مواضيع

الدفاع عن القيم مع التبيين الصحيح لولاية الفقيه

جدول المحتويات

الخصيصة المهمة الأخرى لمدرسة إمامنا الجليل السياسية هي حراسة القيم التي أوضح مظهرها إمامنا الكبير في تبيينه لأطروحة ولاية الفقيه. منذ مطلع الثورة الإسلامية وانتصار هذه الثورة وتشكيل النظام الإسلامي، حاول الكثيرون الإشاعة بأن فكرة ولاية الفقيه غير صائبة، وسيئة، ومخالفة للواقع. فكانت هناك تصورات مناقضة للواقع وكاذبة ومطالب وتطلعات لا تتطابق مع هيكلية النظام السياسي الإسلامي والفكر السياسي لإمامنا الكبير. حين تسمعون الإعلاميين الجانحين إلى الأعداء يذيعون هذه الأفكار، اعلموا أن هذا ليس بالظاهرة الجديدة، فقد كانت هناك منذ البداية هذه التيارات وهؤلاء المتدربون وهذه الدعايات من الأخرين. يحاول البعض تصوير ولاية الفقيه بمعنى الحكومة الفردية المطلقة، وهذا كذب. ولاية الفقيه هي محطة هندسة النظام وصيانة خطه واتجاهه والحيلولة دون انحرافه يميناً أو شمالاً. هذا هو مفهوم ولاية الفقيه ومعناها الأكثر جذريةً ومحوريةً. وبالتالي فإن ولاية الفقيه ليست حالة رمزية وتشريفية محضة مهمتها تقديم النصائح كما أراد ذلك البعض في بدايات الثورة وأشاعه، ولا هي صاحبة دور في السلطة التنفيذية على أركان الدولة، إذ للبلاد مسؤولوها التنفيذيون والقضائيون والتشريعيون، وعلى الجميع النهوض بمهماتهم حسب مسؤولياتهم، وأن يتحملوا مسؤولياتهم هذه. دور ولاية الفقيه أن تراقب مسار النظام في هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة من المساعي المختلفة لئلا ينحرف عن الأهداف والقيم. يجب أن لاينحرف يساراً أو يميناً. حراسة ومراقبة الحركة العامة للنظام صوب أهدافه السامية الرفيعة هي الدور الأهم والأعمق لولاية الفقيه. وعى الإمام الجليل هذا الدور واستنبطه من كيان الفقه السياسي الإسلامي ومن كيان الدين، كما منهم فقهاؤنا هذا من الدين وعرفوه واعترفوا به على امتداد تاريخ التشيع وفي كافة أطوار تاريخ الفقه الشيعي. طبعاً لم يجد الفقهاء الفرصة لتطبيق ذلك، بيد أنهم اعتبروه من مسلمات الفقه الإسلامي، وهذا هو الواقع. إنّ هذه المسؤولية المتسمة بمنتهى الحساسية والأهمية تستقي من المعايير والضوابط الدينية ومن أصوات الجماهير وإرادتهم في الوقت ذاته. أي أن ضوابط القيادة وولاية الفقيه حسب المدرسة السياسية لإمامنا العظيم هي ضوابط دينية، وليست كضوابط البلدان الرأسمالية التي تتلخص في التبعية لهذا التيار القوي والغني أو ذاك. أولئك أيضاً لهم ضوابطهم وينتخبون في إطار ضوابطهم ولكن هذه هي ضوابطهم: الانتماء إلى هذه العصابة المقتدرة والثرية أو تلك، وإذا كان خارج تلك العصابة لم تنطبق عليه الضوابط. الضوابط في المدرسة السياسية الإسلامية ليست هذه. الضوابط هنا ضوابط معنوية. الضابطة هنا عبارة عن العلم والتقوى والدراية. العلم يفرز الوعي، والتقوى تورث الشجاعة، والدراية تضمن مصالح البلاد والأمة. هذه هي الضوابط الرئيسية طبقاً لمدرسة الإسلام السياسية. إذا سلبت من المسؤول إحدى هذه الضوابط وافتقدها، ستسقط عنه الأهلية حتى لو وقف كافة الشعب في البلاد إلى جانبه. لأصوات الجماهير تأثيرها ولكن ضمن إطار هذه الضابطة. الذي يتولى دور القيادة وولاية الفقيه، إذا سلبت منه ضابطة العلم أو التقوى أو الدراية تسقط عنه الصلاحية حتى لو أرادته الجماهير وهتفت باسمه، ولن يكون بوسعه مواصلة هذه المسؤولية. من ناحية أخرى، مَن تتوفر فيه هذه الضوابط ويُنتخب بأصوات الجماهير المتحققة عن طريق مجلس الخبراء -أي إن له صلته بأصوات الشعب إرادته- ليس بمقدوره القول: أنا أتوفر على هذه الضوابط إذن يجب على الناس أن يقبلوا مني. ليس لدينا «يجب». الناس هم الذين ينتخبون. حق الانتخاب من حقوق الجمهور. انظروا كيف اجتمعت الضوابط الدينية وإرادة الشعب بكل مرونة وجمال في أكثر النقاط حساسية حيث توجد ادارة النظام. هذا ما جاء به الإمام. من البديهي ألا يروق هذا الدور لأعداء الإمام الخميني وأعداء مدرسته السياسية. لذلك شنوا عليه كل هجماتهم، وعلى رأسهم الذين مُنِعت أيديهم ببركة الإمام الكبير ومدرسته السياسية عن أن تنهب المصادر المادية والمعنوية لهذه البلاد. هؤلاء هم الطليعة وثمة من يتحركون وراءهم. البعض يفهمون ماذا يفعلون، والبعض لا يفهمون [1].

الجهاد والشهادة

قيمة الجهاد والشهادة معيار آخر من هذه المعايير. قيمة الجهاد ومنزلة الشهادة السامقة كانت من الأمور التي جرى التشكيك فيها من قبل بعض العناصر والأيادي. شككوا في الجهاد وفي الشهادة. هذا أحد المعايير وينبغي أن يبرز. احترام الشهداء واحترام الجهاد والمجاهدين ينبغي أن يكون من الأجزاء البارزة في راية الجمهورية الإسلامية فتعرف هذه الجمهورية بالجهاد والشهادة.[2]

شهداؤنا أحيوا وسط ظلمات المادية في هذا العصر ثقافة الشهادة مرّة أخرى، وهي أرقى مستوى من التضحية بين المبادئ الإنسانيّة، ودلّوا أصحاب الضمائر النقيّة والطالبين للحقّ على نور الفوز والفلاح. إذا استُلهم هذا الدرس العظيم بشكل صحيح، فإنّ كلّ أسلحة الغطرسة والمال ستفشل وسوف لن تنجح أدوات الهيمنة العالميّة بالسيطرة على التجمّعات البشريّة. سلام الله وسلام أوليائه على أرواح الشهداء الزكيّة وعلى معلّم الشهادة العظيم أي الإمام [الخميني] الراحل.[3]

لديّ اعتقاد راسخ بأن من الاحتياجات الأساسية للبلاد إحياء اسم الشهداء، هذه حاجة تبدو لنا -سواء كنا أناساً متدينين متعبدين، أو حتى لو لم نكن متدينين بدرجة عالية لكننا نحب مصير هذا البلد وهذا الشعب- ضرورية وحيوية لمستقبل البلاد كيفما فكّرنا. ثقافة الشهادة تعني ثقافة السعي والتضحية وتجاوز الذات من أجل الأهداف البعيدة الأمد المشتركة بين جميع الناس. وطبعاً، ليست تلك الأهداف خاصة بشعب إيران ولا بالعالم الإسلامي، بل هي أهداف عالم الإنسانية. إذا تكرّست هذه الثقافة لدى شعب لكانت على الضدّ تماماً من الثقافة الفردية الغربية الحالية، والتي تقيس كل شيء لأجل الذات وبالمعايير الشخصية، وترى لكل شيء سعراً بالعملات والأموال، ألا وهو الحصول على المال. هذا على الضدّ تماماً من تلك الثقافة. بمعنى <وَيؤثِرونَ على اَنفُسِهِم>[4]. إنهم أفراد يعملون بالإيثار وبثقافة الإيثار والتجاوز والتضحية بالذات من أجل مصير المجتمع والشعب. إذا عمّت هذه الثقافة، فإن أيّ بلد أو مجتمع يتوفر على هذه الثقافة سوف لن يتوقف أبداً، ولن يتراجع إلى الوراء، بل سيتقدم إلى الأمام.[5]


  • [1] خطاب سماحته في ذكرى رحسل الإمام الخميني بتاريخ 3-6-2004م
  • [2] خطاب سماحته أمام أساتذة وطلاب جامعة علم وصنعت بتاريخ 19-7-2008م
  • [3] رسالة سماحته في يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدس بتاريخ 27-9-2001م
  • [4] الحشر: 9
  • [5] لقاء سماحته مع أعضاء القائمين على مؤتمر الشهداء التربويون ومؤتمر الشهداء الجامعيون ومؤتمر الشهداء الفنانين بتاريخ 16-2-2015م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟