مواضيع

خصائص الثورة الإسلامية

في الحقيقة ليس ثمّة فارق فيما بين الحديث عن الإمام والحديث عن الثورة؛ فرغم أنّ إمامنا العظيم كان شخصية بارزة ومرموقة في جوانب متعددة؛ فلقد كان عالماً فذّاً، فقيهاً له مدرسته، فيلسوفاً مرموقاً، سياسياً ومُصلحاً إجتماعياً عملاقاً، وقد كان من الناحية الروحية ذا مناقب ومزايا راقية قلَّ نظريها، وهذه بأجمعها هي التي ترفع من شخصية الإمام في أنظار أهل زمانه والأزمنة اللاحقة، بَيْدَ أنّ شخصية إمامنا العظيم لا تنحصر في هذه الخصوصيات المرموقة ولا تقتصر على هذه الخصال، فثمّة بعدٌ آخر في شخصيته عبارة عن المبادئ والخطوط الواضحة التي أرساها في هذا البلد، وفي هذه المنطقة على مرأىً من شعوب العالم، وعلى أساسها أقام نظاماً سياسياً واجتماعياً وأحيا بها آمالاً كبيرة في قلوب مستضعفي العالم والأمة الإسلامية؛ فشخصية الإمام ليست بمعزلٍ عن مبادئه الأساسية، وفي الحقيقة فإن هوية ثورتنا وأصولها تشكّل الخطوط البارزة لشخصية الإمام أيضاً، وكلّما تحّدثنا عن الثورة فإنما نتحّدث عن الإمام في واقع الأمر.[1]

ما هو المعيار في ثورتنا؟ هذا أمرٌ مهم جداً. منذ ثلاثين سنة ونحن نسير على جهة هذه الثورة، وإن شعبنا قد أظهر بصيرته وشجاعته، وبحق وإنصاف قد أظهر كفاءاته. وها أنتم منذ ثلاثين سنة تتقدمون بهذه الثورة، لكن الخطر كامن، وعدو الثورة وعدو الإمام لا يقف متفرجاً. إنه يسعى للإطاحة بهذه الثورة، كيف يتم ذلك؟ بحرف طريق الثورة عن المسير، ولذلك يجب علينا أن نمتلك معياراً محدداً.

إنني أقول أن أفضل المعايير تكمن في نفس الإمام وفي نهج الإمام. إنّ الإمام هو أفضل معيار لنا. ولو أن التشبيه التالي يؤخذ بعين الاعتبار رغم وجود الفرق الشاسع، ولكن لا مانع من أن نشبّه بالنبي الأكرم والذي يقول القرآن عنه <لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ>[2]، فالرسول نفسه أسوة؛ بتصرفاته وأخلاقه وأقواله وأعماله وسيرته. أو كما يقول في آية شريفة أخرى: <قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ>[3] فإبراهيم(ع) ومن معه يشكلون أسوة، فإن أصحاب إبراهيم النبي قد ذُكروا هنا أيضاً، حتى لا يقول أحدٌ بأن النبي كان معصوماً وإبراهيم كان معصوماً ونحن لا نستطيع التأسي بهم، كلا <قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ>[4] إلى آخر الآية الشريفة.

بالنسبة للإمام العظيم الذي كان تلميذ هذه المدرسة وكان تابعاً لنهج هؤلاء الأنبياء العظام، فإن هذا المعنى ينطبق عليه أيضاً. فالإمام بنفسه يشكل أبرز المعايير؛ حيث تجسدت في أفعاله وأقواله. ولحسن الحظ فإن كلمات الإمام متوفرة. وهي مدونة. وإنّ وصية الإمام تعبّر بوضوح عن مكنوناته بشأن مستقبل الثورة، وعلينا ألا نسمح بأن تُطرح هذه المعايير بشكل خاطئ أو أن تبقى غامضة أو تُنسى. لو أسأنا تبيين هذه المعايير، وأخطأنا في عرضها، يكون حالنا كمن أضاع البوصلة أو خربها وهو يعبر مسيراً بحرياً، أو صحراوياً لا طريق فيه، فسوف يبقى حائراً. إذا أسيء عرض آراء الإمام وشرحها سيكون الحال كتعطيل البوصلة، وبالتالي إضاعة الطريق؛ وهناك سيطرح كل من أراد آراءه بحسب ذوقه ورغبته. وسيستغل المغرضون حينها الفرصة ليحدّدوا معالم الطريق بطريقة يخطئ بها الشعب وينحرف.

فلابد من بيان مواقف الإمام بشكل واضح وجلي -كما طرحها هو وكما كتبها- فهذا هو ملاك طريق الإمام ونهجه وصراط الثورة المستقيم. لعل هناك من يقول بصراحة أنه لا يؤمن بالإمام، هذا بحث آخر. حسناً، فأتباع الإمام وأنصار الإمام لهم حسابهم الخاص مع من يقول بأني لا أؤمن بالإمام ولا أرى نهجه صحيحاً. وأما إذا كان ينبغي أن تسير هذه الثورة على نهج الإمام وبإيعاز منه، فبذلك يجب أن يكون نهج الإمام بيّن وجليّ. وأنّ تبيّن مواقف إمامنا العظيم بصورة جيدة.

ولا ينبغي من أجل إرضاء هذا وذاك إنكار بعض مواقف الإمام الحقيقية أو إخفاؤها. فإنّ البعض هكذا يفكرون -وهو تفكيرٌ خاطئٌ- بأنه من أجل ازدياد عدد أتباع الإمام، وأن يكون المخالفون للإمام من أتباعه ومريديه كذلك، يجب علينا أن نخفي بعض مواقف الإمام الصريحة أو ألا نتفوه بها أو نخفف من صبغتها؛ كلا!، إن هوية الإمام وشخصيته هي بهذه المواقف التي أظهرها بنفسه بأصرح بيان وأجلى ألفاظ وكلمات. هذه الأمور هي التي هزّت الكون بأسره. نفس هذه المواقف الصريحة هي التي جعلت جماهير غفيرة تميل إلى شعب إيران وجعلت الكثيرين يتبعون هذا الشعب. إن هذه النهضة العالمية العظيمة التي تشاهدون علائمها اليوم في أرجاء العالم الإسلامي إنما تحققت من خلال هذا الطريق.

فينبغي ذكر الإمام بصراحة في كلّ المجالات. وأن نعرّف بصراحة مواقفه ضد الاستكبار وضد الرجعية وضد الليبرالية الديمقراطية الغربية، ومواقفه ضد المنافقين والمتقلبين. أولئك الذين تأثروا بتلك الشخصية العظيمة إنما شاهدوا هذه المواقف وخضعوا لها. فلا ينبغي من أجل أن يرضى زيد وعمرو عن الإمام أن نكتم مواقفه أو نغطي عليها أو نخفف من صبغة تلك الأشياء التي نجدها متطرفة بنظرنا. فالبعض في عصر ما، -العصر الذي نتذكره، وهو عصر شبابنا- ومن أجل أن يكسب الإسلام أتباعاً ومحبين، كانوا يقللون من وهج بعض الأحكام الإسلامية، يغضوا الطرف عنها، ينكرون أحاكم القصاص، وأحاكم الجهاد، وأحاكم الحجاب ينكرونها ويكتمونها، وكانوا يقولون إنها ليست من الإسلام، والقصاص ليس من الإسلام، والجهاد ليس من الإسلام، وذلك من أجل أن يُعجب المستشرق الفلاني أو العدو الفلاني لمبادئ الإسلام، فهذا خطأٌ! يجب أن يُبيّن الإسلام بأكمله.

إنّ الإمام بلا نهجه، هو ليس ذلك الإمام الذي ضحى الشعب الإيراني بسبب أنفاسه وهدايته وقدم روحه من أجله، وأرسل أبناءه إلى أتون الموت، ولم يبخل بنفسه وماله، وأوجد أعظم حركة في القرن المعاصر وفي هذه النقطة من العالم بالذات. فالإمام سوى نهجه وبدون مواقفه، هو إمام فاقد للهوية. وسلب الهوية عن الإمام لا تعد خدمة للإمام. فمبادئ الإمام كانت جلية واضحة. هذه المبادئ -وبعيداً عن المجاملة- تنعكس في كلمات الإمام وخطبه ورسائله وخصوصاً في وصيته -التي هي خلاصة لجميع تلك المواقف-.

فهذه المبادئ الفكرية هي ذلك الشيء الذي أوجد ذلك التحرك العظيم والمؤثر ضد نهب الغرب والاحتكارات الأمريكية في العالم. فهل تتصورون أن رؤساء أمريكا المتعاقبين عندما يسافرون إلى أية دولة من دول آسيا والشرق الأوسط أو حتى بعض الدول الأوروبية، فيتظاهر الناس ضدهم ويطلقون الهتافات، بأن هذا الأمر كان دائماً على هذا المنوال؟! كلا! إنها كانت حركة الإمام وما كشفه الإمام، ومواقفه التي أخزت الاستكبار وفضحت الصهيونية، وأحيت روح المقاومة في الشعوب وخصوصاً في المجتمعات الإسلامية.

إنه لمن الاعوجاج الفكري أن ننكر مواقف الإمام. وللأسف قام بهذا الاعوجاج بعض ممن كانوا من المروجين لأفكار الإمام في زمن ما أو كانوا من أتباعه. والآن فإن السبل تنحرف ولأي سبب كان، فتضيع الأهداف، فيتراجع البعض؛ بعد أن كانوا ولسنوات متمادية يتحدثون من أجل الإمام ومن أجل هذه الأهداف ويقدمون على أساسها، قد أصبحوا ضد هذه الأهداف وهذه المباني ويتحدثون ضدها!

حسناً، فنهج الإمام له أجزاء. وأهم ما يمكن أن يقال بشأن نهج الإمام وطريقه هو عدة نقاط أعرضها لكم. وخاصة أقول للشباب: اذهبوا واقرؤوا وصية الإمام، هذا الإمام الذي زلزل العالم، هذا الإمام متجسد في هذه الوصية، وفي هذه الآثار والأقوال.[5]


  • [1] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2002م
  • [2] الأحزاب: 21
  • [3] الممتحنة: 3
  • [4] الممتحنة: 4
  • [5] خطاب سماحته في ذكرى رحيل الإمام الخميني بتاريخ 4-6-2010م
المصدر
كتاب الثورة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟