مواضيع

مقارعة الاستكبار والدفاع عن حقوق الشعب والمظلومين

لقد كان الإمام الخميني يقف بكل صراحة في الجبهة المعارضة للعتاة الدوليين والمستكبرين، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم. لذلك كان يقف في جبهة المظلومين عند الصدام بين الجبابرة والمستكبرين والقوى العاتية في العالم من جهة وبين المظلومين من جهة أخرى، وكان يعبر عن ذلك بصراحة ومن دون ملاحظات وبلا تقية. كان مناصراً حقيقياً للمظلومين في العالم. لم يكن الإمام الخميني ممن يتصالح مع المستكبرين، ولقد كان تعبير «الشيطان الأكبر» في وصف أمريكا إبداعاً كبيراً قام به الإمام الخميني. والامتدادات المعرفية والعملية لتعبير «الشيطان الأكبر» هذا كثيرة وكبيرة جداً. عندما تعتبرون شخصاً أو جهازاً معيناً شيطاناً فمن الواضح كيف يجب أن يكون سلوككم تجاهه، وكيف يجب أن تكون مشاعركم تجاهه، وقد كانت مشاعر الإمام الخميني تجاه أمريكا على هذا النحو إلى اليوم الأخير، وكان يستخدم تعبير الشيطان الأكبر ويؤمن بهذا التعبير من الأعماق. وفي المقابل كان هناك أشخاص منذ بداية الثورة لا يتفطنون إلى أن أمريكا هي السند الذي يغذي النظام الطاغوتي الذي أسقطه الشعب الإيراني. لقد أسقط الشعب الإيراني النظام الطاغوتي البهلوي، ولكن كان ثمة أفراد يوافقون تواجد الأمريكان ونشاطهم -ونشاطات حتى بعض المؤسسات والأجهزة الأمريكية- داخل البلاد! والاختلاف الرئيسي بين الحكومة المؤقتة والإمام الخميني الجليل كان حول هذا الشأن، وكنا نرى ذلك عن قرب. لم يكونوا يتنبهون إلى أن أمريكا هي السند والدعامة المموّنة للنظام الطاغوتي، وقد سقط هذا النظام الآن لكن تلك الأجهزة المموّنة لا تزال باقية وناشطة، وإذا فسح لها المجال فإنها ستنشط ثانية وتوجّه الضربات وتبحث عن نقاط الضعف وتتغلغل من خلالها، لم يكونوا يتفطنون إلى هذا الشيء. لكن الإمام الخميني كان يرى هذا، لذلك كان موقف الإمام الخميني بشأن قضية وكر التجسس الأمريكي نابعاً من هذه النظرة والرؤية. وثمة في العالم أشخاص لم يلتفتوا إلى هذه النقطة وتلقوا الضربات والخسائر نتيجة ذلك، ولا نروم الآن التشمّت بأحد أو ملامته، لكنها ضربات تلقاها البعض لأنهم أسقطوا الأنظمة الرجعية والمستكبرة لكنهم تجاهلوا الجهات التي تدعمها وتسندها. وقد شاهد الإمام الخميني هذه الجهات الداعمة منذ اليوم الأول وواجهها، لذلك كانت له مواقفه ضد أمريكا والأجهزة السياسية والأمنية الأمريكية إلى النهاية.

وفي المقابل دعم الإمام الخميني الجليل على مدى هذه الأعوام الطويلة فلسطين ودافع عنها. دافع عن فلسطين وعن أفغانستان. يوم دخل السوفيت إلى أفغانستان مع أننا كنا نكابد معاداة أمريكا لنا -والحكومات في مثل هذه الظروف عندما تكون سيئة العلاقة مع طرف تتصالح وتنسجم مع الطرف المقابل- لكن الإمام الخميني الجليل اتخذ موقفاً حاسماً ضد السوفيت، وهو موقف لم تتخذه حتى بعض الحكومات ذات الميول الغربية، لكن الإمام الخميني الجليل دعم شعب أفغانستان دون أية ملاحظات أو اعتبارات، ودعم شعب لبنان ودعم الفلسطينيين بكل صميمية. هذا هو منطق الإمام الخميني في خصوص مواجهة الاستكبار. بهذا المنطق يمكن اليوم تشخيص قضايا العالم وإصابة الموقف الصحيح. إننا اليوم بمقدار ما نعارض السلوك الوحشي الظالم لتيار داعش في العراق وسورية نعارض كذلك السلوك الظالم للشرطة الفيدرالية الأمريكية داخل بلادهم -هذان أحدهما مثل الآخر- وبنفس الدرجة التي نعارض بها الحصار الظالم ضد أهالي غزة المظلومين نعارض قصف الشعب اليمني المظلوم الذي لا مأوى له، وبنفس القدر الذي نعارض به التشدد ضد الشعب البحريني نعارض هجمات الطائرات الأمريكية من دون طيار ضد الناس في أفغانستان وباكستان. هذا هو منطق الإمام الخميني. أين ما كان هناك ظلم كان هناك طرفان: ظالم ومظلوم، ونحن ننحاز للمظلوم ونعارض الظالم؛ هذا موقف كان الإمام الخميني يتخذه بكل صراحة، ويعتبر من خطوطه الرئيسية. واليوم أيضاً ولنفس السبب تعتبر قضية فلسطين بالنسبة لنا قضية أساسية، ليعلم الجميع هذا. قضية فلسطين لن تخرج من جدول أعمال نظام الجمهورية الإسلامية. قضية فلسطين ساحة جهاد إسلامي واجب وضروري، وما من حدث يمكنه فصلنا عن قضية فلسطين. قد يكون البعض ممن يتواجد في الساحة الفلسطينية ولا يعمل بواجباته، هؤلاء وضعهم على حدة، لكن شعب فلسطين والمجاهدين الفلسطينيين موضع تأييدنا ودعمنا.[1]

عدم الاعتماد على المستكبرين

ينبغي عدم التفاؤل بالأعداء والمستكبرين والقوى العالمية على الإطلاق، وهذا أيضاً مشهود تماماً في أعمال الإمام وسلوكه وكلماته. هذا التوكل على قدرة الخالق والثقة به جعل الإمام الخميني الكبير صريحاً في مواقفه الثورية. كان الإمام الخميني تحدث بصراحة ويقول ما يؤمن به بصراحة لأنه مستند ومعتمد على الله، لا أنه لم يكن يعلم أن القوى الكبرى ستنزعج، ولا أنه لم يكن يعلم أن هذه القوى ستغضب، بل كان يعلم ذلك، لكنه كان مؤمناً بالقدرة الإلهية والعون الإلهي والنصرة الإلهية. لم يكن يتردد مقابل الأحداث. أجاب عن إحدى الرسائل -ربما كان الإمام الخميني قد أجاب مرتين على رسائل الساسة المستكبرين في العالم أو التابعين للمستكبرين- التي كتبوها له، أجاب عليها بكل صراحة، وأذيعت في حينها من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. طبعاً كان الإمام الخميني يتحدث بأدب، لكنه كان يذكر مواقفه الحاسمة والواضحة في تلك الرسائل، وقد أجرى الإمام الخميني هذا التوكل كالدم في شرايين الشعب، فصار الشعب أيضاً من أهل التوكل على الله تعالى والإيمان بالنصرة الإلهية وسار في هذا الطريق. حين لا يثق الإمام الخميني بالمستكبرين أبداً فإن هذا يستدعي ألا يأبه مطلقاً لوعودهم. كتب رئيس جمهورية أمريكا -ريغان الذي كان رئيس جمهورية قوياً- للإمام الخميني رسالة وبعث نداء وأشخاصاً فلم يكترث له الإمام ولم يجبه ولم يبال له ولم يلتفت للوعود التي قطعها له.

وفي حالة أخرى أعطت إحدى الحكومات التابعة لأمريكا وعداً بخصوص نهاية الحرب المفروضة، وكان الكلام عن مئات المليارات أو ألف مليار، فلم يكترث الإمام لهم ولم يثق بهم. ونحن الآن في قضايانا المتنوعة الجارية نلمس نفس هذا المعنى ونرى كيف أنه لا يمكن الوثوق بوعود المستكبرين، ولا يمكن الاعتماد على الكلام الذي يقولونه في الاجتماعات الخاصة، إننا نلمس هذا الشيء. وقد جعل الإمام الخميني هذا الشيء ضمن الخطوط الرئيسية لعمله؛ الثقة بالله وعدم الثقة بالمستكبرين. وطبعاً لم يكن هذا بمعنى قطع العلاقات مع العالم، فقد كان رؤساء البلدان يبعثون للإمام الخميني رسائل تبريك بمناسبات مختلفة وكان الإمام الخميني يجيب عن رسائل تبريكهم. هكذا كانت العلاقة في حدودها العادية والمؤدبة والمحترمة، ولكن لم تكن هناك أية ثقة بالمستكبرين والجبابرة وأتباعهم وأذنابهم.[2]

الشجاعة أمام هيبة العدو

عندما خلق إمامنا العظيم هذا التحرّك العملاق كان العنصر الأساسي فيه شجاعة الإمام، وإلا فما أكثر من كانوا يتحلّون بالتقوى والإيمان بالله لكنهم كانوا يفتقرون للشجاعة؛ فلولا الشجاعة يرتعد المرء، فيستغل العدو نقطة الضعف هذه.[3]

من المعايير والمميزات أيضاً الشجاعة حيال هيبة العدو. إذا شعر مسؤولو البلاد بالرعب والخوف أمام الأعداء فستنزل بالشعب ويلات جسيمة. الشعوب التي ذلت للعدو وقهرت من قبله كانت في الغالب شعوباً لها مسؤولون -حداة قافلة الشعب- لا يمتلكون الشجاعة والثقة بالنفس اللازمة. أحياناً تكون هناك بين أبناء الشعب عناصر مؤمنة، ناشطة، مضحية، مستعدة للفداء، ولكن حين لا يكون الرؤساء والمسؤولون أنفسهم على استعداد لذلك فإن قواتهم سوف تتلاشى أيضاً وبذلك تضمحل هذه الإمكانية وتزول. يوم تعرضت مدينة إصفهان في عهد الشاه سلطان حسين للهجوم والنهب وتعرض الناس للمذابح وزالت الحكومة الصفوية العظيمة كان هنالك الكثير من الأفراد الغيارى المستعدون للقتال والمقاومة، لكن الشاه سلطان حسين كان ضعيفاً. إذا ابتليت الجمهورية الإسلامية بأمثال الشاه سلطان حسين وبمديرين ومسؤولين لا يتحلون بالجرأة والشجاعة ولا يشعرون بقدراتهم الذاتية وبالقدرات والقوى الموجودة لدى شعوبهم فإن أمر الجمهورية الإسلامية سوف ينتهي.[4]

الدفاع الشجاع عن حقوق الشعب

الدفاع الشجاع عن حقوق الشعب إحدى المميزات، ومثال ذلك الحق النووي والقضية النووية. هذه إحدى عشرات الأمور التي تحتاجها بلادنا، وليست القضية الوحيدة. ولكن حين ركّز العدو على هذه النقطة صمد شعبنا بدوره عليها. بالنسبة لهذه النقطة التي ركز عليها العدو، إذا تراجع الشعب والمسؤولون وغضوا الطرف عن هذا الحق الناصع القاطع، فلا شك في أن الطريق سيُفتح أمام العدو للتطاول على الحقوق الوطنية[5].

وفيما يتعلّق بالسياسة العالمية، فإن الشعب الإيراني شعب مسلم؛ وهو لا يحمل عداءً لأيّ من الشعوب الأخرى.

وكما تلاحظون في تاريخ الجمهورية الإسلامية، بل وحتى في الأزمنة التاريخية الماضية، كان موقف الشعب الإيراني في جميع الحروب التي تعرّضنا لها موقف الدفاع عن حريم حدوده وحقوقه واستقلاله؛ فلم نتعرّض لأي بلد ولأي شعب، بل دافعنا باقتدارٍ عن حقوقنا وسنواصل دفاعنا عنها.

وليعلم ذلك، كل القوى العظمى والمستكبرين في العالم -خصوصاً الشيطان الأكبر المتمثل بالولايات المتحدة- أنّ الشعب الإيراني لا يخضع لأيّ قوّة عظمى، وليس من حق المسؤولين في البلد أن يغضّوا الطرف عن حقوق الشعب، فإننا لا نتملك مثل هذا الحق، فإن موقعنا هو موقع الدفاع عن حقوق الشعب الإيراني، وعليه يجب الدفاع عن حقوقه السياسية والاقتصادية، ويجب أن نحافظ على منزلته اللائقة في العالم المعاصر والعلاقات الدولية.

 وقد أثبت نظام الجمهورية الإسلامية -والحمد لله- قدرته على ذلك، وإنّ شعبنا يتمتع حالياً سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي بموقع ممتاز ولائق، وسيعمل على تحسين ذلك يوماً بعد آخر.[6]


  • [1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2015م
  • [2] نفس المصدر
  • [3] خطاب سماحته أمام أقشار مختلفة من الشعب بمناسبة 19 دي قيام أهالي قم بتاريخ 9-1-2002م
  • [4] خطاب سماحته أمام أساتذة وطلاب جامعة علم وصنعت بتاريخ 19-7-2008م
  • [5] نفس المصدر
  • [6] في مراسم أعطاء حكم الرئاسة الجمهورية إلى محمود أحمدي نجاد بتاريخ 3-8-2005م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟