مواضيع

العدالة الاجتماعية وحماية المحرومين والمستضعفين

من مؤشرات نهج الإمام [الخميني]، العدالة الاجتماعية ومساعدة الفئات المستضعفة التي كان الإمام [الخميني] يعتبرها مالكة الثورة ومالكة البلد. كان الإمام [الخميني] يعتبر الحفاة أهمّ عنصر في انتصارات هذا الشعب؛ وهذا هو واقع الأمر أيضاً؛ وكما أسلفنا القول، لم يكتفِ الإمام بمجرّد الكلام. فالإمام الخميني منذ انتصار الثورة الإسلاميّة، أسس جهاد البناء، جمعيّة الإمداد، مؤسسة المستضعفين، مؤسسة 15 خرداد ومؤسسة السكن، ووجّه تعليماته الأكيدة للحكومات حينها. العدالة الاجتماعيّة من الشعارات الأساسية؛ لا يمكن جعلها في الدرجة الثانية وتهميشها. وهل يمكن ذلك؟! قد يأتي البعض ويقولون بأنّ الإمام الخميني قال: ثورتنا ليست ثورة الخبز، ليست من أجل الخبز! نعم؛ ثورة أكتوبر في روسيا التي اندلعت عام 1917، كانت بسبب انقطاع الخبز في المدن الأساسيّة حينها -مثل موسكو-. لو كان الناس حينها يملكون الخبز -هذا الخبز العادي- لما كانت اندلعت الثورة. لم تكن ثورتنا كذلك، بل قامت ثورتنا على أساس الإيمان؛ لكن هذا لا يعني أنّ الثورة لا ينبغي أن تهتمّ بحياة الناس، وبالاقتصاد وبالخبز وبرفاهية الناس. ما هذا الكلام؟! كان الإمام [الخميني] يتطرّق إلى هذه الأمور ويوجّه تعليماته، وما كان يهتمّ الإمام في الدرجة الأولى كان أوضاع الفئات المحرومة والمستضعفة. طبعاً، هناك اليوم من لا يتقنون شيئاً سوى الجلوس في زاوية وإصدار الأوامر والوصفات العلاجية -دون أن يحيطوا علماً بالوقائع، ودون أن يشعروا بأيّ نوعٍ من المسؤولية- ويقولون إنّ العدالة الاجتماعيّة لم تتحقّق! طبعاً، لا شكّ في أنّ العدالة الاجتماعيّة الكاملة لم تتحقّق -وعلينا أن نجاهد كثيراً- لكنّ النظام الإسلامي جاء وغيّر تلك المخططات والمشاريع الخاطئة التي كانت سائدة في هذا البلد -بحيث لم يكونوا يعترفون بأي حقّ للقرى وسكانها والمدن البعيدة والفئات المستضعفة- وصبّت جلّ اهتمامها على هذه الأمور. فحكومتنا الخدومة تصبّ اليوم أغلب اهتمامها على خدمة المناطق المحرومة. وهذا كان دأب الحكومات طوال فترة الثورة الإسلاميّة؛ كان أغلب اهتمامها مصبوباً على خدمة المستضعفين من الناس والمناطق المحرومة؛ وقد تمّ إنجاز أعمال عديدة وتقديم خدمات عظيمة. هذا كلّه ببركة عنصر العدالة الاجتماعيّة المشهود في نهج الإمام الخميني.

العدالة الاجتماعية من أهم وأول الخطوط في المدرسة السياسية لإمامنا الجليل. العدالة الاجتماعية وردم الهوة الطبقية يجب أن تلاحظ وتعد هدفاً في كافة البرامج الحكومية من تقنين وتنفيذ وقضاء. أنْ نقول يجب أن نجعل البلاد ثرية -أي نرفع من مستوى الناتج الإجمالي الوطني- ثم تتكدس الثروات في جانب لصالح فئة معينة، وتبقى مجاميع كبيرة من الناس خالية الوفاض، فهذا لا ينسجم مع المدرسة السياسية للإمام. ردم الفجوة الاقتصادية بين الجماهير وتبديد التمييز في الانتفاع من شتى المصادر الوطنية بين طبقات الناس، يمثل أهم وأصعب مسؤولياتنا.

جميع المخططين، والمشرعين، والمنفذين، وكافة العاملين في الأجهزة والمؤسسات المختلفة، يتعين أن يلتفتوا إلى هذه النقطة ويعدوها من أهم مميزات تحركهم. [1]

أهمية العدالة في تطور البلد

نحن لا نفكر بالتقدم فقط كما في بعض البلدان والأنظمة في العالم. نريد التقدم إلى جانب العدالة. كثير من البلدان تقدمت علمياً، وحين ننظر لأحصاءاتها ومؤشراتها الاقتصادية نجد على سبيل المثال أن دخل الفرد لديها مرتفع جداً، بيد أن القضية المهمة هي كيف يتوزع هذا الدخل الفردي بين الشعب. هذه هي النقطة التي لا تكترث لها الأنظمة غير الإلهية والأنظمة المستنسخة عن الوصفات الاستكبارية. أما نحن فلا نستطيع عدم الاكتراث. نريد لبلدنا أن يتقدم على كافة الصعد العلمية، والاقتصادية، والتقنية، والسياسية، وأن تتمتع جماهيرنا بالرفاه. ولكن إلى جانب التقدم نروم لبلادنا أن تدار بشكل عادل. هذا هو المهم. لا العدالة من دون التقدم محبذة ولا التقدم من دون العدالة محبذ. العدالة من دون التقدم تعني التساوي في التخلف والفقر، وهذا ما لا نرومه. والتقدم بدون العدالة أيضاً مما لا نطالب به إطلاقاً، إنما نطالب بالتقدم إلى جانب العدالة. يجب أن تتضاءل الفوارق الطبقية، ولابد لأصحاب القدرة على العمل والحركة أن يجدوا أمامهم فرصاً متكافئة، وإذا تكاسل أحد فهو المسؤول عن تكاسله. ينبغي ألا يكون الواقع بحيث لا يتوفر في بعض مناطق البلاد المجال للسعي العلمي أو الاقتصادي، بينما يستثمر البعض مصادر البلاد وإمكاناتها إلى ما لا نهاية؛ كلا؛ هذا ما ينبغي أن يطالبه الشعب من الحكومات ومن مجالس الشورى الإسلامية المتعاقبة، ومن السلطة القضائية، ومن كل المسؤولين. لابد للبلد أن يتقدم، التقدم في كافة القطاعات، في إنتاج الثروة، في مضاعفة الأرباح، في العزيمة والإرادة الوطنية، في الاتحاد الوطني وتقريب الشرائح المختلفة من بعضها، في الإنجازات العلمية والتقنية، في الأخلاق والمعنوية، في التقليل من الفوارق الطبيعية، في الرفاه العام، والانضباط الاجتماعي، وتكريس الإخلاص في العمل لدى كل واحد من أبناء الشعب، التقدم في الأمن الأخلاقي، وفي الوعي والنضج السياسي، وفي الثقة الوطنية بالذات -وقد تحدثت قبل أشهر عن قضية الثقة الوطنية بالذات؛ وعلى الشعب التحلي بالثقة بنفسه وأن يعلموا أنهم قادرون؛ وهذا على الضد تماماً مما أراد أعداء الشعب طوال سنوات متمادية الإيحاء به لنا وإثبات أننا غير قادرين- التقدم في كل هذه الميادين حالة ضرورية ولازمة؛ بيد أن كل هذا التقدم لابد أن يكون في ظل العدالة وإلى جانب تأمين العدل.

قد يقول بعض أصحاب الرأي والمنظرين الاقتصاديين كما يصطلح عليهم: هذا غير ممكن؛ إذا أردتم إحراز التقدم الاقتصادي فأنتم مضطرون لقبول الفوارق الطبقية! وهاهنا نقول بـ«الإبداع». يجب ألا نتوهم الوصفات الاقتصادية الغربية آخر الإنجازات البشرية الممكنة؛ لا، هذه أيضاً وصفة ولها فترتها التي ستنقضي ثم تأتي مكانها أفكار جديدة؛ يجب أن تبحثوا لتجدوا هذه الأفكار الجديدة؛ هذا ما ينبغي أن يكون معياراً لنا.[2]


  • [1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 3-6-2004م
  • [2] خطاب سماحته في بداية السنة الهجرية الشمسية بتاريخ 20-3-2008م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟