مواضيع

عوامل الآفات

أولا:ً العوامل الداخلية

العوامل الداخلية أي الأمور التي بداخلنا نحن الثوريون والمؤمنون، هذه العوامل ليست قليلة، بل كثيرة.[1]

ما هو العدو الداخلي؟ إنه الخصال السيئة التي من المحتمل أن نتّصف بها.

إنّ الكسل وعدم النشاط في العمل وانعدام الأمل، والأنا المفرط، وعدم الثقة بالآخرين وبالمستقبل، وعدم الثقة بالنفس على المستوى الشخصي والجماهيري، آفات مهلكة.

ولو ظهر هؤلاء الأعداء الداخليون بين أظهرنا فإن الأمور سوف تغدو أكثر تعقيداً.[2]

أهمية مواجهة العوامل الداخلية

1-    الحفاظ على العوامل الخارجية من خلال علاج الآفات الداخلية

إذا عالجنا نقاط الضعف الداخلية هذه، فلن تُلحق بنا عوامل الضرر الخارجيّة أيّ مشكلة.

لاحظوا كيف يتحدّث القرآن معنا بصراحة في هذا الشأن، يقول عزّ وجل: <ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ>[3]؛ أي انّ الله الذي منحكم ووهبكم، يستحيل أن يسلبكم ما وهبكم إياه، إلا عندما تغيّرون حالاتكم الشخصيّة. لأنّ النعمة الإلهيّة ليست عشوائية؛ فالله يمنّ على أيّ أحد بنعمه ضمن دائرة ظروف وحالات معيّنة. إذا حافظتم على تلك الحالات، سيستحيل أن تزول تلك النعمة وتُستعاد.

هذه من المضامين والمسلّمات والبيّنات في أدعيتنا. عندما ينظر الإنسان إلى الصحيفة السجاديّة وسائر المواضع، يسلّم بهذا الأمر؛ بأنّ الله لا يسلبنا نعمته، إلا إذا بدّلنا حالاتنا، هذه الغرفة مضاءة الآن، هذه المصابيح تنشر النور؛ لماذا؟ لا بدّ من وجود شروط معيّنة، هناك أسلاك وإمكانات ومجال معيّن؛ إذا تغيّرت هذه الأمور، سيكون من الطبيعيّ أنّ هذا الضوء لن يكون موجوداً. هذا من الواضحات. التقدير الإلهيّ يعني قياسات الله جلّ وعلا الدقيقة؛ هذا ما لا يتخلّف. فإذا غيّرنا القياسات، سيغيّر الله جلّ وعلا النتائج أيضاً.[4]

2-    استحالة التطور مع وجود الآفات الداخلية

لو ابتلي شعب بمثل هذه الأمراض، فسيكون تقدّمه مستحيلاً، فلو كان شعبٌ كسولاً فاقداً للأمل، غير واثق من نفسه، ولم يكن متّحداً وكان يغلب عليه طابع سوء الظن، لا أمل له بالمستقبل، فإن مثل هذا الشعب سوف لا يكتب له التقدّم.

فإن هذه الأمور كدابة الأرض التي تنخر في أسس الجدران وتعمل على تقويضها، ومثل الدودة التي تستقر داخل الثمرة وتفسدها، فيجب مكافحة هذه الصفات.

فعلى شعبنا أن يتحلى بالأمل والثقة بالنفس، متفائلاً بالمستقبل، راغباً بالتقدم، مؤمناً بالمعنويات التي تساعده في بلوغ الهدف، وبحمد الله فإن شعبنا يتحلى بهذه الثقة والأمل؛ ولا بد له من إكمالها.[5]

مصاديق العوامل الداخلية

1-    ضعف الإيمان وطلب الدنيا وسوء السلوك

إنّني ألخّص العدوّ الباطني، أي العدوّ الداخلي في ثلاث أمور. وأنا أعتقد أنّ كلّ الأمور تصبّ في هذه الأمور الثلاثة -عندما دقّقت في نقاشاتكم، وجدت أنّه تمّت الإشارة إلى العديد من هذه الأمور وجرى النقاش حولها- إذا استطعنا معالجة هذه الأمور الثلاثة، ستُحلّ العديد من هذه المشكلات. سأبدأ بنفسي أيضاً، ولا أرغب في ذكر اسم أحد. إنّني من الذين لهم دورٌ في شؤون هذا البلد. نسبة من نقاط الضعف هذه موجودة بي أنا أيضاً؛ وهي موجودة بين طبقات المسؤولين المختلفة وبين الخواصّ أيضاً. كلّما نزلنا أكثر، تتراجع ا لأدوار. هذه المشاكل موجودة فينا نحن أيضاً؛ وعلينا أن نحلّها. إذا كانت موجودة، يجب أن نبادر لحلّها؛ وإن لم تكن موجودة فنورٌ على نور!

أحد هذه الأمور هو انعدام الإيمان أو ضعفه. هذه نقطة ضعف داخليّة. وأحد الأمور أيضاً، هو سوء التصرّف في كافّة المجالات؛ من بينها الإعلام، ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون هي المقصودة. وواحد من الأمور أيضاً هو طلب الدنيا؛ أي الاستمتاع بملذّات الدنيا بحرص وولع، وإيلاء قيمة كبيرة لمغرياتها!

أنا أعتقد أنّ هذه الأمور الثلاثة هي الأسباب الأساسيّة، وكلّ شيء ينشأ من هذه الأمور. كلّ جهازٍ أو كلّ شخصٍ يكون مصدراً لواحد من هذه الأمور، يوجّه ضربة للثورة. كلّ من يدفع الناس نحو فقدانهم للإيمان أو يسبّب ضعفاً في إيمان الناس يساهم في الإضرار بالثورة الإسلامية.

كلّ جهازٍ يكون أداؤه مؤثّراً، إن لم يصلح هذا الأداء، أو كان أداؤه يعاني من مشكلة معيّنة أو نقطة ضعف، سيكون سيّء الأداء. لا يعني الإضرار الذي نتحدّث عنه مطلق الخيانة؛ بحيث نقول أنّ الخيانة منتشرة في كلّ مكان. لا، ما نقصده هو الكسل، فقدان الدقّة، عدم الاكتراث، عدم الاهتمام وبذل الجهود كما يجب، عدم القيام بعمل علميّ يتناسب مع حجم الحاجات، عدم التقدّم إلى الأمام؛ كلّ هذه أداءٌ سيّء. طبعاً، لا أتوقّع العصمة من أحد، بحيث أطالب بأنّنا يجب أن نكون معصومين، لا؛ سيكون هناك نقصٌ في العمل في نهاية المطاف؛ لكن يجب أن نسعى ونحاول إصلاح الأمور.

أو أنّني أعتقد أنّ كلّ جهاز يدفع الناس نحو طلب الدنيا ويشجّعهم على الانتفاع الشخصي والتلذّذ بالدنيا، يساهم في إلحاق الضرر بالثورة الإسلاميّة وتوجيه ضربة إلى الثورة الإسلاميّة، طبعاً، <الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا>[6]، لا إشكال أبداً في ذلك. لا مشكلة في [امتلاك] المال، ولا في [إنجاب] الأبناء، ولا في المنصب وأمثال هذه الأمور؛ لكنّ الغرق في هذه الأمور، وجعلها الغاية والهدف وحصر النفس في شؤون الحياة ومناقبيّاتها، هو الذي يلحلق الضرر. إذا تمّ إصلاح هذه الأمور، سيكون لدينا الأمل حينها بأن لا تكون هناك مشكلة.[7]

الانقطاع عن الله والدين والمعنوية

الشعوب تصبح فارغة خاویة نتیجة الانقطاع عن الدین والمعنویات والله، وتفقد هویتها، وتصاب بالحیرة والضیاع. الشعوب تصاب بالذلة نتیجة البعد عن أحكام الله. كما أصیبت الأمة الإسلامیة بالذلة طوال قرون. إنه صمود الشعب الإیراني ووفاؤه الذي فتح هذا الطریق القویم الحسن العاقبة أمام الشعب الإیراني. وطبعاً الطریق القویم لا یعني الطریق الخالي من التعب والجهد. فالصعاب كثیرة، لكن فضائل البشر وجلالتهم ورجولتهم تتكوّن وتظهر في البلایا الصعبة.[8]

تغيير ماهيّة الخواص من خلال اهتمامهم بالدنيا

نعم، عندما يبدّل الخواص المناصرون للحقّ في المجتمع، أو غالبيتهم الساحقة، ماهيّتهم بحيث يقتصر اهتمامهم على دنياهم الخاصّة؛ عندما يكونون مستعدّين للرضوخ أمام حكم الباطل ولا يتصدّون للباطل ولا يناصرون الحقّ أيضاً ولا يعرّضون حياتهم للخطر، خوفاً من زهق أرواحهم، وخوفاً من فقدان المال أو فقدان جزء منه، وخوفاً من فقدان المنصب والمقام، وخوفاً من نبذ الآخرين لهم وخوفاً من البقاء لوحدهم؛ حينها تحدث في العالم الإسلاميّ كارثة بحجم استشهاد الحسين بن عليّ(ع) بتلك الحالة. يصبح الحكم بيد بني أميّة وفرعها المرواني ثمّ يصل إلى بني العبّاس وأخيراً يصل إلى سلسلة السلاطين في العالم الإسلاميّ، حتى يومنا هذا![9]

2-    الغفلة عن العدو

كل سياساتنا وكل سلوكياتنا ينبغي أن توجّه صوب قضية وجود جبهة العدو الواسعة، يجب أن نصب كل اهتمامنا على ذلك. الشعب لا يمدح أي إنسان أو أية جماعة تغفل عن وجود العدو. الشعب لا يثني عليهم بأنهم كانوا متفائلين بالجميع. نعم، هو يبتسم وأنت أيضاً تبتسم، ولكن إحذر مما وراء هذه الابتسامات. يجب عدم نسيان العداوات، ويجب عدم نسيان الأعداء. هناك جبهة أعداء مقابلنا. إننا اليوم يجب أن نتفطن إلى دور العدو في قضية أمننا وفي قضية اقتصادنا وفي معيشتنا وفي ثقافتنا وفي قضية شبابنا وفي قضية الآفات الاجتماعية، فما هو دوره فيها؟ يجب أن نخطط ونشرّع القوانين ونعمل ونتحدث على هذا الأساس. الغفلة عن الأعداء ليس فيها فخر، لنعلم أن هناك عدواً. البعض يعترضون: لماذا تكررون العدو العدو دائماً؟ طيب، إنْ لم نكرر سننسى أن لنا عدواً وعندها سيأتي العدو أثناء غفلتنا ويفعل كل ما يحلو له.[10]

3-    الخوف من العدو

إن الشعور بالخشية من الهيمنة الظاهرية للمستكبرين والإحساس بالخوف من أمريكا وسائر القوى الطامعة، خطر آخر من هذا القبيل، ولا بّد من توخّيه. النخب الشجاعة والشباب يجب أن يطردوا من قلوبهم هذا الخوف.[11]

ليكن الشعب وشبيبته على استعداد ولا يسمحوا للخوف من العدو أن يتسرّب إلى قلوبهم؛ لأن العدو يُحاول من خلال هذا الخوف فرض إيعازاته وإملاءاته على هذا الشعب، دون أن يخسر تكلفة عمل ضخم أو تدخّل عسكري. هذا ما يخصّ الشعب.[12]

4-    الاعتماد على العدو والغفلة عن ذلك

إن الثقَة بالعدوّ والانخداع بابتسامته ووعوده ودعمه إنما هو من الآفات الكبرى الأخرى التي يجب أن يحذر منها بشكل خاص النخب وقادة المسيرة. يجب معرفة العدوّ بعلاماته مهما تلبس من لباس، وصيانة الشعب والثورة من كيده الذي يدبره في مواضع خلف ستار الصداقة ومّد يد المساعدة. ومن جانب آخر قد يعتري الأفراد غرور ويحسبون العدوّ غافلاً، لا بّد من اقتران الشجاعة بالتدبير والحزم وحشد كل الإمكانات الإلهية في وجودنا لمواجهة شياطين الجنّ والإنس.[13]

5-    السطحية والإهمال وسهولة التفكير في الأشياء

من هذه التحديات التحديات التي تواجهنا من الداخل، ومنها النظرة السطحية والتبسيطية للأمور، والزهو والرضا والقناعة ببعض الأعمال التي نقوم بها من دون إدراك لعمق القضية.

الأجواء التي تكتفي بالكلام والأوساط التنويرية لا تنهض بالأعمال، إنما لا بدّ من تحرك وإقدام. التساهل في العمل هو التحدي الكبير الذي يواجهنا. أحياناً لا يكون تحقيق النتائج على المدى القصير بل على المدى الطويل، وهذا ما يصيب البعض باليأس والإحباط. هذا أحد التحديات. الأعمال والمشاريع الكبيرة قد تتحقق في بعض الأحيان على مدى جيل كامل، لذا ينبغي متابعتها على طول هذه المدة والتحرك والعمل. هناك الكثير من الأعمال لو كنا قد بدأناها قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً لكنا قد توصلنا اليوم إلى نتائجها وثمارها. وثمة الكثير من الأمور بدأناها قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً ونشاهد في الوقت الحاضر نتائجها. يوم طرحت في الجامعات آراء حول النهضة العلمية في البلاد، وتم التداول بشأنها مع فئات متعددة، لم يكن أحد يتصور أن تحصل هذه الحركة العلمية التي تحققت طوال هذه الأعوام العشرة أو الخمسة عشر، لكنها تحققت، فقد أبدى أساتذتنا وعلماؤنا وجامعاتنا وشبابنا الموهوبون الهمم. لقد حققنا اليوم بالمقارنة إلى ما قبل أثني عشر أو ثلاثة عشر عاماً، حركة علمية مهمة وسجلنا تقدماً ملحوظاً ومذهلاً في بعض الأحيان وفي بعض المجالات. لنبدأ العمل اليوم ونقطف الثمار بعد خمس عشرة سنة أو عشرين سنة.[14]

يتساهل البعض في قضيّة التفاوض، ويبسّطون الأمور، ولا يدركون لبّ القضيّة بشكل صحيح. البعض عديمو الاكتراث -عديمو الاكتراث في المجتمع، لا يعنيهم ما يحدث في المجتمع، ولا يكترثون لعدم تأمين مصالح البلد، ولا يهتمّون لزوال هذه المصالح- ولا شأن لنا بهم الآن، لكنّ البعض ليسوا عديمي الاكتراث، بل يبسّطون الأمور في تفكيرهم ولا يدركون عمق القضايا. عندما يدور الحديث حول التفاوض، ينبرون ليقولون أن لماذا تعارضون التفاوض مع أمريكا؟ أمير المؤمنين أيضاً فاوض الشخص الفلاني، والإمام الحسين فاوض أيضاً. حسناً، هذا دليل على البساطة في التفكير، ودليلٌ على عدم إدراك عمق القضيّة. لا يمكن تحليل قضايا البلد بهذا النّحو؛ لا يمكن تأمين مصالح البلد بهذه النظرة الساذجة والعامّة. يتحدّث أمير المؤمنين بداية مع الزبير أو يتحدث الإمام الحسين مع ابن سعد، ينصحه؛ ليس تفاوضاً بمعناه المعاصر؛ التفاوض اليوم يعني المقايضة، أي أعطِ شيئاً وخذ مقابله شيئاً آخر. هل كان أميرالمؤمنين يقايض الزبير بمعنى أن خذ هذا الشيء وأعطني الشيء الفلاني؟ هل كان الإمام الحسين يقايض ابن سعد بمعنى أن خذ هذا الشيء وأعطني الشيء الفلاني؟ هل كان هذا الهدف؟

هل هذا هو فهمكم للتاريخ؟ هل تحلّلون حياة الأئمّة بهذا النحو؟ لقد ذهب الإمام الحسين وصرخ بوجهه، نصحه، قال له فلتخشَ الله؛ أميرالمؤمنين نصح الزبير، ذكّره بخاطرة من زمن رسول الله، وقال له فلتخشَ الله؛ وأثّر فيه بالمناسبة، فانسحب الزبير من الحرب. التفاوض اليوم ليس بهذا المعنى؛ ولكي نبادر للتفاوض مع أمريكا التي هي الشيطان الأكبر يضرب البعض أمثلة تنمّ عن البساطة في التفكير وعدم فهم حقيقة العصر الراهن وينشرون ذلك في الصحف، والمواقع الالكترونية وفي الخطابات ويردّدون أن لماذا لا تفاوضون أمريكا بينما فاوض أميرالمؤمنين الزبير؟ أي أنّ الوقوع في الخطأ في فهم القضيّة بلغ هذا الحدّ. لم يكن معنى التفاوض بمعناه الحالي.[15]

أحد آفاتنا الداخلية أيضاً، الركون إلى الراحة والسهولة، وتصوّر أن الأمور سهلة بسيطة، هذه الحالات تمثل أحياناً عقبات تحول دون تحقيق الهدف، ينبغي أن يكون تقييم العمل ومشكلاته بنحو يتطابق مع الواقع أو يقترب من الواقع على الأقل، توّهم السهولة يشبه حالة التساهل واللاأبالية، هو أيضاً من عقبات الطريق.[16]

6-    الشعور بالارتياح من خلال تخيّل الإحساس بالنصر

الشعور والظن بأن سقوط الحاكم العميل والفاسد والديكتاتور هو نهاية الطريق. إن هذا سوف يبعث على الارتخاء وراحة البال والغرق في نشوة النصر، وما يتبع ذلك من ضعف الدوافع وهبوط العزائم. هذا هو الخطر الأول. وسوف يتفاقم هذا الخطر حين يعمد أشخاص إلى الحصول على حصة خاصة في الغنيمة. ما جرى في «معركة أُحد» حيث طمع المحافظون على مضيق الجبل بالغنيمة وما أدى ذلك إلى هزيمة المسلمين وإلى لوم ربّ العالمين إنما هو نموذج بارز ينبغي ألا ننساه أبداً.[17]

7- التقليل من قيمة العدالة

لقد تمّ العمل كثيراً على تحقيق العدالة؛ فمنذ بداية الثورة نجد أنّ جميع الأنشطة التي أنجزت لصالح الطبقات المحرومة من خلال نقل الإمكانات الرفاهية والتعليمية والصحية إلى أقصى نقاط البلاد -وهي من الكثرة بحيث لا تحصى- كانت تهدف إلى إرساء العدالة.

وحقاً قد عمل ذلك على تغيير الأوضاع رأساً على عقب.

وإنّ الذين كانوا على علم بأوضاع الطبقات المحرومة في المراحل الماضية يمكنهم إدراك ذلك؛ فقد عشتُ شخصياً في المناطق المحرومة وشاهدتها في تلك المرحلة عن كثب، وحالياً إذ ذهبت كثيراً وشاهدت وضعها وجدتها قد تغيّرت بالكامل.

إنّ جميع البنى التحتية الكبرى التي يراد توظيفها للصالح العام تساعد على إقرار العدالة، وهذا مما لا شك فيه، غير أنه لا ينبغي خفض قيمة العدالة وجعلها في المرتبة الثانية بعد سائر القيم فتذهب طيّ النسيان تدريجياً، وقد كان هذا الخطر موجوداً في نظامنا.[18]

8-    التصوّر الخاطئ بأنه إمكانية حل المشاكل بالتخلي عن المبادئ

من التحديات أيضاً أن يتصور أحد أننا إذا تخلينا عن ركائزنا العقيدية والأسس العقيدية لنظام الجمهورية الإسلامية فسوف تنفتح الطرق أمامنا وتشرع البوابات المغلقة؛ هذا خطأ كبير وأساسي جداً. طبعاً إخوتنا في الحكومة الخدومة يعملون عن عقيدة، وهم مؤمنون بالثورة حقاً ويعتقدون بأسس الثورة وأصولها، وعتابنا ليس عليهم، ولكن ثمة في مجموعة العاملين أشخاص يتصورون أننا إذا تنازلنا عن بعض أصولنا ومبادئنا فستنفتح الكثير من الأبواب المغلقة بوجهنا، والحال أن الأمر ليس كذلك، هذا خطأ كبير وقد شاهدنا نتائج هذا الخطأ في بعض البلدان الأخرى -ولا نروم ذكر أسمائها- خلال هذه السنين الأخيرة. طريق التقدم هو الصمود والإصرار على المبادئ.[19]

9-    التصوّر الخاطئ بأن الشعب لا يقاوم

من التحديات أن يتصور البعض أن الجماهير لا تتحمل ولا تطيق الصعاب، لا، الناس يطيقون الصعاب والمشكلات. إذا جرى إيضاح الأمور للناس بشكل حقيقي وبصدق فإن شعبنا شعب وفيّ وسيصمد ويقاوم.[20]

10-       الشك والترديد
الشك في القدرات الداخلية

أحد التحديات التي تواجهنا أيضاً التشكيك في القدرات الداخلية. ألا نثق بالشاب العالم الإيراني، ولا نعتمد على المجاميع الشعبية وغير الحكومية في الشؤون الاقتصادية فهذا أحد التحديات. ينبغي الثقة بهم وإشراك الناس في تيار الاقتصاد الإيراني العظيم.[21]

الشك في استقامة النظام على الطموحات

وفي الجبهة الداخليّة، ولبعض الأسباب، انبعث شكٌّ وترديدٌ في تقيّد النظام بهذا الكلام وبمبادئه. وإذا رغبنا أن نضرب مثالاً واضحاً بالكامل -وبالطبع فيما يخصّ هذا المثال، كان هناك عاملٌ يحلّ المشكلة إلى حدّ معيّن- سنتحدّث عن قضيّة الموافقة على القرار 298 وإنهاء الحرب، وهي ما جعلت البعض يتردّدون. لكنّني قلت: في تلك القضيّة كان هناك عاملٌ هو وجود الإمام الخميني بنفسه. لأنّ الإمام الخميني كان [كالماء] الكُرّ، كان بحراً ولم يكن أحدٌ ليشكّ به، لذلك كان الكثير من الناس أو الأغلبية -لا أقول الجميع- يعتبرون أنّ الحجّة تمّت عليهم لأجل الإمام الخميني وثقة منهم بسماحته. لكنّ نفس هذه الخطوة زعزعت الكثير من القلوب، أن: «نعم؟! ما الذي حدث؟!» شعروا بالشك والترديد في كون النظام متقيّداً بكلامه.

يجدر هنا أيضاً القول بأنّ النماذج المماثلة لهذه القضايا تكرّرت طوال الأعوام الخمس عشر الأخيرة. وقد كان الشكّ والترديد لدى الفئات الصديقة في محلّه في بعض الأحيان، لكنّه لم يكن في محلّه غالباً. ولأنني كنت في مراكز القرار في البلد وكان لديّ تواصلٌ عاطفي مع العديد من الشباب والمتردّدين، كنت ألاحظ غالباً أنّهم أصيبوا عبثاً بالشكّ والترديد وأنّه لم يكن هناك من داعٍ أبداً للشك والترديد. لقد كانوا يقلقون عبثاً ويقولون «نعم؟! ما الذي حدث؟!»

على سبيل المثال كنت أرى أنّ وسائل إعلام العدوّ كانت تمجّد بشكل مدروس ومحسوب ولأجل غايات معيّنة أحد الأشخاص الذين يتولّون مسؤوليّة في الجمهورية الإسلاميّة! كان هذا التمجيد يثير الشكّ بأن «نعم؟! ما الذي يحدث؟! لماذا يشيدون به؟! حذاري أن يكون ذلك تمهيدٌ لحدث معيّن؟!» حسناً، لو أنّ المتردّدين صبروا، كان سيتّضح لهم بعد عامين أو ثلاثة أنّ تلك الإشادات تحوّلت إلى شتائم! كما أنّنا نلاحظ اليوم نماذج على هذه الأمور. لكنّ تلك الضربة كانت ستفعل فعلتها. وهذا كان سبباً لأن يُثار شكّ بعض الفئات الداخليّة والصديقة لأسباب مبرّرة أو غير مبرّرة. وفي الحقيقة، أحد عوامل التآكل في الجبهة الداخليّة الصديقة هو هذا الأمر.[22]

11-           الهروب من التحدي

التهرب من التحدي أيضاً أحد حالات الضعف الداخلية عندنا، التهرب من التحدي يسمى خطأً طلباً للعافية، طلب العافية شيء جيد، العافية من أعظم النعم الإلهية: «يَا وَلِيَّ الْعَافِيَة نَسْأَلُك‏ الْعَافِيَةَ، عَافِيَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة»، ليست العافية بمعنى عدم الخوض في المشكلات، بل معناها التصرف بشكل صحيح واتخاذ الخطوات الصائبة، والهجوم في الوقت الصحيح والإنسحاب في الظرف المناسب، العافية من البلاء كما لو قلنا العافية من المعصية، إذن طلب العافية والسلامة ليس شيئاً سيئاً، لكنهم يسمون التهرب من التحدي طلباً للعافية خطأً، إنه في الحقيقة طلب الراحة وتقبيح مواجهة المشكلات، وعدم الاستعداد لمواجهتها، هذه من حالات ضعفنا الداخلي.[23]


  • [1] لقاء سماحته في مهرجان معرفة آفات الثورة بتاريخ 6-3-1999م
  • [2] خطاب سماحته في بداية العام الهجري الشمسي بتاريخ 21-3-2007م
  • [3] الأنفال: 53
  • [4] كلمة سماحته في مؤتمر معرفة آفات الثورة بتاريخ 6-3-1999م
  • [5] خطاب سماحته في بداية العام الهجري الشمسي بتاريخ 21-3-2007م
  • [6] الكهف: 46
  • [7] كلمة سماحته في مؤتمر معرفة آفات الثورة بتاريخ 6-3-1999م
  • [8] خطاب سماحته في جامعة الإمام الحسين بتاريخ 23-5-2012م
  • [9] خطاب سماحته أمام قادة فيلق محمد رسول الله 27 بتاريخ 9-6-1996م
  • [10] خطاب سماحته أمام قادة وأعضاء القوة الجوية للجيش الإيراني بتاريخ 8-2-2016م
  • [11] خطاب سماحته في مؤتمر الصحوة الإسلامية بتاريخ 17-9-2011م
  • [12] خطاب سماحته أمام طلاب المدارس والجامعات بمناسبة الهجوم على وكر التجسس الأمريكي بتاريخ 4-11-2002م
  • [13] خطاب سماحته في مؤتمر الصحوة الإسلامية بتاريخ 17-9-2011م
  • [14] خطاب سماحته أمام أعضاء الدولة في اليوم السادس من شهر رمضان المبارك بتاريخ 23-6-2015م
  • [15] خطاب سماحته أمام قادة وأعضاء القوة البحرية للحرس الثوري بتاريخ 7-10-2015م
  • [16] خاطب سماحته أمام أساتذة وطلاب جامعات شيراز بتاريخ 3-5-2008م
  • [17] خطاب سماحته في مؤتمر الصحوة الإسلامية بتاريخ 17-9-2011م
  • [18] خطاب سماحته أمام أعضاء الحكومة بتاريخ 30-8-2005م
  • [19] خطاب سماحته أمام أعضاء الدولة في اليوم السادس من شهر رمضان المبارك بتاريخ 23-6-2015م
  • [20] نفس المصدر
  • [21] نفس المصدر
  • [22] خطاب سماحته أمام مجموعة من الفنانين بتاريخ 13-7-1994م
  • [23] خاطب سماحته أمام أساتذة وطلاب جامعات شيراز بتاريخ 3-5-2008م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟