مواضيع

أقسام النفوذ

النفوذ الفردي والتيّاري

النفوذ على شكلين: نفوذ جزئي فردي، ونفوذ تياري. النفوذ الجزئي له الكثير من الأمثلة، ومعناه أن تفترضوا أن لكم جهازاً ومؤسسة وكياناً، وأنكم مسؤولون، فيبعثوا شخصاً بوجه مجمّل ومزوّق وبقناع ويدسّوه في منظومتكم، وتتصورون أنتم أنه صديق والحال أنه ليس بصديق، من أجل أن يستطيع إنجاز عمله ومهمته. قد يكون هذا أحياناً جاسوساً وهذا هو أدنى المستويات، أي إن التجسس هو أقل الأمور أهمية، فهو يتصيد الأخبار ويبعثها. لكن مهمته أحياناً أكبر من التجسس، فهو يروم تغيير قراراتكم. أنت مدير أو مسؤول وصاحب قرار وتستطيع القيام بعمل كبير ومؤثر، وإذا قمت بهذا العمل على النحو الفلاني فسيكون ذلك لصالح العدو، ويأتي ذلك العنصر ليجعلك تتخذ القرار وتقوم بعملك على ذلك النحو الذي فيه خدمة للعدو. ومعنى هذا أنه يشارك في صناعة القرار. ولهذه الحالة سابقتها في كل الأجهزة والمؤسسات، والأمر لا يقتصر على الأجهزة السياسية، فقد كانت الأجهزة العلمائية والدينية وأجهزة رجال الدين وما إلى ذلك دوماً عرضة لمثل هذه الحالات. المرحوم السيد حسن تهامي كان من علماء بلادنا الكبار في بيرجند، ذهب إلى بيرجند وبقي فيها، كان عالماً كبيراً جداً، ولو سكن في قم أو النجف لصار مرجع تقليد بالتأكيد، فقد كان عالماً جداً. يروي لي هو بنفسه فيقول عندما كان العراقيون يحاربون الإنجليز -في سنة 1918 قبل نحو مائة سنة- كان لأحد مراجع الدين حينذاك خادم يعرف بالصلاح، وكان يأنس مع طلبة العلوم الدينية ويعاشرهم ويتحدث معهم ويعرف الجميع ويصادقهم، وقد ذكر لي اسمه لكنني نسيته. يقول بعد أن انتصر الإنجليز واحتلوا العراق، وكانت النجف آخر مكان دخلوا إليه، وصل نبأ لطلبة العلوم الدينية أن خادم المرجع الفلاني إنما هو ضابط بريطاني! قال إنني لم أصدق، وقلتُ: وهل مثل هذا الشيء ممكن؟ يقول بعدها كنتُ أسير في سوق الحويش -سوق معروف في النجف- فوجدتُ سبعة أو ثمانية أو عشرة ضباط وعسكريين بريطانيين قادمين على الخيول، وكانوا يومها يتنقلون على الخيول، وكان أمامهم ضابط، فوقفت جانباً ليمروا، وحينما وصلوا إليّ سمعتُ ذاك الضابط الذي كان يتقدم المجموعة يقول لي من فوق فرسه: كيف حالك يا سيد حسن؟! نظرتُ فوجدتُ أنه نفس ذلك الخادم في بيت المرجع الفلاني، وكنا نشاهده سنين طويلة. النفوذ يكون بهذه الطريقة أحياناً، النفوذ الشخصي، حيث يتغلغلون في بيت شخص أو مؤسسته. وفي الأجهزة السياسية كان هناك من هذه الأمثلة ما يصعب حصره، وقد يكون مثل هذا الشيء اليوم أيضاً، وهو طبعاً حالة خطيرة.

لكن الأخطر من هذا هو النفوذ التياري. النفوذ التياري يعني صنع شبكات داخل الشعب بواسطة المال، وهنا يتجلى دور المال والشؤون الاقتصادية. والوسائل الأهم هي وسيلتان: إحداهما المال والثانية الجاذبيات الجنسية. يجتذبون الأفراد ويجمعونهم حول بعضهم ويختلقون لهم هدفاً مزيفاً كاذباً، ويجرّون الأفراد المؤثرين الذين يستطيعون التأثير في المجتمع صوب الجانب الذي يريدونه. ما هو ذلك الجانب الذي يريدونه؟ إنه عبارة عن تغيير المعتقدات والقناعات والمبادئ والمطامح وتغيير النظرات وتبديل أسلوب الحياة. يعملون ما من شأنه أن يجعل ذلك الشخص الذي استهدفوه بتغلغلهم واندساسهم وأثروا فيه بتغلغلهم يفكر بنفس الطريقة والشيء الذي يفكر به الأمريكان. أي يفعلون ما يجعلكم تنظرون للقضية بنفس الطريقة التي ينظر بها شخص أمريكي للقضية -ونقصد طبعاً السياسي الأمريكي، ولا شأن لنا بالشعب في أمريكا- وتشخصون وتستنتجون بنفس الشكل الذي يستنتجه ذلك المأمور رفيع المستوى في السي آي أي. وبالتالي سوف تصبون إلى نفس الشيء الذي يصبو هو إليه. وهكذا سوف يرتاح باله، من دون أن يحتاج إلى المخاطرة بنفسه والنزول إلى الساحة، فأنتم الذين ستعملون له. هذا هو الهدف، هذا هو هدف التغلغل، التغلغل التياري والشبكي الواسع وليس الجزئي. إذا حصل هذا النفوذ بالنسبة لأشخاص لهم تأثيرهم في مصير البلاد وسياستها ومستقبلها، فلاحظوا أي شيء سيحدث؟ سوف تتغير المبادئ والمطامح والقيم والإرادات والمعتقدات.

عندما تنظرون اليوم تعتقدون وتؤمنون بأن ظلماً جلياً يقع على شعب من الشعوب في قضية فلسطين. هذا شيء ترونه، ونظرتكم هي هذه النظرة. الشخص الذي يتعرض للاعتداء في بيته -الفلسطيني العربي سواء كان مسلماً أو مسيحياً- سيدان وفق النظرة الأمريكية. وهو من وجهة نظركم شخص مظلوم. عندما يستطيع المتغلغل تغيير نظرتكم فستنظرون كما ينظر هو وتقولون إن إسرائيل تدافع عن هويتها! ألم يقل أوباما ذلك؟ عندما كانوا يمطرون أهالي غزة ليل نهار بالنيران، كانوا يهاجمون الأهالي العزّل وبيوتهم وحياتهم ومزارعهم وأطفالهم ومدارسهم ومستشفياتهم، قال رئيس جمهورية أمريكا إن إسرائيل تدافع بذلك عن نفسها! هذه هي نظرتهم. صناعة الشبكات والتيارات يؤدي إلى تغيير نظرة الشخص الذي يعيش داخل إيران أو في البلد الفلاني، فتكون نظرته نفس تلك النظرة. هذا هو معنى النفوذ، لاحظوا كم هو خطير.[1]

النفوذ الاقتصادي، الفكري، الثقافي والأمني

قلنا إن نفوذ الأعداء وتغلغلهم هو اليوم من التهديدات الكبيرة التي تحدق بهذا البلد. إنهم يرومون النفوذ والتغلغل، فما معنى النفوذ؟ ربما كانوا يرمون إلى النفوذ الاقتصادي، وهو طبعاً أقل أنواع النفوذ أهمية، وقد يكون النفوذ الأمني أيضاً من أقل أنواع النفوذ أهمية. النفوذ الأمني ليس بالشيء الصغير، لكنه قليل الأهمية إلى جانب النفوذ الفكري والثقافي والسياسي. للنفوذ الأمني عوامله الخاصة، وعلى المسؤولين بمختلف صنوفهم -ومنهم الحرس أنفسهم- أن يمنعوا التغلغل الأمني للأعداء بكل اقتدار إن شاء الله.

وعلى الصعيد الاقتصادي ينبغي أن تكون الأعين البصيرة للمسؤولين الاقتصاديين مفتحة ومراقبة لئلا يمارس العدو تغلغله واندساسه الاقتصادي، لأن نفوذ العدو يضعضع أسس الاقتصاد القوي. في البلدان والأماكن التي استطاعوا فيها التغلغل اقتصادياً وفرض أنفسهم كالكابوس على اقتصاداتها، أنزلوا الويلات بتلك البلدان والشعوب. قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً قال لي رئيس أحد هذه البلدان وهو من البلدان المتقدمة في منطقتنا، وكان في زيارة لطهران وجاء للقائنا، قال لي يا سيدي إننا بسبب النفوذ الاقتصادي تحولنا في ليلة واحدة إلى فقراء وشحاذين، وكان على حق. الرأسمالي الفلاني يريد للسبب الفلاني أن يركّع ذلك البلد فيسحب رأسماله من ذلك البلد، أو يستولي بطريقة تفرض الركوع على ذلك البلد. هذا أيضاً على جانب كبير من الأهمية، لكنه أقل أهمية بالمقارنة إلى الاقتصاد الثقافي والاقتصاد السياسي والنفوذ السياسي والنفوذ الثقافي، والأهم من كل شيء هو النفوذ السياسي والثقافي.

يحاول الأعداء على الصعيد الثقافي تغيير معتقدات المجتمع، وزعزعة تلك المعتقدات التي أبقت هذا المجتمع واقفاً على قدميه بحيوية. يريدون المساس بها والإخلال والتغلغل وإيجاد ثغرات فيها. ينفقون الأموال بالمليارات لأجل تحقيق هذا الهدف. هذا هو النفوذ والتغلغل الثقافي.

والنفوذ السياسي هو أن يتغلغلوا ويؤثروا في مراكز اتخاذ القرار، وإنْ تعذر ذلك ففي مراكز صناعة القرار. عندما تخضع الأجهزة السياسية والأجهزة الإدارية في بلد لتأثير الأعداء المستكبرين، ستكون كل القرارات في ذلك البلد مطابقة لإرادة وميل المستكبرين، أي سيكون المسؤولون في ذلك البلد مجبرين على ذلك. حينما يكون البلد تحت النفوذ السياسي ستكون حركته وتوجهاته في الأجهزة الإدارية طبقاً لإرادة أصحاب النفوذ، وهذا ما يريده الساعون للنفوذ. إنهم لا يرغبون في تسليط شخص منهم على بلد من البلدان كما كانوا يفعلون في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في الهند، حيث كان لديهم مأموروهم وشخصياتهم هناك، وكان شخص بريطاني رئيساً في الهند. هذا الشيء غير ممكن في الوقت الحاضر، والأفضل لهم أن يكون هناك شخص من نفس ذلك الشعب على رأس ذلك البلد، لكنه يفكّر مثلهم ويريد ما يريدون ويتخذ القرارات مثلهم وطبقاً لمصالحهم، هذا هو النفوذ السياسي. هدفهم هو التغلغل إلى مراكز اتخاذ القرار، وإذا لم يستطيعوا فإلى مراكز صناعة القرار، فهناك مواقع ومواطن هي التي تصنع القرار. هذه هي الأعمال التي يقوم بها العدو.[2]

بعض طرق النفوذ

النفوذ من خلال إيجاد الخلل في الاعتقادات

من طرق الدخول والتغلغل -وسوف نذكر كلاماً عن النفوذ والتغلغل، ونحن نؤكد ونكرر الكلام دوماً عن نفوذ العدو واندساسه وتغلغله- زعزعة المعتقدات والقناعات؛ المعتقدات الثورية والدينية. يزعزعون المعارف الثورية والدينية ويتغلغلون فيها. يستخدمون كل الطرق، ولديهم الكثير من الأفراد على تنوعهم؛ لديهم الأستاذ الجامعي، ولديهم الناشط من الطلبة الجامعيين، ولديهم النخبة الفكري والعلمي، هناك كل أنواع الأفراد للتغلغل والاندساس.[3]

يؤثّرون على الناس عبر تغيير معتقداتهم. عندما ننظر على المستوى العالمي نجد أنّ الناس ينقسمون إلى فئتين:

  • بعض الناس عديمو الهمّة وصفتهم عدم الاكتراث.
  • وبعض الناس -مثل شعبنا- هم أناس حساسون، أذكياء، مجدّون في العمل، أصحاب دوافع؛ هذه الخصال أوسع وأقوى لدى شعبنا من كثير من شعوب العالم، وطبعاً، جانبٌ أساسيّ من هذا الأمر مرتبطٌ بالثورة الإسلامية؛ فالثورة جعلت الناس بهذا النحو ودفعتهم في هذا الاتجاه. [يحاولون] تغيير معتقدات هؤلاء الناس؛ هدف الحرب الناعمة هو تغيير المعتقدات.[4]

الاعتقادات التي يستهدفها العدو

أولاً: الاعتقاد بالمبادئ الاعتقادية، السياسية والفكرية للبلد

الاعتقاد بماذا مثلاً؟ الاعتقاد بالأسس العقائديّة والسياسيّة والفكريّة للبلد؛ فالبلد اليوم في طور التقدّم، لديه جهاز، لديه شعب، هناك علاقات تعاون، هناك حركة شعبيّة عظيمة تقف خلف هذا النظام وهذه الحكومات، وهذا نتيجة لاعتقاد معيّن؛ [يحاولون] تبديل هذا الاعتقاد الذي هو اعتقاد عقائدي في بلدنا إلى اعتقاد يمزج بين المعتقدات الدينية والسياسية؛ على سبيل المثال يحاولون تغيير فكرة سيادة الشعب الدينيّة. الاعتقاد بمادئنا الثقافيّة، فنحن نحمل بعض المعتقدات بخصوص قضيّة معيّنة؛ خذوا العائلة على سبيل المثال، لدينا بعض العادات فيما يخصّ قضيّة المرأة والرجل، قضيّة الاستقلال وقضيّة الأجانب. حسناً، هذه ثقافة مترسّخة وناضجة على مدى القرون، على سبيل المثال يتضاعف إصرار وثبات أيّ بلد مقابل هجوم الأجانب؛ هذه ثقافة؛ هذه أنواع من الثقافة العامّة. أو قد يحاولون إجراء بعض التغييرات التي تصبّ في مصلحتهم فيما يخصّ التبعيّة، وفيما يخصّ الاستقلال، وفيما يخصّ الدين، وفيما يتّصل بمختلف القضايا الثقافية والمعتقدات التي نحملها.[5]

ثانياً: الاعتقاد بالماضي السيء

يحاولون تغيير الماضي، وعندما نتحدّث عن الماضي، لا نقصد مرحلة الغزنويّين والسلجوقيّين، الماضي يعني الماضي القريب؛ ذاك الماضي الذي جاءت الجمهوريّة الإسلاميّة وغيّرته. لدينا رؤية، شعبنا ونحن نملك رؤية تجاه هذا الماضي، فيحاولون تغيير هذه الرؤية، ويحاولون تغيير هذا المعتقد، هم يقومون بهذا الأمر، يقومون به فعلاً. فلتفرضوا أنّ الرؤية حيال رضاخان تغيّرت، وقاموا بتحويل رضاخان السفاح المتغطرس عديم الرحمة الطامع بالمال إلى صديقٍ مثالي ورجلٍ خدوم ونقيّ وكذا وكذا! هذه الأعمال تُتابع الآن. يحوّلون محمد رضا من رجلٍ تابع، فاسد، نجس وهو فعلاً نجس الأخلاق، ضعيف النفس ومتغطرس إلى شخصيّة ذات وجاهة!

يحوّلون هويدا إلى إنسانٍ يُمكن تقبّله! يجمعون الأموال من أجل القيام بهذه الأعمال، يؤلّفون الكتب، يطبعونها؛ جاء شخصٌ وكان على مدى ثلاث عشرة سنة حلقة وصل القرارات الخبيثة مع هيكليّة البلد السياسيّة وهيكليّته الحكوميّة والإداريّة، ومارس كلّ أنواع الفساد التي يمكن تصوّرها، مارس الفساد الأخلاقي والفساد السياسي، وكان يعاني من ضعف في الروحيّة، وضعف في الشخصيّة، والعديد من الأمور الأخرى السيّئة إلى حدّ كبير والتي يخجل الإنسان من ذكرها، يقومون بتحويل مثل هذا الإنسان إلى شخصيّة صاحبة أفكار نيّرة ونوايا خيّرة! يقومون بمثل هذه الأعمال؛ يغيّرون الاعتقاد بشأن الماضي. لكي يستنتجوا بأنّ الجمهورية الإسلاميّة جاءت، وأنّ الثورة الإسلاميّة جاءت وأزالت ما لم تكن توجد ضرورة لإزالته؛ سلبتنا شيئاً لم يكن سيّئاً، بل كان جيّداً أيضاً؛ هذه هي النتيجة التي يحاولون التوصّل إليها.[6]

ثالثاً: الاعتقاد بالمستقبل المشرق

الاعتقاد حيال المستقبل، حسناً، المستقبل ينطوي على أهميّة كبيرة؛ الأمل بالمستقبل، وبأنّنا سنكون على هذه الحالة وتلك في نهاية المطاف؛ هذه أمور في غاية الأهمية. عندما جلس هنا وأوجّه خطابي إلى أشخاص يقبلونه وأقول بأن عليكم أن تقوموا خلال الأعوام الأربعين أو الخمسين القادمة بما يجعل كلّ من يرغب في الاطلاع على مراحل التقدم العلميّ مضطراً لتعلّم اللغة الفارسية؛ فإنّ هذا مستقبل، وهو نوعٌ من المستقبل المشعّ؛ يتقبّل الشاب هذا الكلام ويفكّر به؛ هذا الأمر متاح ويمكن القيام به، يمكن القيام به فعلاً، لا شكّ في أنّه متاح، [يحاولون] تغيير هذا الاعتقاد حيال المستقبل؛ والقول بأن لا فائدة ولا جدوى، أنتم تتحرّكون عبثاً. إذاً، يعملون على تغيير المعتقدات، ومن ضمن ذلك تغيير الاعتقاد حيال المستقبل.[7]

رابعاً: الاعتقاد بالوضع الحالي للبلد

يصوّرون [أيضاً] الأوضاع الراهنة داخل البلد بحيث يشعر من هو غير مطّلع إلى حدّ كبير بالخجل في بعض الأحيان، هذا أمرٌ في منتهى الأهميّة. يتكلّمون بأسلوب يجعلنا نشعر أنّنا لا نملك شيئاً؛ هذا من الأعمال الأساسيّة جدّاً التي يقومون بها. حسناً، الشابّ اليوم يرى أنّه يتقدّم، وأنّه ينهل من العمل، وأنّ الجامعة بهذا النحو، والبيئة السياسيّة بذاك النحو، ويلاحظ وجود النشاط، ووجود الحركة، ووجود المشاريع الكبيرة والضخمة، والمستقبل المشرق، يشعر بكلّ ذلك فيتنشّط، ويتحرّك؛ عندما يتبدّل هذا المعتقد ويصبح، ما الذي نملكه نحن؟! نحن لا نملك شيئاً؛ ولم يُنجز أيّ شيء، ولم يتمّ القيام بأيّ تحرّك، تكون الحرب الناعمة؛ وهي عبارة عن تغيير المعتقدات.[8]

خامساً: الاعتقاد باضطراب العالم الخارجي

يدفعون نحو الاعتقاد بالعالم ويزيّنون العالم الخارجي. وهذا الأمر ليس مختصّاً بالوقت الحالي، بل بالماضي، لكنّه اكتسب اليوم شكلاً آخر وتبدّلت أساليبه وتموضعاته وأصبحت أكثر تقدّماً. يصوّرون العالم بأنّه عالمٌ جيّد، ومريح، وآمن؛ ما الذي تقولونه أنتم؛ لديهم هذا النوع من التطوّر، لديهم مثل هذه الحركة العلميّة، لديه مثل هذه العظمة والقوّة العسكريّة أو السياسية، شعبهم يعيش الرخاء؛ بينما يسمع هذا الشاب أو هذا الفتى الجامعي، هذا الإنسان الفهيم بعض الأخبار؛ فلتفرضوا أنّه يسمع بأوضاع أوروبا الاقتصاديّة ويراها. يرى الذين ينامون ليلاً في الشوارع ويرى عدد الموتى في كلّ ليلة. يرى عمليّات الانتحار؛ حسناً، يرى الإنسان هذه الأمور ويتكوّن لديه اعتقادٌ بأنّ أوضاعهم مأزومة من عدّة جوانب؛ يأتون ليغيّروا هذه المعتقدات. لذلك فإنّ تغيير المعتقدات يشمل هذا الطيف الواسع من المعتقدات.[9]

النفوذ من خلال وضع مسؤولين لا يعتقدون بأهداف الإسلام

إنّ إحدى المؤامرات التي دأب عليها العدو خلال السنوات الأخيرة هو سعيه لدسّ العناصر التي لا تؤمن بالمبادئ الإسلامية بين صفوف كبار المسؤولين في البلاد؛ لغرض زعزعة حالة الانسجام بينهم، وهذا خطر فادح.[10]

إذا كان للعدو مخططه داخل البلاد، فماذا سيفعل؟ سيستخدم المندسين والمتغلغلين. وليس معنى المندس أنه قبض مالاً ليأتي ويندس في الجهاز الفلاني وهو يعلم أنه مندس ويعلم ما الذي يفعله، لا، المندسّ أحياناً مندسّ وهو نفسه لا يعلم! قال الإمام الخميني(رضوان الله تعالى عليه) أحياناً يُسمعُ كلام العدو من أفواه أناس محترمين عبر عدة وسائط. كان الإمام الخميني واعياً وكان صاحب تجربة. العدو يقول شيئاً ويريد شيئاً، وهو ينفذ مخططاته بعدة وسائل وأدوات، ويعمل ما من شأنه أن يسمع كلامه عبر عدة وسائط من لسان شخص محترم مقبول لم يقبض مالاً من العدو ولم يلتزم بشيء للعدو. أولم نر أمثال هؤلاء؟ أولم نجرب هذه الأشياء؟ في نفس مجلس الشورى الإسلامي هذا جاء نائب واتهم النظام بالكذب! وقال إننا نكذب على العالم منذ عشرة أعوام أو ثلاثة عشر عاماً، من منصة مجلس الشورى الإسلامي! من هذا المنبر العام! طيب، إنه يطلق كلام العدو، فالعدو كان يقول لنا إنكم تكذبون! وإذا بشخص منا يظهر ويقول إن النظام يكذب! أليس هذا متغلغلاً؟ وفي بعض الأحيان لا يعلم ولا يدري حتى هو نفسه بأنه متغلغل. كان لنا مجلس في فترة مفاوضات نووية حامية صعبة خلال فترة كان فيها رئيس جمهوريتنا الحالي المحترم رئيساً للمفاوضات النووية، وكانوا يتحملون المشاق والجهود ويتفاوضون ويتحدثون بصعوبة ويتجادلون مع الأطراف المقابلة وكانوا في الواقع يحاربون ويناضلون من أجل تكريس كلمة إيران وإعلائها، وإذا بهم هنا في المجلس يطرحون مشروعاً فورياً للغاية من أجل أن يكرسوا كلام الطرف المقابل! في ذلك الحين عتب رئيس الوفد المفاوض الذي هو رئيس جمهوريتنا الحالي المحترم وقال إننا نناضل هناك والسادة هنا يصوغون مشروعاً لصالح الأعداء. طيب، هذا تغلغل. وما هذا إذن؟ هل يجب أن يكون التغلغل علنياً صريحاً صادحاً، حتى يضطرب البعض بمجرد أن يقال تغلغل، ويقولون لماذا تقولون تغلغل تغلغل؟ نعم، ينبغي الحذر.[11]

النفوذ من خلال التفاوض مع أمريكا

هم -الأمريكيين- ينشدون شيئاً باسم التفاوض مع إيران، لكن المفاوضات ذريعة، المفاوضات وسيلة للنفوذ، المفاوضات وسيلة لفرض إرادات. لقد وافقنا على أن يتفاوضوا في الملف النووي فقط، ولأسباب معروفة ذكرناها مراراً، وقد تفاوضوا طبعاً. والحمد لله على أن مفاوضينا ظهروا على هذا الصعيد بشكل جيد، لكننا لم نسمح بالمفاوضات في مجالات أخرى، ولا نتفاوض مع أمريكا؛ إننا نتفاوض مع العالم كله، لكننا لا نتفاوض مع أمريكا. نحن من أهل التفاوض والتفاهم؛ التفاوض على مستوى الحكومات والتفاوض على مستوى الأقوام، والتفاوض على مستوى الأديان؛ نحن أهل تفاوض، ونتفاوض مع الجميع باستثناء أمريكا؛ وبالطبع لا نتفاوض مع الكيان الصهيوني أيضاً، فأصل وجود الكيان الصهيوني غير شرعي وحكومته زائفة.[12]

حين نقول لا نتفاوض مع أمريكا فليس معنى ذلك إننا نعارض أساس التفاوض، لا، بل نعارض التفاوض مع أمريكا. ولهذا سببه، ويمكن للإنسان الواعي الذكي أن يدرك ذلك ويفهم لماذا، وإلّا حين نتفاوض مع الآخرين فليسوا أصدقاءنا الوديين الصميميين -وبعضهم عدو وبعضهم غير مبالين، نتفاوض معهم ولا مشكلة لنا في ذلك- لكن تفاوض أمريكا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعني النفوذ والتغلغل. هذا هو تعريفهم للمفاوضات، وهم يريدون فتح الطريق أمام فرض الأمور والإكراه. الغول الإعلامي الهائل في العالم اليوم بيد أمريكا، والتيار الصهيوني المعادي للإنسانية والمعادي للفضيلة بشدة اليوم متحالف مع أمريكا، وكلاهما في صفّ واحد وثياب واحدة وأيديهما متعاضدة. والتفاوض معهم يعني فتح الطريق ليستطيعوا التغلغل والنفوذ في البلاد على الصعد الاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية.

وفي هذه المفاوضات الخاصة بقضايا الطاقة النووية أين ما سنحت لهم الفرصة وفسح لهم المجال -وبالطبع فإن الطرف الإيراني والحمد لله كان يقظاً فطناً، لكنهم وجدوا بعض الفرص في بعض المواطن بالتالي- مارسوا النفوذ وقاموا بخطوة تضرّ المصالح الوطنية. هذا هو الممنوع. التفاوض مع أمريكا ممنوع بسبب أضراره الكثيرة وعدم وجود منفعة فيه. هذا يختلف عن التفاوض مع الحكومة الفلانية التي ليس لها مثل هذه الإمكانيات ولا مثل هذه الدوافع. هاتان الحالتان مختلفتان، لكن البعض لا يفهم.[13]


  • [1] خطاب سماحته أمام قادة التعبئة بتاريخ 25-11-2015م
  • [2] خطاب سماحته أمام قادة الحرس الثوري بتاريخ 16-9-2015م
  • [3] نفس المصدر
  • [4] خطاب سماحته أمام مسؤولين مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 12-10-2015م
  • [5] نفس المصدر
  • [6] نفس المصدر
  • [7] نفس المصدر
  • [8] نفس المصدر
  • [9] نفس المصدر
  • [10] خطاب سماحته أمام أهالي أصفهان بتاريخ 30-10-2001م
  • [11] خطاب سماحته أمام أهالي نجف آباد 24-2-2016م
  • [12] خطاب سماحته أمام أقشار مختلفة من الشعب بتاريخ 9-9-2015م
  • [13] خطاب سماحته أمام قادة وأعضاء القوة البحرية للحرس الثوري بتاريخ 7-10-2015م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟