مواضيع

العقوبات الأمريكيّة الإنسانيّة

من الأهداف الخطيرة التي حاول الإيرانيّون تحقيقها بعد ثورتهم، كان الاستقلال. في الوقت الذي اكتشف فيه المسؤولون الأمريكيّون أنّ الاستقلال لا يلائم أبداً مزاج الشعوب الصغيرة والمتوسّطة، وأن في حال حقّق شعب مثل الشعب الإيرانيّ استقلاله، فإنّه سوف يخرّب مصيره ومستقبله على الأغلب. لذلك قرّر الأمريكيّون أن يستبقوا هذه النتيجة وحاولوا بشتّى الأساليب منع الشعب الإيرانيّ من الحصول على استقلاله. وعليه، كانت العقوبات أحد الحلول. كان المعنى الأساسيّ للعقوبات هو أن يجلس الأمريكيّون ويجروا أبحاثهم للتوصّل إلى كل ما قد لا ينفع الشعب الإيراني. ثمّ كانوا يبادرون إلى منع تصدير وبيع المنتجات التي لا تنفع الشعب الإيراني إلى إيران، وفي حال لم يلتزم شخص أو بلد أو مؤسسة بهذه القاعدة، كانوا يتعاملون معه وفق القانون. على سبيل المثال، كانوا يعتقلون ذلك الشخص ويفعلون ما يلزم معه، أو كانوا يفرضون العقوبات على البلد الذي لا يكترث لعقوباتهم المفروضة على أي من البلدان الأخرى …

كانت الخطوة الاستباقيّة الأولى في هذا الصدد، منع تسليم البوارج والمقاتلات العسكريّة التي تمّ شراؤها في عهد الشاه ودُفع ثمنها بشكل كامل أيضاً. لم تكتفِ الحكومة الأمريكيّة بعدم تسليم هذه المعدّات الخطيرة إلى إيران، بل امتنعت أيضاً عن إعادة الأموال التي كانت قد دُفعت من جيوب الشعب الإيرانيّ، لكي تمنع أيضاً إيران من شراء أشياء خطيرة من سائر الدول بهذه الأموال.

الخطوة الثانية للعقوبات تمثلت في تجميد كل أموال وممتلكات إيران في أمريكا. ففي زمن الشاه كانت ملايين الدولارات من أموال الشعب الإيراني مودعة في أمريكا بشكل نقدي أو على هيئة أوراق أسهم وعقارات أيضاً، وكان قد تمّ ادخارها واستثمارها في ذلك البلد. تمّ الحجز على هذه الأموال لنفس السبب الذي سبق ذكره، أي لكي لا يتربّص أيّ خطر بالشعب الإيراني والمجتمع الدولي.[1]

كان المنطق يحكم بأن يتمّ منع أي أداة خطرة لإيران مثل المقاتلات، البوارج، الأسلحة، العتاد، القطع الخاصّة بالأسلحة و… اجتناباً لقيام إيران بأيّ خطوة حمقاء لا تصبّ في صالحها وصالح شعبها، وبهذا النحو، كان المسؤولون الأمريكيّون يدقّقون بكلّ شيء (صغيراً كان أو كبيراً) يُباع إلى إيران، ويضيفونه إلى لائحة العقوبات في حال شخّصوا كونه مضرّاً بسلامة ومصلحة الشعب الإيراني.

لا بدّ من الالتفات إلى أنّ بعض البضائع غير المضرّة والمفيدة لم تُدرج على لائحة العقوبات. على سبيل المثال، استمرّ بيع السجائر أو التنباك (من أجل تصنيع السجائر) من قبل الشركات الأمريكيّة أو سائر الدول لإيران بشكل رسمي وقانوني ولم يتعرّض لأي نوع من أنواع الحظر! لأنّ الأمريكيّين كانوا يعرفون خير المعرفة أنّ بعض الإيرانيّين يرغبون في تدخين السجائر والترفيه عن أنفسهم ببعض الدخان، ولم يكونوا يرغبون في أن يفقد هؤلاء البعض وسائل ترفيههم وترويحهم عن أنفسهم.

لم تُدرج أيضاً البضائع الضروريّة الأخرى مثل أدوات الزينة على لائحة العقوبات الأمريكيّة ضدّ إيران. لأنّ الأمريكيّين كانوا يريدون خير ومصلحة الشعب الإيراني، ويعرفون جيّداً أنّ أي شعب يقدر على مواصلة حياته دون دواء، تقنيّات، بضائع تكنولوجيّة، أسلحة، مصانع وقطع غيار وآلات وأدوات مهمّة للحياة، لكنّ حياته لم تكن لتستمرّ دون أن يمتلك وسائل الزينة والمكياج أو السجائر.


[1] أمر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التنفيذي الذي يحمل الرقم 12170. استند كارتر إلى قانون «استخدام القوة الاقتصادية أثناء الأوضاع الدوليّة الطارئة» (IEEPA) و«قانون الأوضاع الطارئة الوطنيّة» والبند 301 من الفصل 2 في الدستور الأمريكيّ، وأصدر أمراً تنفيذيّاً حمل الرقم 12170، وبموجبه جمّد حوالي 12 مليار دولار من ممتلكات المصرف المركزي والحكومة في إيران، كان مبلغ 6 مليار منها موجود خارج أمريكا في أفرع المصارف الأمريكيّة. ثمّ فيما بعد، كشف رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ أن الحكومة الأمريكيّة كانت تنوي في نوفمبر من العام 1978، أي قبل سنة من اقتحام السفارة وعندما كان الشاه لا يزال في إيران، تجميد ممتلكات إيران وكانت الخزانة الأمريكيّة قد أعدّت مسودّة القرارات بخصوص هذا الأمر.

المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟