مواضيع

المسؤوليات في حفظ سيرة الثورة

وظائف الطبقات المختلفة

عامة الشعب

الناس هم من يستطيعون إيجاد نظامٍ ما، والحفاظ عليه لو تم مخالفته من جميع القوى العالمية.[1]

جميع أفراد الشعب يحملون مسؤوليّة رفع مستوى اكتسابهم للوعي والمعرفة حيال شؤون البلد وشؤون الثورة الإسلاميّة والإسلام يوماً بعد يوم. فلتمعنوا النظر جيّداً في خبائث ومؤامرات الأعداء. لا تغفلوا عن العدوّ الذي يكمن لكم ويتربّص الفرص لكي يوجّه إليكم ضربته.[2]

اليوم إذا ما انبرى أناس ليتطاولوا بأقلامهم على الإسلام ومقدسات هذا الشعب وجهاده، وأبدى آخرون وجهات نظرهم بشأن خيرة أبناء هذا البلد -أي الشهداء والمجاهدين في سبيل الله- وحرّفوا الحقائق، وإذا ما تجاسر أناس على قوات التعبئة ونالوا من الجهاد والشهادة بكلامهم وأقلامهم فإنكم تشاهدونهم يحظون بالدعم من قبل الإذاعات وأرباب السياسة والأقلام في الخارج! وإنّ الجميع اليوم مسؤولون -سواء أولئك الذين يمتد تأثير كلامهم إلى أمدية واسعة، أو أولئك الذين يتمتعون بالتأثير في أوساط محدودة كالمدرسة أو الصف أو الجامعة أو العمل وغيرها- فإذا ما رأوا التحريف قد طال حقائق الإسلام وثوابته والثورة فإنهم يتحمّلون المسؤولية في بيان الحقائق ولا ينبغي لهم السكوت.

ولقد كان الإمام كثير العناية بهذه المسألة التي تمثّل واحدة من مكامن السر في تماسك النظام وديمومته وصموده.[3]

الحوزة العلمية والعلماء

أعزائي طلاب الحوزة العلمية، أيها الفضلاء، لا تغفلوا بأن الحوزة العلمية كما كرّر الإمام بأنها قاعدة نظام الجمهورية الإسلامية، وكل الأمور تم بناؤها على أساس هذه القاعدة وسيستمر، هذه القاعدة يجب أن تكون قوية.[4]

أيها السادة! نحن الشعب الإيراني أطلقنا ثورة عظيمة للغاية. عظمة هذه الثورة كبيرة وأنا أقول لكم جازماً بأن أغلبنا نعرف الكثير من الأمور؛ لكننا لا نزال جاهلين لعظمة العمل الذي أُنجز. كانت هذه الثورة حدثاً مذهلاً ورائعاً. كلّ عالم الاستكبار والطغيان والجاهليّة في جهة، وهذه الثورة في جهة أخرى. لقد وقعت حادثة في غاية الأهمية و[الثورة] ترى في نفسها جدارة مواجهة كلّ الطغيان والكفر العالمي. نحن جزء من هذه الثورة ولا ندرك مدى أهميّتها وعظمتها.

هذه الثورة، بهذه العظمة والجوانب والآثار العمليّة، هي واحدة من أضعف الثورات وأقلّها فعاليّة من ناحية عرضها لمبادئها الفكرية الخاصّة والأضعف وسط تطوّرات العالم أيضاً. عندما تنطلق السوق المشتركة، تنتشر عشرات الكتب والكتيّبات والبحوث والأفلام بشأن الأسس الفكريّة لهذا العمل ضمن مختلف الأصعدة وتُرسل لخبراء الاقتصاد والسياسيّين وعامّة الناس والعالم الاستهلاكي والمنتج. ما هي السوق المشتركة؟ أليست عبارة عن التقاء عدّة دول مثل اللقاءات التي يعقدها التجار مع بعضهم حيث يتاجرون ويجرون الصفقات التجاريّة؟ السوق المشتركة نموذجٌ صغير في هذا العالم؛ لكن إذا أخذتم ثورات العالم الكُبرى بعين الاعتبار أيضاً، سيتّضح أنّنا قصّرنا في العمل.

عندما تندلع ثورة أكتوبر، يتمّ خلال خمسة عشر سنة تأليف الكتب والقصص والكتيّبات وإنتاج الأفلام ضمن مختلف المستويات حول المبادئ الفكريّة لهذه الثورة بحيث أنّ الناس في البلدان التي هبّت فيها رياح هذه الثورة لا يعودون بحاجة للاستفادة من كتبهم! فالأجواء الذهنيّة تحضّرت لدرجة أنّ المفكّرين في نفس تلك البلدان يجلسون ويكتبون حول المبادئ القيميّة والفكريّة الخاصّة بهم! كم ألّف الإيرانيّون الكتب باللغة الفارسيّة حول المبادئ الفكريّة للثورة السوفيتية خلال العقود الثلاث أو الأربع الماضية؛ لأنّهم أُشبعوا [بمفاهيمها]. أي أنّهم كتبوا لدرجة أنّ جميع المفكّرين الذين كانوا يتواصلون معهم بنحو من الأنحاء من الناحية الفكريّة، كانوا يُشبعون من الناحية الفكريّة لدرجة أنّ أحدهم كان يحمل القلم ويتدفّق قلمه وفكره ويكتب بعض النصوص -غير الترجمات العديدة التي كانت تتمّ لمؤلفاتهم-.

ما الذي أنجزناه؟ العمل الذي أنجزناه في هذا المجال قليلٌ فعلاً. في بعض الأحيان لا يرغب الإنسان في أن يقول أنّه أقرب إلى الصفر؛ لأنّ البعض أنجزوا بعض الأعمال بإخلاص. لكن لو لم نرغب في مراعاة هذه الجوانب العاطفيّة، سيكون علينا أن نقول بأنّ ما أُنجز أكثر من الصّفر بقليل، وأنّ الأعمال التي تمّ القيام بها قليلة جدّاً جدّاً. طبعاً، لهذا التقصير في العمل أسباب: سلبونا بعض أصحاب الأفكار النيّرة والمفكّرين الأساسيّين في البداية وبعضهم الآخر انشغلوا بمختلف الأعمال التنفيذيّة؛ لكنّ أساس المشكلة أنّنا لم ننتج. مرّ أحد عشر عاماً على عمر الثورة الإسلاميّة؛ وكان من الجيّد أن يكتب مئات الكُتّاب المسلمين حول مبادئ الإسلام -لأنّ ثورتنا ثورة إسلاميّة- وينشروا كتاباتهم. كان ينبغي لنا أن نربّي ولم نفعل. هذه واحدة من مهامّ الحوزة العلمية. لا أرغب في قول أن لا مسؤولية على من هم خارج الحوزة؛ إلا أنّ الحوزة العلميّة -وقم أكثر من الجميع- تتحمّل أكبر قدر من المسؤولية. كان على قم أن تقدّم إنتاجاً وافراً في هذا المجال.

عندما نطالب المسؤولين في الإذاعة ونسألهم لماذا أنتم ضعافٌ إلى هذا الحدّ فيما يتّصل بنشر القضايا الإسلاميّة في الإذاعة؟ سيجيبون بالقول: أكتبوا حتّى نذيع. الحوزة العلميّة مسؤولة في هذه المجالات. تلاحظون مثلاً أنّهم يتحدّثون في الإذاعة حول حياة الأئمّة أو يقرأون هذه المقاطع الدينيّة ويناقشون، أو تلك النقاشات الدينيّة التي تجري في الإعلام وهي كثيرة من ناحية الحجم أيضاً -لكنّ أثرها قليل- وقد يُمكن القول أنّ هذه النقاشات، لا تجعل أيّ شخص مسلم يزداد فطنة ومعرفة بشأن القضايا الإسلاميّة. فما يتمّ عرضه هو إمّا ضعيفٌ للغاية أو أنّ أسلوب عرضه ضعيفٌ جدّاً؛ لأنّه يُلقى دون أسلوب فنّي ولسانٍ بليغ وقدرة إلقاء. أي أنّ الأشخاص العاديّين ذوي المستويات المتوسّطة يناقشون هذه المواضيع أو يأتي بعض الأشخاص ذوي الأفكار السيئة ويطرحون بعض المواضيع العجيبة والغريبة، العرفانيّة في الظاهر والفارغة في المضمون.

وفي الحوزات العلميّة، نجد مواهب مميّزة. وإنّ فهم بعض النصوص الأصوليّة والفلسفيّة وبعض التفاصيل الفقهيّة الدقيقة، أصعب فعلاً من فهم العديد من المعادلات العلميّة حول العالم، وطلّاب العلوم الدينيّة يتمكنون من فهم تلك النصوص بفضل دقّتهم الفكريّة. هل يستطيع المرء أن يعثر بسهولة على عقل شبيه بعقل صاحب «القوانين»؟ هناك في الحوزات العلميّة العديد من أمثال هؤلاء المفكّرين الذين يفكّرون ويدققون ويمعنون النظر باستمرار. إذا تمّ توجيه هذه المواهب والقدرات والأذواق التي نراها بشكل سليم وباتجاه تبليغ صحيح، لن نعود بحاجة إلى أيّ شيء آخر.[5]

والتوجيه السياسي يحتاج نقاشاً تفصيليّاً أيضاً. فسبب إصراري باستمرار على أن نكون ثوريّين، وعلى أن تكون الحوزات ثوريّة، هو أنّ علماء الدين لو لم يدخلوا ميدان السياسة والكفاح، ما كان سيقع هذا الحدث العظيم في إيران. طبعاً، تدخّل علماء الدين في القضايا السابقة أيضاً وكان ذلك مؤثّراً، لكنّه توقّف فيما بعد. حسناً، قضيّة التبغ كانت قضيّة عابرة؛ [لكن] العلماء دخلوا في قضيّة الثورة الدستوريّة، وكانت نتيجة دخول العلماء مشاركة مختلف الفئات الشعبيّة؛ [لذلك] انتصر الثورة الدستوريّة. طبعاً، يقول المفكّرون أنّنا عقدنا الجلسات، وعقدنا الحلقات، وعقدنا الجلسات السريّة؛ وهم صادقون في قولهم، هذه الأمور كانت موجودة، لكنّ تلك الجلسات لم تكن قادرة على تحويل الاستبداد في البلد إلى دستور. لو لم يكن العلماء، ولو لم تكن المشاركة الشعبيّة، ولو لم تكن تلك التجمّعات، ما كانوا ليقدروا أبداً على إنجاز هذا الأمر؛ والسبب في ذلك كلّه كان مشاركة العلماء. لكنّهم ألقوا الخلافات فيما بعد بين العلماء، وأزاحوا الواحد تلو الآخر، فتحوّلت الثورة الدستوريّة إلى نقيض ما كانت عليه؛ لم يسمحوا بداية بولادة الدستوريّة السليمة، وثانياً، انتهت تدريجيّاً بدكتاتوريّة رضاخان. لكن ما تحقّق في تلك البرهة من الزمان لم يكن ليتحقّق لولا دعم العلماء.

هكذا هي أيضاً قضيّة النهضة الوطنيّة. لقد أدركت بنفسي قضيّة النهضة الوطنيّة؛ طبعاً، كنت حينها يافعاً وصغيراً في السنّ، لكنّني أدركتها وشاركت فيها؛ بينما سمعنا بالأمور السابقة. لو لم يكن المرحوم السيد الكاشاني حاضراً، لو لم يكن نوّابه من العلماء حاضرين، ولو لم يكن تواجد بعض العلماء في بعض المدن، ما كانت لتتحقق النهضة الوطنيّة وثورة تأميم الصناعة النفطية حتماً ولما كانت متاحة؛ أي أنّهم لم يكونوا ليتمكّنوا من فعل ذلك. ومنذ أن استطاعوا تقليص نفوذ [العلماء]، مُهّدت الأرضيّة لتخريب كلّ شيء واستطاع العدوّ شنّ الهجوم.

هكذا كان حضور الإمام الخميني عظيم الشأن أيضاً، فقد قام سماحته بما منع العدوّ من إيقاف الحضور العلمائي. ففي التحرّك الذي أطلقه سماحته، كانت شخصيّته وصلاحيّاته والمواهب التي منّ الله عزّ وجل بها على هذا الرجل العظيم، كانت كلّ هذه الأمور مؤثّرة؛ كما كانت بعض الأمور قد مُهّدت في وقت سابق. دخل علماء الدين الميدان؛ ولو لم يدخلوا، ما كان الناس ليدخلوه؛ وما كانت هذه الثورة ستندلع وما كان ليقع هذا التطوّر والتغيير وما كان لينهار هذا القصر القائم من آلاف السنين، قصر الملكيّة الذي كان قائماً رغم اهترائه. استطاع الإمام الخميني تحقيق هذا الإنجاز بدعم من علماء الدين؛ لأنّ علماء الدين كانوا حاضرين في الميدان، ولو لم يكن علماء الدين حاضرين في ميدان الحرب، وفي مختلف القضايا بعد الحرب، في مجال طمأنة الناس، وفيما يتّصل بخلق أجواء السكينة والأمل بالمستقبل بين الناس، لما كان سيُكتب البقاء لهذا النظام وهذه الثورة؛ لم يكن ليُكتب لهما البقاء حتماً. هذا ما يسعى الأمريكيّون اليوم للقيام به ويمارسون الضغوط من أجل إنجازه ويحاولون جاهدين وطبعاً، هم ليسوا قادرين ولن يتمكّنوا من فعل ذلك، كان بإمكانهم النجاح منذ اليوم الأوّل؛ لكنّهم عجزوا ببركة حضور علماء الدين وتواجدهم.

والمسار واضحٌ أيضاً؛ المسار هو أن يكون علماء الدين على تواصل مع الناس، ويكون لهم أثرهم عليهم، ويتمكّنوا من توجيه قلوب الناس نحو جهة معيّنة. إذاً، تواجد علماء الدين يعني تواجد عامّة الناس؛ وعندما يتبع عامّة الناس قادتهم، لا يعود أيّ شيء قادراً على منعهم ولا يقدر أيّ شيء على إلحاق الهزيمة بهم. هذا ما كان الحال عليه في سائر المواضع أيضاً. نفس هذه الصحوة الإسلاميّة أدّت إلى أن تنشأ حركة شعبيّة عامّة ويحدث ذاك الزلزال في بعض البلدان، لقد كان حضور الدين مؤثّراً؛ لكنّ المشكلة التي يعانون منها أنّ جهازهم الديني متفرّق؛ لديه الكثير من المتصدّين والمدّعين، وكلّ واحد منهم يحاول شدّ الأمور إلى ناحيته، لذلك لم يتمكّنوا من المواصلة؛ فاستمرّت [ثورتهم] أقلّ من عامين وانتهت بعدها. لكنّ الأمر مختلف في الجمهورية الإسلاميّة؛ فحضور العلماء مصيريّ في تحديد الوجهة السليمة.[6]

الجامعة والجامعيون

الطالب الجامعي والمنتسبون للجامعات، وخصوصاً الطالب الجامعي يمكنه ممارسة دوره في هذا الميدان، ميدان حفظ المعايير وتكريسها وإجلاء الخصائص الحقيقية للجمهورية الإسلامية، وهذا ما عدا الخصائص الظاهرية كالأسماء والمناصب الرسمية والحقوقية وما إلى ذلك. يمكنكم أن تساهموا وتبادروا. طبعاً شعبنا شعب يقظ لحسن الحظ.[7]

الآن، أنتم الشباب الذين قلنا إنكم الضباط الشباب في مواجهة الحرب الناعمة لا تسألوني ما هو دورنا كطلبة جامعيين في تهديم مسجد ضرار؟ ابحثوا بأنفسكم وشخّصوا دوركم، إما مواجهة النفاق الجديد، أو تعريف العدالة. لا يمكن أن أقعد هنا وأفتح بحثاً فلسفياً عن العدالة وما هي شعبها وكيف تكون. والطريف أنه يقول اذكرها لنا في جملة واحدة. من المعروف أن شخصاً جاء بابنه إلى النجف في زمن الشيخ الأنصاري. وجد أن طلبة العلم يدرسون ويصبحون فضلاء وعلماء وأن الشيخ الأنصاري شخصية كبيرة، فراودته الرغبات في أن يصبح ابنه طالب علم. جاء للشيخ الأنصاري وقال له: شيخنا جئت بهذا الشاب اليافع وأرجو أن تجعله فقيهاً إلى الغد حيث نريد أن نغادر!

أعزائي، الشرط الأساس في نشاطكم الصحيح في الجبهة المقابلة للحرب الناعمة هو أولاً النظرة المتفائلة الإيجابية. لتكن نظرتكم متفائلة. لاحظوا أنني في مقام الجَدّ بالنسبة لبعضكم، ونظرتي للمستقبل متفائلة، لا عن توهم بل عن بصيرة. أنتم شباب، والشباب هو ذروة التفاؤل، فاحذروا أن تكون نظرتكم للمستقبل نظرة متشائمة. يجب أن تكون النظرة متفائلة وليست نظرة يأس وقنوط. إذا سادت نظرة القنوط والتشاؤم، ونظرة «ما الفائدة من ذلك؟» حَلَّ بعدها التقاعس والخمول والعزلة، ولن تحصل بعد ذلك أية حركة أو نشاط، وهذا ما يريده العدو.

الشرط الآخر هو عدم الإفراط في الأمور. طبيعة الشباب مجبولة على الحركة والشدة. نحن أيضاً مررنا بهذا الطور الحياتي الذي تمرون به الآن، وكان ذلك في مراحل الثورة وبدايات النضال. أنا أعرف ما هو التشدّد. وكانوا ينصحوننا كثيراً ألا نتشدد، وكنّا نقول إنهم لا يفهمون مدى الحاجة للتشدد. أعلم ما هي تصوراتكم، ولكن اسمعوا منا هذه: احذروا، فالتشدد لا يتقدم بالإنسان. اتخذوا قراراتكم بعد تفكير. طبعاً، الشباب في هذا الزمن أعمق تفكيراً من الشباب في عهدنا. أقول لكم هذا: أنتم اليوم شباب تعدُّ تجاربكم ومعلوماتكم ووعيكم أكبر بكثير من فترة شبابنا قبل خمسين سنة، ولا يمكن المقارنة بين الجيلين. وإذن، فالمتوقع هو أن تفكروا وتتصرفوا بتأمل وتدبير ومن دون تشدد أو إفراط وتفريط في الأمور، هذا ليس بالتوقع الكبير.[8]

ليفهم المسؤولون الجامعيون ما الذي يفعلونه. ينبغي أن تكون الأعمال الثقافية في الجامعات بحيث تخرّج أفراداً مؤمنين متخلقين بالأخلاق الحسنة وثوريين. العمل الثقافي هو الشيء الذي يحقق هذه النتائج. العمل الثقافي الصحيح هو ما يجعل شبابنا شباباً ثوريين. لقد قام هذا البلد بثورة ويجب الالتزام بهذه الثورة. ينبغي جعل مبادئ هذه الثورة من أصول حياتنا حتى نستطيع التقدم إلى الأمام، ولكي نكون مؤمنين بالمبادئ ومحبّين للبلاد -محبّين للبلاد بشكل حقيقي- ومحبّين للنظام وذوي بصيرة وعمق ديني وسياسي. يجب أن يتحلى هذا الشاب بالعمق في نظرته الدينية والسياسية، حتى لا ينزلق بأقلّ شبهة تطرأ عليه، ولا يخطئ في مضمار القضايا السياسية. الكثيرون زلت أقدامهم في هذه الأحداث التي وقعت في فتنة سنة 88 [2009م]. لم يكونوا أناساً أشراراً لكنهم انزلقوا بسبب قلة البصيرة. عندما ترى شخصاً يقول: «الانتخابات ذريعة، والمستهدف هو أصل النظام» ما الذي ينبغي أن تفعله؟ أنت المؤمن بالنظام وأنت الذي على استعداد للتضحية بروحك من أجل النظام ولحفظ النظام، بمجرد أن ترى جماعة ترفع مثل هذه الشعارات، ما الذي يجب أن تفعله؟ هذا انعدام في البصيرة، وعدم التفات إلى الواجب في لحظة الضرورة. يجب إعداد وتخريج أفراد ذوي ثقة بالنفس ومتحفزين وطافحين بالأمل. صحيح ما قالوه بأن اليأس أكبر الأضرار. يجب أن لا ييأسوا، يجب أن يكونوا متفائلين بمستقبل البلاد، وثمة مجال ومسوّغ للأمل، ولا مجال لليأس، فهناك كل هذه الإمكانيات! لقد قلتُ يومها في جلستي مع الحكومة[9] -قبل شهر أو شهرين- ووافقني جميع السادة، قلتُ إنه حينما يقولون إن النمو في البلد الأوربي الفلاني واحد ونصف بالمائة أو واحد بالمائة -وهذا ليس بالشيء العجيب- ونحن نتوقع أن يكون نموّنا ثمانية بالمائة أو تسعة بالمائة، فالسبب هو أنهم استخدموا كل إمكانياتهم ولم تعد أمامهم إمكانيات ومناطق فراغ، بينما بقيت إمكانياتنا معطلة، لذلك نستطيع الوصول حتى إلى نمو بنسبة عشرة بالمائة. ينبغي ملء هذه المساحات الفارغة والاستفادة من هذه الإمكانيات. أفلا يوجد والحال هذه مجال للتفاؤل والأمل في بلد أمامه كل هذه الإمكانيات والفرص؟

ينبغي تخريج أفراد يتميزون بالفهم الصحيح لواقع البلاد، أي أن يدركوا ما هو وضع البلاد الآن. العالم كله -أعداؤنا بشكل وأصدقاؤنا بشكل- يقولون إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بلد مقتدر، وإذا بشخص يحاضر في المكان الفلاني فيقول إننا لسنا بشيء، ولا نملك شيئاً، ونحن في عزلة! شخص لديه عقدة دونية يخال نفسه ليس بشيء، فلماذا يرى الشعب كذلك أيضاً؟ لماذا يرى نظام الجمهورية الإسلامية والبلد ليس على شيء؟ عقدة الدونية هذه والتقليل من شأن الذات حالة خطيرة جداً، الشعور بالدونية والحقارة، في حين يقول العالم كله إن إيران بلد عزيز قوي مقتدر، وهم منزعجون لأن إيران لها نفوذها الممتد إلى كل مكان، وإذا بهذا السيد يقول هنا في الداخل في صحيفة أو محاضرة أو في الجامعة الفلانية للطلبة الجامعيين بأننا لسنا على شيء ولسنا بشيء!

كما ينبغي إعداد وتخريج أفراد يؤمنون بالاستقلال، الاستقلال الفكري والاستقلال السياسي والاستقلال الثقافي والاستقلال الاقتصادي. الشاب الذي يتم إعداده من خلال العمل الثقافي ينبغي أن يعتقد بالمعنى الحقيقي للكلمة باستقلال بلده، ويؤمن بأسس الثورة والنظام، ويؤمن بالثقافة الإسلامية، ويكون متفائلاً وذا روحية إيجابية نشطة.

طبعاً، الأخبار التي تصلني من بعض الجامعات لا تدل على هذا. أعملوا ما من شأنه أن تكون الأجواء بيد الشباب المؤمنين الثوريين ذوي الروحية الإيجابية والمتحفزين، ذوي الشعور بعزة النفس، والمتدينين. من أكبر مسؤولياتكم أن تفعلوا ما من شأنه أن تكون الكلمة العليا للمجاميع المؤمنة المتدينة المفعمة بالإيمان بالثورة والإسلام، لتكن الأجواء الغالبة بأيدي هؤلاء، هذا من واجباتكم.[10]

قوات التعبئة

مشاركة التعبئة بمعنى مشاركة الشعب، عندما تكون التعبئة حاضرة متواجدة في موضع ما فمعنى ذلك أن الشعب الإيراني حاضر هناك، وكما قلنا فالتعبئة نموذج وعينة من الشعب الإيراني. وواضح أن هذه المشاركة إنما هي للدفاع عن المبادئ والقيم والهوية الثورية والهوية الوطنية، ولمساعدة هذا الشعب وهذا البلد في الوصول إلى المدارج التي هو جدير بها، وقد اختطها لنفسه بفضل الثورة وراح يسير نحوها. تواجد التعبئة ومشاركتها هو بهذا المعنى طبعاً. يجب الدفاع.[11]

الشباب

ما هو المؤمل من الشاب؟ إننا نريد للشاب ألا يضيع الطريق؛ لا بأس بالانتقاد، لكن الإقصاء هو أنكى ظلم بحق هذا الشعب؛ فالبعض ينتقد بلسانه لكنه يلغي النظام الإسلامي، والبعض الآخر يعتبر الانتقاد السليم للمسؤول أو الإداري انتقاداً للنظام، وهذا إجحاف.

إنّ النظام الإسلامي يعني ماهية الدستور، والمناهج التنفيذية والعملية لهذا النظام قد ورد في الدستور بشكل جليّ، وكذا في وصية إمامنا العظيم وسيرته وخطاباته.

إنّ أهم مسؤولية تتمثّل في الحفاظ على الحزام الأمني المتماسك الذي يشدّ الشعب الإيراني والذي صاغ هويتنا الجمعية -أي النظام الإسلامي- بكل وجودنا.

على الشاب التحلّي بالذكاء وسعة الصدر، وهمّة الشباب في الوسط الوظيفي والدراسي وفيما يعهد إليه من مسؤوليات مستقبلية، وأن تكون أقصى غايته المحافظة على النظام.

إنّ سدّ عيوب النظام ورفعها أمر، والتصدّي للنظام وإلغاؤه ومواكبة الذين يحاولون إطاحته أمر آخر! والألم يعتصر قلب المرء حينما يتناهى إلى مسامعه ما يصرّح به عنصر موسوم بالجامعي في محفل جامعي حيث يقول: الرجل من يعيش داخل البلاد ويحارب هذا النظام حتى تتقوّض جذوره! وهل هو رجل من يجهد لتقويض هذا النظام الإسلامي الإلهي الجماهيري، وهل من الرجولة اجتثاث جذور النظام الذي بذلت كل هذه الجهود الإنسانية والبشرية في سبيله؛ النظام الذي ضحّى من أجله هذا الحشد من الشباب، النظام الذي أريقت في سبيله دماء الشهداء، النظام الذي تجرّع الغيارى على الوطن المشقّات والمصاعب والشدائد في سبيل تماسكه، النظام الذي حرص على صيانته شعب عظيم، النظام الذي غدا مدعاة لعزة الإسلام ومجد إيران ورفعتها على المستوى العالمي؟! إنه فقدان الرجولة بأبعد أمديتها، وهذه التصوّرات، تنمّ عن قصرٍ قاتل في النظر، ولا تصدر إلاّ عن القلوب المريضة المتصدّئة؛ فجذور هذا النظام في غاية التماسك ومن بين أصلب الجذور، ولم تفلح أشدّ المواقف العدائية في هزّها بفضل الله ومنّه.

إنّ الوظائف الأساسية التي ينبغي أن تكون موضع اهتمامكم هي: المحافظة على الدستور وخط الإمام المتجسّد في وصيته، والمحافظة على الشعارات الأساسية والسياسات العامة للبلاد، فهي أمور يتعيّن الحفاظ عليها بكل كياننا وإعظام شأنها.

المؤمل من الشباب أن لا يزيلوا عن ذاكرتهم الدعوة للعدالة، وليجعلوا من الحرية بمفهومها الإسلامي الرفيع -سواء الحرية الفردية أو الاجتماعية أو السياسية أو الحرية المعنوية والروحية- جزءاً من تطلّعاتهم الشاخصة ولا يتناسوها، وليعتبروا مكافحة الفقر وتوفير الرفاهية للشعب واحداً من مطالبهم؛ ويصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من بين أهم القضايا التي يتعيّن على الشباب إيلاؤها مزيداً من اهتمامهم؛ وكذلك عدم الاستسلام حيال خدع وسائل الإعلام في قلب الحقائق؛ فأهم ما يسعى إليه العدو اليوم هو التشبّث بأكثر وسائل الاتصال الحديثة تطوّراً لقلب الحقائق في بلادنا، فلا تستسلموا لمآربهم وتعاملوا مع الأمور تعاملاً علمياً، ولا تركنوا للنزاعات التي تنشب بين بعض المسؤولين وتؤججها بعض الصحف للأسف؛ فقد تبرز قضية ما بين اثنين من المسؤولين فيحمّلونها إضافات وزوائد حتى تغدو قضية اجتماعية وعامة تشغل الأفكار!

ولقد أشرت بالأمس إلى أنّ سر القضية الدائرة بين رئيسي السلطتين التنفيذية والقضائية يكمن في اختلافهما في وجهات النظر، وهو ما حدد الدستور سبيل علاجه، وكذلك واضح طريق حلّه نظرياً وعملياً.

وسمعت أنّ رئيس الجمهورية ساءه وأقلقه نشر رسالته لرئيس السلطة القضائية في وسائل الإعلام؛ وهذا ما تناهى إلى مسامعي، ولم يصدر عن مكتبه.

لاحظوا أنهم جعلوا من ذلك وسيلة اختلاف وأثاروا حوله جدلاً، فجرى تداولها كراراً في أروقة مجلس الشورى؛ فيما انهمكت الصحافة في تأجيجها وتحويلها إلى قضية رئيسية في البلاد، في حين أنها ليست مشكلة البلاد، بل مشكلة البلاد توفير فرص العمل، وإعمار البلد، ومياه الري وغيرها.

إننا وحيث تعاني البلاد هذا الركام من المشاكل، فما هي جدوى التطرّق إلى مثل هذه القضايا التافهة؟! وكثيراً ما تبرز مثل هذه الاختلافات خلال عمل السلطات مع بعضها، فهل للصحافة والسياسيين تحويلها إلى شغل شاغل للشبيبة؟! فلا تركنوا إلى هذه الأمور ولا تجعلوها شغلكم الشاغل؛ والمهمة الجوهرية التي يتعيّن على الشاب وضعها في الحسبان هي ما قلته آنفاً وتتمثّل في الدعوة للعدالة، والمحافظة على النظام الإسلامي، وتشخيص العدو، والاهتمام باستقلال البلاد، وترصين العلاقة والأواصر بين المسؤولين وأبناء الشعب، وهناك أمور تخصّ الشباب الأعزاء ولاسيّما الشباب المنهمكين في التحصيل الدراسي، وهي تتمثّل في العناية بالنفس.

فيا أعزائي! عوّضوا عما نحن فيه من ضعف وتخلّف علمي، وهذا ما يتأتّى عبر التحصيل الدراسي والتفكّر والعمل والتحلّي بالشجاعة العلمية.

عزّزوا إيمانكم، فمشاعركم الصادقة وقلوبكم النيّرة الناصعة تمثّل خير منطلق لترسيخ قواعد الإيمان الكامن في صدوركم ولله الحمد، ونحن نشكر الله على أنّ كثيراً من شبابنا -وبوسعنا القول الغالبية العظمى منهم- يتميّزون بطهارتهم؛ فاحذروا من أن يحقق شذاذ الدنيا -الذين يحاولون تلويث شبيبة العالم- أحلامهم بحقّكم.[12]

الفنانون

للأسف، في النظام السابق -حيث أنّ الأعوام الخمسة عشر من النضال هي ضمن هذه السنوات- كان الفنّ بقبضة أصحاب السلطة وقد ساقوه فعلاً نحو الانحطاط ولم يكن له حضورٌ في الساحة. لكن منذ لحظة انتصار الثورة الإسلاميّة، برز الفنّ إلى الميدان، وقد برز من نقطتين وكان بشكل أساسيّ يبرز من خلال المواهب الفنيّة حديثة النشوء -أي الشباب-. لاحظوا اليوم الفنانين المعروفين بيننا، كثيرٌ منهم هم في عداد شباب مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإسلاميّة. هؤلاء أشخاصٌ إما شاركوا في جبهات القتال، أو في ميادين الثورة الإسلاميّة، واكتسبوا ثقة بالذات بفضل امتلاكهم الإيمان؛ وحملوا عدسة كاميرا وانطلقوا إلى الجبهات من أجل التصوير.

مثل هذه الأعمال دفعت هؤلاء نحو الفنّ، وهذا هو حال سائر الفنون أيضاً. وكانوا شبّاناً في أغلب الأحيان، بدأوا مع انتصار الثورة الإسلاميّة؛ والبعض كانوا فنانين في مرحلة ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة ممن لبّوا نداء الثورة الإسلاميّة؛ إلا أنّ أغلبهم لم يلبّوا نداءها للأسف، فذهبوا وجلسوا في زاوية ولم يسخّروا فنّهم لخدمة الثورة الإسلاميّة. بشكل عام، منذ انتصار الثورة الإسلاميّة وحتى اليوم، حيث مرّت عشرون عاماً، كان للفنّ دورٌ كبير في مختلف الساحات، أنواع الفنون -ليس فقط الفنون الاستعراضيّة، أو فنّ الشعر، بل أنواع الفنون- دخلت الميدان وأنجزت أعمالٌ بارزة وعظيمة وتطوّر الفنانون الشباب.[13]

فليسخّر الفنانون لسان الفنّ البليغ من أجل خدمة الثورة الإسلاميّة والإسلام -الذي هو أعزّ مدّخرات الناس- وأن يستفيدوا من هذه العطيّة الإلهيّة من أجل الارتقاء بأفكار الناس وأن يخلّصوا الفنّ من الامتزاج بالمظاهر الثقافيّة الأجنبيّة المضرّة. لقد أدخلوا الفنّ إلى أوساط النّاس مع صون ارتقائه وأدخلوه إلى أذهانهم وقلوبهم وأخرجوه من كونه بضاعة تزيينيّة خاصّة بفئة محدّدة.[14]

لغة الفنّ لغة بليغة لا تضاهيها أيّ لغة أخرى في البلاغة. لا لغة العلم، ولا اللغة العاديّة ولا لغة الموعظة تحمل بلاغة لغة الفنّ. أحد أسرار نجاح القرآن الكريم، هو كونه فنيّاً. القرآن في قمّة الفنّ؛ وهو خارقٌ للعادة؛ لقد سحر الناس فعلاً في ذلك الوقت، وإلا لو أنّ الرسول الأكرم جلس وتحدّث إلى الناس دون لسان فنّي، لا شكّ أنّه كان سيحشد بعض الأنصار؛ لكن لم تكن لتحدث تلك الصاعقة، وذاك الرعد والبرق والإعصار. الفنّ هو من يسبّب مثل هذه الأمور. هكذا هي الآثار الفنيّة.[15]

إنّ القرآن الكريم يتمتّع بخميرة فنية مدهشة لا يمكن لنا تصورها في الحقيقة؛ فلو لاحظتم القرآن من أوله إلى منتهاه وكذلك أحاديث الرسول الأكرم، لوجدتموها زاخرة بالتوحيد والعداء للشرك والوثن والشيطان الذي هو مظهر الشر والسوء والخبث. كما أنّها تزخر أيضاً بالعزم على الجدّ والعمل والإرادة وحبّ الناس وتقدير الإنسان والإنسانيّة. وبعبارة أخرى، فإنّ القرآن بأجمعه وأدب صدر الإسلام وكذلك الأدب السليم والصحيح -أي نهج البلاغة وما ورد من روايات عن الأئمّة(عليهم السلام)- كلّها تزخر بالمبادئ الإسلاميّة والأسس الثورية.

ففي هذه المصادر لا توجد حركة انحرافيّة، أي أن نتّجه يوماً إلى اليسار ويوماً إلى اليمين مثلاً! فهذا خطأ. فلا يجب أن يعترينا التذبذب بحجّة أنّنا فنانون، ونقول بأنّ فلاناً يختلف عن الآخرين فيما يخصّ المبادئ لأنّه فنان؛ أي أنّ أصول الحياة هي أصل لكافة الناس، ما عدا الفنان، وأنّ الفنان مستثنى من أصول الحياة العامّة بسبب شفافيّة روحه ورقتها أو بسبب رقة أفكاره وآرائه! كلا، فلا يوجد شيء من هذا. بل إنّ الفنان بما لديه من رقّة المشاعر والحساسية يدرك الحقيقة أفضل وأسرع من الآخرين ويستطيع التعبير عنها والتمسّك بها أكثر منهم، وليس من شأنه التخلي عنها هكذا بسهولة لأنّه أدركها أسرع من الآخرين أو أدقّ وأجمل منهم. وهل هذه ممكن؟! وإنها لإساءة إلى الفنّ أن نلصق به ما يلم بنا من تذبذب ذاتي أو ناتج عما يعتورنا من مشاعر خاطئة، كشأن الفنانين السابقين الذين كانت لهم غالباً عادات سيئة وكانوا ملوثين بشتى أنواع الرذائل. فلقد كنت أعرف بعضهم في ذلك الوقت، كما كنت أعرف بعضهم من بعيد، وكنت أدري ما هم عليه من حالة سيئة. وذات يوم سألت أحد الأشخاص قائلاً: لماذا هؤلاء جميعاً هكذا، وليس فيهم أحد إلا وهو مصاب بمثل هذه الحالات؟ فأجاب: إنّهم فنانون!! لا يوجد في نظري إساءة للفنّ أكبر من ذلك. فهو لم يكن يقصد الإهانة أو الإساءة، بل كان يقصد التبرير لهم! وكان يسعى لأن يقول بأنّ الفنان إنسانٌ رقيق ونتيجة لذلك، هو عرضة لمثل هذه الأشياء، بينما لا يُعتبر هذا مسوّغاً على الإطلاق.

إنّني أقول إننا نعيش الآن في زمنٍ قلّت فيه هذه التلوثات والمصائب أو سقطت من معايير الحياة السائدة وباتت الآن في مرحلة ما بعد الثورة الإسلاميّة تُعدّ عيباً أكثر مما مضى، فلا ينبغي استبدالها بأمور أخرى بحجّة الفن والفنانين. وإنني أعتقد بأنّ الهدف هو الحفاظ على هذا الخط الإسلامي الأصيل والقرآني الخالص والذي هو خط الثورة وخط إمامنا الخميني الأصيل.

لقد اتّضحت لللجميع الهوية الفنية للإمام إثر رحيله. وربما كان الكثيرون لا يعرفون أساساً بأنّ الإمام شاعرٌ أو من أهل الشعر؛ ذلك الشعر بما فيه من رقّة عرفانية واحتراق ذاتي لا يتميّز بها إلا العرفاء المحبّون. إنّ الإمام بهذه الروح العرفانية هو الذي كان صوته أعلى الأصوات ضدّ الاستكبار العالميّ؛ أي إنّ رقّة الروح تمتزج هكذا بقوّة الإرادة لتحقيق أكبر إنجازٍ في عصرنا.

إنّ إقامة الجمهورية الإسلاميّة لم تكن مجرّد تشكيل حكومة جديدة وإزالة حكومة قديمة فحسب، بل كانت أصعب من ذلك. ففي عالمٍ يتجه فيه كل شيء صوب المادية وربما يكون قد مضى نحو قرنين من التخطيط المتواصل ضدّ الأديان ولا سيّما الدين الإسلامي، فإنّ إقامة الحكومة الإسلاميّة في منطقة من أشدّ مناطق العالم حساسيّة، تعتبر من قبيل المعجزات في الواقع. فلقد استطاع الإمام بقوّة إرادته استقطاب كافّة القوى الشعبية العظيمة والهائلة وتحقيق هذه المعجزة بفضل الله.

وإنه لمن الأهمية بمكان أن نرى أنّ تلك الروح الرقيقة بما مازجها من قوة الإرادة والاستقامة على الطريق لم تتذبذب قيد شعرة لا إلى اليسار ولا إلى اليمين خلال سنوات الجهاد الطويلة بما واكبها من مشاكل متعددة. إنني أرى بأنّ الإمام قدوة لنا جميعاً ولكم كفنانين ملتزمين ومؤمنين ولكل فئة أخرى بشكل أو بآخر، وعلينا أن نتعلم ونستلهم منه.

إنني شخصيّاً أكنّ لكم الحبّ الشديد نظراً لما تتمتّعون به من قيم كثيرة أشعر ببعضها وأدركها ولما تمثّلونه من ثروة عظيمة تعتبر ضروريّة ولازمة تماماً لشعبنا وبلدنا وثورتنا وأمتنا وتاريخنا. وإنني أناشدكم تقوية هذه الثروة في كيانكم ووضعها في خدمة الأهداف الرفيعة والمقدسة بقدر ما تستطيعون.

إن على الأجهزة المختلفة أن تقوم بمساعدتكم وأن تزيل العقبات من أمامكم حتى تستطيعوا تأسيس وتشكيل قاعدة ونواة لمركز فني إسلامي صحيح وأصيل بكل ما يتطلبه من قوة ورسوخ وأصالة إن شاء الله، وإنّ الآخرين الذين هم فنانون أيضاً ولكنّ فكرهم وروحيتهم شيء آخر وشكر آخر، عليهم أن يعلموا بأنّ من الخسارة استخدام هذه الثروة وهذا الفن فيما سوى سبيل الله والروحانيات والثورة وخلاص البشرية ومساعدة المحرومين والمستضعفين وتبديدها هباءً على الأمور والطرق التافهة والمبتذلة.[16]

الرواديد

أيها الإخوة الأعزاء، لقد شاعت تقاليد مدح أهل بيت الرسول(ص) والثناء عليهم -وهي مفخرة كبرى- في مجتمعنا لحسن الحظ، وتجذرت. وقد كانت موجودة في السابق لكنها كانت محدودة، بينما امتدت هذه المائدة في الوقت الحاضر وتوسعت. لقد فتحت هذه الساحة. الكثير من الأفراد -آلاف الأشخاص- ينشطون اليوم على هذا الصعيد في مختلف أنحاء البلاد مستعينين بالذوق والفن وشتى صنوف البيان وأنواعه. طيّب، هذه فرصة بطبيعة الحال، وكل فرصة مصحوبة بمسؤولية. عندما لا تستطيعون أن تخاطبوا أحداً فستكون مسؤوليتكم في حدود معينة، وحينما تستطيعون مخاطبة الناس فإن مسؤوليتكم ستتجاوز بالطبع الحدود الشخصية إلى حدود المخاطبين، المسؤولية سوف تتسع وتكبر. أنتم تستطيعون التحدث للناس بفنون الشعر والأصوات والألحان، وهذا يستتبع مسؤولية. كل هذه الفرص والإمكانيات تصطحب معها مسؤولية، ويجب أن تستطيعوا أداء هذه المسؤولية بصورة جيدة. إذا استطاع مداحو أهل البيت(عليهم السلام) أداء هذه المسؤولية كما يليق بمرتبتهم ومقامهم فسوف يحدث تحول على مستوى البلاد.

لقد قلت مراراً إنكم تلقون مقطوعة شعر في مجلس من المجالس بأداء حسن ويكون الشعر ذا محتوى ومضمون جيد وذا قيمة تعليمية، وهذا شيء قد يكون أحياناً أكبر تأثيراً من محاضرة لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات يلقيها أمثالنا. هكذا هو الحال في بعض الأحيان. طيّب، هذه فرصة جيدة جداً. إذا كان هؤلاء الآلآف من المداحين والقرّاء الدينيين في شتى أرجاء البلاد وفي المجالس والمحافل والذين يخاطبون الناس ويقرأون لهم، إذا كانوا يراعون حدود وضوابط هذا العمل الكبير لاحظوا أيّ شيء سيحدث. يستخدم أعداؤنا مئات الوسائل والألسن والمنابر ومختلف الأعمال لتخريب العقيدة والأعمال والمسيرة في نظام الجمهورية الإسلامية بالدرجة الأولى وفي العالم الإسلامي بالدرجة التالية. والكثير من أبناء الشعب يفهمون ويرون ويعلمون ما يقوم به الأعداء من قنوات تلفزيونية وإذاعية ومختلف أساليب التواصل الحديثة الألكترونية وغيرها، وهناك أمور نعرفها نحن أكثر ولا يعلم بها كل أبناء الشعب، ولا يدرون أية أعمال معقدة تحدث لإضلال ذهنيات الناس وتغيير مسار حركة هذا الشعب، وتركيع الإسلام، وعدم تحول المجتمع الشيعي والمعارف الشيعية إلى نموذج يقتدى في العالم الإسلامي، تجري الكثير من الأعمال والأمور.

مقابل هذه المساعي التي يقوم بها العدو لدينا إمكانيات وفرص فريدة. نعم، يمكن الردّ عليهم عن طريق الإنترنت وطرائق مماثلة -وطبعاً فإن حجم عملهم على تلك الأصعدة أكبر بكثير- لكن لدينا وسائل فذة وفريدة، ومنها أنتم أي مداحو أهل البيت(عليهم السلام). هذه المخاطبة المباشرة وجهاً لوجه واستخدام أدوات الفن لنقل المفاهيم للمخاطبين بشكل جمعي كبير -أي إن القضية ليست قضية اثنين أو ثلاثة أو عشرة من مداحي أهل البيت(عليهم السلام) بل آلاف الأشخاص الذين يضطلعون بمدح أهل البيت(عليهم السلام) على مستوي البلاد- هي من الوسائل الفريدة التي نمتلكها ولا يمتلكونها. وهذه المنابر من الوسائل الفريدة أيضاً. وكذا الحال بالنسبة لمجالس العزاء والهيئات الدينية. إذا كانت مضامين منابرنا ومجالس مدح أهل البيت(عليهم السلام) والهيئات الدينية والمراثي، مضامين مناسبة فلن تستطيع أية وسيلة أخرى أن تواجهها، بمعنى أنها وسيلة فذة وفريدة تماماً. لاحظوا، هذه هي الفرصة، يجب عدم تضييع هذه الفرصة وعدم التفريط بهذه الإمكانية.

والأسوء من خسران هذه الفرصة هو أن نوظفها في الطريق السيّء. إذا أفضت جلساتنا الدينية ومدائحنا ومنابرنا وقراءاتنا إلى جعل من يحضرون المنبر غير مؤمنين ويائسين من المستقبل، نكون قد أهدرنا هذه الفرصة وكفرنا هذه النعمة. إذا نهض الناس من تحت منابرنا أو مدائحنا من دون أن يكتسبوا أيّ وعي حيال وضعهم وواجباتهم نكون قد خسرنا هذه الفرصة. وإذا كانت جلساتنا -لا سمح الله- جلسات تضرّ بالوحدة فقد فوّتنا هذه الفرصة. وإذا كانت طريقة كلامنا أو مضامين كلامنا بشكل يساعد أعداءنا على تحقيق أهدافهم نكون قد بدلنا هذه النعمة الإلهية إلى نقمة، <بَدَّلوا نِعمَتَ اللهِ كفراً>[17]، ينبغي التدقيق في هذه الأمور والحذر. لقد قلنا مراراً، وهذه القضية واضحة بالنسبة للناس الواعين والمطلعين على أوضاع العالم والعالم الإسلامي وضوح الشمس بأن الخلافات المذهبية بين المسلمين اليوم وسيلة وورقة بيد أعدائنا. إنها سيف بيد أعدائنا هذه الخلافات المذهبية والطائفية. إعلان الخلافات والتصريح بالتعارضات العقيدية وذكر الأشياء التي تؤجّج الأحقاد من الوسائل التي يستفيد منها عدونا أقصى درجات الاستفادة.

ونأتي نحن فنتصرف بطريقة تحقق مقاصد العدو! هذا هو <بَدَّلوا نِعمَتَ اللهِ كفراً>. في الجلسات ينبغي عدم تشديد الأحقاد المذهبية، كم يجب تكرار هذا الشيء؟ لقد كرّرناه مراراً، معنى ذلك أنهم غير مستعدين للإصغاء. إذا أردتم أن تهدوا الشخص الذي لا يوافق مذهبكم ولا يقبل عقيدتكم الحقة، فماذا تفعلون؟ هل تبدأون بالإساءة لمقدساته وسبّها؟ إن هذا سيبعده تماماً عنكم ويهبط بأمل هدايته إلى الصفر. ليس هذا هو السبيل لهدايته. ترون اليوم أن العالم الشيعي يواجه هجوماً. الذين لم يسمعوا باسم الشيعة والسنة -عملاء الاستكبار- يشددون الآن دوماً في إعلامهم على أن إيران شيعة، وجماعة الشيعة في العراق، والجماعة الشيعية في البلد الفلاني! يشددون دوماً على قضية الشيعة والسنة، لماذا؟ لأنهم وجدوا هذه طريقة ووسيلة جيدة لإيجاد النقار والشقاق بين المسلمين. نعم، نحن نفخر بأننا شيعة علويون، ونفخر بأننا تعرفنا عن مقام الولاية ومرتبتها. لقد رفع إمامنا الخميني الجليل راية ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فكانت وسيلة لأن يشعر العالم الإسلامي -من شيعة وغير الشيعة- بالفخر بإسلامه، فهل نفعل اليوم ما يجعل هذا الشعور بالفخر ومشاعر الحب التي عند العالم الإسلامي تجاه الشيعة تتبدل إلى عداء وبغضاء وأحقاد؟ هذا هو الشيء الذي يريده العدو، ويجب ألا نسمح به. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. دققوا فيها ويجب عليكم أن تدققوا فيها أكثر من الآخرين. لا نفعل شيئاً يساعد على نجاح العدو في مقاصده ويُبري له سيفه. لقد أوصانا كبراؤنا وعلماؤنا ومراجعنا والشخصيات الكبرى في العالم الإسلامي دوماً بهذا المعنى. هذه نقطة وهي نقطة جد أساسية ومهمة.
النقطة الثانية هي أن تحذروا في مناخات المراسم الدينية من وقوع أيّ شيء خارج حدود الضوابط الشرعية. دققوا في هذا الجانب وكونوا نبهين. مناخ مدح أهل البيت(عليهم السلام) والتراتيل الدينية مناخ طاهر نقي، فلا نسمح للأدران الشائعة للأسف في عالم الفن بين الناس غير المتقيدين وغير الملتزمين أن تتسرب إلى مناخ الفن الإسلامي والديني في البيئات الدينية وتترسخ فيها، احذروا من هذا الشيء. المناخ مناخ طاهر طيّب نقي عفيف. هكذا يجب أن يكون المناخ الذي نريد فيه أن نعرض المعارف الإسلامية بلغة الشعر.
لنحاول أن تكون المضامين والمحتويات التي ندرجها في أشعارنا ذات قيمة تعليمية في كل كلمة من كلماتها. ولا فرق بين أن تكون المناسبة مصيبة وعزاء وبين أن تكون مجرد مدح، فكل هذه المناسبات يمكن أن تكون أشعارها بشكل تعليمي. في فترة الحماس والهياج الثوري، وفي شهر محرم الأخير من عهد الطاغوت وشهري محرم وصفر الذين جاءا مباشرة بعد انتصار الثورة، كانت الهيئات الدينية في مختلف المدن ترتل مراث توعّي الناس وتثقفهم وتزيدهم بصيرة كما تفعل الخطابات المطولة البليغة. ينبغي أن يكون الحال هكذا دوماً. اجعلوا المراثي غزيرة المعاني والمضامين. هذا الشيء الذي يقوم به قراء المراثي عمل جد جذاب ولافت. تقليد قراءة المراثي والسلوكيات التي تقع في قراءة المراثي أعمال على جانب كبير من الأهمية. إنها حالة استثنائية خاصة بالمجتمع الشيعي، أي إنها خاصة بنا، وهي غير موجودة في أماكن أخرى بهذا الشكل في المراسم الدينية. هذه من امتيازاتنا. ويجب جعل هذه المراسم كبيرة المحتوى والمضمون. إذا جرى الاهتمام إن شاء الله لهذه الأشياء فإن مداحي أهل البيت(عليهم السلام) سيكونون من أكثر رواد الإصلاح تأثيراً في النظام الفكري والعملي للمجتمع الإيراني، وهذا شيء يمكن أن يتحقق. والآن أيضاً يشاهد المرء أنه أين ما كان هناك مداح لأهل البيت(عليهم السلام) يشعر بالمسؤولية وملتزم ويقرأ الأشعار الصحيحة الجيدة وبأساليب وأطوار صحيحة، فهو مؤثر حقاً ويوعّي مخاطبيه ومستمعيه، وهذه من الأعمال التي ليس من الأكيد أن ترتقي أية صدقة جارية إلى مستواها في التقدم بالمجتمع إلى الأمام. فقلّ ما يكون هناك عمل له كل هذه القيمة عند الله تعالى، إنه عمل على جانب كبير من الأهمية. وأنتم تتمتعون والحمد لله بهذه النعمة: الصوت الحسن والقدرة على الأداء الجيد وبألحان جيدة، فإذا أرفقتم هذا بالخصوصيات التي أشير لها يلوح أنه سيتحقق أحد الأعمال الكبيرة في التقدم نحو أهداف النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية.

ولحسن الحظ ليست قليلة الأشعار الجيدة في هذا الزمن، فهناك الكثير من الشعراء المجيدين والشعراء الدينيين والشعراء الذين يتناولون في أشعارهم مختلف القضايا وبقصائد حسنة متينة، وقد انتفعنا من بعضهم اليوم والحمد لله وكانت قصائدهم جيدة جداً. في الماضي كان مداحو أهل البيت(عليهم السلام) مضطرين لحفظ الأشعار، وقد غيّرتم اليوم ذلك التقليد، وأرحتم أنفسكم، وصرتم تمسكون بالأوراق في أيديكم، لا بأس، يمكن كتابة الأشعار الجيدة وقراءتها وهذه فرصة متوفرة والحمد لله. الشيء المتاح لنا اليوم هو من أكبر نعم الله.[18]

الشعراء

الملاحظة الأُخرى التي أروم التحدّث عنها هي أن شعر الثورة له هويّته؛ وهو في الواقع المتصدي وصاحب الزمام والجولان في الميدان لعرض خطاب الثورة. وهذا ما ينبغي أن تصونوه، وينبغي أن يختفي ويتهمّش وراء بعض المشاعر الهيّاجة الناتجة عن معاناة الشاعر وآلامه من قضية معينة، أو حادثة أو شيء آخر. فمن الطبيعي أن تكون هناك سلبيات في كل مكان. والشاعر يتسم عادة بروح رقيقة؛ لذلك تعتريه آلام من هذه السلبيّات. وهذه الآلام تترك تأثيرها في الشعر طبعاً، ولكن لا ينبغي أن تغطي هذه الآلام على ذلك الخطاب الأساسي للثورة، ولا على الهوية الأصلية للثورة. عليكم أن تتكلّموا من أجل الثورة، وعليكم أن تعملوا وتبذلوا الجهود من أجل خطاب الثورة.

لقد أنجز شعبكم عملاً جباراً. وهذا ما قلته في العام الماضي -ويبدو لي أنني قلته في مثل هذه الجلسة- وهي أن القضية لا تنحصر في -الإقدام على الشهادة- طبعاً الإقدام على الشهادة في سبيل الله ووضع الأرواح على الأكف وتقديمها في سبيل الله يمثل ذروة الشرف الإنساني، بل أن المعارف الدينية على درجة من السِعة، ومعارف الثورة واسعة وزاخرة بالمواضيع وذات عطاء دافق بحيث يمكن الاستفادة منها والتعبير عنها. واليوم هذا واجب يقع على عاتق الشعراء. يلاحظ المرء أحياناً أن هذه الآلام والمعاناة تؤثّر في قسم من الأشعار والقصائد بحيث تغطي على ذلك الخطاب وتلك القضية الأساسية. وهنا يتناغم صوت هذا الشاعر ويتكاتف مع تلك الأصوات المعارضة لأساس ذلك الخطاب. إن الشعراء الذين كانوا مرتبطين بمراكز السلطة والبلاط وبتوابع البلاط البهلوي الفاسد، أو كانوا أيضاً ضمن التيارات اليسارية، هؤلاء أعرضوا عن الثورة منذ البداية ولم يلقوا الثورة بالبشر. وهذا الإعراض وهذا الوجه المكفهر الذي لاقوا به الثورة، هو الذي أدّى إلى انبثاق هذا الجانب من الثورة بكل هذه الإبداعات الجميلة والفيّاضة بالمشاعر. إن انبثاق كل هؤلاء الشعراء الجيّدين والبارزين من بين أعماق الثورة، ربّما يُعزى في جانب منه إلى إعراض تلك المجموعة من الشعراء عن الثورة. طيّب، إن ذلك التيار الذي يعارض أساس الثورة، وأساس خطاب الثورة، وأساس الحركة التحررية للشعب الإيراني والاتجاه الديني للثورة الإسلاميّة، إذا لم يحرص الإنسان على حفظ تلك الهوية وذلك الخطاب الأساسي للثورة، فإنّ لغته تقترب من لغتهم. ليس لديّ اعتراض ولا معارضة للشعر؛ فالإنسان يرى وضعاً شاذاً ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك في شعره؛ وهذا لا ضير فيه؛ ولكن عليكم أن تحاذروا، فاعتراضكم هو على ذلك الوضع الشاذ مع الحفاظ على إيمانكم بأساس خطاب الثورة الإسلاميّة. ولكن هناك شخص يبدي معارضته لأساس هذا الخطاب؛ وهنا احذروا أن تتّحد لغتكم مع لغته. فمن الضروري أن يتحرّز شعراؤنا الشباب الأعزّاء من هذا الجانب. فهناك من الناس من هو بعيد عن أساس مبادئ الثورة والنظام والتحرّر والاستقلال ومقارعة الاستكبار؛ فلا تعقدوا الآمال على تشجيعهم ولا تشجيع الأوساط المرتبطة بهم. وحاولوا جهد المستطاع أن توثّقوا علاقاتكم فيما بينكم.[19]


  • [1] خطاب سماحته أمام طبفات مختلفة من الناس بتاريخ 27-12-1999م
  • [2] خطاب سماحته أمام أهالي خرم آباد بتاريخ 21-8-1991م
  • [3] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2001م
  • [4] خطاب سماحته أمام طلاب وعلماء الحوزة العلمية في قم بتاريخ 12-6-1989م
  • [5] خطاب سماحته أمام مجموعة من طلبة العلوم الدينية بتاريخ 28-11-1989م
  • [6] خطاب سماحته أمام مسؤولين وطلبة الحوزات العلمية في طهران بتاريخ 14-5-2016م
  • [7] خطاب سماحته أمام طلاب وأساتذة جامعة علم وصنعت بتاريخ 19-7-2008م
  • [8] خطاب سماحته أمام الجامعيين والنخب العلمية بتاريخ 26-8-2009م
  • [9] لقاء سماحته مع رئيس الجمهورية وأعضاء الدولة بتاريخ 26-8-2015
  • [10] خطاب سماحته أمام رؤساء الجامعات، مراكز الدراسات، مراكز التطورات التكنولوجية بتاريخ 11-11-2015م
  • [11] خطاب سماحته أمام قادة قوات التعبئة بتاريخ 25-11-2015م
  • [12] خطاب سماحته أمام شباب منطقة أصفهان بتاريخ 3-11-2001م
  • [13] خطاب سماحته في أيام عشرة والفجر بتاريخ 2-2-1999م
  • [14] رسالة سماحته في أربعينية الإمام الخميني بتاريخ 14-7-1989م
  • [15] لقاء سماحته مع مجموعة من الشباب بتاريخ 27-4-1998م
  • [16] لقاء سماحته مع أعضاء مؤسسة التبليغ الإسلامي بتاريخ 12-11-1989م
  • [17] إبراهيم: 28
  • [18] خطاب سماحته أمام مجموعة من الرواديد بتاريخ 20-4-2014م
  • [19] خطاب سماحته أمام مجموعة من الشعراء بتاريخ 15-8-2011م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟