مواضيع

الآثار الحضاريّة الإيرانيّة والمتحضّرون الأمريكيّون

من الخدمات المهمّة التي قدّمتها أمريكا للشعب الإيراني وإيران، صون الآثار والإرث الثقافي – التاريخي للإيرانيّين. الأمريكيّون الذين يدركون قيمة الثقافة والإرث الثقافي – التاريخيّ أكثر من العالم بأجمعه، ويعرفون قيمة الآثار التاريخيّة، التفتوا بعد القدوم إلى إيران أنّ الشعب والحكومة الإيرانيّة لا يعرفون أبداً قيمة الآثار التاريخية والعريقة لديهم، ويتركون هذه الآثار تتآكل وتفنى دون اكتراث بها. لذلك بادروا إلى خطوة مناصرة للثقافة وقرّروا صون هذه الآثار، فدفعوا الحكومة الإيرانيّة إلى إقرار قانون بشأن الآثار التاريخيّة (في نوفمبر من العام 1930) يسمح لعلماء الآثار الأمريكيّين اكتشاف الآثار التاريخيّة في إيران والعمل على نقلها إلى المتاحف الأمريكيّة من أجل صونها والمحافظة عليها.[1]

الأمريكيّون لم يكتفوا بعدم تقاضي أيّ مبلغ مالي مقابل هذه الخدمات القيّمة، بل كانوا يدفعون للحكومة الإيرانيّة المال بسخاء، ومقابل نقل كلّ قطعة من الآثار التاريخيّة في إيران إلى المتاحف الأمريكيّة، كانوا يدفعون بكلّ كرمٍ وسخاء بضعة دولارات، وهكذا كان يتمّ نقل آلاف القطع الأثريّة المتبقّية من مرحلة قبل الإسلام وبعده، كالمسكوكات الساسانيّة الذهبيّة وقطع الفخار المصنوعة منذ ألف سنة في نيشابور، إلى متاحف مثل متروبوليتين[2] في نيويورك ومتحف سميث سونين[3] في واشنطن من أجل أن يتمّ حفظها هناك بشكل دائم. كان حبّ الأمريكيّين للآثار التاريخيّة والثقافيّة في إيران كبيراً لدرجة أنّهم قاموا بفصل المحراب المزيّن بالنقوش في مسجد من مساجد أصفهان (يعود إلى ما قبل أكثر من 1000 سنة) بشكل كامل ونقلوه إلى متحف متروبوليتين في نيويورك.[4] الخير فيما وقع، فوقوع هذه الآثار بأيدي الأمريكيّين كان لأنّهم يدركون قيمتها أكثر من الإيرانيّين، وبقاء ذاك المحراب الذي له من العمر أكثر من ألف عام سالماً بأيدي الإيرانيّين لا يعدّ سبباً وجيهاً لإثبات جدارة الإيرانيّين في الحفاظ على آثارهم التاريخيّة.

إحدى المؤسسات الأمريكيّة الناشطة في صون الإرث الثقافي في إيران هي «مؤسسة الدراسات الشرقيّة في جامعة شيكاغو»

التي وجّه مديرها رسالة إلى السفير الأمريكيّ في إيران كتب فيها ما يلي: «عندما نأخذ بعين الاعتبار هذه النقطة بأنّ كنوز الآثار التاريخيّة في إيران يتمّ تقسيمها اليوم وسيتمّ تقسيمها في المستقبل هي بحكم الجائزة مقابل الجهود اللامعة التي تبذلها المؤسسة [بين الحكومة الإيرانيّة والمؤسسة]، هي في الحقيقة كنزٌ وطنيّ لهذا البلد [أمريكا] والشعب الأمريكيّ، تحظى القضيّة بأهميّة مضاعفة. بتعبير آخر، لقد كنّا في واقع الأمر شركاء في التقدّم الثقافيّ للشعب الأمريكيّ عبر دعم مؤسسة الدراسات الشرقيّة.»[5]

كانت هذه المؤسسة قد عثر على طريق مختصر من أجل تحقيق التقدّم الثقافي لأمريكا، وكانت تعمل على ازدهار المتاحف في أمريكا عبر استدانة الآثار التاريخيّة لسائر الشعوب (الشعب الإيراني مثلاً). طبعاً، كانت هذه الديون بلا تعويض ولم تكن مؤسسة الدراسات الشرقيّة معتادة على إعادة ما تستدينه. نذكر عدّة نماذج للآثار التي استدانتها هذه المؤسسة من إيران، وجعلتها وقوفات في متاحف أمريكا من أجل تطوير ثقافة شعبها:

مدرج كامل من تخت جمشيد (لاحظوا مدى الإصرار! لقد كانوا راغبين بالثقافة والتاريخ لدرجة أنّهم فصلوا مدرجاً كاملاً من الهيكليّة الصخريّة لتخت جمشيد في هذه الناحية من العالم ونقلوه إلى تلك الناحية من العالم لكي يتفرّج عليه الشعب الأمريكيّ وتزداد ثقافتهم وتتوسّع.)، لوحة فضيّة تتضمّن تعاليم بناء تخت جمشيد، أكثر من 500 لوحة من الطين وكلّ الأشياء الصغيرة التي تمّ الحصول عليها بعد الحفر في منطقة تخت جمشيد و …. [6]

طبعاً، كانت لهذه الخطوات فائدة أخرى أيضاً، وهي مراعاة العدل بين الشعوب. فليس من اللائق أن يكون هناك شعبٌ مثل إيران يملك من العراقة تاريخاً يعود إلى ما قبل 9 آلاف سنة وآثاراً تاريخيّة أيضاً بهذا القدر، ويملك شعبٌ عظيمٌ مثل الشعب الأمريكيّ تاريخاً يعود إلى ما قبل 500 عام فقط ويكتفي بوضع بقايا رعاة البقر الغربيّين الوحشيّين ومسدساتهم وسياطهم في أحد المتاحف ويقول أن هذه هي آثاري التاريخيّة! فمشاركة الشعب الأمريكيّ لسائر الشعوب ومن بينها الشعب الإيرانيّ والشعب العراقيّ في آثاره التاريخيّة، هو في الواقع تقسيم عادل للإرث الثقافيّ بين البشريّة، وهذا ما كان يفعله الأمريكيّون كما جرت عادتهم بكلّ دقّة وإنصاف.

الودّ الأمريكيّ

من خصائص الأمريكيّين، تقاربهم السريع ومصادقتهم بكلّ سلاسة لسائر الشعوب، فهم لم يكونوا أبداً من أهل المجاملات. على سبيل المثال، عندما كانت القوات الجويّة الأمريكيّة تحتاج في حرب فيتنام إلى القطع، الإمكانيّات التقنيّة أو المقاتلات الحربيّة، كانت تجتنب الذهاب إلى تلك الناحية من العالم (أي أمريكا)، وتستبدل هذا الأمر بإلقاء نظرة على إيران وأخذ كلّ ما تحتاجه دون الحاجة إلى أخذ الإذن من أحد وكانت تفعل ذلك كشربة ماء من أجل تيسير أمورها في فيتنام. ففي النهاية، كانت القوات الجويّة الإيرانيّة من ألفها إلى يائها بيد المستشارين الأمريكيّين، وكان البيت بيتهم!

لكن يبدو أنّ محمّد رضا بهلوي استشاط غضباً في يوم من الأيام من كلّ هذا الودّ وعدم المجاملة وابتعاد الأمريكيّين عن أي تكلّف، فذهب إلى أمّه وشكى لها همّه، تقول أمّه: «كان محمّد رضا منزعجاً جدّاً في يوم من الأيام وجاء إليّ وقال لي: أمّاه! تبّاً لهذا الملك الذي أكون فيه الشاه والقائد العام للقوات المسلّحة، ويأخذون مقاتلاتنا إلى فيتنام دون إعلامي بذلك. في تلك الفترة كانت الحرب مشتعلة في فيتنام وكان تواجد الأمريكيّين العسكريّ في إيران قد مرّت عليه فترة طويلة، وكانوا يستفيدون متى ما ارتأوا المصلحة في ذلك من القواعد والإمكانات في إيران، وكانوا أيضاً يستفيدون من طائراتنا وقطعنا من أجل مساندة قواتهم في فيتنام. هذا كلّه في كفّة، وفي الكفّة الأخرى الوقود الذي كانوا يأخذونه بالمجّان، وكانوا يؤمّنون كلّ ما تحتاجه طائراتهم وسفنهم من وقود من إيران …»[7]

من الواضح أنّ هذا العتاب كان نابعاً من حساسيّة الشاه وعدم تمتّعه بسعة الصدر، وإلا لو كان الشاه رحب الصدر ويتقبّل الأمور ويتفهّمها، لكان أدرك معنى الصداقة والمروءة، ولما كان توقّع أموراً غير منطقيّة. ففي النهاية، عندما يقومون هم بصناعة الطائرات ويبيعونها لإيران بأنفسهم ويقوم مستشاروهم بصيانة قطعها ويكون مفتاح كلّ الأمور بأيديهم، ما الحاجة بعد كلّ هذه الأمور إلى أن يأتوا إلى الشاه ويأخذوا الإذن منه لكي يأخذوا بعض القطع أو بعض الطائرات؟!

وبالمناسبة، كانت كلّ هذه الممارسات تهدف إلى تطوير الديمقراطيّة والدفاع عن حقوق الإنسان في فيتنام، وما المشكلة في أن تكون لإيران مساهمة في هذا الأمر الخيّر؟ وهل من المقرّر أن يكون عناء وثمن الترويج للديمقراطيّة وحقوق الإنسان في كلّ بقاع العالم على عاتق أمريكا؟ يكتب هنري كيسينجر[8] الذي يُعتبر من أدمغة السياسة الخارجيّة لأمريكا طوال الأعوام التي تلت العام 1960 حول هذا الأمر في كتاب أعوام البيت الأبيض[9] ما يلي: «لم يكن شاه إيران يطلب منا المساعدات دون مقابل، وكان يؤمّن تكاليف شراء الأسلحة والتجهيزات العسكريّة من عائدات النفط. ما الذي كان سيكون أفضل لأمريكا من أن تؤمّن مصالحها المصيريّة في الخليج الفارسي دون دفع أقلّ تكلفة، بل إضافة إلى ذلك، كانت تبيع الأسلحة التي تنتجها بثمن مميّز أيضاً.»[10]

استصلاح الأمريكيّين للأراضي في إيران

من الخطوات الإنسانيّة الأخرى التي بادرت إليها أمريكا في إيران، كان إطلاق مشروع استصلاح الأراضي وتنفيذه. في تلك الفترة، كانت الأمور في إيران مبعثرة لدرجة أنّ كلّ شيء وكلّ مكان كان بحاجة إلى الإصلاحات، وكان الأمريكيّون يحاولون مع تحصيل الفهم الدقيق لهذه القضيّة أن يجروا إصلاحاتهم على الأراضي الزراعيّة في إيران أيضاً.

ولكي يُفهم الأمريكيّون الشاه بشكل دقيق وكامل أهميّة استصلاح الأراضي، ذكّروه بأنه إن حال دون القيام بهذه الاستصلاحات، ستتحوّل إيران إلى تفّاحة فاسدة![11] وكانت هذه العبارة كافية لكي يقتنع الشاه بضرورة إجراء الاستصلاحات للأراضي وأهميّتها الفائقة. طبعاً، كان هذا المشروع شأنه شأن المشاريع الأخرى يعاني من بعض المشاكل الجزئيّة إلى جانب محاسنه وميزاته.

على سبيل المثال، بعد أن تمّ استصلاح الأراضي، جفّت القنوات المائيّة التي كانت تشكّل المصدر الرئيسي لتوفير مياه الريّ في المناطق المركزيّة والجنوبيّة لإيران، وتحوّلت الأراضي الزراعيّة إلى قطع منفصلة ولم يعد المزارع الإيرانيّ قادراً على مواصلة العيش في القرية، ولأنّه لم يكن يملك مصدراً ماليّاً آخراً، أُجبر على الهجرة إلى المدن لكي يواصل حياته وينشغل بمختلف الأعمال في ضواحي المدن.[12]

نشرت مجلّة اكونوميست[13] في العام 1978 تقريراً تضمّن أهمّ نتائج استصلاح الأراضي ووصفها كما يلي: «كانت إيران تُصدّر منتوجها الزراعي قبل تنفيذ الاستصلاحات للأراضي، لكن بعد إجراء هذه الاستصلاحات، تحوّلت إلى مستوردٍ للمنتوجات الزراعيّة. لدرجة أنّ إيران استهلكت في العام 1977 أكثر من 13 بالمئة من عائداتها النفطيّة من أجل استيراد المواد الغذائيّة من أمريكا وأوروبا.»[14] لدرجة أنّ مقدار استيراد إيران للقمح الذي كان يبلغ 127 ألف طن في العام 1962، بلغ في العام 1976 مليوناً و 440 ألف طن.[15]

أنقذ الأمريكيّون بتنفيذ هذا المشروع نسبة كبيرة من الشعب الإيرانيّ من الحياة الشاقّة والتي تتطلّب بذل الجهود وتكبّد العناء داخل القرى، وخلّصوهم من العمل الزراعي الجهيد وحوّلوهم إلى سكّان مدينة سعداء يشترون ما يلزمهم من الطعام من الدكّان في أوّل الزقاق ويساهموا في تحصيل الثروات والعائدات النفطية للبلاد من خلال أعمال سهلة كبيع البضائع على الطرقات، السمسرة، العمل في وظيفة و … وكانوا بذلك كالأسياد، يأكلون الخبز الذي يجهد المزارعون في كاليفورنيا في زرعه وحصده، ويأكلون لحوم الأغنام التي كان يتكبّد الرعاة الأستراليّون عناء رعايتها وإطعامها الأعلاف، ويتناولون الألبان التي كان رعاة الأبقار الهولنديّون والبلغاريّون يسكبون العرق من جباههم لكي يتمّ إنتاجها؛ وخلاصة الأمر، حوّل مشروع استصلاح الأراضي الذي طبّقه الأمريكيّون القرويّين الإيرانيّين إلى سكّان مدن سعداء يعمل من أجل أن يتناولوا طعام الغداء والعشاء بانتظام كلّ الناس في أنحاء العالم!

انقلاب هايزر الذي يخدم مصالح الشعب الإيراني

في بعض الأحيان، يقرّر شعبٌ ما القيام بعمل لا يخدم مصالحه. في هذه الأثناء، يكون من صالح ذاك الشعب أن يكون هناك من هو أكبر منه لكي يرشده. في العام 1979، اندلعت ثورة في إيران حاول الأمريكيّون بكلّ ما أوتوا من قوّة أن يُفهموا الشعب الإيرانيّ تداعياتها وعواقبها. لقد كانوا أكبر وأعقل من الشعب الإيرانيّ وسائر الشعوب، ولذلك كانوا يتحمّلون مسؤولية تحذير أيّ شعب يتّخذ قراراً خطيراً من مغبّات هذا القرار، وأن يتدخّلوا في قضيّته بصفتهم الأعقل والأكبر، وإن نفعت النصيحة فبها، وإن لم تنفع، كانوا ينتهجون العنف من أجل منع الشعب عن قراره وضمان سعادته!

في تلك الفترة لم تؤثّر نصائح أمريكا أبداً في الشعب الإيرانيّ، وأُجبرت أمريكا في نهاية المطاف على التدخّل من أجل إنقاذ الشعب الإيرانيّ ومنعه من الوقوع فيما لا يُحمد عقباه! كان المسؤولون الأمريكيّون مهتمّين بمصير إيران والشعب الإيرانيّ لدرجة أنّهم قاموا في العام 1978 بإرسال أحد كبار جنرالاتهم ويُدعى الجنرال هايزر[16] بواسطة طائرة شحن إلى إيران.[17] أيّ بلد في العالم يضحّي إلى هذا الحدّ بحيث يرسل أحد ضبّاطه في ليلة العيد على متن طائرة شحن في مهمّة لإنقاذ شعبٍ آخر؟!

كان وزير الدفاع الأمريكيّ (هارولد براون) قد كلّف هايزر حينها برفع معنويّات الجيش الإيراني ومضاعفة إمكاناته، وتجهيزه لقمع الثورة.[18] طمأن الأمريكيّون بختيار الذي كان قد أصبح رئيساً للوزراء في 16 كانون الثاني عام 1979 بعد هروب شاه إيران، بأنّهم سيفعلون ما بوسعهم من أجل إنقاذ إيران من الثورة. بذل هايزر الغالي والنفيس، علّه يتمكّن من إقناع قادة الجيش الإيراني القيام بانقلاب كبير ضدّ الثورة. لكن للأسف، بقدر ما كان هايزر يحترّق من أجل مصير الشعب الإيراني، كان قادة الجيش الإيراني يزدادون تجاهلاً لفكر القيام بالانقلاب. كان هايزر يؤمن حتى اللحظات الأخيرة بإمكانيّة تغيير مصير الشعب الإيراني في حال القيام بخطوة عسكريّة حقيقيّة[19] وأنّ إعادة الشعب الإيراني إلى حياته السعيدة ليست بالأمر المستحيل، لكنّ تراخي وتكاسل قادة الجيش لم يسمح لهايزر بتطبيق خطته، وعاد إلى أمريكا خالي الوفاق وبقلب قلق على مستقبل إيران وشعبها، ثمّ جلس في بيته مقابل شاشة التلفاز ورأى كيف أنّ أحد الشعوب تجاهل تضحيات وجهود الأمريكيّين وحوّل الصداقة العميقة التي كانت تجمع أمريكا بإيران إلى عداء.

اقتحام وكر التجسس الحضاريّ

لا بدّ أنّكم تعلمون، وقد قيل مراراً في السابق أنّ الأمريكيّين شعبٌ دؤوب. لذلك، لم يجلسوا بعد انتصار الثورة في إيران مكتوفي الأيدي وحاولوا بكلّ استطاعتهم اجتناب تضرّر الشعب الإيرانيّ بشكل أكبر. لذلك كانوا يساعدون كلّ إيرانيّ حرّ ووطنيّ يحاول إعادة السعادة إلى بلده من خلال إحداث انقلاب ما. بغضّ النظر عن أنّ بعض هؤلاء الإيرانيّين كانوا أذكياء وصرفوا آخر دولار من المساعدات الأمريكيّة لإنقاذ إيران في أمريكا نفسها! في هذه الأثناء، قام الإيرانيّون بما أحرق قلوب المسؤولين والحكومة الأمريكيّة بشكل كبير. لقد هجموا على السفارة الأمريكيّة، واعتقلوا المستشارين والدبلوماسيّين الفدائيّين الذين بقوا في طهران في أحلك الظروف من أجل مدّ يد العون إلى الشعب الإيرانيّ، ولفّقوا لهم تهمة التجسّس! هل كانت هذه الخطوة ردّاً مناسباً بعد 25 عاماً من الجهود الحثيثة والمضنية للأمريكيّين من أجل تحويل الشعب الإيرانيّ إلى شعبٍ حضاريّ؟

كان المسؤولون الأمريكيّون يرغبون عندما تغرق أياديهم حتى المرافق بالديمقراطيّة وحقوق الإنسان، أن يقبّل الإيرانيّون أيديهم، لا أن يردّوا على كلّ هذا الودّ والاهتمام بتنفيذ عمليّة اعتقال! وضع الإيرانيّون شرطاً من أجل تحرير الرهائن، وكان تنفيذ هذا الشرط يتنافى بالمطلق مع حقوق الإنسان، القيم الأمريكيّة والمروءة التي يتمتّع بها الكاوبوي الأمريكيّ. لقد طلبوا من أمريكا أن يسلّموا شاه إيران الذي كان مريضاً ويتألّم ولاجئاً إلى أمريكا من أجل العلاج، وأن تقوم أمريكا بإعادته إلى إيران مقابل تسليمها رهائنها.

كان تطبيق هذا الشرط بعيداً كلّ البعد عن المروءة، فكيف كان التاريخ والرأي العام العالميّ سيحكم على الأمريكيّين لو أنّهم أعربوا عن استعدادهم لتنفيذه؟ ألم تكن الأعوام الثلاثمئة المليئة بالدفاع عن حقوق الإنسان، الحضارة والإنسانيّة في أمريكا ستذهب هباء؟! إضافة إلى كلّ هذا، لم تكن مروءة وآداب رجال الكاوبوي تسمح للمسؤولين الأمريكيّين بالإقدام على خطوة كهذه. لأنّه لم يسبق في تاريخ أمريكا أن يلجأ ملكٌ مريض ومشرّد إلى الكاوبوي، ويقوم الكاوبوي بتسليمه مقابل الحصول على رفاقه الأسرى!

من ناحية أخرى، لم تكن معاملة الإيرانيّين للرهائن الأمريكيّين مطابقة لحقوق الإنسان، وكان هذا الأمر يجعل المسؤولين الأمريكيّين يشعرون بالمزيد من القلق عليهم. على سبيل المثال، كان الرهائن يرغبون في التعرّي بشكل كامل والاستحمام مع رفاقهم، بينما كان المُعتقِلون من الطلّاب الجامعيّين يحرمونهم من هذا الحقّ الطبيعيّ. إضافة إلى ذلك كان يتمّ حرمان الرهائن من تناول جرعة صغيرة حتّى من المشروبات الكحوليّة، وكان ذلك يُعدّ نقضاً سافراً لحقوق الإنسان، وهناك العديد من النماذج الأخرى أيضاً.

دفع هذا الأمر الحكومة الأمريكيّة إلى اتخاذ قرار بتحقيق عدّة أهداف عبر إطلاق طلقة واحدة! فهي قرّرت أن تنقذ الرهائن، وأن تعيد مصير الشعب الإيرانيّ إلى السكّة الصحيحة وأن تُفهم العالم كلّه من يتحكّم بمقاليد الأمور! لذلك، تمّ تصميم عمليّة مخلب الصّقر[20] وأُرست 6 طائرات شحن عسكريّة تُدعى هرقل، ثمان مروحيّات عسكريّة تُدعى أحصنة البحر وحوالي المئة شخص من أمهر قوات الكوماندوس من قوات الدلتا[21] في الجيش الأمريكيّ بقيادة العقيد شارلي بكويث[22] إلى إيران لكي يتمّ كما كتب مايلز كوبلند[23] (ضابط الاستخبارات الأمريكي) تخليص الشعب الإيرانيّ من الثورة، إضافة إلى تحرير الرهائن.[24] لكن يبدو أنّ الحظّ لم يكن حليف الشعب الإيرانيّ وواجهت الطائرات والمروحيّات الأمريكيّة إعصاراً رمليّاً في طبس خلّف ثمانية جنائز متفحّمة، طائرة ومروحيّة محترقتان، ومروحيّتان سليمتان عادتا بعد فشل مهمّة أمريكا الإنسانيّة.


  • [1] السرقة العظمى، أمريكا ونهب الإرث الثقافي في إيران، الدكتور محمد قلي مجد، ترجمة مصطفى أميري، طهران، دار نشر مؤسسة الدراسات والأبحاث السياسيّة، الطبعة الثانية: 2009، ص 39.
  • [2] Metropolitan Museum of Art
  • [3] Smithsonian Institution
  • [4] السرقة العظمى، أمريكا ونهب الإرث الثقافي في إيران، الدكتور محمد قلي مجد، ص 174.
  • [5] السرقة العظمى، أمريكا ونهب الإرث الثقافي في إيران، الدكتور محمد قلي مجد، ص 270.
  • [6] السرقة العظمى، أمريكا ونهب الإرث الثقافي في إيران، الدكتور محمد قلي مجد، ص 242 و ص 243.
  • [7] [7] مذكّرات الملكة البهلويّة (زوجة رضا شاه الأولى ووالدة محمد رضا شاه البهلوي)، تاج الملوك آيرملو، ص387.
  • [8] Henry Alfred Kissinger (born 1923)؛ مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكيّة ووزير الخارجيّة في حكومتي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد.
  • [9] The White House Years
  • [10] صراع القوى في إيران، باري روبين، ترجمة محمود مستشرق، طهران، دار نشر آشتياني، الطبعة الأولى: 1984، ص 108.
  • [11] آخر رحلة للشاه، ويليام شوكراس، ترجمة عبد الرضا هوشنك مهدوي، طهران، دار نشر ذهن آويز، الطبعة التاسعة عشرة، 2013، ص 108.
  • [12] [12] بروز وسقوط الملكيّة البهلويّة (مذكّرات العميد السابق حسين فردوست)، حسين فردوست، ج 1، ص 485.
  • [13] The Economist؛ مجلّة بريطانيّة أسبوعيّة انطلقت منذ العام 1843 في لندن.
  • [14] كيهان، 14/1/2014، صفحة الهوامش (http://kayhan.ir/fa/news/2866)
  • [15] الزراعة، الفقر واستصلاح الأراضي، محمد جواد عميد، ترجمة السيد رامين أميني نجاد، طهران، دار نشر ني، الطبعة الأولى: 2002، ص 189.
  • [16] Rolland V. Heiser
  • [17] مهمّة في إيران، ويليام سوليوان، ترجمة محمود مشرقي، طهران، دار نشر هفته، الطبعة الأولى: عام 1982، ص 161.
  • [18] مهمّة في إيران، ويليام سوليوان، ص 168.
  • [19] القوّة والأصول؛ مذكّرات زيينغو برجنسكي؛ مستشار الأمن الوطني 1977 – 1981، ترجمة مرضيّة ساقيان، طهران، مكتب الأبحاث السياسيّة والدوليّة في وزارة الخارجيّة، الطبعة الأولى: 2000، ص 510.
  • [20] Operation Eagle Claw
  • [21] Delta Force: قوّات العمليّات الخاصّة في جيش الولايات المتحدة الأمريكيّة.
  • [22] Charlie Beckwith (1929 – 1994)
  • [23] Miles Axe Copeland (1916 – 1991)؛ موسيقار، تاجر وضابط استخبارات أمريكي.
  • [24] هدف طهران (هجوم كارتر وأحداث الكواليس)، جوليتو كيه زا، ترجمة هادي سهرابي، طهران، دار نشر نو، الطبعة الثانية: 1983، ص 49.
المصدر
كتاب تاريخ أمريكا المستطاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
تواصل معنا
سلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكننا مساعدتك؟