مواضيع

خصائص الإسلام المحمدي الأصيل

الاتكاء على القرآن والسنّة

الإسلام الأصيل من وجهة نظر الإمام الخميني هو ذلك الإسلام المعتمد على الكتاب والسنة، والذي يمكن بفضل الفكر النير ومعرفة الزمان والمكان وبالأساليب والمناهج العلمية الراسخة والمتكاملة في الحوزات العلمية، استنباطه والتوصل إليه. ليس الأمر بحيث لا تكون ثمة أهمية لمنهج الاستنباط ويكون بوسع كل من فتح القرآن أن يستنبط أصول الحركة الاجتماعية، لا، لهذه العملية منهجها وأسلوبها، وهو منهج علمي عريق، وهناك أفراد يمكنهم السير على هذا المنهج. هذا هو الإسلام الأصيل من وجهة نظر الإمام الخميني. طبعاً ليس الأمر ممكناً لكل من يجيد ذلك المنهج، إنما لا بدّ له أيضاً من فكر مستنير ومعرفة بالزمان والمكان ومعرفة بالاحتياجات الراهنة للمجتمعات البشرية والمجتمعات الإسلامية، كما لا بدّ له من معرفة العدو ومعرفة أساليبه في العداء، وعندها سيستطيع تشخيص الإسلام الأصيل وتعريفه.[1]

مبتني على المعنوية والعقلانية والعدالة

نحن ندافع عن الإسلام. لكن، ما الذي نقصده بالإسلام؟ إسلامنا مختلف في الأسس والمبادئ عن الإسلام المتحجّر من جهة والإسلام الليبرالي من جهة أخرى. إسلامنا إسلامٌ يعتمد على الروحانيّة، العقلانيّة والعدالة؛ تتوفّر فيه هذه المؤشّرات الثلاث. نحن لا نغضّ الطرف إطلاقاً عن الروحانيّة؛ فروح وأساس عملنا هي الروحانيّة. العقلانيّة أهمّ أداة في عملنا؛ نحن نستخدم العقل. كما أنّنا صرّحنا مراراً فيما يخصّ مبادئ سياستنا الخارجيّة، الحكمة واحدة من مبادئنا الثلاثة، وإلى جانبها تقع المصلحة. نحن نتصرّف ونعمل بحكمة وتدبير. وهذا الأمر لا يختصّ بسياستنا الخارجيّة، بل ينطبق على كافّة المجالات. إسلامنا إسلامٌ عقلانيّ. للعقل توظيفٌ واسع في فهمنا، وفي تحديدنا لأهدافنا وأدواتنا. كما أنّنا لا نغضّ الطرف أبداً عن العدالة بصفتها أحد أهدافنا. فإذا كان عالم الرأسماليّة مرتكزاً على الليبراليّة الديمقراطيّة بحيث أصبحت قضيّة العدالة قضيّة فرعيّة ومن الدرجة الثانية وأداة بالنسبة إليه، واحتلّت أولويّاته قضيّة الأرباح والمصالح والمال، لا يعني ذلك أن نغضّ الطرف عن العدالة كقضيّة أساسيّة ومحوريّة. ففي أطرنا الاقتصاديّة ومنهج سياستينا الداخليّة والخارجيّة، تُعدّ العدالة قضيّة محوريّة.

هذا هو إسلامنا: إسلام الروحانيّة، العقلانية والعدالة. نحن لا نقتنع باسم الإسلام بحيث يكون لدينا إسلامٌ ليبرالي يهدف إلى ترويج القيم الغربيّة والأمريكيّة ويستفيد من أساليبهم ويتّحد معهم في مختلف الأقسام ويقرأ إلى جانب ذلك كلّه دعاء الندبة في بعض الأحيان أيضاً. نحن نرفض الإسلام الطالباني المتحجّر أيضاً. وبين هذين، اخترنا صراطنا المستقيم وها نحن نتقدّم إلى الأمام. لذلك، أساس عملنا هو هذا ودبلوماسيّتنا مرتكزة على هذه الأسس ونحن نسعى خلف إسلامٍ كهذا. نحن نسعى وراء تثبيت الجمهوريّة الإسلاميّة ووراء الصحوة الإسلاميّة ونعمل على تحقيق أهدافنا ولا نرغب إطلاقاً ولن نسمح بأن يصهرونا داخل المعادلات العالميّة الرائجة ويقضوا على هويّتنا ووجودنا.[2]

إصدار الثورة الإسلامية الإيرانية

إنّ الثورة الإسلاميّة ولكونها ارتكزت على الإسلام وأسس الشريعة الإسلاميّة والإسلام المحمّدي الأصيل، فلا يُمكن أن تحدّها حدود وقوميّة معيّنة. القضيّة ليست أن يقرّر الشعب الإيراني أو مسؤولو هذا البلد تصدير ثورتهم بأساليب العالم المتعارفة إلى مكانٍ معيّن أو إلى شخصٍ معيّن؛ ليست هذه القضيّة؛ القضيّة تتمثّل في أنّه عندما يتمّ طرح فكر إسلاميّ وإلهيّ، ورؤية حديثة، ودرك إسلاميّ صحيح بين فئة من المسلمين، سيكون من الطبيعي أن الشعوب في أرجاء العالم الإسلامي سوف تستفيد حسب قدراتها وظروفها من تلك الرؤية وذاك الفهم. وإنّ إثارة الاستكبار والصهيونيّة للبلبلة في أنحاء العالم والقول بأنّ «مسؤولو الدولة الإيرانيّة يحاولون تصدير الثورة الإسلاميّة» وإظهارهم في إعلامهم الخبيث والمسموم تصدير الثورة على أنّه جريمة، فإنّ هذا الأمر من الممارسات غير المستبعدة عن أذرع الصهيونية والاستكبار، ولا يُتوقّع منها غير ذلك؛ لأنّ أساس إعلامهم مرتكزٌ على الكذب والتزوير والخداع. أساس الأمر هو أنّه عندما يعتمد أيّ فكر مُحرّر وموقظ [للضمائر] على الإسلام، سيجد له في كلّ آفاق العالم الإسلاميّ مناصرين ومؤيّدين وعاشقين ووالهين.[3]

عامل حماية ووحدة المسلمين

في كل مكان يظهر فيه الإسلام الواقعي فإنّ القوى المستكبرة الخبيثة الظالمة سوف تقف في وجهه، أمّا الناس الطاهرون أصحاب القلوب المطهّرة والأرواح الصافية والفطرة النظيفة غير الملوثة فقد وقفوا إلى جانب الإسلام وحافظوا عليه ودعموه بكل وجودهم. ما الذي دفع عشرة ملايين إنسان لتشييع جثمان الإمام الطاهر ذلك التشييع المهيب ويلطمون صدورهم بهذا الشكل؟ وما الذي جعل مئات الملايين من المسلمين في العالم بأسره يعيشون في حداد بمناسبة رحيل هذا الإنسان؟ محبة الإمام ما هي سببها؟ الجواب في كلمة واحدة، لقد كانت محبته من أجل الإسلام. وهذا ما صرّح به الإمام نفسه وأكّد عليه وعلّمنا إياه وهو: أنّ الله سبحانه عطف هذه القلوب نحو الثورة والقائد والشعب الإيراني لأجل الإسلام.

إنّ الشيء الذي بعث القوة في القلوب والأقدام لطي كل هذه المسافات والحضور إلى هذا المكان هو الإسلام الأصيل والصادق والواقعي غير الخائن والإسلام المدافع عن المظلومين والذي لا يساوم الظالمين. هذا هو الإسلام الذي اجتذب القلوب وألّف بينها وأوجد هذه القوة العظيمة التي لا تقهر، وهنا يكمن السرّ والذي ينبغي أن ندركه جيدًا ويبقى في أذهاننا دائمًا.

ما دامت الثورة الإسلامية تتحرك بدقّة في خط الإسلام الأصيل وهو خط الإمام وما دام الشعب لا يفضّل على دينه وإسلامه أي شيء آخر، وما دام هذا الحماس في الدفاع عن الإسلام والقيم الإسلامية يتأجج في نفوسكم والتفتم إلى الشعارات الإسلامية المصدر، فلا أمريكا ولا الشرق والغرب ولا الرجعية ولا أية قوى أخرى بقادرة على عرقلة مسيرة الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني والنظام نحو الأهداف المنشودة.

إنّ على أبناء الشعب الإيراني أن يستوعبوا هذا الدرس العميق من الإمام ولا ينسوا وحدة الكلمة على محور الإسلام <وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا>[4] ويتحدوا على محور الإسلام، وهذا الاعتصام والاتحاد هو العلاج لجميع الآلام، والسلاح ضد الأعداء كلهم، وإنّ الإكسير الأعظم في انتصار الشعب الإيراني هو هذه النقطة عينها وهي اتحاد الكلمة على أساس الإسلام.

وبالطبع فإنّ الإسلام الذي نعنيه ليس متعدد المعاني، إنّه الإسلام الذي هو محط نظرنا هو الذي جاهد في سبيله الإمام طوال حياته وأعطى كل وجوده له في السنوات العشرة الأخيرة من عمره الشريف، الإسلام الذي علّمنا إيّاه وسار في طريقه وهو الإسلام الذي يتوجب علينا جميعنا أن نلتفّ حول محوره وحول خط الإمام ونتّحد من أجله، ونتعاون في سبيله كي لا تبقى أية مشكلة تعترض سبيلنا.[5]

المعالج لتخلّف الدول الإسلامية

إنّ غالبيّة الدول الإسلاميّة اليوم، وبعد أن مُلأت جيوب الشركات والحكومات الغربيّة من مصادرها طوال عشرة أعوام، لا تزال تائهةً في منحدر التخلّف ولا زالت محتاجة لصناعة وعلم وبضاعة الغرب، ولا تزال في عالم السياسة، طفيليّة ومجبرة على اتباعه. هذا هو الخسران العظيم الذي لحق بهم منذ اليوم الأوّل نتيجة عدم اهتمامهم بالمبدأ الأساسي للإسلام -أي التوحيد الإسلامي- وكلّما تقدّم بهم الزمان واكتمل العلم أكثر فأكثر وتضاعفت قدرات الدول والحكومات، أصبحت الدول الإسلاميّة أعجز، أشدّ تبعيّة، وأقلّ جرأة، وأقلّ إبداعاً.

مسار العلاج هو أن يعود المسلمون إلى الإسلام الأصيل -الذي يبرز فيه التوحيد ونبذ العبوديّة لغير الله ويسطع أكثر من أيّ شيء آخر- ويبحثوا عن عزّتهم وقوّتهم في الإسلام. وهذا ما خشيه المخططون للمؤامرات ضد الإسلام على الدوام ووضعوا أمام حدوثه العوائق الحقيقيّة. عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، ولأنّ المتوقّع كان أن تستقطب جاذبيّة الثورة ومحبوبيّتها الشعوب المسلمة وغير المسلمة في بعض الأحيان أيضاً للإسلام، بدأت الأذرع الاستعماريّة تعمل لكي تحدّ من التأثير والنفوذ الروحاني للإسلام. لا يوجد أيّ سبب يدفع الاستكبار لبذل الجهود الواسعة والشاملة مقابل نفوذ الإسلام سوى أنّ انتشار الإسلام والمفاهيم الإسلاميّة في أيّ نقطة من العالم يعني اندحار الاستكبار وأذرعه في تلك المنطقة.[6]

عامل إيجاد الحب للثورة الإسلامية

الحمد لله على أن الأبعاد المختلفة لهذه الثورة قد عرفت واتضحت في المجتمعات الإسلامية. مع أنهم أنفقوا كل هذه الأموال وكل هذه الدولارات النفطية ليمنعوا هذه المسيرة، لكن لحسن الحظ، ومن دون أن نفعل نحن أنفسنا أعمالاً كبيرة -فنحن مقصرون كثيراً في الإعلام والتبليغ تقدم هذا الفكر القويّ المتين إلى الأمام. هذه حقيقة مشهودة في الوقت الحاضر في أقطار العالم الإسلامي والحمد لله، وثمة الكثير من الدلائل على ذلك. الشعوب، الشعوب المسلمة، تحبّ الجمهورية الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وتحبّ مسؤولي الجمهورية الإسلامية، ورؤساء جمهوريتنا طوال هذه الأعوام، إلى أي مكان يسافرون، ويُسمح لهم باللقاء المفتوح مع الجماهير، تجد الناس تتجمع حولهم كالقيامة، هكذا كان الحال في باكستان، وفي لبنان، وفي السودان، وفي الكثير من البلدان الأخرى. وعندما يمنعون الناس ستختلف القضية طبعاً. في البلدان المسلمة عندما يعلم الناس أنهم يستطيعون إبداء عقيدتهم ومشاعرهم، يبدونها. وهذا ببركة الإسلام والتمسك بالقرآن. الإسلام الذي يقتصر على الأعمال والممارسات الشخصية، والإسلام العلماني، وإسلام <نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ>[7]، والإسلام الذي يُحذف منه الجهاد، ويُحذف منه النهي عن المنكر، وتُحذف منه الشهادة في سبيل الله، ليس بإسلام الثورة. إسلام الثورة هو الذي يشاهده المرء في القرآن الكريم في آيات قرآنية إلهية متعددة، ويشاهد أيضاً على ألسنتنا، فتلك وصية الإمام الخميني، وتلك ذكرياته وتراثه المنطوق والمكتوب. هذا هو إسلامنا، حراسة الثورة بهذه المضامين، المضامين الإسلامية. ليست مجرد حركة حماسية محضة، لا، بل بالمعنى الإسلامي الذي استطاع والحمد لله التأثير في العالم.[8]

عامل نجاة البشر

لا يوجد في العالم اليوم منطقٌ قويّ، وفلسفة عميقة وعنصر إنقاذي غير فكر الإسلام النيّر والواضح -طبعاً، الإسلام الثوري؛ لا الإسلام التابع للقوى العظمى الظالمة في أرجاء العالم-. لم يكن الإسلام الذي كان يروّج له خلفاء بني أميّة وبني العبّاس مرتبطاً بالحقيقة في شيء، ولم يكن قادراً على إنقاذ الناس. الإسلام القادر على إنقاذ التاريخ والبشريّة والمجتمعات والدول، هو إسلام الإمام السجاد، إسلام الإمام الصادق والإمام الباقر، إسلام علي بن أبي طالب، إسلام الحسين بن عليّ وإسلام عاشوراء. هذا الإسلام كان ضائعاً وغريباً في العالم إلى ما قبل خمسين عام، ولم يكن هناك أثرٌ له ولاسمه. ترددت همسات هنا وهناك في أنحاء العالم، وقد انتشرت بشكل تدريجي لكونها صادقة ومترافقة مع الإرادة الأزليّة لله عزّ وجل؛ واستقطبت القلوب؛ وشدّت الشباب إليها؛ مجاري الماء الرفيعة هذه التقت من أنحاء دولة إيران الحساسة والمهمّة واتصلت لتشكّل أمواجاً هدّارة ومتلاطمة؛ وعندما حانت لحظة الصفر، استطاعت هذه الأمواج الهدّارة زعزعة ركائز الظلم والجور في هذا البلد وإسقاطها، وكانت هذه الخطوة الأولى في مسار اتجاه النظام الإسلاميّ -أي الإسلام الأصيل- نحو التطبيق العمليّ في العالم.

إذا قارنتم اليوم الإسلام الأصيل وإسلام الإمام السجاد وأميرالمؤمنين والإمام الحسين مع الأعوام الخمسين التي سبقت فترة هؤلاء الأئمة، ستلاحظون أنّ هذا الكائن، قطع في ليلة واحدة مسار مئة عام، وسوف يتقدّم أكثر فأكثر لأنّه ترافق مع الجهاد الصادق. هذا الإسلام هو نفسه الإسلام الذي سطّر تلك المعجزة في لبنان. هذا الإسلام هو نفس الإسلام الذي أطلق في الأراضي الفلسطينيّة اليوم أحداثاً حيّرت عقول حكام أمريكا والكيان الصهيوني وأذهلتها.[9]

المعالج للأمراض البشرية المزمنة

يحدّد الإسلام مساراً واضحاً ومحدّداً للبشر. فإذا عملوا [بتعاليم] الإسلام الأصيل، ستتخلّص حياة البشريّة من الآلام المزمنة التي عانت منها طوال التاريخ. ما هي آلام البشريّة المُزمنة؟ انعدام العدالة، الفقر، الظّلم والنزاعات النابعة من الأنانيّة وحبّ الذات والانبهار بالذات بين مختلف الفئات البشريّة. أبرز مشاكل البشريّة، هي نفس المشاكل التي عانى منها الناس منذ مئات السنين، بل قبل آلاف السنين. وأينما ساد دين الله، يبرز الأمل بأن تُجتثّ هذه المشاكل من المجتمعات البشريّة، أو تضعُف على الأقل. دين الله يرمي إلى إدارة حياة الناس. ويجب أن يتمّ العمل بالقرآن في كافّة ساحات الحياة.[10]

عامل العداوة للعدو

من المهم أن نعرف أنّه كلما تجلّى الإسلام بوجهه الحقيقي في أية فترة من الفترات وخلال تاريخه الطويل الذي يمتد إلى أكثر من ألف وأربعمائة عام، كلما اشتدّ العداء وظهرت الأحقاد الدفينة له واصطفّت الأحقاد العميقة مع الخبث العجيب والغريب في مواجهته، وكلما خرج الإسلام عن وجهه الحقيقي واختفى بريقه ولمعانه والداعون إليه المميزون كلما انحسر العداء عنه.[11]

لا شكّ في أنّ الإسلام الذي يحمل معه رسالة رسول الإسلام(ص)، يثير عداء أبي جهل وأبي لهب. أينما رأيتم أنّ أشباه أبي جهل وأبي لهب وسائر صناديد الكفر العالمي غير مكترثين لرسالة الإسلام، فلتعلموا أنّ هذا الإسلام ليس إسلام مرحلة صدر الإسلام وإسلام الرّسول الأكرم؛ ولا وجود فيه لروح الإسلام الحقيقيّة ونبض الإسلام الحقيقي. ذاك الإسلام الذي يُرعب صناديد الغطرسة والمال وأقطاب القوى الجاهليّة والطاغوتيّة حول العالم، هو الإسلام المحمّدي الأصيل.[12]

لاحظوا الإسلام الذي ظهر في مكّة أية عداوة وخباثة قد واجه، لقد اصطفّ كل الناس السيئين وأصحاب الصفات الحيوانية والشرسة في مقابل الإسلام والرسول الأكرم، واستمر التآمر الدموي الخبيث ضد النبي حتى بعد هجرته إلى المدينة من قبل أولئك الأشرار الأقذار، وتحوّل الصراع إلى صراع دموي، وتوجد في القرآن سورة باسم الأحزاب تشرح تلك الحوادث، حيث وقفت الأحزاب بمختلف أجنحتها لتشكل جبهة واحدة ضد الإسلام وقائده العظيم، واتّحد المشركون من قريش وثقيف واليهود والنصارى وأهل الكتاب البعيدون عن الكتاب والمنافقون للقضاء على رسالة الإسلام. 

وفي العهود الطويلة لملوك بني أمية وبني العباس عانى دعاة الإسلام المحمدي الأصيل مختلف ألوان الضغوط والتعذيب والاضطهاد وأنواع المؤامرات، ويكفي في هذا المضمار أن نتأمل في حياة الإمام موسى بن جعفر(ع) وسائر الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) والعلماء والمحدّثين الكبار في تلك العهود لنكتشف كم عانوا من ظلم خلفاء الجور وسجنوا وقتلوا وواجهوا نفس تلك المشكلات.

وعلى هذا فكلما نهض الإسلام الأصيل والحقيقي كلما ثارت قوى الشر والفساد في وجهه وحاربوه بكل قوتهم، أمّا الإسلام الخاوي من شعاراته الأصلية الذي لا روح فيه ولا حياة، والإسلام الذي لم يواجه الظلم والذي يتعايش مع أنواع وأقسام الفساد الأخلاقي وينسجم معه والذي يتغاضى عن أصوله ويكتفي ببعض الشعائر فإن القوى لا تقوم بمحاربته والأشرار لا يصطفّون ضده، وهذا التاريخ حافل بالشواهد على هذه الحقيقة حيث يمكنكم أن تقرؤوا الكتب وتروا مثل هذه الأحداث التي جرت في العهود المظلمة الطافحة بالفساد واستعراض المباهاة لدى النظام البائد وسائر الأنظمة التي توالت على حكم إيران.

وفي هذا اليوم حيث يغرق العالم الإسلامي في الفساد والظلم، يجب على هذا الإسلام أن يكون متوقعًا لعداوة القوى الكبرى وأمريكا وإسرائيل وشركات النهب وذيولهم من السلاطين الفاسدين والرؤساء المفسدين.

 إنّنا أدركنا تمامًا منذ اليوم الذي سرنا فيه خلف الإمام العزيز وطرحنا شعارات لواء الإسلام الأصيل ما سنعانيه من العدو والقوى الكبرى والمستكبرة في مواجهتنا، وهذا ما حدث في صدر الإسلام عندما حاصر المشركون واليهود والمنافقون والكفار والمشركون أطراف المدينة وقاموا بحرب واقعة الأحزاب وحرب الخندق، فقال المؤمنون الحقيقيون: <هٰذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسولُهُ>[13]، فهذا ليس شيئًا جديدًا بل وعدنا إياه الله والرسول وقالوا بأنّ الأشرار والسيئين والمفسدين سيتّحدون ضدنا، لذا عندما رؤوا صدق الوعد الإلهي زادهم إيمانًا وتسليمًا.[14]

إنّ تخويف الناس من الإسلام هو من الأعمال [البرامج والخطط] الأساسيّة والمهمّة التي تقوم بها الشركات المعروفة في العالم. لماذا؟ لو لم يكن الإسلام مهدِّدًا لمصالحِ عتاةِ العالم، لم تكن لتظهر ردّات الفعل هذه في المقابل. كما ترون، إنّهم يقومون بتشكيل جماعات باسم الإسلام وباسم الحكومة الإسلاميّة، يجهّزونها ويسلّحونها ويدعمونها ليقوموا بقتل الناس الأبرياء، ويجعلون كثيرًا من الدول غير آمنة بواسطةِ تلك الجماعات؛ كلّ ذلك يشير إلى مدى نفوذ رسالة الإسلام [وانتشارها]، فهم يخافون من الإسلام الحقيقي ومن الإسلام الأصيل، الإسلام الذي حمله جيل الشباب الذي سبقكم في ساحات الحرب وفي ساحات السياسة وفي ساحات الثورة، وأظهروه للعالم، واليوم أنتم ورثة أولئك الشهداء العظام وأولئك الرجال العظماء. وإنّ رسالة الإسلام، رسالة للإنسانيّة ورسالة السلام والعزّة والافتخار ورسالة حياة يعمّها الأمن والأمان؛ وهذا ما لا يريدُ له الأعداء في العالم أن يُعرف ولا أن تتعرّف عليه الأمم.[15]

عامل ابتهاج غير المسلمين

علينا أن نبذل الجهود، أي داخل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، والخطوة الهامّة والعظيمة هي أن نقوم جميعاً -كلّ شخصٍ في أي نقطة كان وحسب قدرته في هذا المجال- بصبّ جهودنا على طرح الإسلام الأصيل، الإسلام المناصر للمظلوم والمناهض للظالم حول العالم. فذاك الشاب الجالس في أوروبا، أو في أمريكا، أو في المناطق البعيدة والنائية، سيبتهج ويُسرّ بهذه الخصوصيّة، وسيتحمّس عندما يعلم أنّ الإسلام يعني القوّة، والدافع والفكر المناهض للظالمين والمتغطرسين؛ وأنّه يتحرّك لخدمة مصالح المظلومين، وأنّه يملك مشروعاً لهذا الأمر ويعتبره ضمن مسؤولياته. علينا أن نقدّم الإسلام المناصر للعقلانيّة، إسلام الفلسفات العميقة، إسلام التفكّر، الإسلام الذي أولى في القرآن الكريم كلّ هذا القدر من الاهتمام بالعقل والفكر واللبّ وأمثال هذه الأمور؛ علينا أن نُظهر الإسلام المناصر للعقلانيّة والمعارض للسطحيّة، وللتحجّر، والمناهض للوقوع في أسر أوهام الذات وتخيّلاتها -فهذا ما يروّج له البعض باسم الإسلام- وينبغي أن نُبرز الإسلام الأصيل فنقول: هذا هو الإسلام؛ الإسلام المتعهّد والمعارض لعدم الاكتراث والمبالاة.

نعم، هناك أجهزة عديدة تسوق الشباب اليوم نحو عدم الاكتراث، وعدم الاهتمام، والتفلّت في مختلف الشؤون. حسناً، الإسلام الذي اعتبر الإنسان صاحب عهد، يريده متعهّداً ويطالبه بذلك؛ الإسلام الحاضر في صلب الحياة، يقف بوجه إسلام العلمانيّة! الإسلام العلمانيّ شبيهٌ بالمسيحيّة العلمانيّة التي تحبس نفسها في زاوية من زوايا الكنيسة ولا تحضر في بيئة الحياة الحقيقيّة؛ الإسلام العلماني هكذا أيضاً؛ هناك اليوم من يدعون إلى الإسلام المنزوي؛ الإسلام الذي لا شأن له أبداً بحياة الناس؛ والإسلام الذي يدعو الناس للعبادة، أو لأمرٍ في زاوية أحد المساجد أو البيوت. فلنعرّف الإسلام الحاضر في صلب الحياة؛ الإسلام الذي يرحم الضعفاء؛ إسلام الجهاد ومكافحة المستكبرين. برأيي هذه مسؤوليّة ملقاة على عاتقنا جميعاً؛ وينبغي أن تتابع هذا الهدف وسائلنا الإعلاميّة، ومؤسساتنا العلميّة، وحوزاتنا العلميّة. هذا هو سبب شنّهم الهجمات اليوم ضدّ الإسلام؛ وواضحٌ بالنسبة إلينا من هم الأشخاص ومن هي الأجهزة والتيارات التي تشنّ الهجمات؛ هؤلاء تابعون لتشكيل سياسيّ واقتصاديّ قويّ يملك القوّة والمال وهو صهيونيّ يهوديّ على الأغلب، وإن لم يكونوا صهاينة يهود، فهم صهاينة من غير اليهود -فلدينا اليوم في العالم صهاينة من غير اليهود-. فلننتهز الفرصة في التصدي لهؤلاء ولنطرح هذا السؤال على عقول الناس والشباب حول العالم ولنطلب منهم التفكير في سبب شنّهم كلّ هذه الهجمات ضدّ الإسلام؛ ولنضع بمتناول أيديهم الإسلام الحقيقي.[16]


  • [1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2015م
  • [2] خطاب سماحته أمام مسؤولين وزارة الخارجية بتاريخ 15-8-2004م
  • [3] خطاب سماحته أثناء بيعة أقشار مختلفة من الشعب مع سماحته بتاريخ 25-6-1989م
  • [4] آل عمران: 103
  • [5] خطاب سماحته أثناء تقديم البيعة له من قبل مختلف أصناف المجتمع بتاريخ 12-7-1989م
  • [6] رسالة سماحته في الذكرى الأولى لرحيل الإمام الخميني بتاريخ 30-3-1990م
  • [7] النساء: 150
  • [8] خطاب سماحته أمام قادة حرس الثورة الإسلامية بتاريخ 16-9-2015م
  • [9] لقاء سماحته مع أعضاء الحرس الثوري وقوات التعبئة لمحافظة گيلان بتاريخ 6-5-2001م
  • [10] لقاء سماحته مع أهالي منطقة تربت جام بتاريخ 31-8-1999م
  • [11] خطاب سماحته أثناء تقديم البيعة له من قبل مختلف أصناف المجتمع بتاريخ 12-7-1989م
  • [12] خطاب سماحته أمام بيعة أقشاؤ مختلفة من الناس مع سماحته بتاريخ 2-7-1989م
  • [13] الأحزاب: 22
  • [14] خطاب سماحته أثناء تقديم البيعة له من قبل مختلف أصناف المجتمع بتاريخ 12-7-1989م
  • [15] خطاب سماحته أمام طلبة الجامعات العسكرية الخاصة بالجيش الإيراني بتاريخ 17-11-2014م
  • [16] خطاب سماحته أمام أعضاء مجلس الخبراء بتاريخ 12-3-2015م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟