مواضيع

أقسام النفوذ

النفوذ الفردي والتيّاري

النفوذ على شكلين: نفوذ جزئي فردي، ونفوذ تياري. النفوذ الجزئي له الكثير من الأمثلة، ومعناه أن تفترضوا أن لكم جهازاً ومؤسسة وكياناً، وأنكم مسؤولون، فيبعثوا شخصاً بوجه مجمّل ومزوّق وبقناع ويدسّوه في منظومتكم، وتتصورون أنتم أنه صديق والحال أنه ليس بصديق، من أجل أن يستطيع إنجاز عمله ومهمته. قد يكون هذا أحياناً جاسوساً وهذا هو أدنى المستويات، أي إن التجسس هو أقل الأمور أهمية، فهو يتصيد الأخبار ويبعثها. لكن مهمته أحياناً أكبر من التجسس، فهو يروم تغيير قراراتكم. أنت مدير أو مسؤول وصاحب قرار وتستطيع القيام بعمل كبير ومؤثر، وإذا قمت بهذا العمل على النحو الفلاني فسيكون ذلك لصالح العدو، ويأتي ذلك العنصر ليجعلك تتخذ القرار وتقوم بعملك على ذلك النحو الذي فيه خدمة للعدو. ومعنى هذا أنه يشارك في صناعة القرار. ولهذه الحالة سابقتها في كل الأجهزة والمؤسسات، والأمر لا يقتصر على الأجهزة السياسية، فقد كانت الأجهزة العلمائية والدينية وأجهزة رجال الدين وما إلى ذلك دوماً عرضة لمثل هذه الحالات. المرحوم السيد حسن تهامي كان من علماء بلادنا الكبار في بيرجند، ذهب إلى بيرجند وبقي فيها، كان عالماً كبيراً جداً، ولو سكن في قم أو النجف لصار مرجع تقليد بالتأكيد، فقد كان عالماً جداً. يروي لي هو بنفسه فيقول عندما كان العراقيون يحاربون الإنجليز -في سنة 1918 قبل نحو مائة سنة- كان لأحد مراجع الدين حينذاك خادم يعرف بالصلاح، وكان يأنس مع طلبة العلوم الدينية ويعاشرهم ويتحدث معهم ويعرف الجميع ويصادقهم، وقد ذكر لي اسمه لكنني نسيته. يقول بعد أن انتصر الإنجليز واحتلوا العراق، وكانت النجف آخر مكان دخلوا إليه، وصل نبأ لطلبة العلوم الدينية أن خادم المرجع الفلاني إنما هو ضابط بريطاني! قال إنني لم أصدق، وقلتُ: وهل مثل هذا الشيء ممكن؟ يقول بعدها كنتُ أسير في سوق الحويش -سوق معروف في النجف- فوجدتُ سبعة أو ثمانية أو عشرة ضباط وعسكريين بريطانيين قادمين على الخيول، وكانوا يومها يتنقلون على الخيول، وكان أمامهم ضابط، فوقفت جانباً ليمروا، وحينما وصلوا إليّ سمعتُ ذاك الضابط الذي كان يتقدم المجموعة يقول لي من فوق فرسه: كيف حالك يا سيد حسن؟! نظرتُ فوجدتُ أنه نفس ذلك الخادم في بيت المرجع الفلاني، وكنا نشاهده سنين طويلة. النفوذ يكون بهذه الطريقة أحياناً، النفوذ الشخصي، حيث يتغلغلون في بيت شخص أو مؤسسته. وفي الأجهزة السياسية كان هناك من هذه الأمثلة ما يصعب حصره، وقد يكون مثل هذا الشيء اليوم أيضاً، وهو طبعاً حالة خطيرة.

لكن الأخطر من هذا هو النفوذ التياري. النفوذ التياري يعني صنع شبكات داخل الشعب بواسطة المال، وهنا يتجلى دور المال والشؤون الاقتصادية. والوسائل الأهم هي وسيلتان: إحداهما المال والثانية الجاذبيات الجنسية. يجتذبون الأفراد ويجمعونهم حول بعضهم ويختلقون لهم هدفاً مزيفاً كاذباً، ويجرّون الأفراد المؤثرين الذين يستطيعون التأثير في المجتمع صوب الجانب الذي يريدونه. ما هو ذلك الجانب الذي يريدونه؟ إنه عبارة عن تغيير المعتقدات والقناعات والمبادئ والمطامح وتغيير النظرات وتبديل أسلوب الحياة. يعملون ما من شأنه أن يجعل ذلك الشخص الذي استهدفوه بتغلغلهم واندساسهم وأثروا فيه بتغلغلهم يفكر بنفس الطريقة والشيء الذي يفكر به الأمريكان. أي يفعلون ما يجعلكم تنظرون للقضية بنفس الطريقة التي ينظر بها شخص أمريكي للقضية -ونقصد طبعاً السياسي الأمريكي، ولا شأن لنا بالشعب في أمريكا- وتشخصون وتستنتجون بنفس الشكل الذي يستنتجه ذلك المأمور رفيع المستوى في السي آي أي. وبالتالي سوف تصبون إلى نفس الشيء الذي يصبو هو إليه. وهكذا سوف يرتاح باله، من دون أن يحتاج إلى المخاطرة بنفسه والنزول إلى الساحة، فأنتم الذين ستعملون له. هذا هو الهدف، هذا هو هدف التغلغل، التغلغل التياري والشبكي الواسع وليس الجزئي. إذا حصل هذا النفوذ بالنسبة لأشخاص لهم تأثيرهم في مصير البلاد وسياستها ومستقبلها، فلاحظوا أي شيء سيحدث؟ سوف تتغير المبادئ والمطامح والقيم والإرادات والمعتقدات.

عندما تنظرون اليوم تعتقدون وتؤمنون بأن ظلماً جلياً يقع على شعب من الشعوب في قضية فلسطين. هذا شيء ترونه، ونظرتكم هي هذه النظرة. الشخص الذي يتعرض للاعتداء في بيته -الفلسطيني العربي سواء كان مسلماً أو مسيحياً- سيدان وفق النظرة الأمريكية. وهو من وجهة نظركم شخص مظلوم. عندما يستطيع المتغلغل تغيير نظرتكم فستنظرون كما ينظر هو وتقولون إن إسرائيل تدافع عن هويتها! ألم يقل أوباما ذلك؟ عندما كانوا يمطرون أهالي غزة ليل نهار بالنيران، كانوا يهاجمون الأهالي العزّل وبيوتهم وحياتهم ومزارعهم وأطفالهم ومدارسهم ومستشفياتهم، قال رئيس جمهورية أمريكا إن إسرائيل تدافع بذلك عن نفسها! هذه هي نظرتهم. صناعة الشبكات والتيارات يؤدي إلى تغيير نظرة الشخص الذي يعيش داخل إيران أو في البلد الفلاني، فتكون نظرته نفس تلك النظرة. هذا هو معنى النفوذ، لاحظوا كم هو خطير.[1]

النفوذ الاقتصادي، الفكري، الثقافي والأمني

قلنا إن نفوذ الأعداء وتغلغلهم هو اليوم من التهديدات الكبيرة التي تحدق بهذا البلد. إنهم يرومون النفوذ والتغلغل، فما معنى النفوذ؟ ربما كانوا يرمون إلى النفوذ الاقتصادي، وهو طبعاً أقل أنواع النفوذ أهمية، وقد يكون النفوذ الأمني أيضاً من أقل أنواع النفوذ أهمية. النفوذ الأمني ليس بالشيء الصغير، لكنه قليل الأهمية إلى جانب النفوذ الفكري والثقافي والسياسي. للنفوذ الأمني عوامله الخاصة، وعلى المسؤولين بمختلف صنوفهم -ومنهم الحرس أنفسهم- أن يمنعوا التغلغل الأمني للأعداء بكل اقتدار إن شاء الله.

وعلى الصعيد الاقتصادي ينبغي أن تكون الأعين البصيرة للمسؤولين الاقتصاديين مفتحة ومراقبة لئلا يمارس العدو تغلغله واندساسه الاقتصادي، لأن نفوذ العدو يضعضع أسس الاقتصاد القوي. في البلدان والأماكن التي استطاعوا فيها التغلغل اقتصادياً وفرض أنفسهم كالكابوس على اقتصاداتها، أنزلوا الويلات بتلك البلدان والشعوب. قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً قال لي رئيس أحد هذه البلدان وهو من البلدان المتقدمة في منطقتنا، وكان في زيارة لطهران وجاء للقائنا، قال لي يا سيدي إننا بسبب النفوذ الاقتصادي تحولنا في ليلة واحدة إلى فقراء وشحاذين، وكان على حق. الرأسمالي الفلاني يريد للسبب الفلاني أن يركّع ذلك البلد فيسحب رأسماله من ذلك البلد، أو يستولي بطريقة تفرض الركوع على ذلك البلد. هذا أيضاً على جانب كبير من الأهمية، لكنه أقل أهمية بالمقارنة إلى الاقتصاد الثقافي والاقتصاد السياسي والنفوذ السياسي والنفوذ الثقافي، والأهم من كل شيء هو النفوذ السياسي والثقافي.

يحاول الأعداء على الصعيد الثقافي تغيير معتقدات المجتمع، وزعزعة تلك المعتقدات التي أبقت هذا المجتمع واقفاً على قدميه بحيوية. يريدون المساس بها والإخلال والتغلغل وإيجاد ثغرات فيها. ينفقون الأموال بالمليارات لأجل تحقيق هذا الهدف. هذا هو النفوذ والتغلغل الثقافي.

والنفوذ السياسي هو أن يتغلغلوا ويؤثروا في مراكز اتخاذ القرار، وإنْ تعذر ذلك ففي مراكز صناعة القرار. عندما تخضع الأجهزة السياسية والأجهزة الإدارية في بلد لتأثير الأعداء المستكبرين، ستكون كل القرارات في ذلك البلد مطابقة لإرادة وميل المستكبرين، أي سيكون المسؤولون في ذلك البلد مجبرين على ذلك. حينما يكون البلد تحت النفوذ السياسي ستكون حركته وتوجهاته في الأجهزة الإدارية طبقاً لإرادة أصحاب النفوذ، وهذا ما يريده الساعون للنفوذ. إنهم لا يرغبون في تسليط شخص منهم على بلد من البلدان كما كانوا يفعلون في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في الهند، حيث كان لديهم مأموروهم وشخصياتهم هناك، وكان شخص بريطاني رئيساً في الهند. هذا الشيء غير ممكن في الوقت الحاضر، والأفضل لهم أن يكون هناك شخص من نفس ذلك الشعب على رأس ذلك البلد، لكنه يفكّر مثلهم ويريد ما يريدون ويتخذ القرارات مثلهم وطبقاً لمصالحهم، هذا هو النفوذ السياسي. هدفهم هو التغلغل إلى مراكز اتخاذ القرار، وإذا لم يستطيعوا فإلى مراكز صناعة القرار، فهناك مواقع ومواطن هي التي تصنع القرار. هذه هي الأعمال التي يقوم بها العدو.[2

النفوذ من خلال إيجاد الخلل في الاعتقادات

من طرق الدخول والتغلغل -وسوف نذكر كلاماً عن النفوذ والتغلغل، ونحن نؤكد ونكرر الكلام دوماً عن نفوذ العدو واندساسه وتغلغله- زعزعة المعتقدات والقناعات؛ المعتقدات الثورية والدينية. يزعزعون المعارف الثورية والدينية ويتغلغلون فيها. يستخدمون كل الطرق، ولديهم الكثير من الأفراد على تنوعهم؛ لديهم الأستاذ الجامعي، ولديهم الناشط من الطلبة الجامعيين، ولديهم النخبة الفكري والعلمي، هناك كل أنواع الأفراد للتغلغل والاندساس.[3]

يؤثّرون على الناس عبر تغيير معتقداتهم. عندما ننظر على المستوى العالمي نجد أنّ الناس ينقسمون إلى فئتين:

  • بعض الناس عديمو الهمّة وصفتهم عدم الاكتراث.
  • وبعض الناس -مثل شعبنا- هم أناس حساسون، أذكياء، مجدّون في العمل، أصحاب دوافع؛ هذه الخصال أوسع وأقوى لدى شعبنا من كثير من شعوب العالم، وطبعاً، جانبٌ أساسيّ من هذا الأمر مرتبطٌ بالثورة الإسلامية؛ فالثورة جعلت الناس بهذا النحو ودفعتهم في هذا الاتجاه. [يحاولون] تغيير معتقدات هؤلاء الناس؛ هدف الحرب الناعمة هو تغيير المعتقدات.[4]

  • [1] خطاب سماحته أمام قادة التعبئة بتاريخ 25-11-2015م
  • [2] خطاب سماحته أمام قادة الحرس الثوري بتاريخ 16-9-2015م
  • [3] نفس المصدر
  • [4] خطاب سماحته أمام مسؤولين مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 12-10-2015م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟