بتاريخ 2-5-2016م
  • [16] خطاب سماحته أمام أئمة الجمعة بتاريخ 28-5-1990م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟