بند التمدّن الأمريكي الرابع
بعد تأسيس السافاك، كانت أكبر مشروع خيري لأمريكا في إيران تطبيق «بند ترومان الرابع». تضمّن المشروع الذي سُمّي على اسم الرئيس الأمريكيّ هاري ترومان[1]، مجموعة من المساعدات الصحيّة، الغذائية، الثقافيّة والعمرانيّة للبلدان الفقيرة، وكانت إيران واحدة من الدول التي حظيت بفرصة الحضور على مائدة إحسان الأمريكيّين وكرمهم واستفاضت بسخاء أمريكا.
تمّ تنفيذ مختلف المشاريع المندرجة ضمن البند الرابع في إيران بهدف إجراء تحوّل في حياة المناطق القرويّة والتي يقطنها الإيرانيّون الفقراء، وشملت هذه المشاريع مجالات متعدّدة. على سبيل المثال، استصلاح أعراق الحيوانات الأهليّة والمنزليّة انطلاقاً من الدجاج والديوك، وصولاً إلى الحمير. ومن أجل استصلاح أعراق الحمير في إيران (والذين كانوا يعتقدون أنّهم قصار القامة وضعاف إلى حدّ كبير لا يُطاق) استورد الأمريكيّون بطائرات النقل الخاصّة بالجيش الأمريكيّ مئة حمار قويّ وضخم من قبرص ووزّعوهم في القرى الإيرانيّة، وشجّعوا القرويّين على دفع حميرهم للتزاوج مع حمير قبرص حتّى تصلح أعراق الحمير في إيران.[2]
ومن المشاريع الأخرى التي تضمّنها البند الرابع في إيران، كان رشّ القرى الإيرانيّة بسمّ د.د.ت[3]. قام الأمريكيّون بكلّ كرم وسخاء، برشّ سمّ الد.د.ت في كلّ أنحاء القرى وبين القرويّين وكلّ ما كان في تلك المناطق، علّهم يساهمون في اجتثاث جذور التلوّث والكائنات المضرّة في إيران. تمّ القيام بهذا العمل بمنتهى الحسم والجديّة لدرجة أنّه كان سيقتلع أيضاً جذور وجلود القرويّين الإيرانيّين! أعلنت منظّمة الصحّة العالميّة في تقرير لها أنّ رشّ سمّ الد.د.ت في القرى الإيرانيّة كان خطوة حملت أضراراً جسيمة وإنّ آثارها السامّة ستبقى لأعوام في مياه وتربة ونباتات وحيوانات تلك المناطق، وأنّها مضرّة جدّاً بالبيئة والإنسان.[4]
طبعاً، لا ينبغي لأيّ أحد أن يظنّ بأنّ الأمريكيّين كانت لديهم نوايا سيئة جعلتهم يتساهلون في هذا الشأن، بل إنّ تنفيذ مشروع رشّ سمّ الد.د.ت في القرى الإيرانيّة كان سيكفل تعرّف العلماء الأمريكيّين على عواقب استخدام هذا النوع من السموم، وكانت هذه الخطوة تشكّل عمليّاً خدمة للعلوم والأبحاث.
- [1] Harry S. Truman (1884 – 1972)؛ رئيس الولايات المتحدة الثالث والثلاثين والذي حكم منذ العام 1945 حتى العام 1953.
- [2] وثائق من بند ترومان الرابع في إيران (1946 – 1967)، مركز وثائق رئاسة الجمهورية، طهران، مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، ج1، ص 373.
- [3] ديكرو ديفنيل تري كلرواتان، من أكثر العناصر الكيميائية المعروفة والتي تستخدم لمكافحة الآفات وتمّ فيما بعد اكتشاف آثاره المخرّبة للبيئة ومنع الاستفادة منه.
- [4] مذكّرات الملكة البهلويّة (زوجة رضا شاه الأولى ووالدة محمد رضا شاه البهلوي)، تاج الملوك آيرملو، طهران، دار نشر به آفرين، الطبعة الأولى: 2001، ص 422.