مواضيع

العِبَر التاريخية

هناك نقطة بليغة في القرآن الكريم تحثّنا على التفكير. يخاطبنا القرآن الكريم بالقول أن أمعنوا النظر واستلهموا الدروس من التاريخ[1]. قد يجلس البعض ويتفلسفوا بأن لا يمكن للماضي أن يكون عبرة للحاضر. سمعتهم يطلقون مثل هذا الكلام وطبعاً هم ينسجون الأوهام! يتوهّمون أنّهم يطرحون الأمور بأساليب فلسفيّة. لا شأن لنا بهم. القرآن الصادق المصدّق يدعونا إلى استلهام العِبر من التاريخ. استلهام العِبر من التاريخ يعني هذا الهاجس الذي ذكرته الآن. لأنّه يجب أن يتكوّن لدينا هاجسٌ عندما نعلم بوجود ما ينبغي لنا استلهام العِبر منه في التاريخ. هذا الهاجس مرتبطٌ بالمستقبل.

علينا ألا نخلط بين القصص والتاريخ. التاريخ يعني شرح أوضاعنا الحاليّة في مشهدٍ آخر، التاريخ يعني أنا وأنتم؛ يعني نحن الحاضرون هنا. إذاً، عندما نتحدّث عن شرح التاريخ، يجب أن ينظر كلّ واحد منّا ويبحث عن الجزء من القصّة الذي نقف فيه اليوم. ثمّ نرى بعد ذلك كيف تصرّف من كان يقف مكاننا في هذا الجزء ولماذا تلقّى الضربات؟ علينا أن نحذر من التصرّف بمثل ذلك الأسلوب.

أولاً: معرفة آفات الكوفيين على لسان السيدة زينب(عها)

خطبتها التي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عادياً، ولم يكن موقفاً عادياً لشخصيةٍ كبرى؛ بل بيّنت بتحليل عظيم أوضاع المجتمع الإسلامي في ذلك العصر بأجمل الكلمات وأعمق وأغنى المفاهيم في مثل تلك الظروف. فانظروا إلى قوة الشخصية؛ كم هي هذه الشخصية قوية. فقبل يومين فقدت في تلك الصحراء أخاها وقائدها وإمامها مع كل هؤلاء الأعزاء والشباب والأبناء، وهذا الجمع المؤلف من بضعة عشرات من النساء والأطفال قد أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس وحملوا على نياق الأسر، وجاء الناس للمشاهدة، وبعضهم كان يهلهل وبعضهم كان يبكي؛ ففي مثل هذه المحنة، تسطع فجأةً شمس العظمة. فتستعمل نفس اللهجة التي كان يستعملها أبوها أمير المؤمنين وهو على منبر الخلافة مخاطباً أمّته؛ فتنطق بنفس الطريقة وبنفس اللهجة والفصاحة والبلاغة وبذلك السمو في المضمون والمعنى: «يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْلِ‏ وَالْغَدْرِ»؛ أيها المخادعون، أيها المتظاهرون! لعلكم صدّقتكم أنكم أتباع الإسلام وأهل البيت؛ ولكن سقطتم في الامتحان وصرتم في الفتنة عميا، «هَلْ فِیكمْ إِلَّا الصَّلَفُ وَالْعُجْبُ وَالشَّنَفُ وَالْكذِبُ وَمَلِقُ الْإِمَاءِ وَغَمْزُ الْأَعْدَاء»، فتصرّفكم وكلامكم لا ينسجم مع قلوبكم. فغرّتكم أنفسكم، وظننتم أنكم مؤمنون، وتصوّرتم أنكم لا زلتم ثوريين، ظننتم أنكم لا زلتم أتباع أمير المؤمنين؛ في حين أن واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكنوا من النجاة بأنفسكم. «مَثَلُكُم كَمَثَلِ التِي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ اَنكاثاً» فقد أصبحتم كالتي بدّلت الحرير أو القطن إلى خيوط، ثم أرجعت تلك الخيوط ونقضتها إلى قطن أو حرير؛ فبدون بصيرةٍ ووعيٍ للظروف وبدون تمييز بين الحق والباطل أبطلتم أعمالكم وأحبطتم سوابقكم. فالظاهر ظاهر الإيمان واللسان مليءً بالإدعاءات الجهادية؛ أم الباطن فهو باطنٌ أجوف خالٍ من المقاومة مقابل العواصف المخالفة. فهذا ما يُعدّ تحديداً للآفات.

فبهذا البيان القوي والكلمات البليغة، وهو ما كان أيضاً في تلك الظروف الصعبة، تحدّثت زينب الكبرى. فلم يكن الأمر بحيث نرى مجموعة من المستمعين يجلسون أمام زينب ويستمعون إليها وهي تتحدث معهم كخطيب عادي؛ كلا، فالجماعة هم من الأعداء، وحملة الرماح يحيطون بهم؛ وكان هناك جماعةٌ متفاوتين في أحوالهم كهؤلاء الذين سلّموا مسلم إلى ابن زياد، وأولئك الذين كتبوا الرسائل للإمام الحسين(ع) وتخلّفوا، ومنهم من كان ينبغي أن يواجه ابن زياد وقد اختبأوا في بيوتهم -هؤلاء كانوا في سوق الكوفة- وجماعةٌ ظهر منهم ضعف النفس وهم الآن يشاهدون ابنة أمير المؤمنين ويبكون. فكانت زينب الكبرى(عليها السلام) في مواجهة هذه الجماعات المتفاوتة التي لا يمكن الثقة بها، ولكنها كانت تتحدث بهذه الطريقة المحكمة. فهي إمرأة التاريخ؛ فهذه المرأة لم تعد ضعيفة. ولا يصح عدّها إمرأة ضعيفة. فهذا جوهر المرأة المؤمنة حيث تُظهر نفسها في مثل هذه الظروف الصعبة. هذه هي المرأة التي تُعد قدوةً؛ قدوةً لكل الرجال العظماء والنساء العظماء في العالم. فهي تبيّن علل الثورة النبوية والثورة العلوية؛ وتقول أنكم لم تتمكنوا من معرفة الحق في الفتنة؛ ولم تستطيعوا أن تعملوا بتكليفكم؛ وكانت النتيجة أن يُرفع رأس فلذة كبد النبي(ص) على الرماح، من هنا يمكن فهم عظمة زينب(عليها السلام).[2]

ثانياً: المشروع الأمريكي لسقوط الاتحاد السوفييتي

عندما أقول «المشروع الأمريكي لإسقاط الإتحاد السوفيتي» فلابدّ وأن أضيف إلى هذا الاسم نقاطاً ثلاثاً:

الأولى: هي أنه عندما أقول «مشروع أمريكي»، فلا يعني هذا أنّ سائر الكتلة الغربية لم تتعاون مع أمريكا بهذا الصدد؛ وذلك لأنّ كافة الدول الغربية والأوربية قد تعاونت مع أمريكا في هذا المجال بكل ما لديها من طاقة.

فمثلاً دور ألمانيا وانجلترا وبعض الدول الأخرى كان بارزاً في هذا الأمر، حيث تعاون هؤلاء بشكل جدّي مع أمريكا.

والثانية: هي أنه عندما نقول «مشروع أمريكي»، فلا يعني هذا أننا نتجاهل العوامل الداخلية لسقوط الإتحاد السوفيتي.

كلا، فلقد كانت عوامل السقوط ماثلة في النظام السوفيتي، ولقد استغلّ أعداؤه هذه العوامل على أفضل وجه.

فما هي تلك العوامل؟ إنها الفقر الاقتصادي المدقع، وممارسة الضغوط على الجماهير، والكبت القاتل، والفساد الإداري، والبيروقراطية، علاوة على العوامل القومية والوطنية التي برزت في الأثناء.

وأما الثالثة: فهي أنّ هذا المشروع الأمريكي أو الغربي -أيّاً كان الاسم- لم يكن مشروعاً عسكرياً، بل كان إعلامياً بالدرجة الأولى، وتمّ تنفيذه أساساً عن طريق اللافتات واليافطات والصحف والأفلام وسواها، والذي يدقّق في هذا الموضوع سيلاحظ أن خمسين أو ستين بالمئة من المشروع قد نُفّذ نتيجة لوسائل الإعلام والأساليب الثقافية، فليكن اهتمامكم كبيراً أيها الأعزاء بموضوع الغزو الثقافي الذي أثرته قبل سبع أو ثماني سنوات، فالهجمة الثقافية ليست مزاحاً، ومن ثم كان العامل السياسي والاقتصادي بالدرجة الثانية بعد العامل الإعلامي والدعائي، وأمّا العامل العسكري فلا أثر له مطلقاً.

ولكن ما هو ذلك المشروع؟ إنّ غورباتشوف عندما تسلّم مقاليد السلطة عام 1985م كان من العناصر الشابّة إذا قورن بأي سكرتير عام عجوز سبقه، كما كان مثقّفاً وحسن السلوك، وكان الشعار الذي طرحه هو البروستريكا بالدرجة الأولى والغلاسنوست بالدرجة الثانية.

والبروستريكا تعني: إعادة البناء والإصلاحات الاقتصادية، وأما الغلاسنوست فتعني: الإصلاحات في الميادين الاجتماعية، وحرية التعبير، وما إلى ذلك.

ولقد غمروا غورباتشوف في العام الأول والثاني بالإبداعات الإعلامية من أحاديث وتحليلات وإطراءات وتوجيهات واقتراحات، حتى وصل الأمر إلى أنّ المراكز الأمريكية قدّمته على أنه رجل العام! وكان هذا في مرحلة الحرب الباردة، أي عندما كان الأمريكيون يجهضون أية محاولة للنجاح في الإتحاد السوفيتي! فقبل غورباتشوف كانوا يتنكّرون بشدّة لكل ما قد يحدث في الاتحاد السوفيتي من خطوات موفّقة، ويشنّون عليها الهجمات الإعلامية الشرسة، ولكن الحال تغيّر فجأة مع غورباتشوف! ولقد كان هذا الترحاب الغربي الشديد المنطوي على التشجيع هو الخدعة التي انطلت على غورباتشوف! إنني لا أستطيع الزعم بأن أجهزة الاستخبارات الغربية أو الأمريكية هي التي جاءت بغورباتشوف إلى سدّة الحكم -كما يدّعي البعض في أنحاء العالم- لأنني حقيقة لا أملك أدلّة على ذلك، ولم يطرق سمعي أيضاً خبر من وراء الستار، ولكن الشيء المسلّم به هو أنّ الترحاب والانبساط والرضا والاحترام والتبجيل والتشجيع والتقدير من قِبَل الغربيين هو الذي خدع غورباتشوف.

لقد منح ثقته للغربيين والأمريكيين، ولكنه وقع في شباك الخديعة.

وإنّ المرء ليلاحظ آثار هذه الخديعة في الكتاب الذي أصدره غورباتشوف تحت عنوان (البروستريكا ـ الثورة الثانية).

لقد كانت هذه الشعارات مدويّة في ذلك اليوم الذي كانت أجواء الكبت فيه تخيّم على الاتحاد السوفيتي.

وإنني كتبت في مذكّراتي لعام 1369 أو 1370هـ ش [1991م] أنّ غورباتشوف رفع تصريح التنقّل من مدينة إلى أخرى في الاتحاد السوفيتي! أي أنه وبعد ثلاثة وسبعين عاماً من قيام الاتحاد السوفيتي، وبعد انتهاء فترة حكم ستالين[3] التي استغرقت ثلاثين عاماً، ومدّة سلطة بريجنيف[4] التي امتدت على مدى ثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً، كان ما أنجزه السيد غورباتشوف ضمن ما أنجز على صعيد الغلاسنوست[5] هو رفع لتصريح التنقّل!

وفي مثل هذه الأجواء يمكنكم إدراك ما تتضمّنه فكرة ومشروع قضية حرية الرأي من معنى.

وكم هو مدهش ومذهل بالنسبة للجماهير أن يقول: حرية التعبير! ففي خلال كل تلك الفترة لم يكن هناك في الاتحاد السوفيتي سوى صحيفة واحدة مهمّة وهي صحيفة برافدا، والتي كانت صحيفة عامة، كما لم يكن هناك سوى صحيفة واحدة تتعلّق بالشباب، إضافة إلى بعض المطبوعات المتخصّصة، وأمّا تعدّد الصحف وإصدار الكتب ذات المحتوى المثير للاهتمام فلم يكن له وجود على الإطلاق، وعندما قام أحد الكتّاب بنقد بعض أصول الاشتراكية -وليس كلها- فإنه ظل ممنوعاً من الخروج من الاتحاد السوفيتي لمدة طويلة.

وبالطبع فإن الأمريكيين روّجوا كثيراً في إعلامهم لصالحه وظلّوا طويلاً يتحدّثون عنه، حيث مازلت أتذكّر هذا الموضوع منذ مرحلة ما قبل الثورة.

وفي أجواء كهذه جاء غورباتشوف وأطلق شعاره المثير، سوى أنه ارتكب أخطاءً لا أبغي الحديث عنها الآن، ولسوف يتّضح بعضها في مطاوي هذا الخطاب، وخلال مدّة قصيرة عمّت الدعايات الغربية والعادات والمثل الغربية الاتحاد السوفيتي، ومنها موديلات الملابس، ومكدونالد، وسوى ذلك من التقاليد التي كانت في الحقيقة بعضاً من الرموز الأمريكية، ولا تحسبوا أنّ هذه أفكار لطالب حوزوي منعزل، ففي تلك الأيام قرأت في المجلات الأمريكية -كالتايم والنيوزيك- بأن انتشار مقاهي مكدونالد في موسكو يُذكر على أنه خبر مهم، ويُحلّل على أنه طليعة ذيوع الثقافة الغربية والأمريكية في الاتحاد السوفيتي!

لقد ظلت شعارات غورباتشوف في الذروة لمدّة عام أو عامين، ثم ما لبث أن ظهر بجواره شخص آخر يسمّى يلتسين.

وكان دور يلتسين[6] دوراً مصيرياً، حيث كان عليه التأكيد بإصرار بأن هذه الشعارات لا جدوى منها، وأنّ هذه ليست سوى قفزة قصيرة، وأنّ الوقت بات متأخّراً، وأنّ الإصلاحات لم يُكتب لها التقدّم.

ولو كان هناك شخص عاقل ومدبّر في مكان غورباتشوف لاستطاع أن يروّج لهذه الإصلاحات لمدّة عشرين عاماً -كما حدث في الصين-، ولكن هذا المقدار سلب غورباتشوف أناته وتمهّله، وتفاقمت الأمور لدرجة عزل غورباتشوف لمعاونه يلتسين، ولكن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية صعّدت من دعمها له، فضلاً عن عدم إقصائه!

وظلت وسائل الإعلام الغربية والأمريكية لمدّة عام أو أكثر تظهر يلتسين على أنه شخصية بارزة متنوّرة وإصلاحية مظلومة ومغضوب عليها، إلى أن حان وقت الانتخابات الرئاسية في روسيا، وكما تعلمون فإن الجمهوريين نادوا بانتخابات مستقلة، وهو ما لم يحدث؛ فلقد كان أحد إنجازات غورباتشوف هو ضرورة إجراء الانتخابات، حيث لم تجر انتخابات مطلقاً في الاتحاد السوفيتي بعد سقوط الحاكم القيصري، وأما في الحقبة القيصرية فقد كانت الانتخابات شبيهة بانتخابات عهد الشاه في إيران، حتى إنّ المشروطية عندهم تزامنت مع المشروطية في إيران، ولكن بفارق عام واحد.

ففي عهد الحكم القيصري كان المجلس الوطني (الدوما) مجلساً صورياً كمجلس الشورى الوطني عندنا في زمن النظام البهلوي، حتى إذا جاء الشيوعيون فقد انتهى كل شيء، فلا مجلس، ولا انتخابات! والآن وبعد انقضاء ثلاثة وسبعين عاماً تقرّر إجراء انتخابات رئاسية في روسيا، وليس في كافة الإتحاد السوفيتي.

فمن هو المرشّح؟ إنه السيد يلتسين! وبحصول يلتسين -أي ذلك العنصر الإصلاحي- على غالبية الأصوات، فإنه أصبح رئيساً للجمهورية.

ومن هنا تبدأ القصة الظريفة؛ فمنذ أن تسلّم يلتسين مقاليد الرئاسة في يونيو 1991م وحتى الإعلان الرسمي عن سقوط الإتحاد السوفيتي لم يستغرق الأمر سوى نحو سبعة أشهر، أي أنّ كل تلك السنوات لم تكن سوى مقدّمات للإنهيار.

وقد حدثت بعض هذه المقدّمات على يدي غورباتشوف، حتى إذا انتهى دوره، اضطلع يلتسين بما تبقى منها، فحقق المشروع الأمريكي قفزته المرجوّة لدى وصول يلتسين إلى السلطة، فبعد أخذ يلتسين بزمام الرئاسة في روسيا، وبعد أن بات الرجل الثاني في الاتحاد السوفيتي، فإن الإبداع تحقّق على يديه.

فبمجرّد أن أصبح رئيساً في يوم 24/3/1370هـ ش، وبعد ذلك بثلاثة أيام، أي في يوم 26/3/1370هـ ش، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش وأعلن أن جمهوريات منطقة البلطيق الثلاث -أي لتونيا واستونيا وليتوانيا- لا تتعلق بالاتحاد السوفيتي، وأنّ عليه أن يمنحها الاستقلال ويعترف رسمياً باستقلالها، وإلا فإنّ أمريكا ستوقف مساعداتها التي كانت مقرّرة.

وإنني لا أتذكّر الآن هل كانت أمريكا وعدت بهذه المساعدات في عهد رونالد ريغان[7] أو في زمن بوش[8]، ولكنها كانت قد وعدت بها السيد غورباتشوف على كل حال، ولم يكد يمضي سوى زمن يسير حتى أعلن يلتسين عن الاعتراف الرسمي باستقلال الجمهوريات الثلاث! وبعد ذلك بشهرين، ولكي يزداد تألّق شخصية يلتسين، فقد وقع الانقلاب المعروف في الاتحاد السوفيتي والذي كان يبدو غامضاً تماماً في ذلك الوقت.

وعندئذ نشطت التلفزة الأمريكية -سي أن أن وسواها- في موسكو، وسلّطت أضواءها على يلتسين، حتى إنّ شبكة التلفزة عندنا، وعندما كانت تبث التقرير المصوّر لشبكة سي أن أن، فإننا شاهدنا يلتسين وهو يقطع الشوارع على دبابة ويطلق الشعارات بين الجماهير ويقول: كلا، إننا لن نستسلم للانقلابيين! ثم توجّه إلى البرلمان، ولكن الإنقلابيين لم يمسّوا يلتسين بسوء، وهو الذي كان في متناول أيديهم عندما تحصّن بالمجلس الوطني (الدوما) ولم يمسكوا به، بل توجّهوا إلى غورباتشوف الذي كان يقضي عطلته في شبه جزيرة القرم، واعتقلوه! وظل يلتسين أيضاً يطلق التصريحات ويرفع الشعارات! فأقاموا ضجّة إعلامية في كل العالم، ولكن دون أثر ملموس للحقيقة! وظهر عدد من الدبابات وهي تتجوّل في شوارع موسكو، ولكنها اختفت بعد ثلاثة أيام، ثم ما لبثوا أن أعلنوا بأنهم قبضوا على المتمرّدين نيام! وانقشع غبار الانقلاب عن يلتسين وقد أصبح الرجل الأول بعد أن كان الرجل الثاني! وفي تلك الأيام قام وزير خارجيتنا بزيارة لجمهوريات آسيا الوسطى، فسألته عن الأخبار لدى عودته، فقال: إنه من الواضح أنّ رئيس الجمهورية هو يلتسين وليس غورباتشوف! وكانت الأمور جليّة على ما هي عليه أمام أنظار العالم.

ثم أخذت الجمهوريات تطالب باستقلالها الواحدة تلو الأخرى؛ فمثلاً زعمت أوكرانيا أنها تطالب بالاستقلال، فعارض غورباتشوف ووافق يلتسين، ثم ما لبث أن وافق غورباتشوف مرغماً بعد يومين أو ثلاثة! وعلى هذا الأساس فإن تلك الخطّة قد دبّرت؛ ليجد غورباتشوف نفسه مضطراً للتقدم ورفع نفس هذه الشعارات حتى لا يتأخّر عن الركب، أو مرغماً على التبعية بعد أيام قليلة، حيث إن ضغوط الإعلام العالمي لم تكن تفسح مجالاً إلاّ لِما يقوله يلتسين دون سواه.

واستمرت الأمور على هذا المنوال منذ أواخر شهر يونيو، فجاء اقتراح إقالة غورباتشوف من الأمانة العامة للحزب الذي تبعه اقتراح حلّ الحزب الشيوعي، ثم الإعلان عن هزيمة الشيوعية -وهو ما أثلج صدور الأمريكيين كثيراً-، وأخيراً انتشرت إشاعة استقالة غورباتشوف.

وفي مقابلة أجريت مع غورباتشوف في ذلك الوقت سُئل: هل ستقدم استقالتك أو لا؟ فأجاب: إنني بانتظار مجيء وزير الخارجية الأمريكي إلى موسكو لأرى ماذا سيحدث! ووصل وزير الخارجية الأمريكي إلى موسكو، لكنه التقى يلتسين قبل الاتّصال بغورباتشوف، وذلك في الكرملين -حيث تتم اللقاءات الرسمية- مما يعني أن أمر غورباتشوف قد انتهى! وبعد ذلك بثلاثة أيام قدّم غورباتشوف استقالته، وجاء الإعلان عن انهيار الاتحاد السوفيتي! وكان هذا هو مشروع أمريكا الناجح في الاتحاد السوفيتي، أي أنهم استطاعوا عن طريق خطة ذكية تماماً، وبإنفاق بعض الأموال، وتجنيد بعض العناصر، وباستخدام وسائل الإعلام، أن يسقطوا قوّة كبرى ويقضوا عليها نهائياً في خلال ثلاث أو أربع سنوات، تكلّلت بالثمار المرجوّة خلال ستة أو سبعة أشهر!

وبودّي أن أقول لكم هنا: بأنّ روسيا، وبعد سقوط الإتحاد السوفيتي لم تتحوّل إلى برازيل ثانية كما كانوا يريدون؛ فلقد كانوا يطمعون في تحويل روسيا لتصبح كالبرازيل، أي دولة من دول العالم الثالث ذات كفاءة إنتاجية عالية، ولكنها تعاني من الفقر الشديد، وليس لها دور في السياسية العالمية.

فهل هناك في العالم من يسمع بالبرازيل من حيث الموقف والرأي والحضور في الساحة الدولية؟ لقد كانوا يريدون أن تصبح روسيا هكذا، وهو ما لم يحدث، فلماذا؟ لأن في روسيا شعباً قوّياً وعريقاً ومتماسكاً، فضلاً عن التقدّم الصناعي والنووي والعلمي والفكري وسوى ذلك من الإمكانيات المثيرة للاهتمام، وإنّ الذين انهمكوا في صياغة مثل هذه المشاريع كانوا يحلمون بأن يحدث مثل هذا الشيء في الجمهورية الإسلامية.

إنهم يتصوّرون بأن الجمهورية الإسلامية ستصبح مثل روسيا اليوم إذا ما لاقت نفس المصير.

كلا، ويفكرون بأن إيران ستعود إلى ما كانت عليه في العهد البهلوي، أي في الدرجة العاشرة بعد تركيا! وذلك لأنهم يعتقدون بأنه مادمنا لا نمتلك الطاقة النووية فلن نحقق التقدّم العلمي المطلوب، علاوة على أنّ عدد سكاننا لا يبلغ ثلاثمائة مليون، ولسنا من طراز روسيا من حيث المساحة، حيث مازالت من أكبر دول العالم حتى الآن.[9]

ثالثاً: سيطرة البريطانيين على الهند

بلاد الهند الكبيرة والمترامية الأطراف، حيث قَدِم الانجليز من أقاصي الأرض فاحتالوا بالتزوير والخداع ثم استعانوا بالسلاح والقوة العسكرية حتى احتلّوها، وظلّوا يفرضون سيطرتهم عليها لأعوام طويلة، فاستذلّوا شعبها، ومحوا ذكر عظمائها، ونهبوا ثرواتها.

لقد ملأ الانجليز خزائنهم وجيوب إقطاعييهم من أموال الهند وثرواتها، ولكنهم تركوا الهند تعاني من الفقر والمسكنة والبؤس، بل إنهم لم يقتصروا على نهب الثروات المادية، بل نهبوا الثروات المعنوية أيضاً، وفرضوا على الهند لغتهم الانجليزية، حتى إنّ اللغة الرسمية في الهند وباكستان وبنغلادش -وهي التي كانت تتألف منها شبه القارة الهندية قديماً، والتي كانت مستعمرة إنجليزية- مازالت هي اللغة الانجليزية! لقد كانت تلك المنطقة تتحدث بعشرات اللغات المحلّية، فعمل البريطانيون على نسخها ومحوها بقدر ما استطاعوا. فعندما يفقد شعب لغته، فإن هذا يعني أنه بات بمعزل عن ماضيه وتاريخه وعاداته وتقاليده وتراثه القيّم.[10]

يقول نهرو[11] في مذكراته إنه قبل أن يتسلط البريطانيون على الهند، كان للهند حضارة متطورة بالقياس إلى ذلك العصر، بل لقد كان لها حتى صناعة متطورة، ومنتوجات متطورة. ودخل البريطانيون واستولوا على سيادة ذلك البلد الكبير المترامي الأطراف، وأعادوه إلى الوراء من أجل تقدمهم هم. الحكومة البريطانية الصغيرة والبعيدة تحولت إلى قوة نتيجة نهب مصادر بلد كبير مثل الهند، وتركت ذلك البلد في تعاسة وبؤس. هذا هو الاستعمار، وهذه هي سيادة الشهوة والغضب.[12]

رابعاً: محورية أمريكا في تربية عناصر طالبان في أفغانستان

بلغت جهود الأعداء المستميتة إلى اختراع نسخة مشوّهة عن الإسلام في أفغانستان تمخّضت عن نظام طالبان، وسرعان ما تحوّلت هذه النسخة المزيّفة إلى رسوم كاريكاتورية مضحكة، حتى ضاقوا به هم أنفسهم.

نشكر الله على استحكام إرادتنا ووضوح طريقنا، وإيمان شعبنا وثبات منهج إمامنا السياسي الساطع، وقد أدرك أعداؤنا مدى قدرة شعبنا واعترفوا بذلك، فنحن مستقلون في علاقاتنا الخارجية، ولا نتأثّر بأحد ولا نثير المشاكل.[13]

لا أنسى أنه في قضية طالبان هذه كانوا يتحدثون في المجلات الأمريكية عن طالبان بطريقة تروّج لهذه الجماعة بشكل من الأشكال. طبعاً لم يكونوا يروّجون لها صراحة، لكن نوعية العمل الإعلامي كان فيه ترويج لطالبان في بدايات ظهورهم.[14]

خامساً: تاريخ المئة سنة الماضية لإيران

إنّ انعدام الاستقلال في أي بلد يؤدّي دائماً إلى مثل هذه الأمور، فيسلب الشعوب هويّتها الوطنية ومفاخرها وماضيها التاريخي، وينهب ثرواتها المادية، وينتزع منها لغتها وهويتها الثقافية! وهذا يحدث عندما تسيطر إحدى القوى على أحد البلدان.

لقد كان هذا هو الحال في عهد الاستعمار، وفي العهد التالي له والذي يعرف بعهد الاستثمار، والذي كان له وضع آخر.

وطبعاً فإن الاستعمار لم يحتل بلادنا أبداً؛ أي أنّ الأجانب لم يستطيعوا المجيء إلى هنا وتشكيل حكومة انجليزية مثلاً، فالشعب الإيراني لم يسمح لهم بذلك، ولكنهم لم يكفوا عن بسط نفوذهم داخل إيران قدر المستطاع كلّما سنحت لهم الفرصة بذلك.

وبودّي أن أقدّم لكم أربع نماذج من تاريخنا القريب؛ أي تاريخ المئة عام الأخيرة؛ وهذه النماذج الأربع تكشف عما يتعرّض له بلد وشعب عندما تتحكّم سلطة أجنبية في أجهزته السياسية والثقافية.[15]

تخطيط البريطانيين للمشروطة

فأحد هذه النماذج، نموذج المشروطة. إنكم تعلمون بأن عهد استبداد الحكومة القاجارية كان قد بلغ بالشعب شفير الهلاك.

فثارت الجماهير المتحرّقة والمتحمّسة وفي الطليعة علماء الدين؛ ولقد كان قادة المشروطة[16] رجالاً من أمثال المرجع المرحوم آية الله الآخوند الخراساني في النجف، وثلاثة من العلماء الكبار في طهران هم: المرحوم الشيخ فضل الله النوري، والمرحوم السيد عبد الله البهبهاني، والمرحوم السيد محمد الطباطبائي.

وكان هؤلاء يستمدّون دعمهم من الحوزة العلمية في النجف؛ فماذا كانوا يريدون؟ لقد كانوا يطالبون بإقرار العدالة في إيران ورفع الاستبداد عنها، فلما شاهدت الحكومة البريطانية غليان الجماهير الشعبية، وكان لها نفوذ شديد آنذاك في إيران، بثّت عناصرها بين المثقفين الذين كان ثمّة عدد منهم في عداد هؤلاء النفر المتحمّسين، فلا ينبغي غمط حقّهم، ولكن عدداً منهم أيضاً كانوا من الخونة والعملاء! لقد كانوا عناصر للإنجليز، فرسم لهم الانجليز الخطوط العريضة.

إنّ المشروطة لم تكن سوى شكل وتجسيد للحكومة الانجليزية؛ فبدلاً من أن يتجه هؤلاء المثقفون صوب إيجاد جهاز للعدالة ذي قالب وشكل إيراني يعمل على تحقيق العدالة في البلاد، فإنهم جاؤوا بالمشروطة! فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت النتيجة هي أنّ تلك النهضة الشعبية الكبرى، التي قادها العلماء والتي قامت باسم الدين والمطالبة بالدين، انتهت بعد فترة قصيرة إلى إعدام الشيخ فضل الله النوري شنقاً في طهران -وقبر هذا الشهيد العظيم موجود الآن هنا في الحرم- ثم ما لبثوا أن اغتالوا السيد عبد الله البهبهاني في منزله، وبعد ذلك فرضوا العزلة والوحدة على حياة السيد محمد الطباطبائي حتى فارق هذه الدنيا في صمت. وبذلك أعادوا المشروطة إلى ذلك الشكل الذي كانوا يريدون! هذه المشروطة التي انتهت أخيراً بحكومة على رأسها رضا خان![17]

التخطيط البريطاني لوصول رضا خان إلى الحكم

النموذج الثاني، فهو حكومة رضا خان نفسها؛ فالانجليز كانوا قد عقدوا اتفاقاً مع الحكومة القاجارية يخوّل لهم حق التصرّف في كافة الأمور المالية والعسكرية في إيران، فجاء العالِم الواعي المرحوم السيد حسن المدرس وعارض هذا الاتفاق وحال دون التصديق على هذه اللائحة من قِبَل مجلس الشورى الوطني آنذاك؛ فلما وجد الانجليز أنهم لن يجنوا نفعاً من ذلك فإنهم فكّروا في طريقة أخرى وتوصّلوا إلى أنه لابدّ من إيجاد دكتاتور على سدّة الحكم في إيران حتى يقوم بقمع وقلع المدرس وأمثاله! وعليه أن يتصرّف مع الشعب بعنف وجبروت؛ بغية تنفيذ المطامع الانجليزية.

ولهذا فقد جاؤوا برضا خان إلى الحكم، وهو حدث مليء بالعِبَر في تاريخنا، وينبغي لشباب هذا البلد أن يطّلعوا على حقيقته؛ فقد تمّ التغلّب على حالة الفوضى التي كانت تسود البلاد قبيل مجيء رضا خان وذلك بإعمال قبضته الفولاذية ومساندة الحكومة الانجليزية له، ثم فرضوا على البلاد نظاماً قسرياً واستبدادياً أخذ بزمام السلطة لمدة خمس وخمسين سنة متواصلة.

وكان النفوذ الانجليزي المتغلغل في الأجهزة السياسية والثقافية يضع الشعب عرضة للضغوط.[18]

دكتاتورية رضا خان كانت أسوأ وأعنف لبلادنا وشعبنا بكثير من دكتاتورية ناصر الدين شاه ومظفر الدين شاه، وهي دكتاتورية جاء بها الإنجليز. والواقع أننا لم ننتقل من زمن الاستبداد إلى زمن الحرية، إنما دخلنا عهد استبداد آخر ترافقه التبعية. بمعنى أن الشعب لم يذق طعم الحرية.[19]

التخطيط البريطاني لوصول محمد رضا إلى الحكم

وأما النموذج الثالث، فهو نموذج شهر (شهريور) عام 1320هـ ش – 1943م الذي تمّ فيه عزل رضا خان عن الحكم بواسطة حماته القدامى وإبعاده عن البلاد، ثم جاؤوا بمحمد رضا وقد استسلم تماماً للانجليز! فكان يحقق لهم كل ما يرغبون فيه، وبذلك لم تعد هناك حاجة للاستعمار! فعندما يكون هناك عنصر إيراني خائن مستعد لتسنّم السلطة مقابل الدعم الأجنبي وتنفيذ رغبات أولئك الأجانب في إيران فلا ضرورة حينذاك ليتعبوا أنفسهم ويستعمروا البلاد.[20]

إسقاط دولة مصدق

ثم جاء النموذج الرابع، وذلك في شهر (مرداد) 1332هـ ش – 1955م بعد إسقاط حكومة (مصدّق)[21] -وكانوا قد فرضوا العزلة على المرحوم آية الله الكاشاني[22] من قَبل متوسّلين بما لديهم من خدائع- ثم عادوا للسيطرة من جديد، ودخلوا إيران، واستطاعوا تدبير انقلاب (28 مرداد)[23] عن طريق ما لهم من نفوذ وأيادٍ وأنشطة، فأعادوا محمد رضا إلى إيران بعد هروبه منها، وبذلك استمرت حكومة بهلوي الدكتاتورية السوداء لمدّة خمسة وعشرين عاماً أخرى.[24]

الطریف الذي من المناسب أن تعلموه هو أن حكومة مصدق التي سقطت من قبل الأمریكان لم یكن لها أي خصام مع الأمریكان. كان یقف لمواجهة البریطانیین وقد اعتمد علی الأمریكان ووثق بهم، وكان یأمل أن یساعدوه، فكانت له معهم علاقات صداقة ویبدي محبته لهم وربما یبدي بعض التصاغر أمامهم. والأمریكان فعلوا هذا بتلك الحكومة. لم تكن الحكومة في طهران معادیة لأمریكا، لا، إنما كانت صدیقة للأمریكان، لكن المصالح الاستكباریة اقتضت تحالف الأمریكان والبریطانیین، فحملوا الأموال إلی هنا وفعلوا ما فعلوا. العنصر الأصلي في الانقلاب كان شخصاً أمریكیاً اسمه معروف وشخصیته معلومة، وأنا علی علم تام، فقد كتبوا ذلك في الكتب. وبعد أن أنجحوا الانقلاب وأعادوا الشاه الذي كان قد هرب إلی هنا، صار الأمریكان هم الكل بالكل في البلاد، أي أنهم أمسكوا بزمام الأمور في هذا البلد.[25]

سادساً: تربية داعش والقاعدة

لقد قاومت الشعوب الكيان الصهيوني، أي إنها لم تستسلم، تنبّهوا لهذه النقطة. طوال عشرات الأعوام التي زاد فيها الكيان الصهيوني من قوته المادية في هذه المنطقة بدعم ومساعدة من بريطانيا ثم أمريكا، في هذه المدة مالت بعض الحكومات الضعيفة وبعض الأشخاص غير الصالحين في الحكومات المسلمة إلى الصهاينة. الكثير من الحكومات المسلمة وبعض ساسة العالم الإسلامي -ومنهم النظام المشؤوم السابق في بلادنا وآخرون- كانوا قد أقاموا علاقات مع الصهاينة الغاصبين المعتدين القتلة التوسعيين الذين رفعوا شعار «من النيل إلى الفرات»، وتجاهلوا عدوانها بالكامل، لكن الشعوب ليست كذلك، لا تزال الشعوب تشعر في قرارتها بالكراهية للصهاينة الغاصبين والحكومة الصهيونية. لم تكن الشعوب في هذا المضمار تابعة للحكومات، وبالطبع فقد كان هذا الشيء ثقيلاً على الحكومات التابعة لأمريكا والصديقة والمتحالفة مع الكيان الصهيوني.
فكروا في أن يهدموا هذا الشيء، وأن يصرفوا الشعوب عن مناهضة الصهيونية، فماذا فعلوا؟ أطلقوا هذه الحروب الداخلية، هذه الحروب السنية الشيعية، وصُنعت هذه المنظمات المجرمة مثل القاعدة وداعش، من أجل أن يجعلونا نتنازع بعضنا مع بعض، ولكي تقف الشعوب بعضها بوجه بعض. هذا عن أيديهم المعتدية الخائنة.
اعترف بعض الأمريكيين في كتب مذكراتهم بأنهم كان لهم دور في إيجاد داعش وتطويرها وتكريسها[26] وما زالوا يدعمونها إلى الآن. وظهر الآن التحالف ضد داعش. طبعاً أنا لا أصدق بأنه تحالف ضد داعش، ولكن لنفترض أن مثل هذا الشيء موجود ضد هذه الجماعة، فهل هي داعش وحدها؟ هناك جماعات متعددة تعمل بالثروات السهلة بأسماء مختلفة في أنحاء البلدان الإسلامية وتشيع الإرهاب وتقوم بالتفجيرات، ويقتلون البشر ويفجرون الأبرياء في الأزقة والأسواق والميادين والمساجد. شغلوا الشعوب، وحرّضوا الشيعة ضد السنة والسنة ضد الشيعة، وأعدوا جماعة هنا وجماعة هناك من المتطرفين البذيئين ودفعوهم لتلك الأفعال بالأموال، ويحرضون جماعة في الطرف المقابل من المتطرفين البذيئين، من أجل أن يشتبكوا، ووراء كل واحد منهم جماعة كبيرة من الناس. وما أفضل من هذا بالنسبة للصهاينة؟ ما أفضل من هذا بالنسبة للكيان الصهيوني؟ لنصحوا ونستيقظ ونفهم ما الذي يجري في المنطقة![27]


  • [1] آل عمران: 13
  • [2] خطاب سماحته في ذكرى ولادة السيدة زينب(عليها السلام) بتاريخ 21-4-2010م
  • [3] جوزيف فيساريونوفيتش ستالين (18781953م) القائد الثاني للاتحاد السوفييتي. ويعتبر المؤسس الحقيقي للاتحاد السوفيتي ترأس السلطة (1929 ـ 1953م).
  • [4] ليونيد إيلييتش بريجينيف (19061982) رئيساً لمجلس السوفييت الأعلى (رئيس الدولة) مرتين، بين العامين1960 و1964 وبين العامين 1977 و1982. ترأس الإتحاد كخليفة ليخورتشوف.
  • [5] الغلاسنوست: مصطلح طرحه ميخائيل غورباتشوف في الأيام الأخيرة من حياة الاتحاد السوفييتي معناه: المكاشفة والصراحة والعلنية والمشارك بأية فعالية سياسية أو عملية اجتماعية أو آراء فكرية.
  • [6] بوريس نيكوليفتش يلتسن (1931-2007م) شغل منصب رئيس الفدرالية الروسية. وكان أول رئيس للإتحاد الروسي من 1991 إلى 1999.
  • [7] رونالد ويلسون ريجان (6 فبراير 1911 – 5 يونيو 2004)، الرئيس الولايات المتحدة الأمريكية من عام 1981 إلى 1989. كان يعمل بمجال التمثيل قبل أن يدخل المجال السياسي الذي بدأه في بداية الخمسينيات.
  • [8] جورج هربرت واكر بوش: رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الواحد والأربعون من عام 1989 إلى عام 1993. عمل قبل ذلك كمدير لوكالة المخابرات المركزية وكنائب للرئيس الأمريكي رونالد ريجان، وكان قد بدأ حياته السياسية في مجلس الشيوخ عام 1966.
  • [9] خطاب سماحته أمام مسؤولين الدولة بتاريخ 9-7-2000م
  • [10] خطاب سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 5-10-2000م
  • [11] جواهر لعل نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد استقلالها من الاستعمار البريطاني
  • [12] خطاب سماحته أمام مسؤولين الدولة وسفراء الدولة بمناسبة يوم المبعث بتاريخ 5-5-2016م
  • [13] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 3-6-2004م
  • [14] خطاب سماحته أمام أعضاء مجلس الخبراء بتاريخ 4-9-2014م
  • [15] خطاب سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 5-10-2000م
  • [16] الحركة المشروطة في إيران التي تزعّمها اثنان من كبار علماء الدين في إيران هما السيّد محمّد الطباطبائي، والسيد عبد الله البهبهاني. عملت الحركة على إقامة حكم ملكي دستوري مشروط ببرلمان، ونجحت في (5-8-1906م)، في إجبار مظفَّر الدين شاه على إعلان الدستور، والاحتفاظ بمكانة عليا تضمن للفقهاء الإشراف على قوانين المجلس. ولكن انقسام الحركة الدستورية إلى فريقين، يطالب أحدهما بحكم ديموقراطي مطلق، وآخر يطالب بحكم يلتزم بالشريعة الإسلامية، أدى إلى إعدام الشيخ فضل الله النوري أكبر دعاة «المشروطة المشروعة» في طهران على يد فريق «المشروطة المطلقة»، ما جعل حالة من التشكيك في الحركة الدستورية تسود في أوساط العلماء، فاتهموها بالعمالة لبريطانيا. وقد حاولت الحركة الاعتماد على المرجعية الدينية في النجف الأشرف لتتخذ موقفاً حاسماً ضد السلطة القاجارية التي كانت تعارض أهداف الحركة في إنشاء مجلس شورى، والحركة الدستورية، فكان على رأس أنصار المشروطة الشيخ كاظم الخراساني والشيخ حسن الخليلي والشيخ عبد الله المازندراني والشيخ محمّد حسين النائيني وغيرهم. وفي 24جمادى الثانية 1327 هـ /13حزيران 1909م. حققت المشروطة انتصاراً ساحقاً بسقوط الشاه على أيدي أنصار المشروطة وخروج الروس من إيران.
  • [17] خطاب سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 5-10-2000م
  • [18] خطاب سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 5-10-2000م
  • [19] خطاب سماحته أمام أساتذة وطلاب جامعة علم وصنعت بتاريخ 19-7-2008م
  • [20] خطاب سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 5-10-2000م
  • [21] محمد مصدق (1882-1967)، رئيس وزراء إيراني أسبق شغل المنصب بين عامي 1951 و1953. في زمان الشاه محمد رصا بهلوي. طرح شعار الاستقلال والحرية وأمم النفط أبان تسلمه الرئاسة، كما قام بخلع الشاه إلا أنه سرعان ما أعيد الشاه بعملية أمريكية بريطانية مشتركة سميت بعملية أجاكس، أعتقل محمد مصدق بعدها وسجن لمدة ثلاث سنوات وأطلق سراحه بعدها إلا أنه أستمر رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته في العام 1967م.
  • [22] السيد أبو القاسم بن السيد مصطفى الحسيني الكاشاني: ولد سنة 1330هـ‍ وتوفى سنة 1381هـ‍، نال مرتبة الاجتهاد في الخامسة والعشرين من عمره، شارك في ثورة العشرين وكان عضواً في المجلس العلمي الذي شكّله الإمام الشيرازي لقيادة الثورة، كما أهتم وبمساعدة العلماء الآخرين من تأسيس حزب سياسي منظَّم ليسهل من عملية التعبئة الجماهيرية، ضد الإنجليز، فله باع طويل في نصرة الثورة، وبعد انتكاسة الثورة طارده الإنجليز فهرب إلى إيران، وكان أيضاً مشاوراً للآخوند الخراساني في نهضة المشروطة، وكانت له مواقف مشرفة في إيران من قضية تأميم النفط. يعدُ من تلاميذ الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني والميرزا حسين الخليلي.
  • [23] انقلاب الثامن والعشرين من مرداد (19 أغسطس آب 1953) الذي دبرته المخابرات الأمريكية (CIA) بالتعاون مع البريطانيين وأتباع الملكية ضد حكومة الدكتور مصدق الوطنية وإرجاع الشاه إلى السلطة.
  • [24] خطاب سماحته أمام أهالي قم بتاريخ 5-10-2000م
  • [25] خطاب سماحته أمام طلاب المدارس والجامعات بتاريخ 31-10-2012م
  • [26] مثل كتاب خواطر هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأسبق
  • [27] خطاب سماحته أمام مسؤولين الدولة بتاريخ 18-7-2015م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟