مواضيع

الإيمان بالناس والاعتقاد الراسخ بدورهم

الإيمان بالكرامة الإنسانية

الإيمان بالكرامة الإنسانية وبالدور الحاسم لإرادة الإنسان. الهوية الإنسانية في مدرسة الإمام السياسية لها قيمتها وكرامتها، ولها أيضاً قدرتها وكفاءتها. والنتيجة التي تترتب على الاعتبار والكرامة هي ان يكون لأصوات الجماهير دور رئيسي في إدارة مصير الإنسانية والمجتمع. من هنا كانت حكومة الشعب في مدرسة إمامنا الجليل السياسية -المستقاة من كيان الإسلام- حكومة شعبية حقيقية، وليست كحكومة الشعب الأمريكية وما شاكل شعارات وخدع وتضليل للرأي العام. يختار الناس الطريق بآرئهم وإرادتهم ورغبتهم وإيمانهم.[1]

الإيمان بالناس ومعارضة مركزية الحكومة

الإيمان بإرادة الشعب وقدراته ومعارضة المركزية في الحكومة؛ هذه أيضاً من الخطوط الأصلية لمسيرة الإمام الخميني. في تلك الأيام كانت هناك محاولات بسبب تصورات غير صحيحة، لإيكال كل أعمال وأمور البلد الاقتصادية للحكومة، وقد حذر الإمام الخميني مراراً وتكراراً -وهذه التحذيرات منعكسة في كلماته بوضوح- بأن توكل هذه الأمور للناس والشعب، فقد كان يثق بالشعب في القضايا الاقتصادية وفي الشؤون العسكرية. ليتنبهوا لهذا الشيء: لقد كان الإمام الخميني منذ البداية سنداً للجيش، والذي حال دون حلّ الجيش في البلاد هو شخص الإمام الخميني، ومع ذلك أوجد قوات الحرس ثم أوجد مؤسسة التعبئة، وجعل التحرك العسكري حالة شعبية. الاعتماد على الشعب في القضايا الاقتصادية وفي الأمور العسكرية وفي شؤون الإعمار والبناء حيث أطلق جهاد البناء، وكذلك في المسائل الإعلامية، وفوق كل ذلك قضية الانتخابات في البلاد وأصوات الناس في إدارة البلد وتكوين المؤسسات السياسية للنظام. طوال هذه المدة -مدة حكم الإمام الخميني كانت عشرة أعوام انقضت ثمانية منها في الحرب وكانت المدن تقصف والقتال دائر في الجبهات- أقيمت ربما عشرة انتخابات تقريباً في البلاد ولم تتأخر أيّ انتخابات عن موعدها المقرر حتى ليوم واحد، فقد كان الإمام الخميني مصراً في كل الأحوال والظروف والمراحل على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر. هذا الشيء الدارج في بعض البلدان بأن يعلنوا حالة طوارئ، لم يعلن الإمام الخميني حالة طوارئ حتى ليوم واحد، وكان يهتم للانتخابات. وفي يوم الانتخابات كان من أوائل الذين يحضرون عند صندوق الاقتراع، فقد كان يؤمن بالشعب ويحترم أصواته وأفكاره وتشخيصه بالمعنى الحقيقي للكلمة. وقد لا يكون الشيء الذي ينتخبه الشعب نفس الشيء الذي يريده الإمام الخميني في حالة معينة، لكنه مع ذلك كان يحترم أصوات الشعب ويراها معتبرة. ولم يكتف الإمام الخميني بخصوص الشعب بهذه الحدود بل اعتبر الشعب ولي نعمة المسؤولين، وكان يقول مراراً إن هذا الشعب هو ولي نعمتنا. وفي بعض الحالات كان يسمّي نفسه خادماً للشعب ويقول: لو يقولون عني أنني خادم للشعب أفضل من أن يقولوا قائد الشعب؛ وهذه كلمة كبيرة تدل على المكانة الممتازة للشعب وأفكار الشعب وأصواته ومشاركته من وجهة نظر الإمام الخميني. وقد استجاب الشعب استجابة مناسبة وتواجد في الساحة وشارك بروحه ونفسه أين ما أشار له الإمام الخميني بالمشاركة والحضور. لقد كانت هذه الحالة متقابلة فقد كان الإمام الخميني يثق بالشعب والشعب كان يثق بالإمام الخميني، وكان الإمام الخميني يحبّ الشعب والشعب يحبه أيضاً. كانت هذه العلاقة متقابلة وحالة طبيعية.[2]

الإيمان بشجاعة ووعي الشعب الإيراني

في إطار الايمان بالشعب، كان الإمام الخميني الجليل يعرف الشعب الإيراني بالمعنى الحقيقي للكلمة. كان الإمام الخميني يعتقد أن هذا الشعب شعب يتحلى بالإيمان العميق والذكاء والشجاعة، وإذا ظهر فيه قادة لائقون استطاع أن يتألق في الميادين المختلفة كالشمس. هذا شيء كان الإمام الخميني يثق ويعتقد به. إذا كان شخص غير لائق مثل الشاه سلطان حسين قد تسبّب ذات يوم في أن ينكفئ الشعب الإيراني على نفسه، فإنه في يوم آخر حينما ظهر بين الناس رجل شجاع مثل نادر قلي -من دون تلك الألقاب والعناوين- وتولى قيادة الجماهير بشجاعة، استطاع هذا الشعب أن يمدّ ساحة مفاخره من الهند إلى البحر الأسود. هذا ما شاهده الإمام الخميني في التاريخ، وشاهد نظائره وأمثاله، وكان يؤمن ويعتقد به. كان يعرف شعب إيران ويثق به. إيمان الشعب العميق الذي كان قد اختفى تحت ما كرّسه طلّاب الدنيا، أخرجه الإمام الخميني الجليل وأطلقه كإيمان عميق لا يتغيّر، وأثار الغيرة الدينية للشعب فصار شعب إيران نموذجاً للاستقامة والبصيرة. كان الشعب الإيراني أعزّ شيء في عين الإمام الخميني الجليل، وأعداء الشعب الإيراني هم المبغوضون أكثر من أي شيء في نظره. حين تلاحظون أن الإمام الخميني لم يقعد حتى لحظة واحدة في مجابهته لقوى الهيمنة، فإن السبب في معظمه هو لأن قوى الهيمنة كانت عدوّ سعادة الشعب، والإمام الخميني يعادي عدوّ الشعب.[3]

أمثلة على إيمان الإمام بالناس والمقارنة مع الغرب

لم يسبق في أي ثورةٍ من الثورات المختلفة -حيث إن النصف الأول من القرن العشرين كان عصر الثورات المختلفة؛ وقد اندلعت في الشرق والغرب ثورات متعددة وبأشكال مختلفة- أنه بعد شهرين من انتصار الثورة قيام استفتاءٍ عام من أجل اختيار أسلوب للحكومة والنظام؛ ولكن الذي حدث في إيران هو باهتمام الإمام. ولم تمرّ على الثورة سنة إلاّ وقد دُوّن وصُوّب الدستور. ففي الأشهر الأولى التي لم يدُوّن فيها الدستور وقد حدث فيه تأخير، أتذكر أن الإمام قد استدعانا، فذهبنا إلى قم -حيث كان في تلك الفترة في مدينة قم- قال لنا بامتعاض: عليكم أن تدوّنوا الدستور في وقت أسرع. حينها جرت انتخابات مجلس الخبراء وانتخب الشعب الخبراء من أجل تدوين الدستور؛ وبعد أن دُوّن الدستور جُعل في معرض الرأي العام، جرى الاستفتاء واختار الشعب الدستور. ومن بعدها جرت انتخابات رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى أيضاً. ولم تتعطل الانتخابات في أحلك مراحل الحرب وأشدها حينما كانت طهران تحت القصف؛ وإلى يومنا هذا ولم تؤخّر الانتخابات ليوم واحد في إيران. فأية ديمقراطية تجدونها في العالم؟ لا في الثورات ولا في أية ديمقراطية يجري مثل هذا الأمر بهذه الدقة وفي الوقت المحدد، حيث يُقبل الناس على صناديق الاقتراع. هذا هو نهج الإمام.

كذلك في غير قضية الانتخابات أيضاً، فقد كان الإمام يهتم بالشعب كثيراً، وقد أشار الإمام إلى دور الشعب بشكل جلي، وكان يصرح بذلك أحيانا، وكان يقول لمرات عديدة: لو لم يقم المسؤولون بواجبهم فإن الشعب سوف يتدخل ويقوم بذلك.[4]

بعد أقل من شهرين على انتصار الثورة عرض الإمام أساس النظام المنبثق عن الثورة على أصوات الشعب. قارنوا هذا بما يفعله الانقلابيون العسكريون في العالم، والسلوك الذي انتهجته الحكومات الشيوعية، والسلوك الذي تمارسه أمريكا اليوم. بعد خمسة عشر شهراً من الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، لا تزال أمريكا اليوم تمنع شعب هذا البلد أن يقول ماذا يريد ومَن يريد لحكومته. بالأمس تحدث ممثل الأمم المتحدة فقال: لأن للأمريكيين تواجدهم العسكري في العراق، ينبغي مراعاة رأي الحاكم الأمريكي في انتخاب عناصر الدولة! هذه هي ديمقراطيتهم. اسم الديمقراطية لمجرد الخداع. الديمقراطية حتى في بلدانهم ليست حكومة شعب حقيقية؛ إنها رياء تفتعله الدعاية الملونة والاموال اللامتناهية التي تنفق في هذا السبيل. لذلك تضيع أصوات الناس. في المدرسة السياسية للإمام تؤثر أصوات الناس وتحسم الأمور بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذه هي كرامة وقيمة أصوات الجماهير. من جهة ثانية كان الإمام يؤمن اعتماداً على قدرة أصوات الشعب والإرادة الفولاذية للجماهير أن بالمقدور الوقوف بوجه كافة القوى المعتدية في العالم، وقد وقف فعلاً. حكومة الشعب في المدرسة السياسية للإمام نابعة من أساس الدين، ومنبثقة من <أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ>[5]، ومن <هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ>[6]. إننا لم نستعر هذا من أحد. البعض يريدون تصوير الحالة وكأن الغربيين يجب أن يأتوا ويعلمونا دور الجماهير في إدارة الحكومات! لا يزال الغربيون أنفسهم في بداية الطريق! هؤلاء الأمريكيون وأدعياء الديمقراطية أنفسهم احتضنوا دكتاتوريين من قبيل محمد رضا بهلوي الذي حكم بدكتاتورية مطلقة في هذا البلد لمدة خمس وثلاثين سنة ومارس أبوه من قبله الدكتاتورية نحو عشرين سنة في هذا البلد ودعموه وعاضدوه. هؤلاءهم أنصار الديمقراطية؟! إنهم يكذبون. كل من يريد أن يرى ديمقراطيتهم ليذهب إلى العراق. ليذهب ويرى تصرفاتهم مع الشعب الأفغاني المظلوم. ليذهب ويرى الديمقراطية في الدعم الأمريكي السخي لشارون المجرم. هذه هي ديمقراطيتهم؛ نحن نتعلم الديمقراطية من هؤلاء؟! وهل يعير هؤلاء دوراً للإنسان وقيمة؟ انظروا أية فجائع تقع اليوم في فلسطين. أليس الفلسطينيون بشراً؟ أليسوا أصحاب أرضهم؟ أليس من حقهم أن تكون لهم آراؤهم ومعتقداتهم؟ ترتكب اليوم أقبح وأفجع التصرفات في فلسطين والعراق وأفغانستان، ومن قبل هذا في العديد من المناطق الأخرى؛ وإذا بنفس أولئك الذين يمارسون هذه التصرفات القبيحة يدعون الديمقراطية ولا يخجلون! يزعم رئيس الجمهورية الأمريكي بكل وقاحة أن رسالة نشر الديمقراطية في العالم والشرق الاوسط تثقل كاهله! الناس يرون ديمقراطيتهم في سجون مثل سجن أبي غريب وهي ليست قليلة في العراق وغوانتانامو. هذه هي ديمقراطيتهم وحقوق الإنسان لديهم! إنه لغفلة كبيرة أن يتصور أحد داخل مجتمعاتنا وفي الأمة الإسلامية أن الغربيين يجب أن يأتوا ليعلموا شعوبنا الديمقراطية وحكومة الشعب! نحن نتوقع من الخطباء والكتاب ذوي الإنصاف أن لا يتحدثوا ولا يكتبوا بطريقة توصي أن أولئك هم الذين يحملون اليوم رسالة الحكومة الشعبية لجماهيرنا. الإمام هو الذي جاء بحكومة الشعب، الثورة هي التي جاءت بحكومة الشعب. في البلد الذي لم يعرف طوال قرون متمادية، باستثناء لحظات عابرة معنى آراء الجماهير وإرادتهم ولم تقع اعيننا طوال عمرنا على صندوق اقتراع! ولم يعر أحدٌ قيمةً لأصوات الشعب الإيراني، وقد بلغ الدكتاتوريون خلال كل فترات حكمهم ذروة اللامبالات للشعب، جاءنا الامام والثورة والنظام الإسلامي بحكومة الشعب. البعض يتحدث بما ينمُّ عن أننا ندخل لتوّنا تجربة الحكومة الشعبية! أليست هذه مجانبة للإنصاف؟ أليس هذا إغماضاً للعيون دون الحقيقة؟[7]


  • [1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2004م
  • [2] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2015م
  • [3] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2013م
  • [4] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م
  • [5] الشورى: 38
  • [6] الأنفال: 62
  • [7] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 3-6-2004م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟