المرحاض والحضارة الأمريكيّة
كان تركيب 65 ألف «مرحاض فرديّ عام» من المشاريع الأخرى للبند الرابع في القرى الإيرانيّة. فبعد أن أجرى الخبراء الأمريكيّون أبحاثهم ودراساتهم بشأن أسباب التخلّف والفقر في القرى الإيرانيّة، توصّلوا إلى نتيجة مفادها أنّ عدم توفّر المراحيض الفرديّة العامّة في القرى، يشكّل أحد الأسباب الرئيسية للفقر والتخلّف في هذه المناطق، فاتصلوا بواشنطن من أجل حلّ هذه المعضلة. وعلى الفور، أعلن قسم التجهيزات في الجيش الأمريكيّ أنّه يملك فائضاً من المراحيض الفرديّة الحربيّة (مراحيض معدنيّة كانت تُستخدم للتبوّل من وقوف في جبهات الحرب والقواعد العسكرية التابعة للجيش) وعددها 65 ألف مرحاض وأنّها تحتلّ مساحة كبيرة من مستودعات تجهيزات الجيش، وهكذا شاءت الصدفة أن تنتشر هذه المراحيض الحربيّة الأمريكيّة أو المراحيض الفرديّة العامّة في قرى إيران. وطبعاً، لكي لا يعتاد الإيرانيّون على الحصول على أيّ شيء بالمجان، تقاضى الأمريكيّون مقابلها ثمناً لا يُذكر.[1]
كانت المشكلة تكمن في أنّ القرويّين في إيران كانوا يظنّون بسبب تخلّفهم وفقدانهم للثقافة اللازمة، بأنّ التبوّل من وقوف عمل خاطئ، وأنّ الإنسان لا بدّ له أن ينظّف نفسه بالماء بعد التبوّل. بينما لم تكن المراحيض الأمريكيّة بنحو لا تحتاج فيه إلى الماء فقط، بل كان يمكن تركيبها في كلّ مكان، كالأزقّة، الشوارع، وسط ساحة القرية، بجانب الاسطبل وأيّ مكان آخر يتبادر إلى أذهانكم. طبعاً، كان هناك نقصٌ آخر في ثقافة الإيرانيّين وهو أنّهم كانوا يظنّون أنّ التبوّل أمام الآخرين عملٌ معيبٌ للغاية ولا بدّ للإنسان أن يقوم بهذا الأمر بعيداً عن عيون الآخرين!
كانت نتيجة كلّ هذه المعتقدات الخاطئة ضياع جهود الأمريكيّين في تركيب 65 ألف مرحاض عموميّ، وقد بقي القرويّون الإيرانيّون غارقين في فقرهم وتخلّفهم وجهلهم كما كان الحال في السابق، بسبب عدم استخدامهم لهذه الوسيلة الحضاريّة.
- [1] ما الذي سيحصل إذا رُفع الحظر؟، محمد حسين سياح طاهري، الموقع الإسلامي الإيراني العلمي – التخصصي في العلوم الاجتماعية 23/11/2013.