مواضيع

النفاذ في الأمور

يعد من الفضائل الفذة في الشخصية الإنسانية، ومن صفات الأنبياء الكرام والأوصياء المطهرون(عليهم السلام) والعباد الصالحون وأصحاب العزائم الثابتة، وأحد مؤهلاتهم الرئيسية، ويعني: إمضاء الأمور الإلهية والمهمة، والنهوض بالمسؤوليات وعدم تعطيلها والتخلي عنها، والتحلي بالجد والصبر والمثابرة والثبات وقوة الشكيمة والإيثار والتضحية وقرن الأقوال بالأفعال وعدم التراجع عن القرارات الصائبة بسبب الضعف النفسي والروحي وتحت تأثير الترهيب والترغيب والمجاملة والكلل ونحو ذلك، الأمر الذي يحتاج إلى البصيرة ووضوح الرؤية وضبط النفس وتهذيبها وإلى الحزم الذي يعني ضبط الأمر وإتقانه والحذر من فواته، وإلى الثبات والصمود وقوة الإرادة والتأييد والتسديد الإلهي، ونحوه.

نتائج مهمة

وتترتب على النفاذ في الأمور أمور عديدة، منها:

  • المبادرة إلى الطاعات وفعل الخيرات وعمل الصالحات والنهوض بالمسؤوليات: الخاصة والعامة، وترك الاشتغال بالأمور الحقيرة والتافهة.
  • الثبات على الحق والصواب وعدم التراجع عن القرارات الصائبة إلا لأسباب موضوعية وجيهة كافية.
  • العمل بمقتضى العمل والبصيرة وعدم مخالفتهما، وقرن العمل بالأقوال فلا تخالف أفعاله أقواله، وعدم الاكتفاء بمجرد التفكير والتنظير، بل يفكر من أجل أن يعمل ويسعى ويكدح وينمو يسمو ويتربى ويرتقي ويتكامل: معرفياً وروحياً ويستقيم على الطريقة الوسطى والصراط المستقيم والنهج القويم في الحياة.

العوائق التي تمنع النفاذ في الأمور

هناك مجموعة عوائق تمنع النفاذ في الأمور، وتحمل الإنسان على التراجع والتراخي ومخالفة ما يعتقد أنه حق وصواب وفضيلة، منها:

  • ضعف البصيرة واليقين وغياب الرؤية الواضحة للأمور وشؤون الحياة والمعارف.
  • ضعف الإرادة وغياب الحزم للصمود أمام الضغوط: الترهيب والترغيب والكلل بسبب طول المدة ونحوها فيحصل التراجع عن القرارات الصائبة والقناعات الثابتة والتراخي والخمول والكسل.
  • ضعف الروح الذي يسمح لتأثير الإيحاء والمجاملة والإثارة وطول المدة أن يمر، فيحدث التراجع والتراخي لأسباب ذاتية نفسية بحتة لا علاقة لها بالمصلحة الفعلية والأسباب الموضوعية كما هو دأب أصحاب الأرواح الضعيفة الذين يفتقرون لعزم الإرادة دائماً.
  • إشاعة الأمر وترك الكتمان، بحيث يعرف الأعداء والفضوليون بالأمر، ويطلعون على تفاصيله وأسراره، فيشوشون عليه ويسعون لإحباطه والقضاء عليه عن قصد عند الأعداء، ويسبب الفضول عند الفضوليين، وفي الحديث الشريف عن الإمام علي بن أبي طالب(ع) أنه قال: «الصمت حكم، والسكوت سلامة، والكتمان طرف من السعادة»[1] وفي الحديث النبوي الشريف: «طوبى لعبد نومة، عرفه الله ولم يعرفه الناس، أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم، ينجلي عنهم كل فتنة مظلمة، ليسوا بالمذاييع البذر، ولا بالجفاة المرائين»[2] وقد عرَّف الإمام علي بن أبي طالب النومة بقوله: عرف الناس ولم يعرف الناس، والذي لا يدري الناس ما في نفسه، وعرَّفه الإمام الصادق بقوله: عرف الناس فصاحبهم ببدنه ولم يصاحبهم في أعمالهم بقلبه، فعرفهم في الظاهر ولم يعرفوه في الباطن، وفي قول آخر: عرف الناس قبل معرفتهم به.

وقفة مع دعاء الإمام زين العابدين(ع)

يقول الإمام زين العابدين: «اللهمّ صلّ على محمد وآله، وألهمني علم ما يجب لهما (الوالدين) عليَّ لهما، واجمع لي علم ذلك كله تماماً، ثم استعملني بما تلهمني منه، ووفقني للنفوذ فيما تبصرني من عمله، حتى لا يفوتني استعمال شيء علمتنيه، ولا تثقل أركاني عن الحفوف فيما ألهمتنيه»[3].

في الدعاء المذكور: يسأل الإمام السجاد(ع) ربه بأمور عديدة، منها:

  • أن يلهمه العلم بالواجبات والآداب كلها نحو والديه.
  • العمل بما ألهم من العلم بالواجبات والآداب نحو والديه.
  • النفوذ في القيام بأمر الواجبات والآداب وعدم تعطيلها حتى لا يفوته استعمال شيء منها.
  • أن لا يقع في براثن الموانع النفسية (الذاتية) التي تؤدي إلى تعطيل القيام بأمر الواجبات والآداب وعدم إنفاذها، مثل: الكسل والخمول والتراخي والكلل ونحو ذلك.

ودعاء الإمام زين العابدين(ع) يدل على أن النفوذ في القيام بالطاعات والأعمال الصالحة، يتطلب أموراً عديدة، منها:

  • العلم واليقين والبصيرة والرؤية الواضحة في أمر الطاعات: الواجبات والآداب.
  • التوفيق والتسديد والتأييد الإلهي للعبد.
  • قوة الروح والإرادة وشدة العزم والحزم والتصميم لدى العبد.

وكما سبق: فإن النفاذ في الأمور من أعظم الفضائل وأجلّ الخصال وأحسنها، التي يتحلى بها الأنبياء الكرام والأوصياء المطهرون(عليهم السلام) والعباد الصالحون وأصحاب البصائر واليقين وذوو العزائم ومن مؤهلاتهم الرئيسية المهمة وأسس استحقاقهم، لكن الجهلة والضعفاء والمذبذبين في سلوكهم ومواقفهم وعلاقاتهم – بسبب جهلهم وضعف أرواحهم والحجاب على قلوبهم – يعدونه عناداً وتعصباً ومكابرة ونحو ذلك، ويعتبرون التراجع عن القرارات الصائبة والتذبذب والتراخي في المواقف تحت تأثير الضغوط: الترهيب والترغيب والكلل والملل والكسل لطول المدة وتعب النفس ونحوه، يعدونه مرونة وتسامحاً وواقعية ونحو ذلك من الأوهام ووساوس الشيطان وحبائله وخدعه وقانا الله(عز وجل) شرها، فيجعلون الفضيلة رذيلة ويجعلون الرذيلة فضيلة، فإنا لله وإنا اليه راجعون.


[1] تحف العقول، ص: 223

[2] الكافي، ج:2، ص:235

[3] دعائه لأبويه، الصحيفة السجادية

المصدر
كتاب إضاءات فكرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟