معرفة آفات الثورة الإسلامية
جدول المحتويات
أولاً: معنى معرفة الآفات
معرفة نقاط ضعف أيّ كائن -إن كان ثورة، أو إنسان- لا يعني بالضرورة نقاط الضعف الموجودة حالياً؛ لا ينبغي أن يُفهم الأمر بأن ما يُطرح تحت عنوان معرفة نقاط ضعف الثورة، ينظر حتماً إلى ما تحقّق اليوم ووقع. لا، عليكم أن تدرسوا نقاط الضعف الممكنة؛ إن كانت تلك الموجودة الآن، أو التي قد تحدث فيما بعد. كما أنّنا حين ننظر بهذا الأسلوب إلى نقاط الضعف المتوقّعة للثورة، لا ينبغي أن نستنتج بأنّ ما يمكن أن يكون نقطة ضعف، موجودٌ الآن. لا، هذا ليس حكماً صحيحاً؛ طبعاً قد يرغب البعض في أن يقدّموا الثورة على أنّها تعاني من الضعف، مريضة، عاجزة وعديمة النفع!
فيما يُطرح اليوم في الترويج الإعلامي المدروس والدقيق والمخطط له من قبل وسائل الإعلام الخبريّة، ما يتمّ التركيز عليه أكثر من أيّ شيء آخر، هو أن يتمّ تقديم الثورة الإسلاميّة كثورة عاجزة، عجوزة، ضعيفة وتواجه طريقاً مسدوداً! وقد صرّحت في نداء 11 شباط هذا العام بأنّ الثورة الإسلاميّة في عامها العشرين لا تزال في ريعان الشباب؛ فردّوا على الفور! وها هم السادة -وحسب قولهم- المخططون وواضعو الأيديولوجيات والمنظّرون ضدّ الثورة الإسلامية، يحاولون في تصريحاتهم التعبير عن الثورة بأنّها «الثورة العجوز»! لقد لاحظت هذا الأمر في الأخبار بشكل خاصّ «الثورة الإسلاميّة العجوز»، «ذات العشرين عاماً»؛ وسأشرح فيما بعد كم أنّ هذا الكلام نابعٌ من الاضطراب والحيرة!
على أيّ حال، التفتوا إلى أنّنا حين نبحث في نقاط الضعف المحتملة لدى الثورة الإسلامية، فهذا لا يعني أنّ الثورة أصيبت الآن بنقاط الضعف هذه وأنّها مريضة وعاجزة ومعزولة في تلك الزاوية! لا، هذه الفرضيّة محتملة أيضاً بشكل كامل أنّ الثورة الإسلاميّة لم تُبتلَ بأيّ من نقاط الضعف تلك وما هو أكبر منها أيضاً.[1]
ثانياً: ضرورة كسب النظرة الشاملة حول معرفة الآفات
عند البحث عن نقاط ضعف الثورة الإسلامية، يجب أن يتمّ الأخذ بعين الاعتبار كلا العناصر الداخليّة والخارجيّة. طبعاً، يوجد هنا نوعان من الإفراط، وأنا أميل لأن أحرّر عقلي من كلا الإفراطين وأحذّر عقول الناس أيضاً من الوقوع فيهما. الأوّل هو أن نركّز على العناصر الخارجيّة ونغفل عن العناصر الداخليّة؛ والثاني هو العكس، أن نركّز على العناصر الداخليّة دون العناصر الخارجيّة. طبعاً، هناك اليوم من هم مبتلون بكلا الإفراطين؛ وكلا العنصرين موجودان فعلاً. إذا نظر الإنسان، سيلاحظ أنّ العناصر الخارجيّة، أي عداء أعداء الثورة هو من كلا الجانبين.[2]
ثالثاً: أهمية تقييم أي موجود في معرفة آفاته
دراسة نقاط ضعف أيّ كائن، يجب أن تتمّ مع الالتفات إلى بنية ذاك الكائن. بنية البعض ضعيفة، وقد يقضي عليهم أصغر فيروس؛ البعض لا قدرة لديهم على الدفاع. أولئك الذي يُصابون بالإيدز، يقتلهم فيروس زكام صغير! لأنّ قدرة جسدهم على الدفاع تتحلّل؛ أي أنّ الخلايا الدفاعيّة في الجسد، كريات الدم البيضاء وجنود الجسد، ماتت، أصبحوا عاجزين ولا يقدرون الدفاع عن أنفسهم لذلك فإنّ نقطة ضعف الشخص المبتلى بالإيدز ستكون الزكام؛ بينما قد لا يكون السرطان أيضاً نقطة ضعف أيّ شخصٍ قادر. لقد شاهدنا كيف أنّ أقوياء البنية الذين أصابهم السرطات، استطاعوا لاحقاً بواسطة العلاج الكيميائي والتصدّي القوي أن يكافحوا السرطان أيضاً، فتحسّن حالهم وهم يعيشون حياتهم الآن. علينا أن نكتشف حجم نقاط ضعف بنية هذا الكائن الذي نجري تحليلنا عليه.
ما أرغب في أن أقوله لكم هو أنّ ثورتنا أعظم وأرفع بكثير من تحليلات وتقديرات المراقبين الدوليّين؛ فهي من حيث البنية في منتهى القوّة -وسأشرح ذلك باختصار- لذلك فرغم أنّ الهجمات والضربات وأنواع الحصار التي فُرضت على هذه الثورة كانت أكثر من كلّ الثورات التي أعرفها، فإنّ نقاط ضعف هذه الثورة كانت أقلّ بأضعاف من سائر الثورات الكُبرى حول العالم. لقد دوّنت ملاحظات في مقارنة ثورتنا مع الثورات الثلاث المعروفة -التي تعرفونها أنتم السادة بنحو من الأنحاء-؛ وهناك ثورات غيرها، لكنّ هذه الثورات الثلاث مهمّة.
إحداها هي ثورة فرنسا الكبيرة -من الثورات البعيدة؛ وتفصلنا عنها مسافة أكثر من مئتي عام- والأخرى هي ثورة الاتحاد السوفيتي -بمسافة قريبة منّا تقريباً- وهي واحدة من أكبر الثورات خلال القرون الأخيرة، والأخيرة هي ثورةٌ إسلاميّة، أي ثورة الجزائر التي كانت ثورة حقيقيّة.لا يستطيع المرء أن يحتسب الانقلابات التي حملت اسم الثورة في أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة، ثورات حقيقيّة؛ وإلا فإنّني اطلعت على [تاريخ] بعض الأماكن التي قامت فيها ثورة -البلدان الافريقيّة وغير الافريقية، الموزمبيق، زيمبابوي، أو ما حصل في الهند-؛ قد يكون ممكناً إطلاق اسم الثورة عليها!
لقد راقبناها عن كثب؛ لم تكن أ]ّ منها تحمل خصائص تدفعنا لمقارنتها مع ثورتنا. لكنّ هذه الثورات الثلاث قابلة للمقارنة إلى حدّ ما. طبعاً، أنا أعتقد أنّ إجراء مقارنة بين هؤلاء مهمّة علميّة في غاية العذوبة؛ كم من الحسن أن يبادر البعض للقيام بهذا الأمر! إن كان علميّاً، بمعنى علم الاجتماع، أو علميّاً، بالمعنى التاريخي.
مرّت عشرون سنة على انتصار ثورتنا؛ لاحظوا حال الثورة الفرنسية الكبرى بعد عشرين عاماً؛ وثورة أكتوبر بعد عشرين عاماً أو ثورة الجزائر بعد عشرين عاماً.[3]
رابعاً: التوجه لتغيير السيرة بشكل تدريجي في معرفة الآفات
إن تغيير السيرة وتغيير تلك الهوية الحقيقية يحصل بنحو تدريجي وهادئ جداً. غالباً ما لا يتنبه البعض لهذا التغيير أو إن الكثير لا يتفطنون له. وقد ينتبه له الجميع بعد فوات الأوان. ينبغي التدقيق كثيراً. العين البصيرة للطبقة المتنورة المثقفة في المجتمع -أي الطبقة الجامعية- والعين البصيرة للطلبة الجامعيين ينبغي أن ترى نفسها دوماً مسؤولةً عن هذه المهمة.[4]